نواكشوط عاصمة تتحدى العشوائية صادق يلي تصوير: فهد الكوح

نواكشوط عاصمة تتحدى العشوائية

كانت العشوائية هي المصير الذي حكم مولد هذه العاصمة العربية. فعندما اختار المسئولون في موريتانيا عام 1958 تلك القطعة من الأرض السبخة والشديدة الملوحة كانت ميزتها الوحيدة هي توسطها لقلب البلاد بين الشمال والجنوب. ثم توالت المشاكل عندما اكتشف أن أقرب مصدر للمياه العذبة يبعد عنها بأكثر من خمسين كيلو متراً كما أنه لا يوجد بالقرب منها جبال يمكن استخدام أحجارها في البناء، وحتى ساحل المحيط كان بعيداً وضحلالا يصلح أن يكون ميناء طبيعيا. وبرغم كل هذه الصعاب فقد قامت ونمت مدينة "نواكشوط".

مدينة حديثة وسط الصحراء، وبرغم كل شيء فقد رضى بها الموريتانيون، فانتقلت الحكـومة التي كان مقرها في مدينة سان لـويس على نهر السنغال في جنوب البلاد إليها، ووضع المسئولون مخططـا لمدينة ذات وظيفة إدارية، وقدروا أن سكانها سيصل عددهم للى ثمانية آلاف مواطن فقـط بحلول عام 1970، إلا إن عدد السكـان تجاوز هذا الـرقم منـذ السنوات الأولى  لتأسيس المدينـة فقـد بلغ عـام 1970 أربعين ألف نسمة، أي خمسة أمثال ما كـان مقدرا له، وذهلت السلطات أمام تلك الزيادة التي لم تكن متوقعة وكإجراء وقائي أوقفت الحكومة توزيـع قطع الأراضي التي كانت تتم سنويا، وأصدرت قـرارا بوقف البناء، وبدأت في وضع سياسـة تخطيطيـة جديـدة تستطيع احتواء هذا التدفق الهائل على العاصمة، ولكن المشاكل بدأت تبرز تباعـا، مشـاكل تتعلق بتوفير المياه وأخرى تخص الخدمات الصحيـة من مستـوصفات ومستشفيات وكـذلـك مشـاكل الإسكان والمدارس. ومع ذلك استمرت الزيادة خلال السنوات الخمس التالية، إلى أن بلغ عدد السكـان في عام 1975 مائة وخمسة آلاف نسمة، وما زاد الطين بلة أن موريتانيا ابتليت ما بين الأعوام 69 إلى 73 بفترة جفاف شديدة أدت إلى نزوح المواطنين من الصحراء والقرى إلى العاصمة للبحث عن عمل والبحث عن سكن، حيث تكون العواصم عادة في الفترات العصيبة هي المكان المفضل الذي يلجأ إليه الناس لاعتقادهم بأنها المكـان المناسب الذي يجدون فيه قوتهم اليومي.

واستمر تدفق النازحين إلى العاصمة بمعدل وصل إلى 23% سنويا وهو من المعدلات العالية عالميا كما يقول الـدكتور عمد ببا ولد محمد ناصر الأستاذ بجامعة نـواكشوط قسم الجغـرافيا في دراسـة أعدها عن تطور مدينة نواكشوط.

لقد أخذت المدينة تنمو نموا عشوائيا دون مراعاة للخطط التي وضعت لنموها، وقد حاول المسئولون أن يحلوا المشكلة إلا أن الأعداد الغفيرة القادمة من الصحراء ومن الـريف مع استمرار الجفاف الذي بقي واستمر نحو 95 سنة حالت دون نجـاح الخطط لاحتواء هذه الزيادة غير الطبيعية. وأضاف مدير عام الإسكان المهندس سيد محمد ولد السالم متمما الحديث السابق: لقد قامت الحكومة ممثلـة في وزارة الإسكان والمياه بوضع مخطط عمراني يأخـذ بعين الاعتبـار مشاكل التدفق السكاني غير الطبيعي فعمدت جاهدة للقضاء على المساكن العشوائية التي أقامها السكـان في سنوات الجفـاف، فقـد تم إنشاء وتخطيط أحياء سكنيـة للمواطنين الذيـن كانوا يعيشون في المناطق العشوائية، وقد انتقل المواطنون إلى هذه الأحياء السكنية التي أصبحت أحياء سكنية مخططـة ومزودة بالخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ومرافق صحية ومدارس، ومازالت العملية متواصلة.

تستهدف الخطة إزالة جميع البيوت العشوائية وبناء أحياء سكنية لما يقرب من 220 ألف شخص، وقد تم تهيئة وتجهيز مناطق لإيواء هذه الإعداد الكبيرة من المواطنين.

وقد لاحظنا جانبا من هذه الخطة أثناء تجوالنا في أحياء المدينة فهناك اتساع وتمدد للمناطق السكنية الجديدة والفارق الذي لمسناه عن أخر مرة قمنا بزيارة نواكشوط عام 1989 كان كبيرا فالمدينة لا تتسع صوب الساحل لوجود الكثبان الرملية، بالإضافة إلى ملوحة التربة حيث أن البناء عليها يحتاج إلى أنواع خاصة من مادة الأسمنت المقاوم للملوحة وهو غالي الثمن. وهذه المشكلة هي أهم مشكلة تعانيها مدينة نواكشوط، وهي تمنع المدينة من الاتساع في اتجاه البحر. ونتيجة لذلك أصبح المطار داخل أحياء المدينة، بما يسببه من ضوضاء وتلوث وبعض المشاكل الأمنية. وسألنا مدير الإسكان المهندس سيد محمد ولد السالم عن إمكان توسع المدينة وفي أي اتجاه أجابنا قائلا: أن مدينة نواكشوط يمكن أن تتوسع من الناحيتين الشمالية والجنوبية فقط، أما من الناحيتين الشرقية والغربية فاتساعها مستحيل، فمن ناحية الغرب هناك البحر ورماله المالحة، أما من الناحية الشرقية فتوجد الكثبان الرملية الزاحفة، لقد فكر المسئولون بإقامة مشاريع لتثبيت الرمال، وذلك بـزراعة أنواع من الأشجار الحرجية، وإقامة واحة خضراء حول المدينة، إلا أنها لا تزال مشاريع في بداياتها، ونظرا لعدم توافر المياه بكميات وفيرة فالمشروع لا يزال في بداياته ويحتاج إلى كثير من الجهد والمال.

بحيرة الترارزة العذبة

لقد واجهت مدينة نواكشوط عند تأسيسها مشكلة من اعقد المشاكل وهي عدم وجود مصادر للمياه العذبة بكميات وفيرة، فانحصر التفكير في البداية في إنشاء مصنع لتحلية مياه البحر، ولم يكن هذا الحل يفي بالغرض، فقامت السلطات الإدارية بالبحث عن مصادر للمياه الصالحة للشرب، ولحسن الحظ اكتشفت بحيرة مياه عذبة تبعد عن نواكشوط مسافة 60 كيلو مترا تسمي بحيرة الترارزة، وكان اكتشافا ثمينا فتمت في الحال إجراءات تزويد المدينة من مياه البحيرة العذبة من محطة "ويتي" حيث يتم فيها ضخ المياه بكميات وافية وكافية للاستهلاك الإنساني والصناعي بالإضافة إلى زرع مساحات محدودة من الخضراوات الضرورية واستطاعت العاصمة بذلك أن تجد حلا لمشكلة المياه الصالحة للشرب، وقد ذكر لنا أحد المسئولين في وزارة الإسكان والمياه أن الوزارة أجرت دراسات تؤكد أن بحيرة الترارزة تكفي مياهها لمدة قد تصل إلى 150 سنة، وبمعـدلات استهلاك متـوسطة، إلا أنه يجب أن تتوافر مصادر مياه عذبة جديدة في حالة توسع المدينة وحدوث زيادة في معدلات استهلاك المياه سواء للشرب أو الاستخدام الصناعي أو الزراعي.

مع والي المدينة

وحتى تكتمل الصورة للمدينة ذهبنا إلى والي المدينة ومدير بلدية نواكشوط الأستاذ محمد ولـد ارزيزيم كي يحدثنا عن جانب آخر عن العاصمة، قال: نواكشوط مدينة حديثة النشأة، وهي مقسمة إلى تسع مقاطعات، وتقوم إدارة البلدية بتوفير كل الخد مات الضرورية من كهرباء ومياه وتعليم وأمن وصحة، طرق وهواتف والاتصالات بجميع أشكالها كما تساهم بأعمال التنمية.

لقد قامت بلدية نواكشوط بتخطيط المناطق الصناعية والمهنية والتجارية ووالي المدينة عضو في المجلس الوطني وهو الذي يشرف على المخطط الهيكلي للمدينة، وعلى المناطق المخصصة للسكن حيث تقوم الولاية بتحديد مساحات البيوت المخصصة للأفراد، كما تقوم بتحديد الساحات والأماكن المخصصة للمرافق العمومية كالمدارس والمستشفيات والحدائق والمتنزهات بالإضافة إلى الأسواق والساحات العامة، أما المناطق المخصصة للصناعة والتجارة فهي تحت إشراف وزارة التجهيز ووزارة المالية. وعن السياسة المستقبلية التي تتبعها الولاية لنمو مدين نواكشوط، قال: إن أهم أهداف الولاية الآن هو إزالة جميع مظاهر البؤس والتخلف التي ظهرت مع بداية تأسيس المدينة، وأقصد بها المناطق العشوائية، فنحن الآن نقع بوضع حد لهذا البناء العشوائي وذلك بتوفير أماكن سكن لجميع هؤلاء الذين يحتلون هذه المساكن العشوائية في المدينة، كما أن خطتنا تتضمن إقامة حدائق ومتنزهات وساحات شعبية لتكون أمكنة ترويح يستطيع المواطن أن يقضي فيها وقتا ممتعا بعد يوم من العمل الشاق، وتتضمن الخطة كذلك إقامة متنزهات بحرية وأماكن ترويحية تخص عشاق البحر وأصحاب الرياضة البحرية. ويبذل المسئولون في كل من وزارة التجهيز والبلدية جهودا كبيرة لإيجاد أفضل الطرق في إقامة المباني وتحسين الوجه العام للمدينة مع استخلاص أفضل تصميم يلائم مناخ المدينة والمنطقة والتربة الموجودة في نواكشوط، فتربة نواكشوط سبخة ونسبة الملوحة بها كبيرة والمسئولون هنا يقومون بإعداد دراسات لاختيار أفضل أنواع مواد البناء المناسبة لهذه التربة والتي تتحمل الملوحة والجو الحار.ومن المشاكل التي تعاني منهـا مدينة نواكشوط طبيعة الشعب الموريتاني البدوي فالبدو عادة يحبذون العيش في تجمعات سكنية خاصة بهم، وهذه التجمعات مرهقة، وتحتاج إلى كميات كبيرة من مياه وكهرباء ومدارس وعيادات طبية، وهو ما يطلق عليه مسمى (التبعثر)، وتقوم بلدية نواكشوط الآن بتوجيه هؤلاء الناس إلى السكن في المناطق التي تخصصها الدولة ويتم تجهيزها بجميع الخدمات، وإجبار الناس على السكن في هذه المناطق، فإذا لم يمتثلوا تقوم البلدية بهدم كل بناء مخالف للقواعد التي تضعها.

ونتيجة للهجرة غير العادية التي تشهدها نواكشوط منذ نشأتها حتى لآن، كان لزاما على الدولة بناء العديد من المدارس لتواجه هذه الإعداد الكبيرة من الطلبة الوافدين، وبالفعل بلغ عدد مدارس المرحلة الأساسية وهي المرحلة الابتدائية 114 مدرسة تضم نحو 370 ألف تلميذ مقسمين على 796 فصلا دراسيا ومن المعروف أن الدراسة بالمرحلة الأساسية تمتد لمدة ست سنوات يدرس خلالها التلميذ مبادئ مختلف المواد الدراسية باللغة العربية بالإضافة إلى لغة ثانية وهي اللغة الفرنسيـة لمدة خمس ساعات أسبوعيا ابتداء من السنة الثالثـة في التعليم الأساسي. يقول المسئول عن إدارة التعليم الأساسي: لقد قمنا خلال العام الدراسي 1994- 1995 بتسجيل نحو 65 ألف طالب وهو ما يمثل 25% من تلاميذ المرحلة الأساسية، ولدينا الآن نحو 928 معلما وكذلك 22 مفتشا ومديرا جهويا يقومون بتدريس هذه المجموعة من الطلبة. وسألناه عن التعليم الخاص وهل توجد مدارس له فقال: أن التعليم الخاص بدأ عندنا حديثا، ويضم عدة مدارس موزعة على جميع مناطق مدينة نواكشوط، ووزارة التهذيب الوطني وهو اسم وزارة التعليم في موريتانيا تشجع هذا النوع من المدارس الخاصة، على أن تتبع هذه المدارس نفس البرامج التي تنتهجها وزارة التهذيب الوطني.

أما فيما يخص التعليم الثانوي فقد بلغت المؤسسات التعليمية الثانوية في مدينة نواكشوط نحو 16 مؤسسة يرتادها قرابة 20 ألف تلميذ ويمثل هذا العدد نصف عدد تلاميذ التعليم الثانوي على مستوي جمهورية موريتانيا. يقول الأستاذ المختار ولد اوفا مدير التعليم الثانوي الذي التقيناه في مكتبة في مبنى وزارة التهذيب الوطني وقام بالرد علي أسئلتنا أن لدينا الآن نحو 1128 مدرسا يمارسون التدريس بالمرحلة الثانوية من بينهم 4% أجانب وهم من الأخوة المصريين والتونسيين والمغاربة وكذلك مجموعة من الفرنسيين وتمتد مرحلة التعليم الثانوي إلى 6 سنوات دراسية منها ثلاث سنوات دراسية موزعة علي شعب ثلاث: هي الشعبة الأدبية، وشعبة العلوم، وشعبة الرياضيات.

جامعة وليدة

وتعد جامعة نواكشوط أحد الصروح الثقافية الوليدة في البلاد، فقد تأسست عام 1981 وبدأت بكليتين. هما كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية، بالإضافة إلى معهد عال للدراسات المهنية يتبع كلية العلوم القانونية. تنحصر مهمة الجامعة في تكوين الكوادر العليا، والإسهام في البحث العلمي بالإضافة إلى تدعيم القيم الثقافية العربية الإفريقية، وذلك بالتعاون مع الجامعات الأخرى. وفي لقاء مع الدكتور محمد ولد الخباز عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية قال: أن جامعة نواكشوط تضم الآن نحو 7233 طالبا موزعين على النحو التالي: كلية العلوم القانونية والاقتصادية طلبتها 4813 طالبا، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية وعدد طلبتها نحو 2360 طالبا، أما المعهد العالي للدراسات المهنية التابع لكلية الحقوق فعدد طلابه 60 طالبا. وأضاف الدكتور ولد الخباز قائلا: أن عدد الأستاذة الذين يقومون بالتدريس في جامعة نواكشوط 148 أستاذا من بينهم عشرون أستاذا أجنبيا بالإضافة إلى 160 موظفا إداريا يقومون بإدارة الجامعة.

رعاية صحية

يولي المسئولون في نواكشوط جانبا من اهتمامهم للنواحي الصحية، فمدينة ارتفع عدد سكانها خلال 35 سنة إلى نحو 600 ألف نسمة لا بد أن توضع لها سياسة ورعاية صحية لمواجهة هذه الأعداد الكبيرة التي زحفت إلى المدينة سعيا وراء لقمة العيش. يقول الدكتور محمد أدوم ولد محمد فال المدير الجهوي للعمل الصحي والاجتماعي لمنطقة نواكشوط الذي استقبلنا في مكتبه مرحبا وحدثنا عن المراكز الصحية الموجودة الآن في العاصمة قائلا: لا يخفى عليكم أننا واجهنا الكثير من الصعوبات أمام هذه المجاميع الكبيرة التي زحفت على العاصمة، وكان لا بد لنا أن نقوم بعمل جـريء وسريع لاستيعاب هذه الإعداد، وتوفير المراكز الصحية والدواء اللازم لها، وقد نجحنا والحمد لله في حل الجانب الأكبر من المشكلة، فنحن الآن لدينا مستشفى وطني كبير مجهز بالتجهيزات الطبية اللازمة والمناسبة، كما أن لدينا مستشفى للأمراض النفسية.

وهناك مركز وطني لتركيب وإعادة وظائف الأعضاء للمعاقين ومركز وطني للوقاية الصحية، ومجمع عيادات، وخمسة مراكز صحية فئة "أ" تحتوي على كل الأقسام الطبية مع قسم للحجز وتسعة مراكز صحية فئة "ب" لا يتم فيها الحجز، بالإضافة إلى ثمانية مراكز صغيرة يطلق عليها مسمى مستوصفات و 13 وحدة صحية متنقلة.

وتطبق الدولة سياسة تحصيل التكاليف العلاجية من المواطن فتقوم بشراء الدواء مقابل أن يدفع المواطن أجور تكلفة الدواء فقط، وفي كل مركز هناك لجنة وطنية منتخبة تتعاون مع مجموعة من الأطباء، وتقوم وزارة الصحة بشراء وتوفير الدواء للجمهور، وبهذه الطريقة يتم توفير الدواء بصفة مستمرة، وضمان مشاركة المواطنين أنفسهم في تسيير المصالح الصحية، كما أن الأسعار التي تباع بها هذه الأدوية في متناول الجميع بالإضافة إلى وجود العيادات والصيدليات الخاصة التي تسهم بدورها في هذا المجال ومن الجدير بالذكر أن موريتانيا تقوم ببناء وترميم وتجهيز معظم المراكز الصحية من فئة أو فئة ب في إطار مشروع الصحة والإسكان الممول من قرض البنك الدولي، وقد وضعت وزارة الصحة الموريتانية برنامجا وطنيا لحملات التلقيح، ففتحت مراكز ثابتة تعمل طوال السنة وتقوم فرق متنقلة بتلقيح الأطفال ضد الشلل والجدري والسل، وقد ارتفعت نسبة التلقيح في 85%. يقول الدكتور محمد أدوم ولد محمد فال: إننا نعاني من عدم إقبال المواطنين على مراكز التلقيح نتيجة لعدم وجود وعي صحي بضرورة التلقيح، إلا أننا لاحظنا ازدياد أعداد المواطنين الذين يحضرون أولادهم إلى مراكز التلقيح في السنوات الأخيرة مقارنة بالماضي بعد أن قمنا بحملة إعلامية موسعة وأقمنا المنشآت الصحية  بالقرب من التجمعات السكانية، المزودة بأعداد كبيرة من العاملين من أطباء وممرضين. وأضاف الدكتور أدوم قائلا: إلا أن ما نعانيه هو النقص الشديد في مجال التجهيزات والآلات الحديثة الضرورية للتشخيص، مثل المختبرات وأجهزة الأشعة  والأطباء المتخصصين والكادر الطبي.

ميناء الصداقة

ويعد ميناء نواكشوط البحري أو ميناء الصداقة أحد المرافق الاقتصادية المهمة للدولة الموريتانية، وقصة إنشاء هذا الميناء قصة طريفة حقا، فقد جرت العادة أن نشأ المدن حول الموانئ إلا أن الأمر بالنسبة لميناء نواكشوط مغاير كلية لهذا، فقد وجدت المدينة قبل أن يوجد الميناء، فعندما حصلت موريتانيا على استقلالها في عام 1960 كان الشعب في ذلك الوقت يعيش حياة بداوة خالصة، وبعد سنوات قليلة من الاستقلال بدأت الحكومة الموريتانية بإنشاء ميناء صغير حول نواكشوط، وسرعان ما اتضح أن ساحل نواكشوط ليس مؤهلا لأن يشيد عليه ميناء تجاري لأن الساحل المحاذي لنواكشوط مستقيم لا توجد به حماية طبيعية مثل الخلجان كما أن الشاطئ رملي مع وجود حركة للرمال، ولهذه الأسباب مجتمعة تقرر إنشاء مرفأ صغير عام 1963 وبدأ استغلاله عام 1966، وكانت طاقته لا تزيد على 50 ألف طن في البداية مع إمكان رفعها إلى 100 ألف بعد تدعيم تجهيزاته، وكان المرفأ يستخدم القوارب الصغيرة في نقل البضائع من السفن إلى الشاطئ، أما بقية مدن موريتانيا فكانت تستورد معظم وارداتها عبر ميناء داكار في السنغال، الذي يربطه بمدينة نواكشوط طريق بري معبد ولكن في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أخذت حاجة البلاد تزداد نتيجة للتطور المستمر في الاقتصاد والإنشاء والتشييد والتبادلات التجارية، وخصوصا مع ظهور لجفاف الذي ضرب سواحل إفريقيا الغربية وتدفق الآلاف من السكان إلى مدينة نواكشوط، ومن هنا بدأت الحكومة الموريتانية في إنشاء ميناء متطور باستطاعته أن يستوعب بواخر ذات حمولة كبيرة، وكانت جمهورية الصين الشعبية من الدول التي تكفلت بتمويل مشروع بناء الميناء وبذلت جهودا كبيرة وسريعة لدراسته وتشييده، ومنذ عام 1974 حتى عام 1979 كانت الفترة التي استغرقتها الدراسة وكذلك الأبحاث حول إمكان تشييد هذا المرفق، وفي بداية عام 1979 تم وضع حجر الأساس للميناء وفي عام 1986 انتهى بناء الميناء وبلغت تكلفته نحو 150 مليون دولار، وهي عبارة عن سلفة دون فائدة مقدمة من جمهورية الصين الشعبية مع فترة إعفاء بلغت عشر سنوات ومدة التسديد 50 سنة.

حدثنا الدكتور أحمد ولد محمدين مدير القبطانية والإدارة المكلفة تسيير الميناء قائلا: يتألف ميناء الصداقة أساسا من رصيف طوله 585 مترا وباستطاعته أن يستوعب ثلاث بواخر كبيرة، زنة كل واحدة 20 ألف طن وهذا الرصيف يربطه بالمنشآت الأرضية جسر طوله 75 متراً، أما الطاقة الاستيعابية لهذا الميناء فتقدر بـ 1.5 مليون طن سنويا، بالإضافة إلى   المرفأ القديم الذي يعتبر جزءا من المينـاء. وأضاف الدكتور أحمد ولد محمدين قائلا: أن ميناء نواكشوط هو ميناء للاستيراد فقط وهو مرتبط بالمدن الرئيسية بشبكة من الطرق المعبدة، أما ميناء نواذيبو الواقع في شمال البلاد فهو الميناء المخصص  لتصدير خام الحديد والأسماك.

أما التجهيزات والتسهيلات المتوافرة في ميناء نواكشوط فيقول عنها الدكتور أحمد ولد محمدين: أن ميناء الصداقة في مدينة نواكشوط مؤسسة عامة تابعة للدولة، وهذه المؤسسة تقوم بإدارة منشآت الميناء التي تعود جميعها للدولة، أما عملية المناولة فتقوم بها شركات القطاع الخاص، وهذه الشركات لديها رافعات متنوعة وأجهزة متعددة كما توجد لديها حاويات، وتتوافر في الميناء ساحات مكشوفة مخصصة للبضائع بمساحة 50 ألف متر مربع، بالإضافة في ساحات مغطاة تستخدم مخازن وكذلك 32 ألف متر مربع مخصصة للحاويات، وتوجد في الميناء قاطرتا سحب تقومان بإدخال وإخراج البواخر وعادة ما يستقبل الميناء من 350 إلى 370 سفينة سنويا.

مساجد ومحاضر

ومنذ تأسيس مدينة نواكشوط مع بداية الستينيات من هذا القرن امتدت اليد العربية الخيرة والكريمة لتبني المرافق الدينية في المدينة من مساجد ومحاضر في بلد يدين جميع أفراده بالإسلام، ولا يوجد مواطن واحد خارج دائرة الإسلام، وذلك لأن للمسجد دورا متميزا ومهما في مدينة نواكشوط. هناك نحو 82 جامعا و 34 مصلى، وهذه الجوامع تتفاوت أحجامها حسب الطبيعة العمرانية لكل مسجد، وحسب موقعه الجغرافي من المدينة، ومن من الجوامع الرئيسية الجامع المركزي الذي يسمى جامع المدينة المنورة، وهو معلم إسلامي بارز في مدينة نواكشوط، لقد قامت المملكة العربية السعودية مشكورة ببناء هذا للسجد وهو أكبر الجوامع الموجودة في نواكشوط حيث يستوعب ما يقرب من عشرة آلاف مصل، وقد بدأ بناؤه في أواخر السبعينيات ودشن عام 1982، وهذا الجامع تذاع منه صلاة الجمعة وجميع المناسبات الدينية مثل صلاة العيدين كما تذاع منه صلاة التراويح والقيام في شهر رمضان، كما تمارس فيه جميع الأنشطة ذات الطابع الرسمي، وهو مسجد فسيح وأنيق، ويوجد بجانبه منازل للأئمة والقائمين على أمور الدين فيه، كما يشمل كذلك مدرسة لتدريس العلوم الشرعية وتعرف في موريتانيا باسم المحضرة، وهي تتميز عن المدارس الدينية في الدول العربية والإسلامية بعدة مميزات. يقول الأستاذ المرابط ولد الأمين مدير التوجيه الإسلامي في وزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي: أن المحضرة في بلادنا مؤسسة جامعة تدرس فيها العلوم الدينية، وتدرس فيها حتى علوم الرياضيات النظرية والتطبيقية وكذلك المنطق والفلسفة والفقه، فهي بحق جامعة إسلامية، وكل من ذاع صيتهم في أنحاء العالم من العلماء الموريتانيين تخرجوا في هذه المحاضر، والمحضرة تتميز بالموسوعية العلمية.

ومن المساجد الجامعة في نواكشوط الجامع الحسني، وهو مسجد بني بالتعاون مع المملكة المغربية، وهو الأخر مسجد أنيق يأتي بالدرجة الثانية بعد جامع المدينة المنورة، والجامع يتسع لنحو ستة آلاف مصل، وملحق به محضرة فيها عدد لا بأس به من التلاميذ، وتعقد في هذا المسجد سنويا مسابقات التجويد التي تجريها وزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي، وهناك جامعان آخران أحدهما جامع يقع بالقرب من السوق ويسمى جامع القرآن الكريم، أما الجامع الأخر فهو جامع الشرف وهو جامع كبير يرتاده كثير من المصلين لأن موقعه بالسوق أيضا، وبالقرب من هذا الجامع توجد محضرة تسمى محضرة العون الإسلامي، وهي محضرة كبيرة يوجد بها عدد كبير من الطلاب ويدرس بها مختلف العلوم الشرعية، وهي من أكبر المحاضر داخل المدينة، وقد قامت دولة قطر ببناء جـامع يسمى جامع خالد العطية وهو جامع فسيح ويتسع لنحو أربعة آلاف مصل وملحق به محضرة يطلق عليه معهد الفاروق وهذه المحضرة بها عدد كبير من الطلبة يدرسون العلوم الشرعية.

وسألنا الأستاذ المرابط محمد ولد الأمين مدير التوجيه الإسلامي في وزارة الثقافة والتوجيه الإسلامي عن النشاط الديني الذي تقوم به الوزارة فأجابنا قائلا: أن إدارتنا معنية بالتوجيه الديني ونشاطها يشمل تغطية المواسم الإسلامية، وتوضيح الرؤية الصحية للإسلام داخل البلاد وخارجها، ونحن نشارك في الملتقيات الدولية والملتقيات المحلية وكذلك نقـوم بنشر المحاضرات عن طريق الصحف المحلية وكذلك ننشر مقالات دينية إسلامية سواء مقالات تتناول المسائل الشرعية أو مقالات توجيهية.

وتقوم إدارة التوجيه الإسلامي بإرسال مجاميع من علماء الدين إلى خارج البلاد فقد أرسلت الإدارة بعثة من العلماء إلى ساحل العاج ودولة الإمارات العربية المتحدة لإرشاد الناس وإلقاء المحاضرات، ولهم دور بارز في النشاط الديني في شهر رمضان، كما تقوم الإدارة بإرسال بعض العلماء إلى المدن الداخلية في موريتانيا للتوجيه والإرشاد وتجري الإدارة كذلك في  شهر رمضان مسابقات القرآن الكريم تلاوة وتجويداً وتفسيراً إضافة إلى مسابقات حول السيرة النبوية؟ وتسهم مـوريتـانيا في المسابقات والدورات التي يجريها الجامع الأزهر حيث ترسل مجموعة من حفظة القرآن الكريم إلى الأزهر لهذا الغرض وتسهم كذلك في المسابقات الدولية التي تقام في مكة المكرمة، ومسابقات أخرى تقيمها المملكة المغربية. وللإدارة نشاط مميز في موسم الحج حيث تقيم العديد من المحاضرات لتبيان أحكام الحج ومسائله وإجراءاته وما يتعلق به، كما أن الإدارة تعد كتاب "دليل الحاج"، الذي يتضمن الجانب الفقهي والجانب العملي، وتقوم الإدارة كذلك في المواسم الدينية مثل المولد النبوي والإسراء والمعراج والهجرة بإقامة الندوات والمحاضرات عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما أن هناك برامج دينية تشرف عليها الإدارة عن طـريق الإذاعة والتليفزيون والصحف السيارة.

وفي نواكشوط معهد عال للدراسات الإسلامية بدأ نشاطه منذ سنة 1980، ويدرس هذا المعهد مختلف المواد الشرعية، في هذا المعهد معهد عصري حديث وكل مواده الدراسية مواد شرعية إسلامية إلا أنها تقدم بطريقة عصرية حديثة، كما يوجد في نواكشوط معهد آخر يسمى معهد ابن عباس للدراسات الإسلامية وهو معهد ذو مستوى عال ومن شروط الانضمام إليه أن يكون الطالب حافظا للقرآن الكريم، وهو يدرس المواد الشرعية وبعض المواد الحديثة.

المرأة التاجرة

وثمة ظاهرة تنفرد بها المرأة الموريتانية عن أخواتها في البلاد العربية، وهي مزاولتها للتجـارة بأنواعها، فتجدها واقفة في محلات بيع الأقمشة تعرض بضاعتها تبيع وتشتري كأي تاجر محترف، بل أنها قد تسافر إلى الخارج لجلب البضائع المختلفة، فهي تاجرة ماهرة وخاصة في تجارة الملابس والأقمشة، وهناك سوق كبير في مدينة نواكشوط يتكون أغلب أصحابه من النساء، بل أننا لا نبالغ إذا قلنا أن المرأة دخلت كل مجالات العمل فهي تعمل في الشركات والمدارس ومصانع  السجاد اليدوي التي يطلق عليها هنا اسم (الزرابي) وقد أصبح لها دور واضح في بناء المجتمع الموريتاني وتطوره، بل أن لها حق الانتخاب والترشيح في المجالس النيابية وتسهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة البلاد، علاوة على ذلك فالمرأة موجودة في كل مؤسسات الدولة فهي موظفة وطبيبة ومدرسة وفنية ومديرة، حتى أنها ومنذ سبع سنوات خلت تقلدت وزارة المعادن والصناعة الموريتانية، أما الآن فتنفرد موريتانيا في بلدان وطننا العربي بأن لها وزارة خاصة بالمرأة، وقد اختبرت السيدة مريم بنت أحمد عيشة كي تكون وزيرة المرأة في موريتانيا.

مديرة لمصنع الزرابي

وقد قمنا بزيارة إحدى المؤسسات الصناعية التي تديرها المرأة لنطلع عن كثب على جانب من نشاط المرأة في مجال الصناعة والتجارة، وهي الشركة الموريتانية للزرابى ويطلق عليها "مايتسا" في نواكشوط حيث استقبلتنا السيدة فيفي بنت فيجي مديرة الشركة، وأخذتنا في جولة بين أقسام المصنع والعاملات على الاإلا نواليدوية حيث تعمل المرأة مقابل مكافأة مالية تحدد وفقا لإنتاجها من السجاد. تقول السيدة فيفي بنت فيجي: أن شركة "مايتسا" تضم نحو ألفي امرأة عاملة بالإضافة إلى وحدتها الإدارية، وتتوزع النساء في الشركة على التعاونيات النسوية للنسيج، وكل العاملات في تلك التعاونيات حاصلات على شهادات حيث تقوم الشركة بتدريب العاملات لمدد مختلفة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وثلاث سنوات، وتقوم الشركة بتزويد المتخرجات بالآلات والمعدات النسيجية من أصواف وخيوط ونماذج وتصاميم، بالإضافة إلى ذلك تقوم بشراء جميع ما تنتجه تلك التعاونيات من الزرابي مع تحمل تكاليف النقل.

وقد شاركت هذه التعاونيات في مسابقات دولية في العديد من البلدان الأوربية الإفريقية، وحصلت على ميداليات تقديرية. والواقع أن مجموعة الزرابى التي تقوم بإنتاجها تلك التعاونيات تمتاز بجودتها ونقوشها الجميلة المستوحاة من طابع القارة الإفريقية السوداء بالإضافة إلى زخارف ورسوم ذات طابع حضاري عربي وإسلامي، وقد ظل الشعب الموريتاني محافظا على تراثه العـربي برغم الصعاب التي واجهها، فقد بقيت موريتانيا جسرا وبوابة بين العرب وإفريقيا السوداء حيث تمازجت حضارات مختلفة، ويتجلى ذلك خلال هذه الرسومات الفنية التي نجدها على الزرابي والأواني والتحف، مع غلبة الطابع العربي الأصيل عليها.

 

صادق يلي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




نواكشوط عاصمة تتحدى العشوائية





وجه من نواكشوط





منطقة الأسواق في العاصمة نواكشوط وحركة دائبة للبيع والشراء





طالب وطالبة من جامعة نواكشوط الوليدة ونقاش حول درس في القانون





التعليم الديني يتمثل بصورة واضحة في المحاضر الملحقة بالمساجد





مجاميع من النساء الموريتانيات في انتظار وصول الصيد الجديد الذي جلبته السفن





تحول وزارة الإسكان إزالة مثل هذه البيوت العشوائية التي بناها المواطنون مع بداية تأسيس العاصمة





مواطن يعرض نوعا من السمك المجفف للبيع في الميناء المخصص للصيد التقليدي





أحد المباني الحديثة المستوفاة للشروط الهندسية





ميناء الصداقة من المرافق الاقتصادية المهمة لمدينة نواكشوط





مبنى الإذاعة الموريتانية واجهة إعلامية حديثة لموريتانيا





جانب من العاصمة نواكشوط التي ارتفع عدد سكانها إلى أكثر من نصف مليون نسمة خلال أعوام قليلة





استوحى المهندس المعماري الخيمة العربية بأطنابها وأوتادها كإحدى الأفكار الجميلة لتطبيقها على بعض المباني الحديثة في البناء





مبنى الجمعية الوطنية الموريتانية أو مجلس النواب الموريتاني





تولى الحكومة الموريتانية اهتماما  فائقا بالرعاية الصحية وبخاصة للأطفال





جانب من أحد الأفراح الموريتانية