حقاً إنها أرض خصبة للثقافة العربية

حقاً إنها أرض خصبة للثقافة العربية

قرأت في العدد (603) من مجلتنا «العربي» المقال الذي أبدعه قلم الأستاذ عبدالله خلف بعنوان: «الكويت أرض خصبة لتنمية الثقافة العربية»، حيث استعرض الكاتب أهم ملامح البنية الثقافية الكويتية، مشيراً إلى أهم الدوريات الثقافية التي صدرت في الكويت على مدى نصف قرن تقريباً، وفي مقدمتها: مجلة الكويت في العام 1928، ثم مجلة العربي في العام 1958. ونوّه بالدور البارز الذي يضطلع به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ تأسيسه في العام 1973، والإصدارات التي تصدر عنه، وهي عبارة عن أربع سلاسل ثقافية تتمثل في: عالم الفكر، وعالم المعرفة، والثقافة العالمية، والمسرح العالمي. ثم تطرق الكاتب الفاضل إلى دور المواسم الثقافية التي تقام في الكويت سنوياً، وخاصة «مهرجان القرين» و«معرض الكتاب السنوي». بالإضافة إلى دور جامعة الكويت في مجال النشر والبحوث والدراسات، إلى جانب الدور الذي تضطلع به رابطة الأدباء في النشاطات الثقافية، جنباً إلى جنب مع مؤسستين ثقافيتين أهليتين هما: مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، ودار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، وهما مؤسستان بالغتا الأهمية وعميقتا التأثير وواسعتا الانتشار على المستوى العربي بأسره وليس داخل الكويت فقط، حيث تهتمان بالأدب والشعر العربي أكثر من معظم المؤسسات ذات الصلة بهذين المجالين في دول أخرى كثيرة.

والحقيقة، أنني فور انتهائي من قراءة هذا المقال المتميز، تبلورت لدى مجموعة من الانطباعات التي أرجو أن تتسع لها صفحات «منتدى الحوار» في مجلتنا الوقور، وهي على النحو التالي:

أولاً: إن هذا المقال يأتي ضمن مواد ملف «الكويت بلاد العرب»، وهو اختيار موفق جداً للمقال بوضعه في هذا الملف المحبب تماماً إلي نفس وعقل ووجدان كل عربي، ليأتي رداً إيجابياً مناسباً وقوياً على كل مَن راهنوا على أن الكويت ستتنكر لعروبتها بعد عام 1990. صحيح أننا لا نريد أن ننكأ الجراح، ولكن ما حدث كان مهولاً بكل المعايير، وفظيعاً بكل المقاييس، فإذا كان الأمر كذلك دون أن يترك أثراً على انتماء الكويت العربي، وتوجهها لمحيطها العربي بعقل وقلب مفتوحين ويد إسلامية إنسانية ممدودة بالخير للجميع، فإن هذا الأمر بالتحديد يستحق منا كل التحية والتقدير والاحترام لدولة الكويت: أميراً وحكومة وشعباً.

ثانياً: أعجبني جداً في هذا المقال موضوعية كاتبه التي برزت في أكثر من موضع، وخاصة وهو يتحدث عن مجلة «البعثة» الكويتية، فإذا به يفيض قلبه وقلمه حباً لمصر وأدبائها ومفكريها، حيث قال بالحرف الواحد: «وفي منتصف الأربعينيات، انطلقت من مصر موطن العلم والثقافة مجلة «البعثة» الكويتية لتكون خير سفير للكويت، فصارت مرجعاً من المراجع الأدبية والثقافية، شارك فيه أدباء ومفكرو مصر، بأقلامهم النيّرة». لاحظ جيداً ما تضمنته العبارة السابقة، تدرك على الفور أن هذا الكاتب المحترم وهو يتحدث عن الدور الثقافي للكويت لم ينس دور مصر وأدبائها ومفكّريها. لهذا، فإن الأستاذ عبدالله خلف يستحق كل تحية واحترام.

ثالثاً: وهو بصدد استعراضه لأهم ملامح مسيرة الكويت الثقافية وأبرز محطاتها، أكّد الكاتب أن «كل هذه القاعدة العريضة على أرض الكويت الرحبة، والتي يقف عليها الأديب والكاتب المبدع باطمئنان ليكتب عن القضايا العربية الثقافية والأدب العربي بكل اطمئنان، لا يلزم بنهج سياسي ولا حزبي ولا يحاط بأي مؤثر إقليمي، حتى صارت الكويت رافداً عربياً فيه الصفاء والنقاء، يلتقي مع الروافد العربية الأخرى، ولتصب جميعها في النهر العربي العظيم، لتقوم مجتمعة على إنماء الثقافة العربية، ولتواكب عجلة الحضارة وخدمة الإنسانية جمعاء». ومن ثم، فقد نجح الكاتب في تأكيد أهمية التواصل الثقافي العربي عبر الكويت أو بدعمها، وكذا تأكيد ضرورة النأي بالعمل الثقافي الوطني والعربي عن العمل السياسي والحزبي.

رابعاً: مع احترامي وتقديري للأخ الكاتب الكبير، إلا أنني كنت أتمنى أن يأتي هذا المقال بيراع كاتب غير كويتي، وخاصة أنه يتحدث عن دور الكويت في تنمية الثقافة العربية. صحيح أن الكاتب كان موضوعياً إلى حد كبير وهو يتحدث عن هذا الدور، ومع ذلك، فإن التأثير الثقافي للإصدارات الكويتية الرائعة قد بلغ المشرقين والمغربين - إن جاز التعبير - وكان من المناسب - في تقديري - أن يتاح لقلم عربي المشاركة بمقال في هذا المجال.

والحق أقول إنني شخصياً فكرت ملياً أكثر من مرة في إعداد كتاب عن الدور الثقافي للكويت، ربما كان هذا المقال محل الحوار ملخصاً وافياً له.

خامساً: كنت أتوقع من الكاتب المبجّل أن يعرج بنا على دور مؤسسة الكويت للتقدم العلمي كإحدى المؤسسات الرائدة في العالم العربي، ومع ذلك جل من لا يسهو. والحقيقة، أن لهذه المؤسسة دوراً علمياً استكشافياً هائلاً للعلماء والباحثين الأكفاء في مجالات العلوم البحتة والتطبيقية، وخاصة فيما يتعلق بالتخصصات الحديثة والعلوم البينية (أي المجالات المشتركة بين العلوم).

وبهذه المناسبة، أود أن أقول: أن تتمنى شيئاً وتراه محققاً، فهذا أمر جميل للغاية، ولعل هذا بالتحديد ما حدث معي منذ حداثة سني، حيث كنت أتمنى إنشاء مؤسسة تتولى رعاية الباحثين والعلماء والمخترعين. ولكن، هل نطمع أو نطمح في أن تبادر مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بنشر مجلد عن إنجازاتها منذ نشأتها، تضمنه أسماء الفائزين بجوائزها عبر السنوات المنقضية، وحيثيات الفوز، وملخصات للأبحاث والدراسات الفائزة، حتى تعم الفائدة؟.

راغب محمد السعيد عجاج
باحث بمجلس الشعب - القاهرة - مصر.