انفصال

انفصال

غاصت في أفكارها التي تأبى التسطح, وتظل عميقة, ساكنة سكون الأسرار تذوب وتتكون داخل مدادها المهدور, متسائلة.

دارت بعينيها في كونها المغلق عليه, جالسا القرفصاء كان وعلى سطح عينيه صورة مهزوزة غير كاملة لها, هلامية الملمح, هي له غير مدركة, حين تسأله يذهب بعيداً ويومىء إيماءات محدودة صامتة ثم يعدو إلى وجومه مبتسماً.. يمارس نفس لعبته معها.

تمتطي عيناها ارتفاع البرج الجمالوني المسدد في قلب السماء الجاثمة بدثارها القاتم فوق طرف المدينة تقول له:

ـ أنا لا أرى قيمة لهذا البرج, هل ترى أنت?

يشير خلال عرض البحر والأفق الممتدين إلى نقط الضوء المتناثرة قائلاً:

ـ انظري إلى تلك السفن.

يعدو مشيراً إلى البرج.

ـ بدون هذا البرج ينقطع اتصالها بالمدينة.

تومىء برأسها ثم تتدارك عابثة.

ـ ولكن أسلاك الهوائيات مقطوعة.. هاهي.

يحدق في الظلمة باحثاً غير قادر على رؤية جدائل الأسلاك الغليظة والمنفصلة والتي اهتزت التواءاتها في الفضاء المحيط بالبرج.

قال:

ـ لعلها فقط انفصلت عن أوتادها?!.

ـ انفصلت عن أوتادها.

حدقت بعمق في الفراغ الأسود بينما تردد:

ـ فقط انفصلت عن أوتادها.

أي وتد هذا الذي يجذبها إليه حتى تلتصق به بهذه الأزلية?!.

فوق الحاجز الرخامي تلتصق به دون حذر بينما تتأرجح أقدامهما في الفضاء الفسفوري, من خلفهما لسان القناة مدلى في براح الخليج الذي ابتلعته الظلمة الكثيفة حتى امتزجا.

قالت:

ـ الخريف أسكن المياه وكأنما اعترتها الغربة والوحشة أمام برودته وجموده.

أجاب يائساً:

ـ حتى الخريف لن يستطيع أن يخمد جنون الموج.

تأملت ارتجافات المياه المتتابعة, اصطدمت بعالم خاو, أحلامها ذابت في الإحباطات الملازمة لرغباتها خطواتها لاتزال تخطىء, فتحمله الطرق على السقوط في دوامة من الخوف والحزن. هي صيف يعشق خريفاً, جنون ينحني للمألوف.

ترفع رأسها إلى عينيه القارتين في فراغات البرج, لايزال يقتفي أثر الأسلاك التي انفصلت عن أوتادها وحلقت في الفضاء.

انتزعت نفسها من التصاقها به, لفت جسده برودة انتشت لها.

 

أمينة زيدان