إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

بريد القمامة

هل تأملت بريدك يوما ولاحظت كيف يرتفع حجمه يوما بعد يوم؟ وهل لاحظت أن حجم الارتفاع يزداد كلما ترقيت في منصبك؟ وبناء على ذلك فلعلك تتصور حجم البريد الذي يصل إلى الشخصيات العامة والذي يمكن أن يصنع أهراماً من الورق كل شهر.

البريد لم يعد يقتصر على رسائل الأهل والأصدقاء ومراسلات العمل، ولكنه أصبح في حجمه الأكبر يحتوي على ما يمكن أن نطلق عليه (رسائل القمامة) لأن نصفها على الأقل يرمى في سلة القمامة دون أن يفتح. وهي أفخر الرسائل طباعة وتغليفا لأنها تحتوي على دعوات مغرية للشراء أو صور لبضائع من المحتم اقتناؤها، أو التبرع لجمعيات لم تكن تعلم بوجودها، أو للاشتراك في مشروعات وهمية ولكنها مضمونة الربح. وأشياء أخرى عديدة يحملها لك البريد المكدس كل صباح.

في الولايات المتحدة يبلغ متوسط ما يصل إلى الفرد من هذه الرسائل 553 رسالة شهريا. ويبدو أن مرسليها يعرفون كل شيء عن المرسل إليه. عاداته، هواياته، طريقة الشراء التي يفضلها، بل والأمراض المزمنة التي يعاني منها أيضا. وهم يحصلون على هذه المعلومات من مصادر عديدة،من الإحصاءات السكانية ومن أبواب القراء في الصحف ومن المشتركين في جمعيات النفع العام ومن موسوعات الأشخاص المهمين وحتى من أوامر البيع التي يقوم بها الشخص. وقد ساعدت أجهزة الكمبيوتر على تجميع الملايين من هذه الأسماء ووضعت تحت كل اسم عشرات التفاصيل عن كل ما يخص حياته، وهذه القوائم هي ما أصبحت شركات (بريد القمامة) تجيد استخدامها.

تبلغ كمية رسائل القمامة في الولايات المتحدة حوالي 4.5 طن كل شهر ومن المقدر أن تزداد إلى ضعفين في العام المقبل. وبرغم أن أكثرها لايفتح فإن كمية المبيعات التي تمت استجابة لها وصلت إلى 244 بليون دولار منها 42 بليون دولار تم الشراء بها بواسطة الكاتالوجات.ولابد لمثل هذه الظاهرة من أن تخضع للتحليل. وتحاول الشركات التي تنفق مبالغ طائلة أن تقيس مدى تأثيرها وفاعليتها. وتدل التحاليل على مدى أهمية الطابع الشخصي للرسالة. أي أن يحس الشخص أنها مرسلة له بالتحديد من شخص محدد. كما وجد أن أكثر الكلمات تأثيراً في النفس هي كلمة مجانا خاصة إذا كانت في الجملة الأولى من الرسالة. فعلى سبيل المثال هناك ثلاثة تعبيرات تقول نفس الشيء (50% تخفيضا، نصف السعر، اشتر قطعة تحصل على أخرى مجانا) وبرغم أنها تؤدي نفس المعنى فإن الأخيرة هي الأكثر قبولا وتأثيرا. فلا تكتفي بقول (هدية) ولكن يجب أن تكون (هدية مجانية). بل والأكثر من ذلك فقد وجد أن مظهر الرسالة من الخارج له تأثير كبير. فالرسالة ذات الطابع الملصوق أكثر قبولا من الطابع المختوم، كما أن الرسائل التي لها نوافذ شفافة تجعل المتلقي يحس بالطابع الرسمي لها.

وعلى المستوى القانوني تثير (رسائل القمامة) مشاكل لا حل لها حتى الآن، فعلى سبيل المثال قامت إحدى جمعيات مساعدة الأطفال المصابين بالسرطان في واشنطن بإرسال ملايين الرسائل تطالب المرسل إليهم بالتطوع لمساعدة هؤلاء الأطفال. وإذا لم يكن هناك وقت فيمكن التبرع بحوالي 5 ـ 15 دولارا. وقد فضل الكثيرون الحل الأخير حتى بلغت حصيلة التبرعات 8.2 مليون دولار. وتدخل النائب العام ليرى كيف يتدفق هذا المبلغ وكيف يصرف ولكن المشكلة هي أنه لم تكن هناك قوانين فيدرالية تحدد ماذا تفعل أو لاتفعل بواسطة (رسائل القمامة).

والآن، هل كشفت عن بريدك اليوم، وهل رأيت ذلك العالم الغريب الذي تضعه رسائل القمامة تحت أنفك كل صباح، حذار منها إنها جميلة ومغرية ومليئة بالوعود، ولكن هناك فخا منصوبا خلف كل تلك الكلمات الجميلة.

 

أنور الياسين