الأمير الحسن: مجلة «العربي» تُعَظـِّمُ الجوامع، وتحترم الفروق، وتسمو على الخلافات العربية

الأمير الحسن: مجلة «العربي» تُعَظـِّمُ الجوامع، وتحترم الفروق، وتسمو على الخلافات العربية

حرص الأمير الحسن بن طلال، مؤسس ورئيس منتدى الفكر العربي منذ العام 1980، على أن تكون «العربي» ضمن برنامج زيارته التي قام بها إلى دولة الكويت خلال الربيع الماضي. بمبنى المجلة، وفي تمام الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الإثنين الموافق التاسع من مارس 2009، استقبله بالنيابة عن الشيخ صباح الخالد الصباح، وزير الإعلام الشيخ فيصل المالك الصباح، وكيل الوزارة، والدكتور سليمان إبراهيم العسكري، رئيس تحرير «العربي». وفي منتدى «العربي» كان الحوار الذي أداره د. سليمان العسكري، وشارك فيه نخبة من الحضور فرصة للتعرف على فكر ثاقب، وعمل دءوب، شغل بال الأمير الحسن، ورسم مشروعه الفكري، منذ نحو ثلاثة عقود.

  • د. سليمان العسكري: سمو الأمير نحن نرحب بوجودكم معنا، ونعتبر زيارتكم شرفا لنا، ونتمنى أن نحصل منكم على حديث خاص لمجلة «العربي».

الأمير الحسن: أهلا بكم، فأنتم تخدمون المجتمع، ونحن بخدمتكم.

  • د. سليمان العسكري: أعددنا مجموعة من الأسئلة ذات محاور متعددة، ونبدأ بسؤال أول، فالكل يعرف مشاركتكم الفكرية بالساحة العربية التي تُوِّجَتْ بتأسيس منتدى الفكر العربي. وهناك تساؤل، دائمًا ما يكون مطروحًا: ماذا حقق المنتدى منذ تأسيسه في تفعيل الواقع العربي المعاصر على الساحتين الثقافية والفكرية؟

الأمير الحسن: المنتدى كما تعلمون بدأ في 1980 كاستجابة لقطاع رجال المال والأعمال وان كان ذلك القطاع في الساحة اليوم يعد أقل أهمية نتيجة لحالة الركود الاقتصادي. لكن أهميته زادت بعد النظر إلى المؤتمر الأخير في الكويت (القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية). وقد ازداد أهمية بعد أن أتت زميلتنا الدكتورة ميرفت التلاوي (وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للأسكوا، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ومنسقة الجامعة العربية للقمة العربية المذكورة) وزميلنا الدكتور جورج قرم (وزير المالية اللبناني الأسبق)، وعدد من أعلام المنتدى، لتقديم الأفكار مجددا، بعد مرور ما يقارب الثلاثة عقود على «مؤتمر عَمَّان» للحديث عن الاقتصاد والاجتماع في بوتقة الاستثمار لما كنا نسميه رأس المال الإنساني. ففي الحلة الجديدة، أخذ المنتدى ينتقل من فكرة النخبة الفكرية الوظيفية إن جاز التعبير المتناقض لأن الفكر ليس ذا أهمية بحسب الموقع الاجتماعي، إلى النخبة الفكرية الشبابية. وأملي كبير في أن تكون هناك حركة عقلانية تسهم في المنتدى إلى جانب المؤسسات الفكرية العربية كافة، لأن العقلانية هي الوسيلة الوحيدة للتوسط بين المدارس العقائدية، وهذا كما أعتقد ينسجم ورسالة مجلة «العربي»، لأن «العربي» تسمو منذ بدايتها على الخلافات العربية، وهي تعظـِّم الجوامع وتحترم الفروق.

الإنجاز الأكبر هو في التذكير في صدقية الفكر العربي التحليلي، وقدرة العرب على الإقدام على الفكر التحليلي، خاصة من حيت الانتاج الفكري. وربما تكون مشكلتنا الأساسية هي مشكلة «العربي»، الترويج. فعند الحديث عن مؤتمرات بلاد الشام على سبيل المثال التي ربما تشكل ذخيرة لنا، ويشارك فيها الدكتور عبدالعزيز الدوري (مؤرخ عراقي) والدكتور محمد يوسف نجم (أستاذ شرف الأدب العربي في الجامعة الأميركية، بيروت) وهما من أعلام «العربي»، هذه الذخيرة لابد من أن تصنف وتحرر لتصل إلى المواطن، وخاصة قطاع الشباب بصورة مبسطة. يعني مع الأسف الصيرورة التاريخية، واستقلال الدول العربية، ليست معروفة، والذاكرة لا تصان لدى الشباب، إذا لم نقدم حقيقة على هذا العمل.

من بين أشكال التشارك مع «المنتدى» هو هذه الإنجازات، وأعني بها جعل القانون يعمل من أجل الجميع (يشير لغلاف كتاب أصدره المنتدى بعنوان: من أجل قانون في خدمة الجميع). وأعود مرة ثانية وأقول، إن الأمن الإنساني، أو الأمن الناعم، جزء أساسي من منطلقات المنتدى. ويمكن هنا أن نعرض مخططنا الذي يبدو في هذا الهيكل التنظيمي لما نسميه «العولمة - الكوننة». هذا هو المخطط الإستراتيجي لعملنا إن شاء الله في مقبل الأيام.

المثقف والسلطة

  • د. سليمان العسكري: لوسمحت لي، سمو الأمير، الحديث عن المنتدى والموضوع الفكري يجرنا إلى الموضوع الدائم والمتكرر والمطروح باستمرار وهو العلاقة بين المثقف والسلطة في عالمنا العربي. هنا أتحدث عن مثقف ليس منعزلا، بل المثقف المتخصص في كثير من الأمور الظاهرة في عالمنا العربي. إن هذا العنصر بعيد عن الاستفادة منه بصورة مباشرة من قبل السلطة أو متخذي القرار، مما يشكل هوة وثغرة كبيرة تحول دون الاستفادة من هذه الكفاءات التي تنمو في مجتمعاتنا العربية. فما السبيل للتقريب بين الفكر والسلطة بما يفيد مجتمعاتنا العربية؟

الأمير الحسن: دعني أولا أُعرِّفُ السلطة في الفضاء الثالث، الفضاء الثالث هو القطاع العام، القطاع الخاص، والقطاع المدني.

طبعا السلطة بمعنى رأس الدولة، الحكومات العربية بمعزل عن المكونات الأساسية للدولة في عرف دول شرق آسيا. دعنا نأخذ تجربتنا من آسيا بدل أن نأخذها من أوربا والأطلسي.

هناك تايلاند الملكية وفيتنام الاشتراكية، وهما يتفقان على إقامة رابطة لجنوب شرق آسيا على أساس من الموضوعات المجردة، مثل صندوق للتضامن الاجتماعي، وميثاق للمواطنة. أعتقد أن مشكلتنا في العالم العربي، فضلا عن تَرِكة الاستعمار، هي مشكلة الثنائية في العلاقة، سواء كانت علاقة خارجية أو علاقة بينية داخل الوطن العربي. هذه الثنائية أدت إلى ظهور أحد مكونات السلطة في المفهوم الواسع الذي هو القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع المدني.

فعلى سبيل المثال، يعترف العالم الآن ولا أقول العالم العربي بنهاية رأسمالية الكازينو، أو ما يسمى بالاستثمار الريعي. نحن بحاجة حقيقية إلى استثمار آخر وهو الاستثمار المنتج. الفترة الأخيرة هي التي جعلت شبكة من الكوننة تحل مكان شبكة من العولمة، أصبح علينا الآن ككائن حي، وكرقعة جغرافية بما فيها من موارد أن نأخذ الأمر على محمل الجد، إن أردنا أن نرقى إلى التفكير الفوق قطري.

على سبيل المثال، المجموعة الأوربية بدأت بالحديد والصلب، هل لنا عربيا أن نرقى للحديث الفوق قطري في موضوع المياه؟ نحن بأمس الحاجة إلى الماء، وفي هذا الإقليم العربي هل لنا أن نفكر في هيئة تتولى، مثلا، إدارة أخدود النيل أو أخدود الانهدام الإفريقي العظيم، بما في ذلك دول عربية وإفريقية، بنظرة متكاملة؟

لا أعتقد أننا نستطيع أن نعالج مشكلاتنا الحياتية مثل شح المياه، شح الطاقة، التصحُّر .. لأن العقول العربية بمنأى عن الواقع الحياتي. يقولون القلوب والعقول، ولكن المسألة لا تنطبق على الإنسان العربي .. المواطن المهمش، بقدر ما تنطبق أيضا علينا كصناع للقرار في أن نوصل برامجنا بصورة إنسانية للتعامل مع الآخر. وأعتقد في هذا المجال أن التنوع الفكري أمر غاية في الأهمية بدلا من التعددية.

التعددية كما نعلم لها تفسيرات مختلفة لدى الأوطان ، ولكن التنوع الفكري هو احترام فكر الآخر ، خاصة في إطار عالم عربي نشأت فيه أحزاب تؤمن بفكر أيديولوجي واحد، إما بوجود فكر عربي أو فكر إسلامي، كما يقال. آن الأوان حقيقة أن نقبل فكرة أن بناء الأوطان لا يكون إلا من خلال الحوار الهادئ الهادف الحضاري الذي لا يفسد للود قضية، ولا يؤدي إلى الصراعات الدموية.

الحوار مع الآخر

  • د. سليمان العسكري: وماذا عن الحوار العربي - العربي ، أو الحوار الفكري داخل الساحة العربية، وانعكاسه على حوارنا مع الآخر غير العربي. فالآن، مثلا، توجد علاقة بين العرب المسلمين وبين الغرب بشكل عام، أو كل ما له علاقة بالعرب غير المسلمين، وهي علاقة مشوهة، تستند إلى فهم فكري خاطئ، ينعكس على علاقاتنا السياسية والاقتصادية وعلاقتنا الحضارية في كثير من جوانبها.

الأمير الحسن: مع صدور مجلة العربي في 1958 لم تكن الكويت دولة مستقلة، لكن وجود البريطانيين لم يمنع من تأسيس هذه المبادرة الثقافية التي تسمو فوق السياسة. وأقول اليوم، مهما كانت ارتباطات العرب عميقة مع جهات دولية - ولا أصدر أحكامًا هنا، لكن أقدِّر أن لكل دولة ظرفها - فإن هذه الارتباطات لا تمنع من أن ننهض ثقافيا بالتركيز على أن حضارتنا ليست مهددة بالانقراض.

إن إدخال اللغة العربية إلى الأمم المتحدة كلغة حية لا يعني فقط إدخال الحرف والنصوص، ولكنه يعني أيضا المضامين. فكيف نستطيع، من خلال التعاون - وهنا إحدى الإشكاليات مع مجامع اللغة العربية - أن نسمح بدرجة من المرونة تمكننا من إنجاز على غرار موسوعة أكسفورد، التي أخذت سبعين عامًا لتكتمل، تعاقبت عليها أجيالٌ، بدأت بالإنجليزية القديمة التي كانت مقلة بطبيعة الحال في مصادرها وانتقلت إلى القرون الوسطى، واستفادت من لغات الآخرين، والأهم من ذلك أنها تبنت الكلمات والمفاهيم المستعارة. إن استعارة مفاهيم الآخرين، وتوظيفها لخدمة المشروع العربي الثقافي، أمرٌ مهم.

ذكرت بطبيعة الحال العربي الإسلامي، وفي هذا لن نساوم على الثوابت الإسلامية، ولكن كما يقول الكاتب الجزائري محمد أركون «هناك فرق بين العربية القرآنية والخطاب الإسلامي».

في هذا المجال أقول من منطلق كوني سفير نوايا حسنة للمؤتمر الإسلامي (الإيسيسكو) وهو اليونسكو الإسلامي ياحبذا لو استطاعت مبادرة المملكة العربية السعودية، في الدعوة إلى حوار المذاهب بين أهل السنة والجماعة، أن تكون خطوة أولى لاستعادة حوار المذاهب بصورة واسعة. إن هذا الحوار ليس جدلا حول القيم والأخلاق والمبادئ فحسب، ولكنه حوار حول المعايير.

بمعنى آخر عند الحديث عن العربي غير المسلم، ما هو موقفنا من الحقوق المدنية؟ ماهو موقفنا من الاستخلاف؟ وعندما نتحدث على سبيل المثال عن أحد أعمدة التوظيف القانوني للفقراء، الاستخلاف، بمعنى الحقوق الملكية كما ذكر دو زوتو (خبير أمريكي لاتيني له دراسات معمقة حول استخدام الأرض المروية في بوسطن). تحتاج حقوق الملكية، وحقوق العمل، والتشغيل، هذه المسائل تحتاج إلى مزيد من التعمق.

ثقافيا، أدين بفضل كبير إلى أمثال نقولا زيادة (مؤرخ راحل من فلسطين) الذي أسهم في هذا المشروع العربي، العظيم، وإلى المفكرين العرب من المسيحيين أمثال اليازجي والبستاني وأمين الريحاني، وإلى من قام بدور سدنة اللغتين الآرامية والسريانية، وهم بطبيعة الحال إخوتنا في لبنان. وربما نتفق على أنه عند مشاهدة التلفاز اللبناني ربما نجد أنقى لغة عربية في الوطن العربي. في هذا المجال أيضا أعتقد أن العالم بحاجة إلى العودة لما تسميه كارين أرمسترونج (كاتبة بريطانية من أصول كنسية، كانت راهبة في يوم ما، ثم فتحت عينيها على العالم وتعمقت بالدراسات الإسلامية) التي قالت: «عودوا إلى العهود المحورية»، مشتقة لفظة المحور من كلمة الأخلاق عند اليونان.

أقول عندما نتحدث عن تاريخ إيلام، أو عن طبقة فحل بالأردن (مدينة شمال عمَّان كانت مأهولة تعود معظم أبنيتها المكتشفة إلى عهود الرومان والبيزنطيين والعرب والمسلمين) التي تعود إلى العهد البرونزي الأول، نتحدث حقيقة عما سبق اليهودية والمسيحية والإسلام بآلاف السنين. أذكر هذا هنا، لأن بعض العقائديين من الإسلاميين لا يهتمون كثيرا في الآونة الأخيرة بتاريخ ما قبل الإسلام خوفا من الإسرائيليات، ولكن هناك تاريخًا ضاربًا في أعماق الحضارة الإنسانية الكونية يعود إلى آلاف السنين حتى ما قبل اليهودية.

المسلمون وتاريخ الإسلام

  • د. سليمان العسكري: هذا الحديث يمكننا أن نقولها وبجرأة، إن بعض الإسلاميين لا يفهمون تاريخ الإسلام، والدولة الإسلامية، والحضارة الإسلامية، التي أشرت إليها سموك وهؤلاء هم العنصر الفاعل. العلاقة بيننا وبين الآخر، أردت أن نركز عليها في موضوع يتيح لنا أن نفتح فعلياً حوارات سليمة وحقيقية ومنتِجة مع الآخر الأوربي، بمعنى الحضارة الأوربية المعاصرة. كيف نتعامل معها، خاصة ونحن الآن ننكفئ إلى الداخل، ونعود إلى الخلف، ونخسر زمنًا وفرصًا حضارية وتاريخية، دون أن نستفيد من هذه الحضارة العالمية وننهض بمجتمعاتنا ونبني مستقبلنا؟

الأمير الحسن: أنا سعيد جدًّا لسماع هذا السؤال بالذات، لأنني أذكر أنني كنت في إسبانيا عام 1992م، حين احتفلت إسبانيا بمرور 400 عام على رحلة كولومبوس الشهيرة إلى العالم الجديد.

التقينا مع الإسبان والعالم الإسباني الشهير جارسيا غوميز المتعمق باللغة العربية في الأندلس في 1992 ضمن إطار لاتيني، لندعو من خلال لقاء في كرمونة إلى إحياء الحوار العربي - اللاتيني. ولعلمكم هنالك لقاء سيعقد في قطر كما أعتقد ضمن اللقاءات الدورية.

لكن هذه اللقاءات في نظري تفتقر إلى المحتوى الثقافي، ما لم نستعد التركيز على فكرة الدروب الواصلة، دروب الإيمان على سبيل المثال، ودروب الحرير. أقول ماذا عن دروب الأفكار التي تربط ما بين البحر المتوسط والجزيرة الأيبيرية وأمريكا اللاتينية؟

لقد ذكرتَ في سؤالك الحوار مع أوربا، ولكن حقيقة الامر أن كل من هاجر من الدولة العثمانية، عندما وصل إلى الأمريكتين يقول أمريكا وهو إما يصل إلى أمريكا الجنوبية أو الشمالية. الكل بما في ذلك الشركسي والأرمني والعربي، كما يأتون في وصف اللاتين، من أصول تركية. أقول إنه آن الأوان لنبدأ حوار جنوب الجنوب، وأن نبني من جديد علاقتنا مع مشارقة المهجر في أمريكا اللاتينية.

أما فيما يتعلق بأوربا، فأعود إلى 1870م، عند مشاهدة القبور إلى جانب المسجد في برلين، وأستذكر أن العلاقة الإسلامية في أوربا علاقة قديمة، خاصة عندما نعود إلى بناء الفهم التربوي.

إن خير ما قدمته أوربا في الفترة الأخيرة هو برنامج التعليم النظير، وهو أن تضع نفسك مكان الآخر وأن تتعلم منه. وأقول: نحن في هذه الفترة وإلى جانب مجموعة من الكتاب شرعنا في مشروع - وأنا العبد الفقير أحد هؤلاء - لنضع الفكر العربي على ملتقى الثقافات.

أنا لا أؤمن بالحضارات لأنني أعتقد أن هناك حضارة كونية واحدة أثرت وتأثرت فيما يسمى باتحاد الحضارات، أو الدعوة إلى اتحاد الحضارات. هذا الموضوع له أبعاد سياسية، كما أرى، خاصة أنه آتٍ من الأمم المتحدة. ولكنني أؤمن بأن صراع الثقافات يجب أن يُحلَّ سلميا.

لو تتحملوني في مثال، كان لدينا ستة قرون من التجارة المسالمة من سجلماسة (ثاني مدينة إسلامية تشيد بالمغرب الإسلامي بعد مدينة القيروان وهي عاصمة أول دولة مستقلة في المغرب العربي) على الأطلسي، إلى ما نسميه بالخليج العربي، بطبيعة الحال مرورا إلى مالابار بساحل الهند، إلى أن أتى فاسكو دي جاما (بحار مكتشف برتغالي) فقال لملوك الجن، وهم مسالمون بطبيعة الحال، أخرجوا العرب - وهم العرب التجار من يهود ومسيحيين ومسلمين - وإلا قتلتكم! فيأتي ملك الجن متسائلا ومستغربا: ماذا تعني بكلمة قتل؟

فالعولمة المرتبطة بالاستعمار وسياسات السلطة أو سياسات القوة العسكرية لا تصنع واقعًا جديدًا مبنيا على قناعات الشعوب.

في هذا المجال أقول إن المشروع العربي - كما أرى - هو مشروع إعادة تعريف غرب آسيا وشمال إفريقيا. أنديرا غاندي أسمت هذه المنطقة بجنوب غرب آسيا، طبعا في هذا المجال عندما نتحدث مع الأصدقاء في اليابان - ولهم مؤتمر هذه الأيام موسع عن الفكر الإسلامي والعلاقة مع اليابان - نجد أن تركيزهم على دول الخليج لغايات واضحة بطبيعة الحال، في استيرادهم للنفط الخليجي، ولكن برلمانهم في يوم من أيام عام 1988 ذكر أن هناك علاقة بين دول العمق ودول النفط، وهذه هي علاقة الجزيرة بالهلال الخصيب، وعلاقة الهلال الخصيب بحضارة سبأ.

هذه الكلمات المجردة من المعاني المعاصرة على غرار الإسكندنافيين على سبيل المثال، وتحالف الهانسا ودول البلطيق، عبارات جميلة، يمكن إدخالها في قاموسنا لو أردنا. ولكن كيف نلغي الأنا ؟ كيف نستدل حقيقة في إيجاد مجامع للفهم المشترك؟ هذه حقيقة مهمة «العربي» ومثيلاتها، وندعو لكم فعلا أن تستطيعوا صياغة إستراتيجية للتواصل العربي، وإستراتيجية مقابلة بناء على هذه القناعات للتواصل مع الآخر.

كلية وولتن (Walton College of Business Administration) تعقد في دبي لقاء حول الإدارة العليا في الوطن العربي، كلية أخرى هنا تعقد في الكويت لقاء حول الفكر النقدي العربي، فهل لنا أن نثبت لأنفسنا أننا قادرون على إيجاد مجتمع الكفاءة؟ لنتحدث عن الإدارة بمعزل أو بمنأى عن العادات الاجتماعية السيئة، المسألة يجب أن تنتقل من: من تعرف؟ إلى: ماذا تعرف؟ المسألة يجب أن تنتقل من مجتمع الوساطة الزمالية إلى مجتمع الكفاءة. فهذه هي استكمال للرحلة الثقافية بمفهومها الواسع، المفهوم التاريخي، المفهوم التربوي وليكن له برنامج نسميه ابن خلدون أو شيئا من هذا القبيل يُعنى بذلك، من ثم التشاركية الحياتية في احترام الكفاءات المؤهلة.

ثقافة المواطنة

  • د. سليمان العسكري: قد أكون احتكرت الأسئلة، ولكن أصدقاءنا وأعضاء المنتدى لهم الحق أيضاً.

الأستاذ عبد الله بشارة (الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية): لفت نظري في حديثكم عن الثقافة الإشارة إلى ثقافة المواطنة، وحسب فهمي ضرورة أن نغرس المساواة بالقانون وبالضغط الثقافي. لماذا هذا التقصير العربي في ترسيخ فكر المواطنة، وهو ما أدى إلى الانقسامات وظهور الأقليات والتمرد الفئوي؟ إن الرد على هذا يكون بالفهم الواسع للمساواة وتعميق مفاهيم المواطنة القائمة على الكفاءة والتميز.

الأمير الحسن: سيدي الكريم، أعتقد أن الدكتور العسكري أصاب كبد الموضوع عندما تحدث عن العلاقة مع الغرب. نحن انفتحنا في العلاقة مع الغرب من منطلق إنساني، ومن ثم تبنينا المناهج الثقافية، بمعنى أن الكل يعرف ترجمة أمهات الكتب من اليونانية إلى العربية وما إلى ذلك، على سبيل المثال، بينما الغرب انفتح علينا من منطلق ثقافي واتهمناه بالاستشراق، ومن ثم بدأ يدرك أهمية البعد الإنساني لأن القوة الصلبة، قوة النار والحديد، لا تكفي عمليا للسيطرة على الشعوب إذا كانت السيطرة مستحبة أصلا.

لا بد في الحقيقة من التغيير، والرئيس الأمريكي باراك أوباما يتحدث اليوم عن أهمية التغيير، التغيير هو لتفعيل الإنسان، وهذا التفعيل ليس فقط في العالم العربي، ولكن في أمريكا التي تتحدث عن تقاليد توماس جيفرسون (1743 1826م، مفكر وسياسي وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وثالث رئيس لها والمؤلف الرئيسي لإعلان الاستقلال) منذ عقود تحاول الآن أن تستعيد ذاتها وتستعيد روحها وذلك بطبيعة الحال في التواصل. وربما يكون خير مثال على التواصل في بلدكم، مفهوم آداب المجلس، الذي طورتموه من خلال الديوانية، وهذا الحديث فيما بيننا هو شكل من أشكال التواصل.

نتحدث عن الحقيقة الافتراضية Virtual Reality ولكننا بحاجة إلى حقيقة فاضلة Vitreous Reality . أعتقد أن التزاماتنا اليومية وحياتنا في دوامة كسب العيش، والتركيز على الأبعاد المادية، أفقدنا الكثير من قيمنا الأصيلة.

انظروا - على سبيل المثال - إلى المجتمع الياباني، الانضباط المدهش في هذا البلد الصغير مساحة في كيفية مخاطبة واحترام الصغير للكبير، وبالرغم من عدم وجود ثوابت - حتى في اليابان- فإن الجميل في التجربة الشرق آسيوية إجمالا هو الشعور بأن هنالك نسيجاً اجتماعيًا يجب أن يبدأ بالإنسان. أسموها اشتراكية، أو شيوعية، أو ملكية أبوية، مثل تايلاند على سبيل التحديد أو سلاطين ماليزيا. ولكن التواصل مع الإنسان أيا كان أمرٌ مفروضٌ عليهم، بسبب التنوع الذي وجدوا أنفسهم فيه، من أصول صينية وآسيوية وحضرمية. ما بالك العالم العربي هل يقال عنا إن تجانسنا كعرب - في نهاية المطاف - حال دون تفاهمنا؟ أقول بداية إن التفهم يقود إلى التفاهم، فهل التفهم ممكن في غياب التفاهم المستمر في استخدام كل الوسائل المتاحة؟ عندنا ما يقارب 400 قناة فضائية تهتم بالترفية وتهتم بالترهيب أيضا، ولكن من يهتم بتغيير سلوكيات الجيل؟

هذا السؤال أعتقد يمكن توجيهه إلى الفضائيات الأوربية، وكذلك الأمريكية أيضا. هل يمكن أن نغير سلوكيات الجيل من خلال وسائل الاتصال الافتراضي في جامعاتنا من خلال وصل جامعاتنا باستبعاد الوسيط - الذي هو رئيس هيئة التحرير للمحطات الكبرى - مع احترامي لهم جميعا، ويجري الحديث مباشرة بين الأساتذة وهيئات التدريس والطلبة، حول موضوعات منها - مثالا - المياه والطاقة والبيئة الإنسانية. أنا معك تماما في أننا قصرنا في مجال احترام الإنسان، ولكن أعود إلى أصولنا وأذكر بقوله تعالى: {لقد كرمنا بني آدم }، فهذه الانسانية مغروسة في تعاليمنا، المسألة هي إحياء تلك التعاليم وتلك الروح.

غياب الحرية

  • الأستاذ علي الموسى (وزير التخطيط السابق): نتكلم عن الأجيال الجديدة والمجتمع العربي الشاب، ألا ترى أنه - حتى الآن - لم يتم الاهتمام بغرس المبادئ الأساسية، وهي حرية التعبير عن الرأي، واحترام الآخرين، واحترام هذا الدين؟ لأنه في غياب الحرية لا يمكن إجراء أي حوار مع أي فئة بالشكل الصحيح. وما هو دورنا نحن أمام هذا الجيل كي نسلم له الدور؟

الأمير الحسن: كما قال المؤرخ كيفن واصفا المجتمع (مجتمع اثينا) قال «إنهم بحثوا عن كل أنواع التحرر: التحرر من الضريبة، من الالتزامات المالية، بحثوا عن الحياة الراغدة الحياة الكريمة، وعندما طالب اليونان أيام دولة أفلاطون بالتحرر من المسئولية، فقدت أثينا حريتها».

إن المبدأ الأول في الحوار واضح في أنجح منهج في فنلندا، حيث لا يبدأ الطالب في المرحلة الإلزامية، إلا وقد أمضي سنتين من الحرية في مرحلة الروضة، حيث الإشراف بطبيعة الحال على تعليم التاريخ بأسلوب قصصي. نحن نعلم التاريخ بأسلوب التلقين، ولذلك نفرض ما هو مكروه بالنتيجة على ذاكرة الشاب أو الفتاة، وأعتقد أن الاستمرار في المنهاج الفنلندي - في نتائجه العلمية والأدبية، ويستطيع المحررون البحث في مقارنة نتائجه - يعني الاستمرار مع أنجح منهاج بالعالم، والسبب أن هنالك تفكيرًا تحليليًّا نقديًّا، يشجع الطالب عليه ويقدم عليه، ليصبح من حيث لا يدري من خلال عملية التعلم.

أعود للقراءة وأقول إن العالم العربي يقرأ 4% مما يقرأ البريطانيون في السنة الكاملة، وأنا أعتقد أن الشعب البريطاني من أكثر الدول القارئة في هذا العالم، ونحن نتحدث عن 70 مليون ونيف بريطاني. ولكن عندما نتحدث عن مئات الملايين، من العرب والمسلمين، آن الأوان لأن نركز على الأسلوب النوعي.

الديمقراطية فهمناها خطأ، لأن الديمقراطية في نظري تعني المساواة في الظروف الحياتية وعدم تكريم المنجز، وبالتالي يكرم المنجز من خلال الأجنبي قبل أن يكرم من قبل الإدارات التربوية في وطنه.

لاحظوا فلسطين: عملية الترحيل لم تتم، بالرغم من المحاولات المستمرة وآخرها غزو وتدمير غزة، بالعكس استمرت درجات النمو في التصاعد ومقابل ذلك الهجرة، هي الهجرة المقننة للعقول. 70% من المدرسين في الجامعات الأمريكية هم من أصول غير أمريكية، وبحساب النسبة والتناسب، سنجد من بينهم أن عدد العرب لمجموع العرب هو الأكثر من عدد الهنود لمجموع سكان الهند، او من الصين لمجموع سكان الصين. هذه الهجرة المقننة هي جزء من مخطط أن تصبح هذه المنطقة نائية جغرافيا وبيئيا وانسانيا. كيف نغير هذا الواقع؟

  • د. سليمان العسكري: إذن لدينا مشكلة في نظامنا التعليمي ...

الأمير الحسن: عندنا مشكلة في نظامنا الاجتماعي بالكامل، والتعليم أهم مما يترك لوزارات التعليم وحدها ، كما قيل العسكرية أهم من أن تترك للجنرالات ، والتعليم أهم من أن يترك للنظام التعليمي وحده . أنا شخصيا أتساءل: لماذا ألغينا مسمى وزارة المعارف؟ لو بقيت المعارف لكانت التربية جزءًا من المعارف، ولكن تحولنا إلى تعليم وتربية، والنتيجة لا تعليم ولا تربية.

  • الأستاذ أنور النوري (وزير التربية والتعليم السابق في دولة الكويت): أعتقد، سمو الأمير، أن مشكلتنا ليست في نظامنا التعليمي، ولكن المشكلة تكمن في موروثنا الفكري الذي تحول إلى جينات أساسية بداخلنا جعلتنا نعمل ضمن ثوابت غير قابلة للتغيير. هناك ثلاثة ثوابت مع الأسف مسيطرة على موروثنا الفكري وعلى جيناتنا. الأول: موروثنا الفكري الديني، فهناك ثوابت دينية ممنوع التطرق لها بينما هي تمس صلب التفكير اليومي منها، المرأة، الحرية، والنظرة إلى الديانات الاخرى. والثاني: ثوابت أخرى اجتماعية وتاريخية، ممنوع التطرق لها شملت قراءتنا للتاريخ، شملت قراءة علاقتنا الاجتماعية داخل الوطن الواحد. أما الثابت أو القيد الثالث فهو القيد السياسي الذي يمثل عداءنا للغرب، وأصبحنا أسرى للمشكلة العربية - الإسرائيلية، لدرجة أن في البرلمان الكويتي هناك مشروع قانون يجرم من يدعو للتفاهم مع إسرائيل، بينما إسرائيل اصبحت واقعا امام دول عربية كبيرة. وهذه الأشياء جاءت من موروث فكري أصبحنا عاجزين أمامه ...

الأمير الحسن: أنا شاكر لك، ولكن معذرة أستاذي الكريم. بما أنك تكبرني سناً. ولكن إذا جاز لي أن أتحدث فقط في الجزء الأول، عند الحديث عن الموروث الفكري. لا يمكن أن نتحدث عن الموروث القرآني بأنه موروث فكري، إذا كنا نؤمن بهذا الموروث الإيماني. إن هذا الموروث يشتمل على الإيمان والأخلاق والعلم والعمل. هذا هو فهمي للكتاب والسنة.

إنما عندما نتحدث عن العداء مع الآخر أقول إننا محاطون بثلاث قوميات، فارسية وتركية وإسرائيلية، ولكل منها فترات عداء مع العرب - علماً بأن فترات التعايش مع العرب بما في ذلك اليهود تاريخيا أطول من فترات العداء السافرة - فأقول إن المشكلة هنا تكمن كعرب في الموروث الاستعماري ربما عند قيام الدولة الوطنية هو موروث عدائي مبني على إدارة المصالح الضيقة، فضلا عما ورد في القاعدة الفقهية، المصلحة غاية المؤمن، مصلحة الجميع.

أما فيما يتعلق بالمرأة، فهذه هي دراسة بمنتدى الفكر العربي تقول إن المرأة أولا، المرأة أولا، المرأة أولا، وهذا أمر واضح جدا. أقول إن هناك تحولا اجتماعيا يمكن الحديث عنه بإلغاء الكوابح التي تفضلت وأشرت إليها.

وربما لو ضربنا مثلا على حركة التحرر في أمريكا اللاتينية في الستينيات - فقه التحرر - لوجدنا أوجه شبه بين بعض المدارس الإسلامية التي ظهرت في العقود الماضية وسببها الصراع العربي - الإسرائيلي وسببها القهر والمقت وإلى آخر ذلك. ولكن أقول إنه عندما يفهم المسلم أن العلاقة بين المسلم والأمن هي ليست فقط علاقة حاكم ومحكوم ولكنها علاقة تشاركية إنسانية فهنا أعتقد أننا نبدأ باكتشاف بر الأمان...

إعادة إنتاج الذات

  • سعدية مفرح (المسئولة الثقافية بجريدة القبس الكويتية): سموك تحدثت عن ضرورة إعادة إنتاج الذات أو استعادتها في خضم حديثك الآن عن الفكرة العربية، أي ذات يمكن استعادتها أو إعادة إنتاجها في ظل فكرة عربية متشظية حالياً على صعيد اقتصادي اجتماعي سياسي وبالأخص على الصعيد الثقافي؟ فالآن نرى الفكرة العربية متشظية ليس فقط في الوقت الراهن أو منذ أزمنة، الآن تشظت على مستوى أفقي كما تشاهد.
    بل الأخطر من ذلك: هل أصبحنا نستطيع أن نتكلم صادقين عن فكرة عربية واحدة؟ وما الذي يميزها عن الأفكار الأخرى؟ وأي فكرة عربية يمكن أن نميزها عن فكرة فارسية مقارنة بجيراننا أو هندية أو يابانية؟ إلى أي حد يمكن أن تميزنا هذه الفكرة إذا نحن تجاوزنا النظرة الكلاسيكية للغة والعادات والدين والتاريخ و ما إلى ذلك؟ بمعنى: إلى أي مدى يمكن أن نستعيد هذه الفكرة الموحدة إن كانت موجودة؟ وما السبل إلى ذلك؟ وهذه السبل تقع أولا على كاهل من، السياسيين أو منتجي الفكر السياسي ومنفذيه أم الجمهور؟

الأمير الحسن: إعادة صنع الذات، أولا عقدنا لقاء قبل شهرين حول الاضطراب النفسي لدى الطفل العربي، وتعلمين أن هناك تأثيرًا مباشرًا للحروب من غزة، من العراق، من الصومال، ومن أماكن مختلفة، والتلفزيون يوميا يذكرنا بالفظائع التي ترتكب، وهذه تؤثر على أبنائنا وأحفادنا.

فعندما نجد في المدارس آلاف المرشدين الصحيين لا يستطيعون عمل الدور المطلوب منهم في بناء كينونة الطفل لأسباب حواجز وهمية مبنية بين ذلك المرشد الصحي والأسر. عندما نرى تجارة الجملة في (المولات) (المجمعات التجارية Malls) والسوبرماركت وتدمير النسيج الاجتماعي الإنساني، فالإنسان لا يعرف جاره.

أقول عندما نرى الإنترنت Internet يوصلنا بالعالم ولكن الشبكة الداخلية Inner net تموت في قلوبنا، حينئذ نصبح حقيقة أرقامًا وندخل الفضاء الرقمي ونخرج من الفضاء الإنساني.

أما فيما يتعلق بالجزء الثاني، أيٌّ من الإنسان الذي نقتدي به أعود إلى الأرشيف المفتوح في بودابست، وأقول إن كل جرائم الحكم السلطوي الشمولي منذ عهد ستالين مروراً بشاوشسكو مدونة، وكل ما يجري من جديد بالساحة الأوربية الشرقية بما في ذلك القفقاس والبحر الأسود مدون. نحن نرى العرب يموتون كل يوم، ولكن لا نستند إلى حقيقة رقمية، فكلمة الخاتمة conclusion أن ينأى الانسان عن حزنه بمعرفة أين دفن قريبه على سبيل المثال.

هذه من القضايا التي أنتم عشتموها ونحن عشناها. وآن الأوان حقيقة أن نتعامل كما تعامل الأوربيون الشرقيون مع الديمقراطية في مراحلها الانتقالية. أنا عضو في لجنة دولية اسمها «الديمقراطية الانتقالية». وأُكْبِرُ في المجر والتشيك وبولندا فهمَهم لكيفية التعامل بالآلية الناعمة Soft Ware مع مفاهيم الانضمام إلى المجموعة الأوربية، كما أكبر التفاوض الجماعي لدول رابطة جنوب آسيا مع أوربا.

نحن عندما نتفاوض مع أوربا نتفاوض كعرب الخليج تعاوننا الخليجي، اتفاقية المشرق أطلقوا علينا اسم المشرق من الجانب الأوربي، فاوضنا مصر وسورية والأردن، المغارب كذلك تسمية وليدة الحوار الأوربي المغاربي. فإذا كنا نتحدث عن الثقافة فقد آن الأوان لنذكر أن أشكال التفاوض الثنائي أو الجماعي هذه لا تلغي التقارب فيما بيننا ثقافيا.

نتحدث عن اللغة الإنجليزية ومعظم الناطقين بها على الإطلاق هم من الهند، ولكننا نعتقد أن اللغة الانجليزية هي حكر على الأنجلوسكسون ولكن ليس الأمر كذلك. أشكرك على سؤالك ولكن أقول إن هناك أنماطا كثيرة يمكن الاقتداء بها.

  • الأستاذ محمد نقي (رجل أعمال): كانت أوضاعنا الاقتصادية جيدة في فترة وكذلك العالمية ، ولكن ما حدث وما نتج عنه من عطالة يؤثر في صميم الأسرة العربية، والآن خلال الأزمة الاقتصادية الحالية في آسيا ومنطقتنا خاصة وما لها من تأثير في انخفاض أسعار النفط والعالم ككل، ما هي نظرة سموكم للوضع الاقتصادي الحالي؟

الأمير الحسن: أقول إن البصيرة التكنولوجية جزء مما يسمى بمعرفة الأمية التكنولوجية. البصيرة التكنولوجية هي جزء من معرفة فرص العمل. الدكتور منذر البصري (مسئول عن مركز القوى العاملة في المملكة الأردنية الهاشمية) معنا، ونحن نتعامل مع فلسطين وسورية والعراق وجموع من الدول العربية، في محاولة إظهار مركز معلوماتي - أرجو أن يكون معرفيا في المستقبل لهذا الإقليم - ليعرف كل من يبحث عن فرصة عمل - تتناسب ومؤهلاته الأساسية -أين يذهب في الوطن العربي.

أملي كبير - والأستاذ عبد اللطيف الحمد يكبرني سنا ومعرفة في هذا المجال وكان عضوا في لجنة براند في السبعينيات - فقد كنا نتحدث عن اتفاقية مع منظمة العمل الدولي لإنشاء صندوق تعويضي للقوة العاملة.

مع شديد الأسف القوى العاملة الآن تبحث كأفراد في كل مكان عن فرصة عمل ولكن فهم احتياجات الإنسان العربي وتنمية الإنسان العربي. في إطار التعامل مع أوربا على سبيل المثال نرى مشكلة المغتربين. أنا ركزت في مؤتمر الدار البيضاء، لو تذكرون، في 1994 على تخصيص 35 مليار دولار للبنية التحيتة لشمال افريقيا والعالم العربي، 24 دولة من المغرب إلى تركيا، بحيث تشيد البنية التحتية، نبني الطاقة الشمسية، نؤسس كينونة جديدة للمجتمع القروي بتوفير الطاقة الشمسية للتحلية والإنارة. ومع ذلك كان الجواب الأوربي: المتقدم الأول هو الذي يستحق الخدمة First-come, first-served.

بعد ذلك بما يقارب 10 سنوات ونيف في 11 /9 (الحادي عشر من سبتمبر تاريخ تفجير وانهيار برجي مركز التجارة العالمي)، نرى إقامة الهوم لاند سيكورتي homeland security بنفس الرقم 35 مليار دولار. فإقامة فكرة الإقصاء، وتطويق الدولة الوطنية الجديرة الكبيرة الولايات المتحدة بـ (الهوم لاند سكيورتي) أسهل، أو تطويق أوربا بالشنجن (التأشيرة الموحدة لدخول دول أعضاء الاتحاد الأوربي) - أسهل فيما بينهم - بينما هناك تأشيرة للآخرين الغارقين في بحر البحار وهو المتوسط، من الصور اللاإنسانية التي تنتقد حقيقة في كثير من الدول الأوروبية، هذه صور لا تؤدي إلى نتائج عقلية الأسوار، وهذه لا بد أن تتغير.

كلمة أخيرة عن الأسوار، انظروا إلى كلمة كرستوفان بواركيه (الوزير الأسبق للتخطيط والاقتصاد في البرازيل) يقول: «إن الستار الحقيقي انتهى وحل مكانه ستار ذهبي، والستار الذهبي يحمي الأثرياء من الفقراء».

والسؤال: هل نستطيع - أمام جيش حاقد ناقم من خمسة وخمسين مليون عاطل عن العمل في الوطن العربي، وهي تركتنا لأبنائنا وأحفادنا - أن نجلس مكتوفي الأيدي؟ أم آن الأوان لأن نبحث عن ميثاق اجتماعي عربي إسلامي للتركيز على الأهم، والأهم مرة ثانية هو ليس الكسب السريع، إنما الأهم هو تنمية هذا الجيل وتحصينه من أشكال الاستعمار المختلفة.

 

 

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية





الأمير الحسن بن طلال، مؤسس ورئيس منتدى الفكر العربي، يتسلم درع (اليوبيل الذهبي لمجلة العربي)، من رئيس تحريرها الدكتور سليمان إبراهيم العسكري





بعض أغلفة كتب الأمير الحسن بن طلال





الأمير الحسن: آن الأوان لنبدأ حوار جنوب الجنوب، وأن نبني من جديد علاقتنا مع مشارقة المهجر في أمريكا اللاتينية





الأمير الحسن: خير مثال على التواصل في الكويت، مفهوم آداب المجلس، الذي تطور من خلال الديوانيات





د. العسكري يسأل والأمير الحسن يجيب: حوار في الفكر والثقافة والتاريخ





لقطة تذكارية للأمير الحسن، وإلى يساره الشيخ فيصل المالك الصباح وكيل وزارة الإعلام، وإلى يمينه السفير عبدالله بشارة الأمين العام السابق لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأستاذ محمد نقي رجل الأعمال الكويتي