القدس عاصمة الثقافة العربية.. من يعيد للقدس زمنها الأول؟.. تحسين يقين

القدس عاصمة الثقافة العربية.. من يعيد للقدس زمنها الأول؟.. تحسين يقين

هل تقوي احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية تمسك المدينة بالهوية العربية؟

قباب ومآذن وأسوار تحيط بها أسلاك شائكة. تحاول أن تطمسها وتمحوها من ذاكرتنا. هذه هي القدس التي تحتفل هذا العام باختيارها عاصمة للثقافة العربية، وهي تُنتزع كل يوم من هويتها العربية. هذه هي القدس التي تسقط شهيدة في كل لحظة بعد أن بحّت الحناجر وبهتت الشعارات دون أن يكون هناك فعل إيجابي على أرض الواقع. احتفال «العربي» بهذه العاصمة الأسيرة يحاول أن يعيد إلى الذاكرة العربية جزءاً غالياً سقط منها ويوشك أن يطويه النسيان. القدس في القلب ولكن الذاكرة خؤون.

تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلية نفي المدينة المقدسة عن العروبة والإسلام، فلا يقتصر الأمر على التهويد، وتحجيم دورها الثقافي والتنويري، بل هي تسعى إلى الطرد التدريجي الممنهج لأهلها، وما يحصل في حارة البستان بسلوان الجميلة، من وسائل تسعى لطرد سكان عشرات البيوت وهدمها إلا واحدة من دلالات النفي الصهيوني للمقدسيين، باتجاه الاستفراد بالقدس، ولأجل ذلك، فإنها تتبع مختلف السبل لتحقيق هذا المأرب، وليست حادثة انهيار غرفة صفية، بطالباتها في مدرسة قرب المسجد الأقصى إلا نموذجا لما يخطط للأهالي، حتى لا يحسوا بالاستقرار، ويظلوا قلقين، خائفين أن تقع الأرض تحتهم، فأصبحوا معلقين، لا يقفون على أرض صلبة كما يعيش باقي البشر.

في هذا السياق، فإن استطلاعنا عن القدس الثقافية، لا يبعد كثيرا عن هذه الحوادث بدلالاتها، والتي تنذر بانهيار عام قد يجتاح المدينة بشكل كبير، إذا لم تواجه دولة الاحتلال بمقاومة من المقدسيين والفلسطينيين والعرب والمسلمين عموما.

من جهة أخرى كشفت احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية سوء حال المدينة، وسوء الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثقافيا وسياسيا وإداريا وماليا، تمثل في الارتباك الظاهر في إدارة الاحتفالية، وتأجيل بدئها، حيث تبين أن هناك قصورا واضحا لدى الفلسطينيين، جزء منه له علاقة بسيطرة الاحتلال على المدينة، وجزء آخر له علاقة بالبنية الإدارية والنفسية للعاملين في مجالات الثقافة والفنون، حيث التنافس والتناحر من جانب والاعتماد على الممول الأجنبي باشتراطاته من جانب آخر.

لم تكن جوليا بطرس تغني يا حمام القدس حين لجأت رفوف الحمام الى سماء المدينة...

كان لجوؤها الى السماء من الأرض لجوءاً سريعاً مذعوراً..

رفوف من الحمام الخائف المذعور رسمت صورة لسماء القدس، فلم يكن أمام الحمام أمام زخات رصاص جنود الاحتلال إلا الذعر والطيران بعيدا عن صوت البارود. لم يكن هناك مجال للاستفسار عن سبب إطلاق النار، فهذا الأمر صار عاديا في المدينة، ولم يعد ذعر الحمام والأطفال شيئا جديدا..

أصل باب العمود من أعلى، أنظر إلى جهة المصرارة فأرغب بتناول كعكة بالسمسم. أتذكر قصة «ظهيرة يوم رجل حزين» قرأتها للقاص أكرم هنية تدور جزء من أحداثها في المصرارة.. هل جلس القاص هناك وكتب قصته؟ لكن لا عمال ينتظرون أصحاب العمل كما كانوا يفعلون ذلك في صباحات السبعينيات والثمانينيات، فلم يعد يسمح لهم أصلا بدخول القدس التي صار التهرب إليها مشيا عن طريق الجبال أمرا صعبا، بسبب اكتمال بناء جدار الفصل والضم العنصري، العالي الارتفاع والمدبب، والمحاط بالأسلاك الشائكة بحراسة دوريات ما يسمى بحرس الحدود الإسرائيلي!

وليس الأمر مقتصرا على الثقافة والفنون بل يتجاوز ذلك إلى الوجود العربي نفسه في المدينة. فلا تخص الحياة الثقافية والفنية في القدس مواطنيها فقط، بل تخص الحياة الثقافية والفنية الفلسطينية بشكل عام.

كانت امرأة ثلاثينية تبيع، على قدر من الوسامة.. لا أدري كيف قفزت إلى ذهني قصة محمود شقير التي ضمنها في مجموعته «خبز الآخرين»، ربما سأذكره بها عندما ألتقيه في المدينة، التي أحبها..

القدس الثقافية، ما هي إن لم تكن كل ما في المدينة، من المساجد والكنائس؛ هنا أصغي الى الحضارات التي مرت من هنا والتي تركت شيئا منها: حجرا، عمودا، درجا، مئذنة، مصطبة، شارعا أو نفقا، ماء، بشرا، لغة مكتوبة أو قصيدة تغنى، أو ثوبا مطرزا.

مكان تعددي إلى آخر مدى

على سطح المدينة يوجد في المكان مراكز ممثلة لمعظم دول العالم، بل لكل مذاهب تلك الدول وطوائفها، وبالإضافة الى السياح هنا أناس مقيمون جزء منهم من أبناء المدينة، يشكلون فسيفساء المدينة. في شوارع القدس القديمة يصل إلى سمعك لغات قديمة ولغات تخص الرهبان على تعددية كنائسهم العالمية والمحلية التي تتبعها.

27 طبقة حضارية، حضارات تراكمت حجارتها بعضها فوق بعض. سطح المدينة هو سطحها الآن لكن قلبها قديم.

لا أستطيع الطيران لأحلق في سماء القدس!

في القدس الغربية تهويد وتغريب واضحان، حيث غدت مستوطنة لليهود المتدينين والمتطرفين، فانقضى عهد التعددية في هذا الشطر المغتصب منذ عام 1948.. في القدس الشرقية التي احتلت عام 1967، والتي بالصعوبة نصلها، مازالت رياح التعددية تقاوم التهويد، ثمة وجود إسلامي ومسيحي واضح، ولعل المؤسسات التابعة للكنائس والقنصليات الغربية على وجه الخصوص كثيرة، منها ما هو قديم خاص بالآثار كالمؤسسة البروتستانتية والبريطانية مثلا، إضافة لعدد من المراكز الثقافية كالمركزين الثقافيين البريطاني والفرنسي..في حين تعددت مرجعيات الوجود الثقافي والتعليمي في القدس، فمنه ما له علاقة بالمؤسسات الأجنبية والكنسية، وكذلك الأهلية، إسلامية كانت أو مسيحية، أو لها علاقة بالمملكة الأردنية الهاشمية كون المملكة كانت هي المسيطرة عشية الرابع من يونيو عام 1967، إضافة إلى ما يتبع الأردن من مؤسسات تخص بشكل خاص الأوقاف ومؤسساتها، وفقا لما جاء في اتفاقية وادي عربة بين المملكة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ومنه ما له علاقة بما يسمى بدائرة المعارف التي تتبع بلدية الاحتلال التي تم إقامتها مع احتلال المدينة عام 1967، ومنه ما تبع للسلطة الوطنية الفلسطينية بشكل غير مباشر بعد تأسيسها عام 1994، أو مباشر بشكل محدود. ومنه ما تبع مؤسسات منظمة التحرير أو مؤسسات أكاديمية وطنية.

من في القدس؟

يدعوني الفنان طالب الدويك صباحا شتائيا لزيارة معرضه، فأشاهده على عجل، ناويا أن أعود إليه في المساء..فأعادني معرض «شموخ» طالب الدويك، إلى «في القدس» لتميم البرغوثي..

للفنان والشاعر أن يريا ما لا نرى، وقديما قيل: يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره، وبالطبع يدخل في هذا الباب الفنانون على اختلافهم، كون العرب كان الشعر ديوانهم، وبعض النثر، لا الرسم ولا التصوير!

وعلى ذلك، مثلا، استطاع الشاعر الشاب تميم البرغوثي، بعد أن تحدث عن واقع القدس المؤلم شعرا، أن يرى ما يرى هو، وليس ما هو كائن واقعي فقط، قائم، ربما على سبيل مبالغة الشعراء أو قل: نبوءاتهم!

فكان له أن يقول على لسان محاورته:

«لا تبك عينك أيها العربي واعلم أنه

في القدس من في القدس لكن لا أرى في القدس إلا أنت..».

بعد أن شكا لها وبكى الحال الذي وصلت إليه القدس الأسيرة شعرا بالطبع، وكيف أنه صار خارج السور، دلالة للوجود العربي الأكبر غير القادر على دخولها!

أما فناننا التشكيلي طالب الدويك، فقد عزف على اللحن نفسه مقزما ما يفرضه الاحتلال من تهويد وأسرلة، مؤكدا على ما يرى من شموخ القدس، والذي حوله عبر ألوانه وقلبه وعقله، إلى لوحات فنية.

بعض التفاؤل لا يضرّ، بل يفيد..لكن الحال ليست كذلك في حياة القدس وثقافتها وفنها!

عزل وفصل!

يمكن رصد المؤثرات على الحياة الثقافية في القدس، من خلال رصد المراكز الثقافية والتربوية والفنية العامة، حيث لا يجد الباحث صعوبة في التعرف على الواقع، فما إن يبدأ باستقراء هذا الواقع حتى يصفع بما يمكن الاصطلاح عليه، بـ «عزل القدس» عن السياق العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، كمكان للسلطة الوطنية الفلسطينية، حيث تم تأجيل القدس لما عرف بمفاوضات الحل الدائم، والذي مكّن دولة الاحتلال الإسرائيلي من العمل باتجاه تهويد المدينة، وتفريغ مضمونها، عبر الاستفراد بها، عن طريق الحفاظ على الأمر الواقع، الذي أصلا لم تلتزم به دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي سرعان ما بدأت بالانقضاض على الفعل الفلسطيني في القدس، عبر إقفال المؤسسات الوطنية، وعلى رأسها بيت الشرق.

فباستثناء بعض المدارس ومؤسسات الأوقاف في القدس، لم تستطع السلطة الفلسطينية التمدد في المدينة، كما لم تتمدد رمزيا ولا وطنيا، مكتفية بالقليل من الدعم، خصوصا لصحة المقدسيين، فتركت فراغا في القدس، كي يتم ملؤه إما بمؤسسات ما يسمى ببلدية الاحتلال، أو بمنظمات المجتمع المدني، التي لم تضع الثقافة الجادة، ولا القدس، ولا القضية الوطنية، أولوية للعمل، بل سارت في عملها وفقا لسياسة الممولين باتجاهات دمقرطة المدينة، والتربية على حقوق الإنسان والمرأة والطفل، وعلى الرغم من أهمية هذا العمل، إلا أنه لم يصب في تفعيل الهوية الثقافية الفلسطينية والعربية (القومية) من منظور مقاوم، وتحرري.

فصارت ثقافة القدس ثقافة لا تضع في أولوياتها الثقافة المقاومة، فاندفعت الجماهير والنخب المثقفة لتلبي ما يعرض عليها من مشاركة في ورشات أو ما يعرض لها من أعمال فنية، فصارت تتأثر بها، فحصل نوع من التشتيت الثقافي والقيمي، ففي الوقت الذي انخرطت فيه النخبة في هذه الأنشطة، اندفعت نخب أخرى باتجاهات الإسلام السياسي، بدوافع دينية واجتماعية، وفي كلتا الحالتين، تم إبعاد الثقافة قسريا عن الفعل الوطني والثقافي الحقيقي، الذي ينظر إلى القدس وفلسطين نظرة عميقة بنائية، تسعى نحو الانعتاق من الاحتلال، وبناء وطن حر، بإرادة حرة، بأجندات تنبع من داخل المواطنين والمواطنات، لا أجندات تشتيتية، لا تشكل الأساس المتين، في المقاومة والتحرر من جهة، والبناء من جهة أخرى.

وبذلك تكونت ثقافة جديدة بشكل خاص في القدس، دفعت الجماهير المثقفة لتكييف نشاطاتهم باتجاهات معينة، ودفعت - وكان ذلك بشكل أسهل - رجال المدينة ونساءها للمشاركة في هذه الأنشطة، لمجرد المشاركة وتمضية الوقت، وإثبات الذات عبر هذه النافذة الضيقة.

فإذا استقرأت هموم المقدسيين والمقدسيات، والتي تأتي في ظل التهويد، والبطالة، ستجدهم باحثين عن عمل وتعليم ومراكز صحية، وتأمينات اجتماعية، على طريق الخلاص الفردي، بعيدا عن الخلاص الجمعي، للقدس المحررة، وفلسطين الحرة المستقلة، والتي هي بالضرورة منطلق حل المشكلات الفردية، من عمل وتعليم وصحة وبناء بيوت وثقافة وفن..

هل يتم التعامل مع القدس كعاصمة دينية وسياسية وثقافية وإلى آخره؟

باستثناء قبة الصخرة المذهبة وقطوف بلح شجرات النخيل القليلة في ساحة المسجد الأقصى وعيون الأطفال المقدسيين المشعة أملا، فإن كل ما في المدينة المقدسة يعاني من الصدأ!

القدس تعاني، كل القدس تعاني وهي تحتاج إلى من يفك أسرها لا أن يمنحها زينة وهي تحت الأسر، فماذا يفيد المغتصبة حليها ومجوهراتها؟

فالصورة المشهورة للقدس التي تتوسطها البلدة القديمة بسورها وقبة مسجد الصخرة التي تأخذ مكان السيادة والبروز في الصورة كونها في الوسط وباللون الأصفر المشع، قد توهم الرائي أن كل شيء هنا مشع ورائع، لكن الواقع غير ذلك، لأن كل شيء يعاني من الغبار والسواد والإهمال والتلف.

اترك تلألؤ القبة وتأمل محيطها، فماذا ترى؟

دخلت منظمة المؤتمر الإسلامي التي أنشئت بعد حريق المسجد الأقصى عام 1969 عامها الـ41، أي أنها بلغت سن الرشد قبل عشرين عاما، فماذا فعلت منظمة العالم الإسلامي التي تمثل مئات الملايين لاسترداد القدس أو على الأقل المحافظة على عروبتها وحمايتها من التهويد وذلك أضعف الإيمان؟

تمويل المدينة ودعمها!

وبالرغم من ذلك فإن المساعدات والاهتمام الفلسطيني والعربي والإسلامي مازال دون المطلوب، يقول الكاتب خالد الغول: «بالنظر إلى المخاطر الجسيمة التي تتعرض لها مدينة القدس، والتحديات التي تضعها أمام أسئلة الوجود والمصير والاحتمال، وتضعها على محك الهوية والمعنى. وبالنظر إلى المستوى المتدني من الاهتمام بالمدينة، ومدى التجاوب الفلسطيني والعربي والإسلامي والإنساني الفعلي مع نداء المواجهة للإبقاء على وهجها وحضورها، فان الحديث عن التمسك الأبدي بها، والاستعداد لبذل كل ما هو غال ونفيس من اجل حمايتها وصيانتها يبقى مجرد كلام في الهواء، وتملق خاو تذروه الريح».

اختصر علينا خالد الغول الحديث عن معاناة المؤسسات الثقافية والفنية وأثر ذلك على قطاع الشباب مستقبلا وسطو رام الله على الدور الثقافي للقدس وتراجع المبادرات الثقافية الوطنية في داخل المدينة، ويتحدث عن أسرلة الثقافة ومؤسساتها الذي تفعله ما يسمى ببلدية القدس بقدر محدود يمكن أن يتسع في ظل عدم وجود بديل داعم وحاضن للقدس، فيقول: «في حال توافر فرص لإنشاء مؤسسات ثقافية أو تفعيل القائمة منها فإنها تأتي ضمن شروط تتعارض مع الأهداف والمنطلقات الوطنية للجمهور الفلسطيني والمثقفين والمبدعين المقدسيين. وللأسف الشديد توجد في القدس مؤسسات لديها استعداد للتجاوب مع الضغوط الإسرائيلية، والاندراج في السياق الذي تحدده بلدية القدس والتنسيق مع مكاتبها وفقا لأجندتها ومخططاتها الإستراتيجية المتعلقة بمستقبل مدينة القدس، وبعضها بدأ يتململ ويتهيأ للانخراط في هذا المشروع..». وانتقد خالد الغول «تبعثر الجهود من قبل المعنيين بالشأن الثقافي والفني في مدينة القدس. ولم تصل محاولات تنظيم وتوحيد الجهود إلى نتائج فعالة ومثمرة تضع المصلحة العليا للمدينة فوق أي اعتبارات، ومازالت المؤسسات الثقافية القائمة، على قلتها، تضع مصالحها واعتباراتها الخاصة فوق أي اعتبار ولا تبدي اهتماما جديا بالعمل الجماعي مع المؤسسات الأخرى» والذي نراه نحن وغيرنا إنما يأتي من حالة التشرذم التي لا يعاني منها المقدسيون فحسب بل الفصائل والجماعات والشلل والميليشيات التي تصب في تفتيت الشعب من باب الادعاء بتوحيده..».

غياب الدعم

ويتفق الفنان المسرحي كامل الباشا على أنه يجري تغريب المدينة بسبب غياب الدعم الرسمي للسلطة والمؤسسات العربية وغياب رأس المال العربي عن الساحة الثقافية المقدسية. لذلك يبحث الفنان عن حلول لإشكاليات التمويل، واشتراطات الممول، وبالرغم من ذلك فإن البعد الوطني واضح، من خلال عرض لقضايا الطفل والمرأة والعامل، لا عبر الحديث عن شعار سياسي مباشر، بل من خلال قضايا عيش المقدسي وصموده من مختلف الجوانب.

أما عن نشاطات المؤسسات الأهلية وغير الحكومية في المدينة، فذكرت القاصة مها أبو هلال أن تلك المؤسسات لها طبيعة تختلف عن دور المؤسسات الوطنية، وهما ليستا متناقضتين بل تتكاملان، فمن الضروري الحديث عن العصرنة والمفاهيم العصرية ودمقرطة المجتمع وحمايته من المشكلات الاجتماعية كمحاربة المخدرات، وهي تطلب من المؤسسات الفلسطينية أن تدعم المؤسسات الثقافية والفنية في القدس، في مجال النشاطات الثقافية المعززة للهوية القومية.

مقاربة تاريخية .. ثقافة المدينة المقدسة

هو سؤال حيوي مهم، واستراتيجي، ترى ما هو موقع الثقافة في القدس؟ وهل إذا تتبعنا هذا الموقع تاريخيا، يمكننا قراءة مقارنة لما كان، ولما هو كائن الآن، باتجاه لما يجب أن يكون؟

كيف تعاملت السلطات التي حكمت القدس بدءا من العهد العثماني في القرن التاسع عشر، ثم الاحتلال البريطاني، فالحكم الأردني، فالاحتلال الإسرائيلي..؟ ما الذي يمكن أن يكون في مدينة مستلبة على دفعتين، يفصل ما بينهما 19 عاما فقط؟ إنه تاريخ ثقافي متعسر، لثقافة وفنون تسيران على عكاز، في ظل وقف النمو وإعاقة الإبداع.. فعلى الرغم من كونها حاضرة عربية عريقة، وكونها من مدن النهضة العربية الحديثة، ازدهرت فيها أواخر القرن التاسع عشر الصحافة والتصوير والتعليم ودور السينما والمسرح، وما ارتبط بالحداثة من فنون وثقافة، إلا أنها استلبت، لكي تقف مساهمتها في التنوير العربي. بعيدا عن الموقف السياسي والوطني تجاه تلك الحقب من الحكم، يمكن ببساطة أن نقرأ منطلقات كل حاكم تجاه الثقافة والفنون والمجتمع المدني وقضايا المجتمع والحداثة، وصولا إلى ثلاث فترات مرئية، وهي مرحلة الحكم الأردني التقليدي، ومرحلة الاحتلال الإسرائيلي حتى عام 1994، أي قيام السلطة الوطنية، والثالثة وهي استمرار للاحتلال الإسرائيلي للقدس في مرحلة قيام السلطة الوطنية. ففي مرحلة الحكم الأردني، كان من الطبيعي أن يكون الواقع انعكاسا لنظام الحكم، ولأهداف وجوده هنا بشكل خاص، وهي أهداف استلزمها فراغ الحكم في فلسطين بعد حرب فلسطين عام 1948، فلم يكن نظام الحكم مستقرا ولا حداثويا معاصرا، ولا مهموما بالتنمية، إلا من زوايا تقليدية، عبر التعليم، والنشاطات التقليدية، بما فيها من فولكلور وتراث، وهكذا.

وبالرغم من ذلك، ووفقا للقاص محمود شقير، من كتاب الستينيات، «فقد تم تبلور حركة أدبية مرتبطة بظهور مجلة «الأفق الجديد» المقدسية، خلال النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، شهد بعض مقاهي القدس حضوراً لمثقفين وأدباء من أبناء المدينة ومن خارجها، اتخذوا من هذه المقاهي أماكن لجلوسهم ولحواراتهم، سائرين في ذلك على النهج الذي سار عليه كتاب عرب وأجانب، كانت لهم مقاهيهم المختارة في مدن مثل بيروت والقاهرة ومدريد وبراغ. غير أن هذا الحضور لم يلبث أن اضمحل مع إغلاق المجلة ووقوع هزيمة حزيران (يونيو)».ويتابع شقير كأديب ومؤرخ للمكان وثقافته «بعد نكبة العام 1948 وحتى نكسة حزيران (يونيو) العام 1967 شهدت القدس الشرقية حالة من التوسع في العمران خارج سور المدينة، وظهرت إلى حيز الوجود مجموعة من الضواحي السكنية التي انتشرت حول المدينة، خصوصاً من جهة الشمال حيث الشارع الرئيس الذي يربط القدس برام الله. هناك، ظهر حي الشيخ جراح وحي التلة الفرنسية القريب من قرية شعفاط التي تحولت بدورها إلى ضاحية من ضواحي القدس. وعلى جانبي الشارع الذاهب إلى رام الله، ظهر حي بيت حنينا الجديدة، الذي كان يعتبر قبلة الفئة الأرستقراطية من المقدسيين وموظفي الطبقة الوسطى والتجار.

وتعززت مكانة الحي حينما اختار الملك حسين الإقامة بضعة أسابيع كل عام، في بيت تعود ملكيته لوزير فلسطيني سابق في الحكومة الأردنية، يقع على الشارع الرئيس مباشرة. وفي ما بعد باشر الملك ببناء قصر له على تلة قريبة من حي بيت حنينا الجديدة، غير أن بناء القصر لم يكتمل لأن هزيمة حزيران (يونيو) قلبت كل الموازين، فظل الهيكل العظمي للقصر قائماً حتى الآن لا زيادة فيه ولا نقصان».

كلام شقير عن تطور المدينة العمراني مرتبط بالتطور الثقافي الممكن في تلك الحقبة، حيث ثمة علاقة بين العمران والثقافة..

أما في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي، فقد كانت في جزء منها امتدادا لما كان سابقا، وجزء منها سلخ المواطن عن قضاياه، ومقاومة أي فعل أو مبادرة مناهضة للاحتلال.. وللأسف الشديد، لم يتم الاستجابة لما كنا نتوقعه من دور للسلطة الوطنية في القدس.

وقد تراجع الدور باستمرار باتجاه «تهميش الطبقة الوسطى الفلسطينية، وإضعاف تأثيرها السياسي والثقافي، لأسباب عدة، منها انسداد أفق تسوية الصراع العربي/ الفلسطيني - الإسرائيلي، وتشوه البنية الطبقية للمجتمع الفلسطيني، ما أدى إلى تراجع الثقافة الديمقراطية بتجلياتها العقلانية والتنويرية، والنكوص إلى حالة من تردي الوعي».

تحولات المدينة

كما يتحدث شقير عن تحولات المدينة قائلا: «من مظاهر الترييف التي عصفت بالمدينة، ذلك التحول في القيم، حيث لم تعد للعقلانية وللتنوير ولاحترام العلم والثقافة والفن، حظوة ذات أثر ملموس، وحيث ازداد الميل إلى التزمت والتعصب، وما يرافق ذلك في العادة من ضيق الأفق ومن التضييق على النساء، ومحاولة حرمانهن من المكاسب التحررية التي أحرزها نضال المرأة الفلسطينية خلال سنوات، وحيث أصبح الدفاع عن الوطن والانتماء إليه، يمر في حالات غير قليلة، عبر خليط من المشاعر والمواقف التحزبية والنفعية والعشائرية والعائلية، التي تستند إلى قيم الفزعة والاستعراض ورد الفعل والعصبية والانفعال».

يتحدث محمود شقير شيخ كتاب القدس عن الثقافة بمفهوم تقدمي، نظراً لدورها الأكيد في صيانة الهوية الوطنية الفلسطينية المنفتحة على بعديها العربي والإنساني من الضياع، وفي صقل هذه الهوية وتطويرها وتمكينها من الصمود في وجه الأخطار، ولما للثقافة من دور في حفظ هوية المكان، وتعميق الارتباط به وتعزيز الأواصر التي لا يستطيع محوها أو زعزعتها أي عدوان. غير أن هذه القوى على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية، لم تنجز سوى القليل من الأنشطة ذات الأثر الفعال، ما ترك المدينة نهباً للضياع، وما جعل قيم الريف الداعية إلى التقوقع والانغلاق، تستفحل فيها انسياقاً وراء الوهم الذي يرى فيها الوسيلة الملائمة لرد أذى المحتلين، ولحماية الأجيال الجديدة من الشباب والشابات من الغزو الثقافي الإسرائيلي، الذي يتبدى في الترويج للثقافة الاستهلاكية وللانحلال الخلقي ولتجارة الجنس والمخدرات.

الثقافة والفنون منابع وطنية للحفاظ على الهوية العربية

أما المثقفون المقدسيون، فهم لا يبعدون عما تحدثنا به، فدورهم لا يقتصر على التعبير عن المدينة، بتعدديتها الطبيعية والتاريخية، ولا جمالها، وقدسيتها، ولا عن طموحاتها في الحداثة والتطور كسائر مدن الدنيا، بل يتجاوز ذلك بالضرورة نحو الدفاع عن عروبة المدينة، وهويتها الثقافية التي تميزها، دون تمييز عنصري بغيض، متسلح بجدار فصل عنصري ماض إلى تحلل لا محالة، فهم طليعة التصدي للتهويد، في مختلف أماكن وجودهم.

تتحسر القاصة مها أبو هلال على أيام اتصال القدس بالضفة، ولا تخفي حنينها إلى القدس، خصوصا صلتها الثقافية والاجتماعية بها، وترى أنها كمقدسية لم تعد قادرة على التواصل مع المدينة بالرغم من أنها تقيم قريبا من القدس. وترى أبو هلال أن الإنجازات الثقافية في المدينة صارت محدودة، ولا تلبي طموح المثقفين ولا المثقفات.

وترى أن تكريس الانفصال سيؤثر في المدى البعيد ليس على الثقافة الفلسطينية بشكل عام، بل سيؤثر سلبا على الثقافة المقدسية، وسيخلق واقعا جديدا يزيد من التشتيت الفلسطيني.

من جهته يعلق الكاتب زياد خداش على وضع المدينة قائلاً:إذا كان الفعل الثقافي قد انحسر في مدينة القدس بشكل ملحوظ منذ سنوات الانتفاضة الأولى، فإنه صار على أضيق الحدود في الانتفاضة الثانية، خصوصا بعد أن كرست سلطات الاحتلال منع التواصل بين عاصمة فلسطين وباقي مدن الضفة الغربية، وأضاف أن حواجز الاحتلال على أبواب المدينة لم تكن إلا حواجز لقطع الصلات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية مع الضفة الغربية، ومن قبل مع قطاع غزة -الذي تكرس انقطاع مواطنيه ومثقفيه عن القدس منذ الانتفاضة الأولى أيضا-، وأنه مع انطلاق الانتفاضة الثانية، تعمق فصل القدس العربية عن الضفة الغربية، وقد توجت سلطات الاحتلال هذا الفصل بإقامة جدار الفصل والضم العنصري، الذي حسم على الأرض التواصل الطبيعي بين القدس وباقي الضفة، فصارت القدس وحدها، معزولة، مبعدة ومنفية قسرا عن أصحابها..

أما الكاتبة والروائية ديما السمان فإنها ترى أن عدم قدرة الفلسطينيين أفرادا وفرقا على الوصول الى القدس كي يشاركوا في النشاطات الثقافية، أو عرض إبداعاتهم أو فنونهم، يشكل ضربة للمشروع الوطني الذي ينطلق من وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة.

وترى السمان أن الهدف هو أسرلة المدينة وتهويدها، لتفريغ أهم قضايا الحل الدائم من مضامينها، وتضيف: للأسف فقد وجد المقدسيون أنفسهم في عزلة، ولم يتم تعبئة الفراغ فلسطينيا، فقامت مؤسسات ما يسمى ببلدية القدس، بسد جزء من الفراغ تاركة جزءاً للمؤسسات غير الحكومية، ولم يبق للمؤسسات الفلسطينية غير الجزء الصغير، ممثلا ببعض المدارس، وجزء من الأوقاف، فكان من الطبيعي أن يخف الفعل الثقافي الوطني في المدينة، بل لقد خفت النشاطات الثقافية بشكل عام.

أما عن مدى انطلاق النشاطات الثقافية في القدس من باب الحفاظ على الهوية الحضارية للقدس، وموقع النخبة المثقفة كطليعة تدافع عن عروبة المكان، فقالت إن ذلك هو بيت القصيد، وينبغي العمل على الانطلاق من هذا الاتجاه، وهي تنظر لكل دعم ثقافي للمدينة نظرة وطنية في طريق إعادة وضع المدينة لسابق عهده، أو قريبا منه، وترى في احتفالية القدس عاصمة ثقافية مناسبة لتفعيل هذا العمل الثقافي كعمل وطني، والعمل الوطني كعمل ثقافي بالضرورة.

والمثقفة المقدسية

تقف المرأة المقدسية شامخة في معرض الفنان التشكيلي الفلسطيني الأخير طالب الدويك، وفي أكثر من لوحة، ولكن تعلق في البصر والفؤاد تلك اللوحة التي تقف فيها المرأة الفلسطينية على باب العمود، الذي يمر عبره المقدسيون إلى القدس القديمة، فقد عزف طالب الدويك على اللحن نفسه مقزما ما يفرضه الاحتلال من تهويد وأسرلة، مؤكدا على ما يرى من شموخ القدس، والذي حوله عبر ألوانه وقلبه وعقله، إلى لوحات فنية.

ويرى الفنان طالب الدويك أن المرأة من أعمدة الوجود الفلسطيني في القدس، وهي كائن ورمز، وهي عنصر وطني مقاوم لعوامل التهويد، وأنه شخصيا كفنان لم تخل معارضه من وجودها، وهو وجود وطني خاص يليق بهويتها وتاريخها وانتمائها لحضارة عربية عريقة.

فهي شامخة بانتظار، تدافع بوجودها، وهو بذلك يرى عودة الزخم الوطني من منظور ثقافي وفني، كون الفن عموما وعاء طيبا وقويا ومجالا لتوصيل رسالة المقدسيين والمقدسيات، مطالبا الهيئات بتقوية كل تعبير ثقافي يسير في هذا الاتجاه، حيث تشكل المقاومة الثقافية والفنية رافعة وحاضنة للمشروع الوطني.

الفنانة التشكيلية أحلام الفقيه من جهتها تتحدث عن حرمان محيط القدس منها، بل حرمان الوطن من الاتصال عن قرب بالقدس، لكنها ترى أن الفن قادر على الوصول للقدس والعالم، فهي من خلال تجمع فنانات مقدسيات، يقمن بشكل طبيعي بما هو متوقع من كل إنسان يعاني من الاحتلال، ترى أن تمسك المرأة بالأرض هو أساس لكل فعل ثقافي وفني، وبالتالي من الطبيعي أن تتجه الفنانات اتجاهات وطنية، في ظل الارتقاء بالأدوات الفنية، فكون أن هناك تجمعا خاصا بالفنانات المقدسيات هو بحد ذاته رد عملي على محاولات الاستلاب.

وهي ترى أن على المثقفين والفنانين الانطلاق بالقدس، ومن القدس، إلى العالم، لإيصال أنبل رسالة فنية وإنسانية.

تهويد دائم!

على الرغم من حضور القدس في القرارات المتتالية التي تتخذها اليونسكو، التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري والتاريخي في المدينة، فإن من يذهب مثلا إلى متحف القلعة الواقع في منطقة باب الخليل من البلدة القديمة في القدس، يمكنه كما يقول القاص محمود شقير: «أن يرى بأم عينيه، كيف يجري تقزيم التاريخ العربي الفلسطيني في المدينة، وتقسيمه إلى حقب منفصلة مجزأة، مملوكية وعثمانية وعربية، وذلك لغاية في نفس يعقوب، بحيث يبدو تاريخ اليهود في المدينة كأنه الحقيقة الكبرى التي توضع القدس في سياقها، وبحيث يبدو للسائح الأجنبي الزائر لهذا المتحف، كما لو أن القدس مدينة يهودية في الماضي وفي الحاضر».

ويتابع: «إن نظرة سريعة على ما يصدره الإسرائيليون من كتب أدبية وبحوث ودراسات ووثائق وأفلام عن القدس، وما ينظمونه فيها من مهرجانات ثقافية وفنية وسياسية، ومن مؤتمرات وندوات علمية واقتصادية، ومن استضافة مفكرين وكتاب وفنانين عالميين لزيارتها وللإقامة فيها بعض الوقت، تؤكد على أن اهتمامهم بالمدينة يفوق اهتمامنا بها أضعافاً مضاعفة».

تفاؤل: القدس في الفنون

ولعل من المناسب في هذا الصدد أن ننوه بالعروض الناجحة لمسرحية «الجدارية» التي أعدها للمسرح الممثل خليفة الناطور عن ديوان محمود درويش، وأخرجها أمير الزعبي، وكذلك بعروض فيلم «الجنة الآن» الذي كتبه وأخرجه هاني أبو أسعد، وفيلمه «القدس في يوم آخر»، وفيلم «يد إلهية» الذي كتبه وأخرجه إيليا سليمان، وكذلك بعض الأفلام الوثائقية الفلسطينية لليانة بدر ومحمد بكري وغيرهما.

إضافة إلى ما قدمه مصطفى الكرد من أغانيه الجديدة المكرسة للقدس، وهي تندرج في إطار مشروع متكامل، يقدم الفنان من خلاله رؤيته الذاتية للمدينة كما عاشها وكما ترسخت في ذاكرته ووجدانه، ويحاول استحضار الأمكنة التي خبرها في المدينة والناس الذين عرفهم عن قرب. كلمات هذه الأغاني التي كتبها مصطفى الكرد، لا تنشغل بالسياسة اليومية ولا بالشعار الساخن ولا بالأيديولوجية الجاهزة، إنها كلمات بسيطة نابعة من القلب، تعبر عن العلاقة الحميمة التي ربطته ومازالت تربطه بالمدينة، بحيث لا تستطيع الأسطورة التي يستند إليها المحتلون، أن تمحو عنصر الصدق في هذه العلاقة، أو أن تطمس صورة المدينة كما ارتسمت في الأذهان!

حالة ثقافية

الثقافة فيها كالحياة على أرضها المصادرة، ولكن ثمة محاولات للخروج من حالة الموات الثقافي التي تعيشها القدس الآن، كما يقول مرافقنا في القدس الكاتب محمود شقير، ويذكر في هذا المجال: ندوة السبت التي ينظمها مركز القدس للموسيقى على نحو غير منتظم، حيث ينتظم شملها حيناً وتتبدد اجتماعاتها حيناً آخر، وندوة اليوم السابع التي ينظمها المسرح الوطني الفلسطيني كل أسبوع، علاوة على ما يضطلع به المسرح الوطني من أنشطة أخرى ثقافية وفنية، وعروض مسرح «سنابل» في النوادي وفي المدارس، ومعارض الفن التشكيلي والأفلام التي يقدمها «المعمل»، وكذلك مهرجان القدس للموسيقى الذي تنظمه في موقع قبور السلاطين كل عام «مؤسسة يبوس للإنتاج الفني»، وتدعو إليه مغنين وفرقاً فنية فلسطينية وعربية وأجنبية، وإصدار بعض الكتب التي تعنى بماضي القدس مثلما تعنى بحاضرها ومستقبلها..

مؤسسات ومراكز

في القدس نحو 16 مؤسسة فنية، وبالطبع ليست كلها مؤسسات فاعلة، لكن لا احد يمنع المؤسسات غير الفاعلة أن تفعّل نفسها فنياً ليصبح وجودها على خارطة ثقافة القدس وجوداً عملياً لا مجرد تاريخ مضى.

مركز دراسات القدس

في موازاة المحطتين الخامسة والسادسة لطريق الآلام، إلى نهاية طريق الواد التي تؤدي إلى الأقصى والبراق، وفي داخل سوق القطانين (صناعة القطن أيام زمان) نجد محطة قوافل قديمة وخلابة يطلق عليها خان تنكز، ويحتوي هذا المكان على حمامي العين والشفاء اللذين يعدان حمامين عامين أساسيين، استخدمهما سكان البلدة القديمة منذ تأسيسهما في عام 1330 ميلادي حتى أوائل السبعينيات من القرن العشرين.

وقد تأسس مركز دراسات القدس عام 1998 ليكون أول مركز فلسطيني متعدد المناهج للدراسات حول المدينة ليتناول وضعها الفريد للفلسطينيين خاصة وللعالم عامة.

عمل المركز كما تقول مديرته هدى الإمام على إحياء الحياة والثقافة في البلدة القديمة، وتضيف أن من أعماله الإطلاق الأخير لبرنامج الماجستير المتعدد التخصصات للدراسات المقدسية، ومكتبة القدس الافتراضية على الإنترنت، وهي قاعدة معلومات علمية حول تاريخ المدينة تضم كتابات للمقدسي وشاتوبريان ومجموعة ثرية من فن التصوير القديم من بونفيس إلى إيليا كاهفيد يجيان، إضافة إلى مجموعة من الخرائط والمخطوطات اليدوية.

كانت رحلتنا مع د.يوسف النتشة مع عدد من محبي اكتشاف القدس من وجهة نظر فلسطينية حول أسواق القدس من خلال برنامج «رحلات حول القدس»، حيث طاف د.النتشة بهؤلاء المثقفين والدبلوماسيين السائحين وأراهم تطور الأسواق الاقتصادية في المدينة القديمة وتعدديتها وعلاقتها مع المراحل الحضارية التي مرت على المدينة.

ينطلق المشاركون في برنامج زيارات واكتشاف والتعرف على القدس من خان تنكز مقر المركز، وقد بادر د.يوسف النتشة بالحديث عن هذا السوق كونه يتحدث عن أسواق القدس، فهو سوق مملوكي أسسه المملوك تنكز في القرن الثالث عشر للميلاد.

سرنا مع د. يوسف النتشة وتنقلنا من سوق إلى آخر واصفاً محللاً، من القطانين إلى خان الزيت إلى سوق اللحامين والخواجات وسوق الخضار الذي لم يعد قائماً، حيث اشترته عائلة جويلس وجعلته سوقاً للسياح يبيعون فيه الانتيكات والمصنوعات التراثية.

مديرة المركز هدى الإمام المقدسية تلقت تعليمها العالي في فرنسا ترى أن البرنامج الرائد للتعريف بالمدينة يأتي في سياق هدف المركز إحياء التراث وعمل الأبحاث خصوصأ حول البلدة القديمة بالتعاون مع المجتمع المحلي والجامعة، وهي تسعد بأن المركز يضيء حول المدينة ويتحدث حولها من منظور فلسطيني.

وهي تفخر بأن هذا المنظور الفلسطيني ليس منغلقاً بل منفتح يدرك خصوصية المكان وتعدديته، وحضاراته ودياناته الثلاث.

من مظاهر إحياء الحياة في البلدة القديمة نشاطات المركز الرمضانية، مثل مسيرة أطفال القدس حاملين الفوانيس، كذلك عقد أمسيات موسيقية صوفية في مسجد نقشبندي الصوفي، ورواية القصص بواسطة الحكواتي..

مدينة الكتب والمخطوطات

مدينة تحتاج مخطوطاتها إلى عناية وترميم ونشر أيضا، لتعيد زمان القدس بكامل بهائه، فمنها مكتبة الأقصى جارة المسجد الأقصى في الجهة الغربية، التي ما إن تدخلها حتى تراك تدخل في التاريخ، وهي مكتبة متخصصة متوسطة لكن غنية، وقريب منها في البلدة القديمة مكتبة الخالدي، وهي خاصة بأحد أعيان القدس، لكنها مهداة لمحبي القدس، وهي تشغل مبنى تاريخيا، تصطف فيها الكتب والمخطوطات، وهي تصلح لتكون أيضا مركزا ثقافيا لوجود فضاء يسمح بعقد ندوات متخصصة وبرامج للكبار والصغار. وهناك مركز إسعاف النشاشيبي للثقافة والأدب، الذي أسس في قصر دار النشاشيبي، على اسم علم راحل من أعلام القدس وهو المرحوم محمد إسعاف النشاشيبي، محب العربية، الذي ألقى كلمة العرب في أمسية تكريم أمير الشعراء أحمد شوقي في القاهرة، حيث مازال المكان يستحضر الزوار العرب من كبار الكتاب والفنانين إلى القدس..يوم كانت القدس..!

وهناك مكتبات صغيرة للكثير من المؤسسات، خارج البلدة القديمة هناك مكتبات حديثة، ولكن مكتبة فهمي الأنصاري تظل محتفظة برونق خاص، فهي مكتبة لمثقف مقدسي، أي مكتبة بيتية، لكن لغناها، لم يشأ الأنصاري حرمان المثقفين وطلبة العلم من الانتفاع منها، وهي بالرغم من صغرها إلا أنها تحتوي على كتب لا يوجد الكثير منها خارجها، والمهم أن هذه المكتبة، ومكتبة الخالدي، تدلان على المستوى الراقي لأهل القدس، وولعهم بالكتب، مكتباتهم بالجمهور، ربما تأثرا بالثقافة الإسلامية التي تحث على عدم احتكار المعرفة.

مسارح القدس

أشهرها المسرح الوطني، الذي تأسس في مكان سينما النزهة، كمسرح حكواتي على يد رواد المسرح في الثمانينيات، بقيادة المسرحي الفلسطيني-الفرنسي فرانسوا أبو سالم، ثم تحول الحكواتي إلى المسرح الوطني، وهو منذ تأسيسه يسعى للنهوض بالمسرح، عبر إنتاج مسرحيات، وعقد مهرجانات كمهرجان الدمى والعرائس ومهرجان القدس المسرحي الذي توقف بعد الدورة الثانية، لكن مشكلة المسرح وفقا لمديره جمال غوشة أنه يعاني من نقص حاد في التمويل، وهو يعتمد على التمويل الخارجي، إضافة إلى مشكلته مع سلطات الاحتلال التي سرعان ما تغلقه إذا شمّت أنه ستقام فيه فعالية لها علاقة بفلسطين. وقد سعى المسرح لنقل إنتاجاته الى الضفة الغربية خصوصا إلى رام الله، بعد أن أصبح دخول الفلسطينيين إلى القدس ممنوعا!

على خطى هاملت

هي آخر إنتاجات المسرح، وهي من إخراج كامل الباشا، وتم إنتاجها بالتعاون مع مؤسسة التعاون الإيطالي.

المسرحية عن نص للإنجليزي وليم شكسبير كتب قبل ما يزيد على 400 عام، ويعد هذا أول إنتاج فلسطيني للمسرحية على مستوى احترافي.

وكانت المسرحية قدمت في السابق حسبما يذكر تاريخ المسرح الفلسطيني في أربعينيات القرن السابق من خلال مجموعة من طلبة مدرسة المطران بالقدس.

قال مدير المسرح الوطني الفلسطيني جمال غوشة، إن كوني مديرا للمسرح لا يمنع من تقديم شهادة في هذا العمل الفني الرائع، وهو هدية لنا جميعا، نفتخر بها، لأنها تقدم أداء رائعا لجيلين من الممثلين الفلسطينيين، لا تقل قدرات وإبداعات أحدهما عن الآخر.

كما قال المخرج كمال الباشا، عن عرضه: يعتبر إخراج هذه المسرحية مغامرة بحد ذاته لطولها وصعوبتها ولغتها الشعرية القوية والمتقنة مما جعلها حلما للمسرحيين في جميع أرجاء العالم ولا يقدم عليه إلا من يتمكن من لغته المسرحية وأدواته الفنية .

وأضاف: بهذه الأفكار المسبقة دخلت قاعة المسرح باحثا عن ديكورات ضخمة تجسد القصر أو القلعة أو المقبرة، فإذا بي أجد نفسي أمام منصة فارغة إلا من أرضية بيضاء تحيط بها الستائر السوداء من كل جانب، وما هي سوى لحظات حتى امتلأت المنصة بالممثلين، مجموعة كبيرة من الشبان والفتيات بملابس سوداء تقطع المنصة وفي كل الاتجاهات، وتدخلنا في أجواء مشهد التقاء الحرس بشبح هاملت الأب (الفنان عبد السلام عبده)، ثم تقفز بنا إلى أجواء اختلط فيها الفرح بزواج الملك العم (الفنان حسام أبو عيشه) بالملكة الأم (الفنانة ريم تلحمي) بالحزن على موت الملك الأب وحضور جنازته، ثم نقفز مرة أخرى إلى مشهد سفر لرتيس (علاء أبو غربيه) ووداعه لأخته أوفيليا (مرام العلي)، ووصاياه لها بالعفة والفضيلة في مشهد إيمائي مترافق مع عزف صوتي وإيقاعي حي لباقي الممثلين، ينتهي بسماح الأب بولونيوس (كريم غوشه) لابنه بالسفر، ثم إذا بنا نقفز مرة أخرى إلى مشهد محاولة الملك الجديد (عم هاملت) والملكة إقناع هاملت بالخروج من حالة الحزن التي يعيشها، وإذا بنا أمام أكثر من هاملت (فراس فراح، محمد الباشا، إيفان أزازيان، نضال الجعبة، عطا ناصر، بهاء الصوص) وبقية الممثلين، بما يدلل لنا على تشظي تلك الشخصية وتحولها إلى عدة شخصيات لكل واحدة منها مميزاتها الفريدة، ثم نجد أنفسنا أمام أكثر من أوفيليا (كاتيا بركات، مجد طهبوب، رشا الزغير، دانيه زياده، سيرين سموم، شذى الزغير، سجى زحيكه).

وعن تطور الأحداث، قال: وننتقل مع العرض من مفاجأة إلى أخرى ومن مشهد إلى آخر، ظهور الطيف، الرغبة في الانتقام، التردد، قتل بولونيوس، جنون أوفيليا، موت أوفيليا وجنازتها، هجوم لرتيس، المبارزة بين هاملت ولرتيس، ثم موت الجميع باستثناء الملك العم (كلاوديوس)، الذي يردد جملته الشهيرة في مشهد الاعتراف: ما انتن إثمي؟!.

حول الصياغة الإخراجية، لجهة الفضاء الدلالي، فهل يأتي كل هذا التشظي والتفكيك وإعادة المونتاج في بنية المسرحية مصادفة أم عن سبق تصميم وإصرار، قال: حاولت في الأعوام الماضية تقديم الأعمال المسرحية بأساليب إخراجية مختلفة بحثا عن أسلوب خاص، فمن الأجواء الواقعية الرمزية في أبو جابر الخليلي إلى أجواء مسرح القسوة في امرأة سعيدة إلى أجواء السريالية في مغامرات عدنان ولينا (الأرض الملعونة) إلى الواقعية في كلهم أبنائي والشاعرية التراجيدية في الأشباح ، ولآن في مسرحية هاملت أحاول مظهرة فضاء تراجيدي غرائبي تشحذ عقولنا للتفكير بمجمل خيارات هاملت، فجعلني كمخرج اختار اللونين الأسود والأحمر للممثلين. ولماذا الأبيض لأرضية المنصة، ولماذا يضاف الأخضر بشكل طاغ في الإضاءة لتشكل جميع هذه الألوان (العلم الفلسطيني)، ولماذا تؤكد الأحداث على الصراع الأخوي بين الشباب فالمشكلة تنحصر في قتل أخ لأخيه، ولماذا يموت كل من على المنصة باستثناء شخصية الملك كلاوديوس القاتل الأول، في مفاجأة تغير نهاية المسرحية التي كتبها وليم شكسبير.

ومن الفرق المسرحية في القدس فرقة أيام المسرح التي تعمل الآن في كل من الخليل وغزة، يقود الفرقة الفنانة جاكي لوبيك ويان ولمز والفنان عامر خليل. كما يوجد مقرّ لمسرح عشتار الذي انتقل مركزه إلى رام الله، وهو مسرح للتدريب والإنتاج تخصص فيما يعرف بمسرح المنبر أو مسرح المضطهدين. ومسرح سنابل بقيادة الفنان أحمد أبو سلعوم، وفرقة الجوال المسرحية بقيادة صقر السلايمة وهي فرقة صغيرة، ومسرح الرواة بقيادة الفنان إسماعيل الدباغ، وهذه الفرق تنشط من وقت إلى آخر حسب ما تستطيع، وحسب ما يتوافر من تمويل.

جاليريهات القدس

في جاليري المسرح الوطني، في القاعة الثانية، التي تستعمل مسرحا صغيرا ومكانا لمعارض الفن التشكيلي. إلى هناك أعود لصحبة الفنان المقدسي طالب الدويك، في معرضه «شموخ»..الذي يجعل الكلمات تتداعى؛ فحين نخطو على أرضها نطير، أو نكاد، من أثر روحها التي مازالت منذ كانت هنا تسمو وتسمو، فلعلنا نتمسك بذيلها، كتمسك أطفال ببلالين الفرح المرتفعة مع الهواء، خذينا أيتها الفرشاة إليها، خذينا أيتها الريح إليها فقد أضنانا الشوق؛ ويأبى طالب إلا أن يستجيب كفراشة نمتطي براءتها، بشفافية قدسية، من روحها الباقية الخالدة فينا، وعليها وعلى المؤمنين السلام.

لأنه يحمل القدس في فلبه وعقله، كعاشق كشفت لوحاته عمق هذا العشق، ولأنه لا يراها إلا كما يريد أن تكون، فقد جعل طالب الدويك ريشته للقدس، وأوقفها لها كما لم يوقف كاتب أو مؤرخ أو شاعر حبره لها من قبل؛ فهو يحنو عليها كحنو الأب والأم على وليدها، يحتضنها كما يحتضن طفلاً بريئاً، ويعيش معها وفيها، فتعيش فيه، وتسكن في صوره وخيالاته ماضية إلى أول الزمان.. محتفظا بتفاصيلها وطقوسها التي لم تغب، كأن المكان كما كان في طفولته، أو طفولة التاريخ، سالما لم يتعرض لغزو، هكذا تكابر القدس، ويكابر الفنان، من خلال رؤيته ورؤياه، حيث يتضاءل أثر الاحتلال، ويتقزم، في حين تكبر القدس كما ينبغي لها، وتقف مرتفعة الهامة، رافعة صدرها، مبصرة بوجهها، في ثقة تحسد عليها بين المدن.

مدينة للصلاة مازالت، وللأطفال والأعياد، والحياة، والفن، والعزف، والنقش، واكتمال المواسم والقمر، فلا تراها تتكامل وتزدهي كما تظهر هنا، شامخة مثيرة تساؤلات البشر، لا مجرد إعجابهم بها، لكنها تحمل الهم في قلبها، تخفيه عنا حتى لا يطول تأملنا بحزنها، وعن الغرباء حتى لا ينتشون بجنون الاستحواذ عليها وعلى فضاءاتها الفسيحة..

القدس في العين، حقيقة لا خيال، يعبّر عن هذا الوجود السامي فنان ملتصق بها، فنرى في غنائيته اللونية صلاة المؤمنين، التي لا تنتهي، حيث تظل أبوابها مشرعة للقادمين إلى الروح، مارين بأطفال صاروا أيقونات، وعصافير صارت حروف لغة ترحّب بالبشر المتراصين حبا، وهم يمضون نحو الله في خشوع لا ينتهي، مبشّرة بأزلية توق المخلوق للخالق، وحب الله لزوّار مدينة الصلاة..

هنا في المسجد، وكل مكان هنا صار مسجدا، يمضي الناس مع السور يطوفون، فتفتح الأبواب لهم، فيدخلون القلب، وهناك لا تنتهي صلاة حتى تبدأ أخرى، في احتفالية يسمو الزائر فيها والمصلي، المقيم، والمسافر، فيطير الأطفال كطيور، فيطير الكبار، أو قلوبهم من صدورهم تطير..

شموخ الطير، واللون، والغمام والهواء، والقباب المزدانة والمآذن الرشيقة، كأن القدس كلها طائر يطير، أو تكاد تطير، أو لعلها تذكرنا بأنها في يوم ما مضى ارتقت، وفي يوم قادم لا بدّ قادم سترتقي؛ لذا تشبث بها المؤمنون، يودون لو ارتقوا معها..

يصب طالب الدويك الفنان التشكيلي الرائع والمدهش زيته لتضيء قناديل القدس، فتظل تضيء، فتزدهي القدس بهذا البهاء، وتفرح بهذا الحب، وتطمئن لهذا الوجود، فتعلو بشموخ الواثق، على جدار هنا، وعلى جدار هناك، وعلى كل الغزاة تخلع سخريتها: أنا ماضية وأنتم ورائي..

شامخة بانتظار، ولا يعيب الشامخ أن ينتظر؛ فثمة اكتمال للبدر هنا قادم بعد ليل، وستتلو عشاءاتنا الأخيرة عشاءات فرح، فهنا أول وأول، لا آخر، وأخيرا هو أول يبدأ من جديد..

حوش الفن الفلسطيني

مؤسسة ثقافية فلسطينية غير ربحية تعنى بمجال الفنون البصرية وإحيائها. تأسست عام 2004 من قبل مجموعة من الفلسطينيين، الذين لمسوا حاجة المجتمع الفلسطيني الى جسم مهني يعمل على إحياء ورعاية الفنون البصرية، كونها مكّوناً رئيسياً للهوية الثقافية الفلسطينية. أنشئ حوش الفن بهدف رئيسي هو إقامة «متحف الفن الفلسطيني» في القدس، ليكون جسما وطنيا يقدم للجمهور مساحة للعرض والتحليل والمعرفة والترفيه والتواصل. وتتمثل رسالته في تجميع وحفظ وتفسير وترويج الفنون البصرية الفلسطينية. ولتحقيق هذا الهدف يقوم الحوش حاليا وفقا لمديرة البرامج روان شرف بإدارة وتقديم مجموعة من البرامج والنشاطات التي تسعى الى خلق تواصل وتفاعل ما بين الفن والمجتمع بالإضافة الى بناء ورفع مستوى المعرفة الفنية وحفظ وتوثيق إنتاج الفن الفلسطيني. كما أن هناك نشاطا دائما لإيجاد مصادر التمويل لإنشاء المتحف وخلق شراكات تساهم في مجال الاستشارة وتبادل الخبرات وتنمية الطاقات البشرية.

وعن البرامج المقدمة تقول شرف: نوفر للفنانين ومنتجي الأفلام الفلسطينيين والعرب والعالميين، فضاء ثقافيا فنيا لإقامة المعارض، وتعميق الحوار الفني والنقدي والتفاعل مع المجتمع المحلي. كما نفتح مساحة للتشبيك ما بين الفنانين الفلسطينيين والفنانين العرب والعالميين.أما في مجال معارض الفنون البصرية، فتضيف: ننظم ونستضيف في كل عام عدة معارض فنون بصرية يتم من خلالها تقديم إنتاج الفنانين الفلسطينيين الشباب والرواد، بحيث تتناول هذه المعارض مواضيع وأشكالاً متعددة من الفنون البصرية، كالرسم والتصوير والأعمال الإنشائية وفنون الفيديو وغيرها. ونعمل كذلك، على استضافة معارض لفنانين عرب وأجانب، في فلسطين وخارجها. ونعنى بشكل خاص بفن الفيديو.

ويقدم الحوش ضمن برنامجه السنوي ورشات عمل فنية يديرها فنانون فلسطينيون وأجانب قديرون. تستهدف الورشات قطاعات الأطفال والشباب والنساء، وتكسب المشاركين فيها خبرات جديدة تعزز قدراتهم الإبداعية وتساهم في طرح وسائل وتقنيات وخامات جديدة للتعبير عن الذات، من خلال الرسم والنحت والتصوير والأعمال الإنشائية وغيرها من مجالات الإبداع البصري. كما نعمل أيضا على تقديم ورشات عمل للفنانين الناشئين تطرح مواضيع محددة تمكنهم من تطوير موهبتهم وقدراتهم الفنية، واكتساب الخبرة من فنانين فلسطينيين وعالميين رواد. وتضيف روان شرف: نساهم من خلال برنامج الاستضافات الفنية في دعم الإنتاج الفني ورعايته، حيث نستضيف بشكل دوري فنانين عرباً وعالميين في فلسطين للعمل على إنتاج مشروع فني. كما نهدف من خلال هذا البرنامج إلى بناء جسور للتبادل الثقافي بين الفنانين الفلسطينيين والعرب والعالميين، من خلال العمل المشترك فيما بينهم وتبادل الخبرات والتجارب.

توثيق الفن الفلسطيني

يساهم حوش الفن الفلسطيني في توثيق وحفظ إرث الفنون البصرية الفلسطينية من خلال «أرشيف الفن الفلسطيني» بالاعتماد على أرشيف مركز الواسطي الذي توقف العمل فيه في العام 2000، فيقوم حالياً باستكمال وتطوير وتجديد هذا الأرشيف، يضم الأرشيف ملفات حديثة للفنانين الفلسطينيين، لتوثيق الأنماط والحقب المتعددة في مجال الإنتاج الفني الفلسطيني، ويشكل مرجعا معرفيا ومعلوماتيا للباحثين ومؤرخي الفنون والقيمين والمثقفين. كما يسعى لبناء شراكات وتعاون مع مؤسسات فنية وأكاديمية على رأسها الجاليري الافتراضي - جامعة بيرزيت، وذلك لتوسيع المشروع وتبادل المعلومات والسعي لتعميمه ونشره.

مساهمة منا في عملية التحليل والنقد والتوثيق للإنتاج الفني الفلسطيني، يعمل الحوش على إصدار عدد من المنشورات والأبحاث التي تتناول مواضيع الفن والفنانين الفلسطينيين. وقد بادر السيد مازن قبطي وهو محام مشهور في القدس إلى تأسيس الحوش، وهو من أهم الشخصيات الفلسطينية التي تقتني أعمالاً فنية.

ملتقى الفنانات المقدسيات

هو ملتقى وليد، لكنه يبشّر بالخير، لما فيه من طموح لدى القائمات عليه، وقد تأسس على يد صحبة من الفنانات التشكيليات من القدس، ليحمل هم القدس والفن والمرأة أيضا، خصوصا المرأة الفنانة التشكيلية، منسقة الملتقى مها ادعيس تنطلق من الاعتماد على الذات، حيث أنجزت عدة نشاطات ناجحة كان آخرها حتى الآن تقديم احتفالية في القدس اعتبرت انطلاقة احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية. وقد احتوت معرضا فنيا وأمسية شعرية.

كما توجد مؤسسة المعمل للفن المعاصر، وهي من خلال اهتمامها بالفن المعاصر تسعى إلى النهوض الفني بالفنانين الفلسطينيين، يشرف عليها الفنان المعروف جاك برزخيان، وهي توجد في البلدة القديمة. إضافة لجاليري أناديل أيضا، وهو مكان صغير للعرض.

وفي القدس موسيقى وغناء!

«يبوس للإنتاج الفني» مؤسسة فلسطينية غير ربحية تتخذ من مدينة القدس مقرا لها، وتقوم بالإنتاج الفني بمختلف تخصصاته، وبشكل خاص الموسيقى. تأسست يبوس في العام 1995، بمبادرة مجموعة من المقدسيين المعنيين بإنعاش وتطوير الحياة الثقافية في المدينة وإعادة الروح إلى ربوعها.

وتهدف المؤسسة كما تقول مديرتها رانية إلياس إلى تطوير العمل الثقافي الفني في فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص. وإعادة الدور المركزي للقدس في الحياة الثقافية الفلسطينية، وربطها بالبعد الثقافي العالمي، مع التأكيد على طابع المدينة العربي، الفلسطيني والديني. وبناء جسور للتبادل الثقافي، من خلال تقديم نماذج فنية مميزة من مختلف الثقافات والحضارات والجنسيات، للجمهور الفلسطيني على مدار العام. وتسويق الفنانين والفرق الفلسطينية ومنتجاتهم محليا، عربيا وعالميا.والارتقاء بمستوى التذوق الفني لدى الجمهور الفلسطيني. وبث روح التطوع والمساعدة بين أبناء الجيل الشاب. وإقامة النشاطات في مواقع مختلفة ومميزة ببعدها التاريخي، داخل أسوار القدس وخارجها. والمساهمة في تطوير الجانب الثقافي، والفني والاقتصادي، والتعليمي للمدينة المقدسة. وتعريف السائح على الفنون الفلسطينية المختلفة وربطه بالبعد الإنساني للمدينة. والمساهمة مع المراكز والمؤسسات الثقافية الأخرى في بناء بنية تحتية للعمل الثقافي الفني.

مشروع مركز يبوس الثقافي

الهدف المركزي للمشروع كما تخبرنا رانية إلياس هو: توفير مكان مناسب لتلبية الحاجات الثقافية والفنية والاجتماعية للمجتمع المقدسي، تتوافر فيه الإمكانات والطاقات اللازمة لتنفيذ مشاريع وبرامج ونشاطات إبداعية وفنية وموسيقية وسينمائية متنوعة.

أما الأهداف العامة فهي تطوير الجانب الثقافي، الاقتصادي، التعليمي والسياحي للمدينة المقدسة من خلال إقامة النشاطات والفعاليات المتواصلة على مدار العام بالتعاون مع المؤسسات الفلسطينية المحلية وجهات أجنبية (قنصليات وممثليات ومجالس ومراكز ثقافية). والارتقاء بمستوى التذوق الفني لدى الجمهور الفلسطيني. وتوفير مكان مجهز بكل المعدات التقنية ومعد خصيصا لغايات موسيقية وسينما وأبوابه مفتوحة لمختلف الفئات والقطاعات والمراكز الثقافية. وتوفير فرص عمل للباحثين عن العمل في مجالات متعددة تتعلق بطبيعة عمل المركز في مختلف مراحل عمله.

المقر

في 15 فبراير 2006 تم توقيع عقد استئجار المقر الذي يقام فيه هذا المركز بين مؤسسة يبوس للإنتاج الفني وشركة سينما القدس لمدة 18 عاما. وقد شيد هذا المقر في شارع الزهراء في مدينة القدس في الخمسينيات من القرن الماضي بإشراف مهندس لبناني، على مساحة 1000 متر مربع تقريبا. ويتكون من 800 مقعد. وكان يستخدم كسينما لعرض أفلام تجارية حتى أغلق في عام 1987 مع اندلاع الانتفاضة الأولى.

تتجه الخدمات الثقافية والفنية التي سيقدمها المركز وفقا لمؤسسة يبوس إلى تلبية حاجات معظم مكونات المجتمع المقدسي بمختلف فئاته العمرية وقطاعاته وشرائحه المجتمعية والجنسين من دون أي تمييز. والمراكز والمؤسسات الثقافية والفنية. والمدارس في القدس وفلسطين إن أمكن. والمؤسسات والجمعيات المحلية والدولية العاملة في فلسطين.

وعلى صعيد التطور العملي تواصل إدارة مؤسسة يبوس خطواتها التنفيذية الملموسة في مقر المركز، حيث تتواصل عملية الترميم وتأهيل المقر لكي تتوافر فيه جميع المتطلبات والمرافق الأساسية المطلوبة. باتباع الخطوات المهنية المتعارف عليها وفق أحدث أساليب التخطيط والتصميم وآليات التعاقد والعمل والبرمجة والمتابعة والإشراف والتقييم في كل مرحلة من مراحل العمل.

أما أهم مخرجات المشروع فهي توفير قاعة سينما تتسع لـ 120 شخصا، وتوفير قاعة عروض موسيقية تتسع لـ 420 شخصاً، واستضافة عروض ومهرجانات ونشاطات ثقافية تقيمها مراكز ثقافية وفنية أخرى إلى جانب يبوس في قاعات المركز المختلفة. وتوفير قاعات وغرف مناسبة للورشات ودورات التدريب والمعارض والاجتماعات تستفيد منها المؤسسات الفعالة في مدينة القدس وربما في المدن الأخرى. وتوفير قاعة للمؤتمرات. وتوفير مكان لبيع الكتب والمنتجات الموسيقية والإعلامية.

مهرجان يبوس السنوي الذي يقام في قبور السلاطين، يقوم باستضافة أشهر الفرق المحلية والعالمية للمشاركة، لتحويل ليل القدس إلى ليل حيوي يضج بالمرح والغناء.. ومن خلال علاقة التعاون مع القنصلية الفرنسية العامة في القدس ينظم مهرجان القدس في هذا الموقع الأثري مما يضفي رونقاً وجمالاً على فعاليات مهرجان القدس.

قبور السلاطين

يرجع تاريخ «قبور السلاطين» إلى الملكة «هيلين» ملكة بلاد ما بين النهرين، التي أتت إلى القدس في عام 45 قبل الميلاد بصحبة أطفالها. وعلى بعد 500 متر من شمال البلدة القديمة أمرت الملكة «هيلين» بحفر ضريح لكي يُدفن فيه ابنُها «إيزاتس» وآخرون من سلالتها.

حفرت القبور في الصخر وتتكون من مغارة لها واجهة كبيرة هي نسخة عن واجهة قصر أو معبد. أما أعلى هذه الواجهة فقد تم تزيينه وزخرفته. وهناك حجر كبير، لايزال في موضعه، استخدم لإغلاق مدخل المغارة. ومع الوقت أصبحت هذه الأضرحة مكاناً يقصده الزائرون للاشتراك في مراسم الاستذكار. أما المغارة فتحتوي على غرفة رئيسية تحدها غرف جانبية تحتوي على قبور منحوتة في الصخر وضعت في كل منها جثث الموتى.

اكتُشف الموقع في منتصف القرن التاسع عشر على يد رجل فرنسي وتم بيعه بعد ذلك إلى فرنسي آخر من عائلة «بريير» والتي أهدته إلى دولة فرنسا في العام 1886.

والموسيقى.. في استوديو «صابرين»

لفرقة «صابرين» علاقة حميمة مع الشعب الفلسطيني، فعلى مدار ربع قرن من الإبداع واكبت الفرقة منذ مطلع الثمانينيات حتى الآن حياة الشعب من خلال التعبير الموسيقي والغنائي، والعديد منهم يملكون علاقة إنسانية مع ألبومات الفرقة الغنائية، وكلمات وألحان أغانيها المميزة.

نصف ساعة أو تزيد قليلاً هي الفترة التي انتظرت فيها الموسيقار والملحن سعيد مراد، جلت بنظري في أركان المكان، كان صوت كاميليا جبران يغني في داخلي، وكانت الموسيقى العذبة تنساب في مسمعي..

هناك على المدخل الشمالي لمدينة القدس ليس بعيداً عن مستشفى العيون الشهير يوجد استوديو «صابرين» الذي ملأ أسماع الفلسطينيين موسيقى وغناءً، في وقت لم يكن هناك موسيقى غير موسيقى الأعراس.

بضع خطوات وأكون على باب مؤسسة صابرين للتطوير الفني كما أصبحت تدعى منذ سنوات.

صعب أن تدخل المكان كأنه مكان عادي، فهذا المكان هو الذي ضم بين جانبيه العديد من الفنانين والشعراء والعازفين.. يجول نظري في أركان المكان، فعلى الجدران ثمة صور وشهادات وبوسترات:

شهادة مشاركة في مهرجان جرش في صيف عام 2001. بوستر آخر تتوسطة عبارة «صابرين: موسيقى من فلسطين» على خلفية أبواب بأقواس تحاكي أبواب القدس مع لون زهري، من دون تاريخ، برواز للألبوم الغنائي جاي الحمام الذي صدر عام 1981 في حين طبعت عليه بصمة إبهام شخص ما، صورة أخرى تضم سعيد مراد وكاميليا جبران وعصام مراد وسامر مسلم، مشاركة أخرى للفرقة في مهرجان أمريكا للفولكلور.

بوستر ألبوم «موت نبي» الذي صدر عام 1982 الخلفية «قبة» الثوب الفلسطيني داخلها مستطيل عبارة عن صورة للفرقة. أصعد درج المؤسسة الموصل إلى السطح، ثمة صور فوتوغرافية مثبتة على جدارية من الكرتون المقوى كأنها تحكي محطات من تاريخها.

هذه كاميليا جبران والمخرج رشيد مشهراوي مع الشاعرة فدوى طوقان، وهذا الشاعر توفيق زياد يحمل سيجارته، وهذا جورج غطاس بتوثبه وحضوره، يعقوب أبو عرفة بخفة دمه وشروده، وحسين البرغوثي بتأملاته، جاك برزخيان بأناقته وجمال سحنته، محمد البكري بابتسامته مع عودة ترجمان وعماد مزعرو، المسرحي جورج إبراهيم لم ينس أرجيلته..

بلاد مختلفة، بحار، جسور، ماء زرقاء وسماء..

صور لعرب وأجانب ظهروا كبقع بيضاء أو سوداء حسب ألوانهم.

من اليابان إلى أوربا إلى أمريكا.. هكذا سافرت معهم.

وهنا على أحد الرفوف رقدت أدوات موسيقية إيقاعية مختلفة الأشكال..

أعود إلى الحجرة .. هذا بوستر الألبوم الغنائي «من بعد» للفنان الشاب وسام مراد، مشاركة في نشاط لجمعية المرأة العربية.. جرش مرة أخرى .. شكر من دار الأوبرا المصرية لـ «صابرين» ولكاميليا جبران للمشاركة في مؤتمر الموسيقى العربية العاشر 2001.

قديمة الكثير من الصور.. قبل عقدين لم يكن الشيب قد غزا مفرق الموسيقار سعيد مراد بعد.. هل ينظر الفنان إلى مكانه، وصوره وذكرياته.. قلت له يمكن أن تؤلف مقطوعة موسيقية عن هذا .. وأشرت إلى المكان..

في الركن الأعلى شهادة مشاركة يابانية فيها صور ورسومات مكتوب عليها باليابانية، وبالعربية جملة: «ذكريات خصبة».. لم أتردد في وضعها عنوان هذه الأحاسيس..

يطل سعيد مراد بهدوئه، مازال شابا حتى ولو أطل بعض البياض هنا وهناك. أعود من سفري في تاريخ «صابرين» ومن دول العالم التي رأيت صورها مبثوثة في المكان، أعود من الزمان والمكان الى الآن، لكن كيف يمكن فهم هذا الآن إن لم نعرف ما كان.

من المراكز النشطة أيضا مركز الأرموي للموسيقى المشرقية بقيادة الفنان خالد جبران، الذي اشتهر مع أخويه بمصاحبة الشاعر الراحل محمود درويش في العزف خلال أمسياته.

ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى تأسس في مدينة رام الله، أولا، ثم فتح المعهد له فرعا في القدس، وبيت لحم وأريحا ونابلس، وقد أطلق على المعهد اسم إدوارد سعيد تخليداً لذكرى المفكر الفلسطيني الراحل.

هل من أمل؟

ولنا بعد هذه الرحلة البصرية في لوحات طالب الدويك، وعلى ضوء ما قرأنا وسمعنا من تميم البرغوثي، أن نحسد الفن، على أمله ووثوقه وتفاؤله في الحاضر والغد..لكننا لا نستطيع أن نكون مثلهما، ونحن نرى ونتابع ما يجري على أرض القدس، من سياسة احتلال إحلالي، يعمل ليل نهار على نفي ما يستطيع من وجود وتاريخ وآثار، ولا يستبعد أن تمتد يد الغدر نحو المقدسات، إذا تيسرت ظروف دولية: حرب مثلا!

أراها كيف تئن تحت الاحتلال، وكيف صار أهلها منفيين عنا، وكيف صرنا منفيين عنهم، ونحن ليس بيننا سوى أمتار عرض السور!

تطل من هناك عيون حجازية يشتد فيها البياض والسواد. المرأة في الركن ربما تتأمل مثلي، ربما تلجأ مثلي، في وجهها كلام وكلام، استرقت النظر للتأمل لا للغزل رأيت في عينيها هدوءا أصيلا وسحابة حزن وأمل ربما يصنع طفلها الذي يلهو شعورها بالأمل!

جلست قرب قبة شعرات النبي، أدخلت يدي عبر الفتحة التي تصلنا بالصخرة، حيث تعطرت!

أخذت أتأمل الشبابيك بزجاجها المعشق الملون، كلما تحركت الشمس في مدارها تتغير تبعاً لذلك شبابيك المسجد، من حيث تلألؤ الزجاج، هذا شباك يسلم تلألؤه إلى آخر، وهكذا، أزرق برتقالي، كيف لي عبر ساعة من الوقت أن أحصي الألوان! سبحانك ربي! ما أجمل المكان!

صليت العصر، كان الإمام هو الشيخ عبدالكريم الزربا، هادئ الملامح، مطمئن القسمات، بعد الصلاة انصرفت إلى متابعة ما كنت بدأته من تأمل قبة الصخرة، ومستويات زخرفتها من بداية الجدران ارتفاعاً حتى مركز الدائرة من القبة، حوالي 35 مستوى زخرفياً ما بين رخام وخشب، وعبارات وأقواس وشبابيك بزجاج معشق حتى تصل إلى المركز، تم تحس بأنك لم تنته، حيث لا نهائية الأشياء والمشاعر .. ثم تهبط، لا تستطيع أن تنقل النظر بسرعة من السماء إلى الأرض!

عادت العين لتحط كعصفور على أرض المسجد، فقال لي الشيخ الزربا إنه يتذكر كيف كانوا يصنعون عطوراً حول صخرة المسجد، يغطونها بشيء من القماش، ثم يفتحونه حتى يصل العطر إلى السوق، حيث الناس، كان العطر يلف المكان، وساحة المسجد الأقصى كلها!

أسير والشيخ عبدالكريم الزربا بين القباب الخارجية حول قبة الصخرة، قبة المعراج، والأرواح، يشير إلى بلاطة سيدنا الخضر التي يظن الناس أن الخضر صلى عليها، وعن مكان خاص بصلاح الدين يقع أسفل إحدى القباب، أتأمل عن قرب سبيل قايتباي، أجمل الأسبلة في المسجد الأقصى، عبارة عن تحفة فنية. ندخل السوق، يدعوني الشيخ إلى شراب. بدا المكان يعتم قليلاً.. اقترب مغيب الشمس.. أصعد درجات أعلى السوق.. أقف انظر صوب الباب من الداخل..

أهتف لنفسي، من سيعيد الزمن الأول للقدس!؟

قيل إن القدس أقرب مكان إلى السماء! فهل سنظل نقترب من السماء أم سيفصلنا جدار يبنيه المحتلون سوراً آخر حول القدس؟

على سور القدس القديم نبتت أعشاب خضراء غطت بعض المساحات!

على جدار الفصل العنصري نبتت أعشاب الكراهية!

كان المساء قد هبط على المدينة، أضيئت الأنوار.. سرت مسرعا للعودة، لكن نغمات عود جعلتني أدخل محلاً، دعاني وهيب دنديس صvاحب محل بيع آلات موسيقية ولوحات فنية إلى الجلوس، سألته عن أغنيته المفضلة التي يحب أن يعزف لحنها، فقال أغنية ماريا لسيد درويش:

يا ماريا يا مسوسحة القبطان والبحرية
كان يا مكان على شط
كان صبية اسمها ماريا
حبها السكان والبحر والقبطان
كانوا يقولوا لها صبحية....

صليت المغرب في مسجد لولو، هكذا يسميه الناس وفيه ينادي الناس على الأطفال الذين تاهوا عن آبائهم وأمهاتهم..قرأت اسم: بدر الدين لؤلؤ.. عاش في القرن السابع الهجري.

قلت له: يا بدر هناك شيء ضاع وأريد المناداة عليه!

فقال بدر: قد أسمعت من ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي..

عن القدس لا ننتهي من الوصف، عن جمالها، وروحانيتها، حجارتها، والسور القديم، عن القباب والجرسيات، المآذن مختلفة أساليب العمران، والمصاطب، والأسبلة، الكنائس والمساجد، المزارات، والمقامات، وأشجار الزيتون.. وليس فقط عن جندي لا يعلم أصوله، أقرب إلى الأمية، يدقق في بطاقات هويات المقدسيين في باب العمود!

لكن وبالرغم من ذلك، فليس الوضع ورديا كما هو في زخرفات سور القدس، التي طلب السلطان سليمان القانوني أن يزينوا بها السور، في باب العمود.. وليس الوضع جميلا كجمال المقرنصات داخل باب الحديد، والباب القريب منه، وأبواب أخرى، تلك المنحوتات المزخرفة التي أراد الأيوبيون والمماليك أن يتثبتوا ما كان منهم من حب برهنوه بالفعل..

لا ليس الوضع ورديا ولا جميلا يحاكي إبداع الزخارف.. بل هو قاتم كما هو لون السور الجديد، جدار الفصل العنصري الأقبح في التاريخ!

وللفنان خالد الغول أن يختتم رحلتنا الثقافية قائلا: «قدس الأغاني العربية ليست قدس أطفال باب حطة وعقبة الخالدية وخان الزيت الذين سرق حراس الحاخامات ألعابهم الصغيرة. قدس بطاقات المعايدة ليست قدس عيون سلوان الناشفة، ولا هي قدس جبل عمر بن الخطاب الذي تكممت فيه تكبيرة الخلود ولم تعد لحن الخاشعين والمتهجدين».

ولنا أن نقول إن القدس لم تمل من النداء!.

 

 

 

تحسين يقين 





أسوار القدس القديمة صامتة ومترقبة. هل سيترك لها الاحتلال الإسرائيلي المترصد فرصة للاحتفال بهويتها العربية من خلال اختيارها عاصمة للثقافة العربية ام انه سيصر كما عودنا دائما على كبت كل أصوات الفرح؟





كل سعي عربي الى مدينة القدس تراقبه أعين جنود الاحتلال حتى الصلاة داخل المسجد الأقصى ممنوعة إلا لمن تجاوزت سنه الخمسين عاما





كاتب هذا الاستطلاع تحسين يقين يشير إلى مدينته الأسيرة، وهو المأسور داخل أسوارها





يوم مفتوح لأطفال القدس لممارسة هواية الرسم يقيمه مركز الحوش الذي يتبنى رعاية المواهب الصغيرة والذي أنشأه السيد مازن قبطي وهو محام مقدسي شهير





قرار إغلاق قوات الاحتلال للمسرح الوطني (معلق على باب المسرح)





المخرج كامل الباشا الذي أخرج أخيراً مسرحية «على خطى هاملت» المقتبسة عن نص شكسبير





من ورش فنون نساء القدس التي تحتضن إبداعات الفتيات الشابات





الفن يحتج في القدس





رانيا إلياس مديرة مؤسسة بيوس للإنتاج الفني في القدس وهي مؤسسة غير ربحية





الفنان الفلسطيني سيد مراد الذي أنشأ فرقة «صابرين» الفلسطينية الغنائية التي شاركت في العديد من المهرجانات العربية





المطربة الفلسطينية كاميليا جبران وهي تغني عن أفراح وأحزان الشعب الفلسطيني في القدس منذ الثمانينيات





الكاتب والأديب الفلسطيني محمود شقير.. شيخ كتاب القدس





الكاتب والفنان خالد الغول: الحديث عن التمسك العربي بمدينة القدس مجرد كلام في الهواء