صناعة القرن القادم.. خضراء

صناعة القرن القادم.. خضراء

من أصدق ما يقال عن العلم أنه نشاط انتهازي+ ، ما أن يجد بابا مفتوحا حتى يلجه. وربما لا ينطبق هذا القول على فرع من العلوم قدر انطباقه على الهندسة الوراثية. فقد فتحت بوابة الهندسة الوراثية منذ نحو ربع قرن، عندما نجح العالم الأمريكي، بول بيرج P. Berg في غرس جين غريب بين ثنايا الطاقم الوراثي لأحد الفيروسات.

ولم يكن بيرج في الحقيقة أول من طعم الجهاز الوراثي لكائن معين بجين دخيل، فهناك من سبقه إلى ذلك الإنجاز، وبزمن يقدر بالآف السنين! فأول مهندس وراثة في التاريخ لم يكن من بين البشر، بل كان أحد أنواع بكتريا التربة- تلك التي تعرف باسم أجروباكتيريوم، (Agrobacterium (tumefaciens. ويعرف الاختصاصيون في أمراض النبات أن هذه البكتريا يمكن أن تسبب المرض لعدد كبير من النباتات. وعندما تهاجم تلك البكتريا نباتاً فإن نسيج النبات المصاب ينمو نموا سرطانيا، مكونا ورما ي عرف بالعفصة التاجية Crown gall. وقد وجد العلماء أن خلايا هذا الورم تنفرد بإنتاج مواد غريبة تسمى الأوبينات opines، وهي مركبات لا تنتجها الخلايا العادية للنبات، وتمثل مصدرا يكفل للبكتريا احتياجاتها من الكربون والنتروجين.

إن الأجروباكتيريوم إذن تحول نسيج النبات الذي تهاجمه إلى طباخ ماهر يطهو لها ما تحتاج إليه من طعام، فكيف تدفع تلك البكتريا الضعيفة خلايا النبات للقيام بهذا الدور؟

وجد العلماء أن البكتريا تعتمد في تحقيق هذا الهدف على كائن أصغر منها، يعرف باسم "بلازميد تي " Ti) plasmid، وهو اختصار للكلمات-Tumourinducing palsmid أي البلازميد، المحدث للورم. والبلازميد هو كائن- أو بالأحرى جسيم- أدنى كثيرا من أن يوضع في مصاف الكائنات الحية، فهو لا يستطيع العيش إلا داخل خلية حية، كما أنه لا يمارس من مظاهر الحياة جميعها غير التكاثر. إن البلازميدات ما هي إلا شظايا أو قصاصات من الدنا " المادة الوراثية"، يرجع العلماء أنها تساقطت من الكيان الوراثي لخلايا الكائنات الحية عبر الأزمنة السحيقة للتطور. ومنذ انفصالها أصبحت البلازميدات منفية شاردة في بلاد الله الواسعة، لكنها لم تنس أبدا جذورها الأولى، واستمرت تحن دائماً إلى العودة. وتلعب الأجروباكتيريوم دور السفينة التي تلتقط البلازم باختراق الحدود قي سرعة وثقة، ثم يمضي نحو مدينته، تساعده في ذلك درايته بلغة ودروب وطنه القديم. فإذا رحب به أهلله وعشيرته من جينات الخلية استقر بينهم، ومارس نشاطه كواحد منهم. أما إذا تنكرت له تلك الجينات المتنعمة، وأنكرت نسبة إليها، فإن البلازميد يبقى داخل الخلية هائماً على غير هدى إلى ماشاء الله.

ومثلما يعود المغترب عادة محملاً بثقافة مغايرة، يجيء البلازميد إلى خلايا النبات محملا بالمورثات "المعلومات الوراثية" التي تدفع الخلية لاستنزاف مواردها لإطعام البكتريا وإرضاء نهمها. هكذا تبين أن البكتريا عرفت نظام التجسس قبل أن يعرفه الإنسان بوقت طويل، فزرعت في خلايا النبات جينات عملية لخدمة أغراضها! ولم يجد الإنسان عضاضة في أن يحذو حذو البكتريا، فيتبع نفس الطريقة لغرس الجينات الدخيلة في النبات. غير أن الإنسان كان خليقاً بأن يفعل شيئاً أكثر مما تفعل البكتريا، وهو تخليص البلازميد من الثقافات الهدامة قبل استخدامه.

فالعلماء يقومون أولاً بتنقية البلازميد من الجينات المسببة للورم، ومن الجينات التي تدفع النبات لإنتاج مواد لا لزوم لها، وبعد ذلك فقط يحملونه الجينات التي تخدم غرض الإنسان، ثم يدفعون به إلى خلايا النبات.

تلك كانت أولى الطرق التي اتبعت في هندسة النبات وراثياً، وقد استخدمت منذ السبعينات، ومازالت تستخدم بنجاح إلى الآن. غير أن البحث عن وسائل أخرى لم ينقطع، مما أدى إلى استحداث طرق جديدة. غير أن العلماء لم يقنعوا والذي يمثل أيضاً سمة أساسية لتلك الطرق- لم يعجبهم، فقرروا استخدام العنف. كان ذلك في عام 1987، عندما ابتكر ثيودور كلاين T.M.Klein واثنان من زملائه "بكاليفورنيا بالولايات المتحدة" طريقة لهندسة النبات وراثياً بإطلاق الرصاص عليه! صحيح أن العلماء يطلقون على النبات رصاصات مصنوعة من معدن فخم مثل التنجستين، أو حتى الذهب.. لكنها رصاصات على أية حال.

وفي تلك الطريقة العدوانية يقوم الباحثون بتغطية الرصاصات الذهبية- وهي كرات صغيرة يبلغ قطر كل منها 1 ميكرومتر، أي 1 / 1000 من الملليمتر- بالجينات المطلوب إدخالها إلى خلية النبات. ثم توضع تلك الرصاصات، بما تحمله من جينات، على قمة قذيفة من البلاستيك في بندقية خاصة تعرف بالمدفع ذي القذيفة الدقيقة Microprojectile bombardment. وعندما يتم إطلاق القذيفة، تنطلق معها الرصاصات بسرعة 430 متراً في الثانية، لتصيب قرصا صغيرا مقتطعاً من ورقة النبات المراد هندسته. وبفضل السرعة الفائقة وصغر الحجم، تتوغل الرصاصات داخل الخلايا النبات، ويصل كثير منها إلى أنوية تلك الخلايا، مما يتيح الفرصة لالتحام الجينات التي تحملها الرصاصة مع جينات الخلية في أقرب احتكاك بينها. وبعد هذا القصف العنيف ينقل القرص إلى وسط غذائي خاص، حيث تنمو الخلايا التي التقطت الجينات الداخلية معطية بناتات مهندسة.

وقد حلت هذه الوسيلة مشكلة طالما واجهت الباحثين الذين كانوا حتى ذلك الحين يستخدمون الأجروباكتيريوم، فالمعروف أن تلك البكتريا لا تصيب النباتات ذات الفلقة الواحدة بنفس السهولة التي تقتحم بها النباتات ذات الفلقتين. ومن ثم بقيت نباتات مهمة- كالقمح والذرة مثلا- مستعصية على الهندسة الوراثية، إلى أن جاءت طريقة إطلاق الرصاص هذه، فيسرت للعلماء هندسة تلك النباتات. وبفضل سرعة هذد الطريقة وفاعليتها، استخدمها الباحثون في هندسة نباتات عديدة، من الأعشاب الصغيرة والمحاصيل الحقلية، كالبقوليات والقطن والأرز والقمح وقصب السكر، إلى الأشجار الكبيرة كالحور Poplar والصنوبر.

مصانع في أوراق خضراء

في السنوات الأولى من عمر الهندسة الوراثية للنبات كان الاهتمام منصبا في المقام الأول على تحسين صفات النبات، وذلك بغرس جينات تمكنه من مقاومة الآفات الحشرية أو الصمود لمبيدات الأعشاب، أو تكسبه مناعة ضد الأمراض. أما الآن فلم يعد مجرد تحسين مقدرة النبات على إنتاج الغذاء والأليافا إلا مطلبا كلاسيكيا متواضعا في مقابل الطموحات العريضة التي تلعب برءوس العلماء بين يوم وآخر. فمثلا أمكن إنتاج أنواع خاصة من زيوت التشحيم والزيوت المطهرة من فول الصويا، كما نجح العلماء في تحوير النبات وراثيا ليصنع البلاستيك في بلاستيداته الخضراء. كذلك أصبحت النباتات المهندسة وراثيا مصدرا لبعض الأنزيمات ذات الطبيعة الخاصة، والتي تستخدم في الصناعة. وفي تطورآخر يسعى العلماء لاستخدام النباتات فيما يعرف بمدواة البيئة Environmental remediation. وفي هذا المجال يقوم الباحثون بهندسة النبات وراثيا لإكسابه القدرة على استئصال الملوثات من التربة أو الماء دون أن يتأثر نموه.

أما التطور الأحدث فهو هندسة النبات وراثيا لإنتاج المواد ذات الأهمية الطبية، وهو ما قد يحل قريبا محل عمليات التخمير التقليدية. فقد تمكن فريق من العلماء الأمريكيين، بقيادة تشارلز أرنتسن C.J.Arntzen- وهو أستاذ بجامعة كورنل، ويرأس جاليا معهد بويس تومسون لأبحاث النبات في نيويورك- من إنتاج لقاحات vaccines مهمة داخل النبات. وكان الدافع وراء هذا الإنجار هو الرغبة في أن يحصل الناس على اللقاحات الواقية مع طعامهم. وقد تطورت الفكرة أساسا كحل لمشكلة نقص المستحضرات الصيدلية، خصوصا في الدول النامية. فالنبات المحتوي على اللقاح أو الدواء لا يحتاج في زراعته، أو تخزينه ونقله، إلى كثير من الاحتياطات والتدابير المختبرية اللازمة لتداول المواد الدوائية الحساسة.

بدأ أرنتسن عمله بهدف إنتاج لقاحات ضد بعض الأمراض المعوية مثل الكوليرا والإسهال المتسبب عن أنواع معينة من البكتريا، كبكتريا القولون الشهيرة E. coli، والشجللا والسالمونيللا. والمعروف أن الإسهال المتسبب عن البكتريا يعد واحدا سن الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال في كثير سن دول العالم الثالث. وكانت الخطوة الأولى هي معرفة ما إذا كانت البروتينات المنتجة في النبات تستطيع حفز الجهاز المناعي للحيوان لإنتاج الأجسام المضادة antibodies . وللتأكد من ذلك قام أرنتسن وزملاؤه بهندسة نبات التبغ وراثيا لينتج البروتين السطحي لفيروس الالتهاب الكبدي من النوع بي (H B V). وعند استخلاص هذا البروتين من النبات وحقنه في الفأر، تبين أن الجهاز المناعي للحيوان يستجيب على الفور بتكوين الأجسام المضادة التي تستطيع أن تتعرف على الفيروس وتقتله. وفي مرحلة تالية أدخل أرنتسن وفريقه جينا من بكتريا القولون إلى نبات البطاطس، لكي يقوم النبات بإنتاج جزء من البروتين المعروف باسم إنتيروتوكسين enterotoxin، وهو المادة التي تسبب الإسهال في الحالات الناجمة عن نشاط البكتريا. وبالفعل قام نبات البطاطس الأمين بإنتاج هذا البروتن في درناته، وعندما أطعمت الفئران شيئا من البطاطس المهندسة استطاعات الحيوانات تخليق الأجسام المضادة للإنتيروتوكسين.

لم يتبق بعد ذلك سوى الاطمئنان إلى أن البروتين المتكون في تلك النباتات المهندسة سوف يؤدي دوره المرسوم- وهو حفز الجهاز المناعي- على نحو سليم، وبغير آثار جانبية ضارة. وقد أسفرت الدراسات التي تمت في هذا الشأن عن نتائج جيدة. غير أن الاستفادة السريعة من ذلك الإنجاز واجهحت عقبة من نوع آخر، فقد كانت النباتات التي هندسها أرنتس وفريقه حتى ذلك الحين هي التبغ والبطاطس، ولاشك أن أحدا من العقلاء _ فضلا عن الأطفال _ لن يأكل التبغ. كما أن البطاطس لابد من طهوها قبل تناولها، ومن ثم فقد تقضي حرارة الطهو على فاعلية البروتينات في إثارة الجهاز المناعي. ومن هنا وجه أرنتسن وزملاؤه اهتماهم إلى نبات يؤكل طازجاً، وهو الموز، ونجحوا بالفعل في هندسته كخطوة أولى على طريق تحويل ثمار الموز إلى مستودع ثري للعديد من اللقاحات. ويقول أرنتسن إنه يتطلع إلى يوم يرى فيه زجاجة أغذية الأطفال وقد احتوت على اللقاحات الواقية من أمراض عدة.

إن التحصين باستخدام اللقاحات على هذه النحو يعرف علميا باسم التحصين الإيجابي، إذ يتم فيه استنفار الجهاز المناعي للفرد، ليقوم هو نفسه بإنتاج الأجسام المضادة. غير أن هناك نوعاً آخر من التحضين يعرف بالتحضين السلبي Passive vaccination، والذي يثم فيه إعطاء الفرد أجساما مضادة جاهزة صنعت مسبقاً خارج جسمه. وتتم عملية تصنيع هذه الأجسام المضادة عادة في مستنبتات الخلايا، وتحت ظروف خاصة من التعقيم والإحكام، مما يجعل منها صناع مكلفة. ومن ثم فكر العلماء في استغلال النبات لإنتاج الأجسام المضادة كبديل رخيص وآمن. بيد أن تلك الفكرة تتسم بكثير من الجرأة، فالأجسام المضادة التي يقوم جسم الإنسان أو الحيوان بتخليقها، تتميز بأنها معقدة التركيب ومتخصصة إلى درجة عالية. ويكفي أن نذكر أن الجسم المضاد يتألف من أربع سلاسل بروتينية تنتظم معاً في تركيب متماسك شديد الخصوصية، بحيث يستطيع اقتناص ممرضات بعينها دون أخرى. ويعني هذا أن إنتاج القطع الأربع المكونة للجسم المضاد ليس إلا خطوة أولى، تليها خطوات أخرى تقود إلى تجميع هذه القطع الأربع بشكل محدد، لإنتاج جسم مضاد فعال. فكيف يمكن للنبات إنجاز هذه العملية المعقدة؟

الصديق القديم الوفي

تفتق ذهن العلماء عن حل فريد، وهو هندسة أربع سلالات منفصلة من النبات، بحيث يغرس في كل منها حين مختلف من الجينات المسئولة عن تخليق مكونات الجسم المضاد. ثم يتم بعد ذلك تزويج هذه النباتات الأربعة بطرق التهجين العادية، علها تعطي نسلاً قادراً على إنتاج أجسام مضادة كاملة. كانت الطريقة طويلة، لكن مثابرة العلماء كانت أطول، فقد تمكن عدد من العلماء الأمريكين والبريطانيين أخيراً من هندسة أربع سلالات من نبات التبغ. وعند تهجين هذه السلالات أعطت النسل المنظر، وهو نبات ثمين ينتج الأجسام المضادة للبكتريا ستربتو كوكس ميوتانز Streptococcus mutans، التي تسبب نخر الأسنان واعتلالها. ويأمل أولئك الباحثون في أن تضاف الأجسام المضادة التي استخلصوها من نبات التبغ إلى معجونات غسل الأسنان كنوع من الوقاية الفمية ضد هذه البكتريا.

ويرى البعض أن النبات هو المرشح الأكثر قبولاً لإنتاج ما يعرف بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة monoclonal antibodies ، والتي يجرى البحث فيها على نطاق واسع، أملاً في استخدامها للمساعدة في علاج بعض حالات السرطان. فمن العسير إنتاج الكميات الوفيرة من هذه الأجسام المضادة باستخدام الطرق التقليدية، أما النبات فيمكن أن يوفر الكميات المطلوبة. ومن بين الإنجازات العديدة في هذا المجال ما قام به الباحثون بإحدى شركات الهنسة الوراثية، فيما بين عامي 1995 و 1996، من تبديل فول الصويا وراثياً لإنتاج الجسم المضاد المعروف باسم BR96 لحـ، والذى أظهر نتائج مشجعة في الاختيارات قبل السريرية، كحمال vehicle يسهل توجيه العقار الكيميائي دكسوروبيسين إلى أورام الثدي والقولون والمبيض والرئة. وتجرى حالياً زراعة مساحات شاسعة من فول الصويا المهندس وراثياً بغرض إنتاج كميات من BR96 تكفي لإجراء الاختيارات السريرية.

وقد أثارت تلك النجاحات شهية العلماء لاستخدام الفيروسات النياتية أيضاً في التعامل مع بعض المشكلات العويصة الأخرى، كمشكلة الإيدز. والمعروف أن الفيروسات النياتية لا تستطيع إحداث المرض في الحيوان، ومن ثم فإن تعريض الحيوان لهذه الفيروسات لن يضيره في شيء. وعلى ذلك فكر العلماء في تصميم فيروسات نياتية تحمل على سطحها بعض البروتينات التي تحملها الفيروسات الحيوانية. أي إلباس الفيروسات النياتية قناعاً حيوانياً، ثم معرفة ما إذا كانت تلك الفيروسات المقنعة تستطيع أن تستدرج الجهاز المناعي للثدييات إلى تفاعل مناعي.

وقد أمكن بالفعل تحوير أحد الفيروسات النباتية ليحمل على معطفه الخارجي بعض أجزاء من البروتين المغلف لفيروس الإيدز. وبعد حقن هذا الفيروس النياتي المحور في جسم الفأر وجد أن الحيوان ينتج أجساماً مضادة قادرة على تحييد فيروس الإيدز في أنبوبة الاختبار. لكن العلماء يدركون أن هذه التجارب، وإن تكن واعدة حقاً، فهي مجرد خطوة على طريق ربما يزيد كثيراً على الألف ميل.

هكذا تبين أن النبات لم يزل على سخائه المعهود تجاه الإنسان، وأن كل ما يقال عن التحول إلى عصر الصناعة أو عصر المعلومات لم يكن ليسرق الأضواء من النبات- ذلك الصديق القديم. وإن زراعة النبات أيسر وأرخص كثيراً من استزراع البكتريا أو الخميرة، فضلا عن استزراع الخلايا الحيوانية، وذلك بالنظر إلى متطلبات الزراعة وحجم الإنتاج. فمن الطريف ما يقال من أن حقلاً من الجاوداو rye ، مساحته هكتار واحد، يمكن أن يحتوي على 300 مليون ميل من الجذور، وهو مقدار يفوق قطر مدار الأرض حول الشمس. ومن هنا لم يكن غريباً أن تحظى هندسة النبات وراثياً باهتمام كبير من جانب العلماء.

ولكن هل تلك الصناعة المرتكزة على النبات- والتي يسمونها "الصناعة الخضراء"- هي خضراء حقا؟

إن المواد الطبية التي ذكرناها لن يتم تداولها على نطاق تجاري قبل اختبارها والتيقن من نقائها وفاعليتها، وهو ما قد يستغرق وقتا ليس بالقصير. أما النباتات المهندسة وراثياً لأغراض صناعية وغذائية فقد وجدت بالفعل طريقها إلى الأسواق، لكنها ما زالت مثار جدل كبير بسبب الخوف من ظهور مشاكل غير متوقعة. ولا شك أن بعض الخوف من منتجات الهندسة الوراثية له ما يبرره من الناحية العلمية. غير أن معظم الخوف الجماهيري لا يعدو أن يكون خوفا من المجهول. والأمر المؤكد هو أن العلماء لن يتراجعوا عن الاستمرار في التطوير والتجويد، حتى يمكنهم غرس الثقة ومحو الخوف من النفوس. ومن ثم فقد لا يكون بعيدا ذلك اليوم الذي نشتري فيه لقاحاتنا الواقية، في شكل فاكهة مهندسة، بنفس الاطمئنان الذي نشتري به ملح الطعام من البقالين.

 

مدحت صادق

 
  




العالم الأمريكي تشالز أرنتسن