مجلس التعاون الخليجي متى يصل إلى مرحلة التكامل؟

 مجلس التعاون الخليجي متى يصل إلى مرحلة التكامل؟

أثار قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو 1981 جدلاً بين الباحثين والمراقبين بشأن تأثير ذلك على جامعة الدول العربية. فكان هناك رأي يرى أن قيام مجلس يتضمن مجموعة من الدول العربية دون غيرها يمثل إضعافاً للجامعة العربية, ويفتح الباب لانعزال هذه المجموعة عن التفاعلات الأوسع التي تتم في إطار الجامعة, وقد يؤدي في الممارسة إلى وجود (كتلة تصويتية) في داخل دورات انعقاد مجالس الجامعة واجتماعاتها الأخرى. ووصل بعض أصحاب هذا الرأي إلى القول إن قيام المجلس هو بمنزلة اعتراف بفشل الجامعة, وبتدهور مكانتها.

أما الفريق الآخر, فقد نظر إلى إنشاء المجلس على أنه خطوة متقدمة في مجال التنسيق بين الدول العربية, وأن المجلس لم ينتزع أي مهام أو اختصاصات تضطلع بها الجامعة, وأن قيامه هو تطبيق للمادة التاسعة من ميثاق الجامعة التي تنص على أن: (لدول الجامعة العربية, الراغبة فيما بينها في تعاون أوثق وروابط أقوى مما نص عليه الميثاق, أن تعقد فيما بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الأغراض). وقد حرص النظام الأساسي لمجلس التعاون على النص على أن إنشاء المجلس يأتي: (تمشيا مع ميثاق جامعة الدول العربية الداعي إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى). ووصل أصحاب هذا الرأي ـ خلافا للرأي السابق ـ إلى أن إنشاء المجلس هو دعم للجامعة, ويمكن أن يكون أداة لتطبيق سياساتها على المستوى الخليجي, آخذاً في الاعتبار العلاقات الوثيقة التي تربط هذه الدول, والتشابه في أنظمتها السياسية وهياكلها الاجتماعية.

وقد انعكس هذا المعنى في ديباجة النظام الأساسي للمجلس, حيث تذكر أن المجلس نشأ بين هذه الدول: (إدراكا منها لما يربط بينها من علاقات خاصة, وسمات مشتركة, وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية, وإيماناً بالمصير المشترك ووحدة الهدف الذي يجمع بين شعوبها, ورغبة في تحقيق التناسق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين).

إذا كانت الفقرات السابقة تلخص الجدل النظري الذي ثار في السنوات اللاحقة لإعلان إنشاء المجلس, فماذا حدث في الممارسة?

عناصر إيجابية

للوهلة الأولى, فإنه يحسب لمجلس التعاون عدد من العناصر الإيجابية, يمكن عرضها على النحو التالي:

1 ـ انتظام دورات انعقاد المستويات التنظيمية والمؤسسية المختلفة للمجلس, فمنذ إنشائه, في 1981, انتظم انعقاد اجتماعاته السنوية على مستوى رؤساء الدول, تطبيقا لنص المادة 7 فقرة 2 من نظامه الأساسي, التي نصت على أن يجتمع المجلس دورة عادية كل سنة. هذا بالإضافة إلى انتظام اجتماعات وزراء دول المجلس في المجالات المختلفة.

2 ـ انعقاد قمة المجلس بالتناوب دورياً, بين دوله الست, مما أعطى الشعور لكل الدول الأعضاء بالمشاركة في استضافة اجتماعات القمة.

3 ـ التناوب في جنسيات من تولوا وظيفة الأمين العام للمجلس, فتولاها عبد الله بشارة (الكويت), ثم الشيخ فاهم القاسمي (الإمارات), ثم جميل الحجيلان (السعودية).

4 ـ التنسيق في السلوك السياسي والدبلوماسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وحسب ما توصل إلـيـه د. نايف علي عبيد, في كتابه المعنون: (مجلس التعاون لدول الخليج العربية من التعاون إلى التكامل) فقد ارتفعت النسبة المئوية للتماثل في السلوك التصويتي, لدول المجلس في الجمعية العامة, من 33.75% في العامين السابقين لقيام المجلس (1980 ـ 1978), إلى 64.17 بعد قيام المجلس.

5 ـ إبرام عدد من الاتفاقيات الاقتصادية في مجالات شتى, مثل: السياسات التشريعية الضريبية, والرسوم الجمركية, ونظم التصدير, وأهمها الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي طرحت هدف إقامة سوق خليجية مشتركة, كما قام المجلس بالتفاوض مع دول الاتحاد الأوربي, وتم توقيع الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي بين الطرفين في يونيو 1988.

وتتضح دلالة تلك العناصر الإيجابية, بالنظر إلى الظروف التي أحاطت بنشأة المجلس وبتطوره, والتي طرحت تحديات جمة على أمن دوله, وتضمنت هذه الظروف: التدخل السوفييتي في أفغانستان عام 1979, ونجاح الثورة الإسلامية في إيران, وما طرحته من تداعيات سياسية في المنطقة, خصوصاً تلك التي ارتبطت بفكرة تصدير الثورة ونشر أفكارها, ثم نشوب الحرب العراقية/الإيرانية التي استـمـرت قرابة عقد من الزمان, وما أن وضعت أوزارها حتـى وقع الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990, وما ترتب عليه من انقسامات وتصدعات في المنطقة العربية.

مصادر التهديد

وإذا كان تماثل شكل النظم السياسية السائدة في دول المجلس, وتقارب البنى الاقتصادية والاجتماعية بينها, وكذا التقارب في نمط الثقافة والقيم السائدة, قد مثل مصدر القدرة على التنسيق السياسي بين دوله, وأكسبه تلك العناصر الإيجابية سالفة الذكر, فإن اختلاف إدراك النخب السياسية الحاكمة لمصادر التهديد, وأولويات التهديدات, وكذا الخلافات الحدودية فيما بينها, كان مصدراً للتباينات في المواقف السياسية بين دول المجلس.

ولعله من الجدير بالذكر في هذا المجال عدم ورود تعبير (الأمن) أو (التعاون الأمني) في النظام الأساسي للمجلس, وربما رجع ذلك إلى عدم رغبة دول المجلس في استثارة أطراف إقليمية أخرى, أو شعورها بصعوبات التنسيق في المجالات الأمنية, ومع ذلك, لم تخل قمة لقادة دول المجلس من مناقشة قضايا تندرج تحت الموضوع الأمني, وبرزت التباينات في إدراكات ومواقف دول المجلس بشأن تلك القضايا.

وعلى سبيل المثال, ففي مجال التنسيق بشأن مخاطر الأمن النابعة من الداخل, أقر مؤتمر وزراء داخلية دول المجلس, المنعقد في الرياض في فبراير 1982, أهمية توقيع اتفاقية أمنية شاملة, ولكن نظراً للاختلاف حول أبعاد هذه الاتفاقية, فإنها لم توقع إلا في عام 1987, ومع ورود تحفظات للكويت.

كما مثلت النزاعات حول الحدود مصدراً آخر للتباين في المواقف, مثل: الخلاف بين قطر والبحرين حول جزر (حوار), الذي نشب في 1982, وحول (فشت الديبل) في عام 1986, أو الخلاف بين قطر والسعودية الذي تجدد في عام 1993.

وإذا كانت النزاعات الحدودية, بحكم التعريف, مثيرة للفرقة, لارتباطها بسيادة الدولة وإقليمها, فقد زاد من خطورتها في حالة المجلس, غياب آلية مؤسسية ذات مصداقية وفعالية لحل المنازعات بالطرق السلمية. فهيئة تسوية المنازعات, التي نص عليها النظام الأساسي للمجلس, لا تصدر سوى توصيات, ولاتتمتع بصلاحيات قانونية.

الدفاع الجماعي

كما انعكس التباين بشأن مصادر التهديدات, وكيفية التعامل معها, في آلية الدفاع الجماعي التي انبثقت عن المجلس, فمع أن هذه الآلية, التي تمثلت في قوات (درع الجزيرة), بدأت أولى تمارينها في أكتوبر 1983 بدولة الإمارات, ثم أولى مناوراتها في سبتمبر 1984 في حفر الباطن بالسعودية, فقد استمر الاختلاف في وجهات النظر بشأن: حجم هذه القوات, وأهدافها, ومجالات عملها, ومراكز تجمعها, وانعكس نفس الاختلاف بشأن إنشاء جيش خليجي موحد, مما أدى إلى تراجع الفكرة واختفائها.

وظهر هذا التباين في تنوع مواقف دول المجلس تجاه الحرب العراقية/الإيرانية, كما ظهر بشأن قضايا أخرى مثل: العلاقة مع إسرائىل, والمشاركة في مؤتمر التعاون الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي انعقد في قطر في 1997, والذي حضرته وفود رسمية من نصف الدول أعضاء المجلس بينما غاب عنه النصف الآخر,وأخيرا في الموقف تجاه إيران.

أما على المستوى الاقتصادي, فعلى الرغم من تعدد الاتفاقيات الثنائىة والجماعية بين دول المجلس, بشأن التعاون والتنسيق الاقتصادي فيما بينها, وأبرزها: (الاتفاقية الاقتصادية الموحدة), فإن التجارة البينية لدول المجلس والاستثمارات المشتركة فيما بينها ظلت محدودة وشأن المجلس في ذلك شأن جامعة الدول العربية.

وعبر مسيرة المجلس, حدث تطور على مستوى الخطاب السياسي يتصل بقضية الأمن, فطوال عقد الثمانينيات أكدت بيانات قمة المجلس أن أمن الخليج هو مسئولية دوله, وليست مسئولية أي قوة خارجية, وفي الدورة الأولى لقمة المجلس, أشار البيان الختامي إلى أن (أمن المنطقة واستقرارها إنما هو مسئولية شعوبها ودولها,وأن المجلس إنما يعبر عن إرادة هذه الدول وحقها في الدفاع عن أمنها وصيانة استقلالها), وأكد على رفض دول المجلس لأي تدخل أجنبي في المنطقة مهما كان مصدره. كما أكدت بيانات المجلس أن أمن الخليج لاينفصل عن الأمن العربي.

وفي الدورة الثانية لقمة المجلس بالرياض في 1981, نوقشت قضية صياغة استراتيجية دفاعية مشتركة, وتقرر دعوة وزراء الدفاع للاجتماع (من أجل تحديد الأولويات التي تحتاج إليها دول المجلس من أجل تأمين استقلالها وسيادتها). وبالفعل, تم وضع وثيقة السياسة الدفاعية, التي أقرها اجتماع وزراء الدفاع والخارجية في اجتماعهم في (أبها) بالمملكة العربية السعودية في سبتمبر 1984, وصدق عليها المجلس الأعلى في دورته الخامسة بالكويت في نوفمبر 1984, كما صدق المجلس الأعلى, في دورته السادسة بمسقط في 1985, على التصور الاستراتيجي للدفاع عن دول المجلس الذي أقره وزراء دفاع دوله الأعضاء. واعتبر أن أمن دول الخليج لايتجزأ, وأن التهديد الذي تتعرض له بعض دول المجلس يمثل تهديداً لجميع دوله.

الاعتماد على الذات

وإذا كانت كل هذه الجهود قد انطلقت من الناحية النظرية على مبدأ الاعتماد على الذات بما يضمن صيانة استقلال وسيادة الدول الأعضاء, فقد تعرض هذا المفهوم إلى هزة كبيرة وتصدع رئيسي في أعقاب غزو العراق للكويت, والذي أدى إلى دعوة الوجود العسكري الأجنبي إلى المنطقة.

لقد واجه مفهوم الأمن الذي طرحه المجلس خلال سنوات الثمانينيات والمرتبط بالاعتماد على الذات, عدة مشكلات: أولاها, محدودية القدرات العسكرية التي تمتلكها دول المجلس, وخصوصاً القدرات البشرية, وثانيها, التناقض الصارخ بين حجم الثروات التي تمتلكها الدول الأعضاء وقدرتها على توفير حمايتها, بالنظر إلى التهديدات القائمة والمحتملة. وثالثها, الاختلافات والتباينات بين دول المجلس بشأن أولويات التهديد وآليات التعامل معه, ترتب على ذلك أن مفهوم الاعتماد على النفس, الذي أعلنه المجلس في بياناته, لم يتحول إلى واقع إلا عندما حدث الغزو العراقي للكويت.

وفي النهاية, ينبغي أن نذكر أن المنظمات الإقليمية سواء جامعة الدول العربية أو مجلس التعاون, لاتملك سلطة تعلو سلطات أعضائها, ولاتملك أن تمارس اختصاصاً لا تسمح به الدول الأعضاء. ومن ثم, فإن فعالية أو كفاءة أي تنظيم إقليمي ترتبط بشكل العلاقات بين الدول الأعضاء. فإذا تعاونت وتقاربت ونسقت فيما بينها, يكون لتنظيمها الإقليمي القدرة على العمل, أما إذا تنازعت وتباينت مواقفها, فإن التنظيم الإقليمي يقف مكتوف الأيدي.

وفي هذا السياق, فقد تبلورت إرادة دول الخليج في إنشاء المجلس واستمراره كإطار عام للتنسيق بين الدول العربية المطلة على الخليج. وهو بالتأكيد أفضل حظاً من مثيليه: مجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي. وخصوصاً, أن نصف أعضائه حصلوا على استقلالهم السياسي من بداية السبعينيات, ومارسوا التعاون الإقليمي والدولي في نفس الوقت الذي كانوا يقومون فيه بمهام بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الداخل, وهذا أمر يحسب لمجلس التعاون الخليجي.

 

علي الدين هلال