جوزف باروسيل «عبور نهر الراين»

جوزف باروسيل «عبور نهر الراين»

ينتمي الرسام الفرنسي جوزف باروسيل المولود عام 1646م، إلى عائلة من الفنانين المعروفين. فقد درس الرسم أولاً في محترف والده بارتيلمي باروسيل، ومن ثم في محترف أخيه لويس. وسافر في العام 1667 إلى روما ليتابع دراسته عند أستاذ فن رسم المعارك جاك كورتوا. وتفوق التلميذ على أستاذه، وأصبح لاحقاً أشهر رسام معارك في القرن السابع عشر.

في الفترة الممتدة من عام 1685 وحتى 1688، رسم باروسيل 11 لوحة تمثل معارك تاريخية لقصر فرساي الذي كان لويس الرابع عشر بصدد بنائه وتأثيثه. وفي العام 1699، رسم بناءً على طلب الملك نفسه، هذه اللوحة التي تمثل جانباً من معركة خاضها الملك قبل 17 عاماً، وتحديداً في 12 يوليو 1672، عندما قاد جيشه عبر نهر الراين لمحاربة «المناطق السبع المتحدة» (هولندا)، الأمر الذي انتهى بنصر للفرنسيين دعّم سلطة الملك، واستحق تخليده في لوحة.

نرى الملك في هذه اللوحة على صهوة جواده الأحمر، وهو يشير بعصا القيادة إلى الأمراء والقادة بجواره، فيما نرى في الوسط عشرات الفرسان يخوضون غمار نهر الراين وبعضهم بات بالفعل على الضفة الأخرى.

إنه مشهد عبور وليس مشهد قتال. فاللوحة تخلو من أي نقطة دم. (بخلاف اللوحات التي تمثل المعارك البونابرتية في القرن التاسع عشر). فالذوق المرفه في القصور الملكية في ذلك العصر كان ينفر من مشاهد العنف والدماء. ولولا كثرة الجنود لبدت هذه المعركة أشبه برحلة صيد. (واستطراداً نشير إلى أن باروسيل رسم مشاهد صيد عديدة). فأين تكمن عبقرية الفنان إذاً؟

لا بد أن تتوقف العين أمام الشجرة التي تظلل الملك، وكأنها تاج من الطبيعة التي تقر بشرعية حكمه وتتضامن معه. وتدريجاً يتجلى الخطاب السياسي في مشهد السماء. فهناك غيمة واحدة فوق النهر موقع الحدث، أما الأفق فساكن تتخلله انفراجات كبيرة إيذاناً باقتراب الطقس الجميل وزوال الاضطرابات. فالرسام يريد أن يدعونا إلى الاحتفال بالعمل الذي قام به الملك في محاربته الهولنديين، وليس إلى إثارة تعاطفنا مع ضحايا الحرب، ولا حتى تسجيل الوقائع الدقيقة للحدث التاريخي الذي لا يهم الرسام بشيء، ولا البلاط الذي كان يريد لوحة «جميلة» تزين جدران قصر «مارلي» الملكي.

وانسجاماً مع المقاييس الجمالية التي كانت رائجة في عصر لويس الرابع عشر، والتي كانت تميل إلى اعتماد الخطوط المستقيمة في التركيب العام في مختلف مجالات الفنون (في اللوحة كما في واجهة قصر فرساي مثلاً)، قسم الفنان هذه اللوحة إلى ثلاثة مستطيلات أفقية، أسفلها داكن، وأعلاها فاتح اللون، ووسطها يمثل المرحلة الانتقالية ما بين الاثنين. وتقسيم المستطيل العمودي المشكل من اللوحة ككل إلى ثلاثة مستطيلات أفقية يزيد من ضخامتها أمام العين، علماً أن مقاييس هذه اللوحة (164 × 234 سم) هي ضخمة أساساً.

تبقى الإشارة إلى أن الحصان الأبيض في الزاوية اليمنى قد يخدع المشاهد لوهلة، فيظن أن ممتطيه هو الملك. ولكن للأمانة التاريخية، رسم الفنان الملك على حصانه الأحمر، حيثما يجب في أقرب مكان إلى وسط اللوحة. في حين خص أحد القادة بالحصان الأبيض، لاللفت النظر إلى مكانته التاريخية, بل لتحقيق الانسجام اللوني في الجزء السفلي من اللوحة مع الجزء العلوي منها، فلا تبدو تجميعا لثلاثة أقسام لا رابط بينها. وهذا ما يمثل جانباً من مهارة الفنان في استنباط الحلول الضامنة لوحدة اللوحة، فيحول بساطة التركيب من عامل مهدد للوحة إلى عامل نجاح يضمن سهولة القراءة والاستمتاع بالمشهد.

 


عبود عطية






جوزف باروسيل: «جيش لويس الرابع عشر يعبر نهر الراين في يوليو 1672»، زيت على قماش، (164 × 234 سم)، 1699م، متحف اللوفر، فرنسا