المرأة وموقع اتخاذ القرار

المرأة وموقع اتخاذ القرار

إن دخول المرأة ميدان التعليم والعمل كان واسعاً وفعَّالاً، بيد أن دخولها مجال العمل السياسي كان بطيئاً. ومع الإقرار بأهمية وجود المرأة في مواقع سياسية عالية فإن النسبة الضئيلة في وجودهن بين صانعي القرار الاقتصادي والسياسي على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والدولي يدل على وجود حواجز هيكلية، ومواقفية تتعين مواجهتها باتخاذ تدابير إيجابية. ولكي يكون تأثيرها حقيقياً وفاعلاً في الحياة السياسية لا بد من وجودها بشكل أكبر في قيادة الأحزاب، والوزارات، ومجلس الشعب والنقابات.

هناك مشكلة تتعرض لها المرأة المسئولة بحيث تصبح أقل فاعلية في المسائل التي تخص النساء، وذلك بسبب الضغط الذي يمارس عليها من أجل أن تتصرف كالرجال، بحيث تثبت أهليتها للمنصب الذي تسلمته. وأي امرأة تحاول أن تدخل في عملها وجهة نظر إبداعية تؤدي بشكل أو بآخر إلى تغيير ما، فهي إما تُتهم بمعاداة الرجال أو تخريب المؤسسة التي تعمل فيها. وهذا دليل التنشئة الاجتماعية والقولبة السلبية للمرأة والرجل، بما في ذلك القولبة عن طريق وسائل الإعلام، التي تؤكد الاتجاه المتمثل في استمرار جعل صنع القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي حكراً على الرجل.

وفي تعريف السياسة، يشير مجمل الباحثين والمحللين والفلاسفة إلى أنها أي السياسة- هي فن قيادة الشعوب وإدارتها، أي أنها تتضمن عنصراً فنياً، وكلنا يعلم أنه من متطلبات الفن، الذوق، والحدس والإبداع، بالإضافة إلى قدرات عقلية كبيرة تتوافر في أنوثة المرأة وإذا أمعنا النظر قليلاً، لاستطعنا رؤية واقع السياسة في وقتنا الراهن كما هي.. إنها سياسة القطب الواحد نسجت خيوطها العنكبوتية الولايات المتحدة الأمريكية، بالتعاون مع الصهيونية العالمية، فنشرت هذه الخيوط ووزعتها بدقة حول دول العالم بأسره مكثفة إياها في دول العالم الثالث والوطن العربي لإيجاد البديل عن الاستعمار القديم مسخرة لذلك وبدهاء كل التناقضات التي يزخر بها العالم العربي والتي من أهمها انفصام الشخصية العربية عن فكرها وموضوعيتها، انفصام الفرد عن قيم مجتمعه، انفصام الشعب عن نظام الحكم، فضلاً عن انقسام طبقات المجتمع إلى طبقة فقيرة وأخرى متوسطة وثالثة غنية، وبالتالي انقسام كل طبقة من هذه الطبقات إلى طبقات متعددة. إلا أن الانقسام الأكبر الذي نعانيه في مجتمعنا، هو الانقسام بين نصفي المجتمع المرأة والرجل، إنه بمعنى أدق، انشطار بين كائنين من المفترض أنهما شريكان!! إنه انشطار الأسرة على نفسها وضمورها، تلك الأسرة التي لطالما تغنى العرب برسوخها وانسجامها وتعاضدها، وكثيراً ما تفاخروا على الغرب بميزاتها في حماية المجتمع وقيمه، وتقاليده وأخلاقه. إلا أن ما تفاخروا به مع الأسف لم يعد يسري في يومنا هذا لأسباب متنوعة ومتعددة، من أهمها شل قدرات نصف المجتمع وتحييدها عن المجريات السياسية المحلية والعالمية.

واقع المرأة العربية

ويمكننا تقسيم واقع المرأة العربية اليوم إلى ثلاثة أنماط : فهي إما غنية تشغلها الترهات من اللهاث وراء المكياج، والألبسة الأجنبية، وملاحقة آخر صيحات الموضة. أو أنها فقيرة تسعى في الوظائف المكتبية لما يسند راتب زوجها في معيشة الأسرة، وأخيراً القلة القليلة من المثقفات اللواتي يحاولن الولوج إلى معترك السياسة والقيادة، وهؤلاء يواجهن سيلاً عارماً من الانتقادات وكأن هناك صفارة إنذار تنبههن لأنهن تجاوزن الحدود.

لقد نسي العرب أو تناسوا كم نحن بحاجة إلى كل عقل مفكر سواء أكان حامله امرأة أو رجلا كي يساهم في المكائد التي حاكتها سياسة القطب الواحد. وإني لأتساءل عن الجدوى من تهميش قدرات المرأة في القيادة والتخطيط والسياسة. كما أني أصاب بالذهول من رأي المرأة نفسها واقتناعها التام بعدم جدواها في الحياة السياسية التي هي مكوك الحياة وعصبها، لكن هذا الذهول يتلاشى في نفسي عندما ألمس الطريقة التي تربت على أساسها المرأة، إنها طريقة لاتزال قائمة على الخنوع والاستسلام والسلبية تجاه كل كائن حي على هذه الأرض، فللجميع حق التحكم بها بدءاً بأسرتها وأبنائها وإخوتها، وزملائها في العمل، وانتهاءً بمصممي الأزياء ومروجي المكياج والمجوهرات الذين يستخفون بعقلها ويسخرون منها. ولابد من الإشارة هنا إلى تعريف القيادة حسب حامد عبد الله ربيع : فهي ظاهرة اجتماعية أولاً، فردية ثانياً، نفسية ثالثاً، نظامية رابعاً. كما أن للقائد خصائص نفسية مميزة وهي:

- القدرة العالية على الاحساس بكل صغيرة وكبيرة (الحساسية العالية).

القدرة على تجاوز الألم الذاتي والإحساس بآلام الآخرين.

القدرة على التخيل، تخيل المستقبل وتوقع ما يمكن أن يكون من نتائج الأحداث.

القدرة على اتخاذ القرار في المواقف الحاسمة.

هذه الخصائص هي أهم ما يميز البنية النفسية للقائد، ولو أمعنا النظر في هذه الخصائص، لوجدنا أنه ليس هناك ما يمنع من ولوج المرأة معترك الحياة السياسية لتوافر هذه المميزات في شخصيتها. في الوقت الذي نلاحظ فيه أن أغلب القياديين في عالمنا العربي يفتقدون بعضاً أو كلاً من هذه الصفات.

على أي حال، للمرأة الحق كأي فرد في المجتمع بالانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في السياسة الداخلية والخارجية، وكذلك في تسلم مناصب قيادية.

المرأة والعمل السياسي

أما عن وجودها في مجال العمل السياسي فهناك حالات : الحالة الأولى، أن تكون المرأة غير عاملة فنجدها لا تقرأ ولا تسمع ولا تشاهد أي نقاش أو حوار سياسي، فهذا أمر خارج نطاق اهتمامها. الحالة الثانية، وهي المرأة العاملة التي تبرمجت على عملها الروتيني وأصبحت تقاوم كل تجديد أو تغيير، فهي غالباً ما تشغل مناصب ليست ذات أهمية، ولا تهتم بالمواضيع السياسية إلا في القليل الذي يتطلبه عملها كأن يتطلب بقاؤها في عملها التصويت لانتخاب مدير عملها للمنصب المرشح لشغله. أما الحالة الثالثة فتشمل النساء اللواتي استطعن الوصول لمناصب سياسية مهمة، والمرأة في هذه الحالة على نوعين : امرأة مثقفة تملك القدرات القيادية والمؤهلات الثقافية وترى الحقائق كما هي وتشعر بواجباتها وتحاول القيام بها ولكنها لا تملك الحرية الكافية لاتخاذ قراراتها، أو أن لديها كادر عمل غير كفء تسوده المصالح الشخصية، وتواجه بسيل عارم من الهجوم كونها امرأة بدافع خوف شديد من تسلمها منصباً أعلى أو الخوف من كشف ما هو مستور!!! أو أنها من النوع الثاني : وهي لا تملك أي مقومات القيادة إنما وصلت إلى المنصب عن طريق المحسوبيات ! اكتفت بالعمل الدءوب للحفاظ على هذا المنصب وهي ليست معنية بأي مصلحة عامة.

إن ما تمَّ ذكره من معوقات لدخول المرأة معترك السياسة ومشاركتها في صنع القرار مشاركة فعالة لا ينطبق على المرأة وحدها، بل يشمل أغلب الرجال ممن هم في مراكز صنع القرار في العالم العربي، وذلك بسبب ارتباطهم بالتخطيط الأمريكي الذي يستهدف استغلال واستثمار دول العالم الثالث.

ومن المؤسف أنه عندما تتم مناقشة حقوق المرأة في المجال السياسي كحقها في الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي - نجد استسلاماً من المرأة لنفسها، وتفضيلها البقاء على الهامش والاكتفاء بدورها كمستهلكة لكل ما ينتجه ويروجه الغرب من أفكار وسلع. فهي تؤمن بالادعاءات التي صيغت لإبعادها عن المعترك السياسي، والتي يمكن أن نوجزها في:

أولاً- أن المرأة ضعيفة جسدياً ولا تملك القوة على المواجهة وتحمل المحن، فهي تمر في ظروف حمل وولادة، وكذلك في مرحلة الطمث ينتابها توتر وضعف جسدي وانفعالي شديدان، إضافة لذلك : فإن الوضع الفيزيولوجي للمرأة هو مؤقت، كما أنه يختلف من امرأة لأخرى، وقد أثبتت التجارب العلمية أن المرأة تصبح أكثر نشاطاً في مرحلة ما بعد الولادة، وكذلك بعد مرور فترة الطمث. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرجل أيضاً، يمر بحالات فيزيولوجية قد تؤذي عمله كقيادي وتحرف مسار قراراته، وفي التاريخ أمثلة كثيرة عن الويلات التي جلبها سقوط القادة في براثن الإغواء على بلادهم.

ثانياً- خوف المرأة من دخولها المجال السياسي. فهي تخاف بسبب ضعفها العضلي، وطبعاً هذا ليس بمبرر لأن عصرنا عصر القوة الفكرية والمادية، فضلاً عن أن السياسة مجهولة بالنسبة لها، فهي تخاف على أنوثتها إذا قرأت أوسمعت أو شاهدت أو شاركت في النقاش السياسي، وهذا ما خلفته التربية الذكورية السلطوية من سيئات. لا يمكنني أن أنسى ما شاهدته يوماً في إحدى القنوات العربية مغنية في خريف العمر إلا أنها تبدو في ربيع شبابها، تجيب عن سؤال حول سر شبابها الدائم بأنه يكمن في كونها لا تستمع إلى الأخبار ولا يعنيها ما يجري في العالم من حروب وويلات، فهي ترى الجانب المشرق من العالم، وهي حسب ما تراه يكمن في الحياة اللاهية، والتسوق، وقراءة الفنجان، ومشاهدة كرة القدم.

ثالثاً- حجتهم بأن المرأة عاطفية انفعالية قد تأخذ قرارات غير موضوعية، حجة لا أساس لها من الصحة فحساسية المرأة هي أمر إيجابي، وهي من متطلبات الشخصية القيادية، أما كونها انفعالية فهذا يعود للموروث في التربية، التي تنميها في المرأة، وتعزز لديها الانفعالات القوية.

السلم والمسالمة

ويمكننا هنا الإشارة إلى أمرين اثنين، أولهما- كره المرأة للعنف إلا إذا أجبرتها الظروف لانتهاجه. وثانيهما- صلاحية المرأة للعمل السياسي فهي في طبعها دائماً تتجه نحو السلم والمسالمة حتى لو كانت في موقع اتخاذ قرار سياسي. أعود إلى الوراء ولسنوات قليلة لأذكر أن (مارجريت تاتشر) خلال ثماني سنوات من وجودها في الحكم وأنا هنا لا أمتدحها وأمتدح قومها الذين تركوا في صدورنا خنجر إسرائيل ينزف حتى اللحظة لم تؤذن سوى بحرب (الفوكلاند القصيرة). وفي مقارنة مع ما جرى أيام نظيرها (توني بلير) الذي شارك في أكثر من حرب.

أخيراً، لا بد من التأكيد على حق المرأة في المشاركة السياسية، وذلك بعد توفير ما تحتاج إليه من تدريب على المهارات القيادية، وأهمها مهارة اتخاذ القرار، والتي يفتقدها كثير من الرجال في المراكز القيادية والإدارية، كما لها الحق في المشاركة في بناء المجتمع إلى جانب الرجل، ولا يمكن تهميشها لأننا بأمس الحاجة إلى أفكار وعقول قيادية منفتحة لمواجهة جميع المخططات التي حيكت وتحاك لتفتيتنا وسحقنا إلى مواد خام، لتصنيع موالين ومتخاذلين لخدمة مصالح القوى الخارجية.

 

 

عزيزة السبيني