تراث الشرق في حضارة الرومان

 تراث الشرق في حضارة الرومان
        

          لعب الشرق القديم، لاسيما سورية ومصر، دورًا مهمًا في تاريخ الرومان وحضارتهم، ولم يقتصر هذا الدور على ميدان دون آخر، وإنما امتد ليشمل الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والدينية وغيرها. ويستهدف هذا المقال إلقاء الضوء على دور سورية الكبرى (بلاد الشام) ومكانتها في بناء الحضارة الرومانية وازدهارها.

          من المعروف أن الرومان انتزعوا سورية ومصر من خلفاء الإسكندر الكبير المقدوني (ت 323 ق.م)، حيث حلّوا محل السلوقيين في حكم سورية عام (64 ق.م)، ومحل البطالسة في حكم مصر عام (31 ق.م.) وشكّلت سورية، بعاصمتها أنطاكية آنذاك، إقليمًا من أهم أقاليم الإمبراطورية الرومانية وأكثرها ثراء، وذلك لما انفردت به من موقع جغرافي متميز وتراث حضاري عريق وموارد اقتصادية ضخمة.

          لقد وصلت الحضارة السورية القديمة إلى الرومان من خلال عدة مسالك، أهمها: من خلال الحضارة الإغريقية التي ورثها الرومان، والتي كان تراث الشرق عنصرًا مهمًا من عناصر تكوينها. ومن خلال الاتصال المباشر بين الرومان والسوريين، بعد تحول سورية إلى ولاية رومانية عام 64 ق.م. ومن ثم عبر الجاليات السورية التي استقرت في الكثير من مدن العالم الروماني، خاصة في عصر السلام الروماني، الذي عم الإمبراطورية طوال القرنين الأولين للميلاد، وعمل أفرادها في التجارة والصناعة والفكر والفن.

          من الصعوبة بمكان عرض كل ما أفاد منه الرومان من الحضارة السورية القديمة عرضًا وافيًا في مقال واحد، ولهذا سنكتفي بالإشارة إلى أهم الحقائق التي أجمع عليها المؤرخون. ففي الميدان السياسي كان إسهام السوريين في تاريخ الرومان إسهامًا نوعيًا، فاحتلال الرومان لسورية جعلهم على تماس مباشر مع أعدائهم التقليديين وهم الفرس، وبالتالي تحولت سورية إلى مسرح للصراع بين أكبر قوتين في العالم القديم، الفرس والرومان، ودفع السوريون من أرواحهم وحضارتهم واقتصادهم ثمنا لهذا الصراع. وانطلاقًا من هذه الأهمية «الإستراتيجية» لسورية، فقد وضعها الرومان تحت حكم شخصية رومانية بمرتبة نائب قنصل وكان تحت إمرته أربع فرق عسكرية.

          ولم تقتصر الأهمية السياسية لسورية على الجانب العسكري، وإنما اعتلى العرش الروماني ستة من الأباطرة ذوي الأصل السوري، ما بين عام 193م وعام 249م، أي في فترة من أشد فترات التاريخ الروماني اضطرابًا، وهي التي عُرفت بأزمة القرن الثالث الميلادي. وهؤلاء الأباطرة هم: سبتيموس سيفروس (193-211م)، وهو من أسرة كنعانية، ولكنه كان قد ولد في إحدى قرى ليبيا، التي كان قد بناها في الأصل الكنعانيون السوريون. وتزوج سبتيموس عام 187م من ابنة كاهن معبد الشمس في حمص واسمها جوليا دومنا، وأنجبت له كاراكلا وجيتا، وبعد وفاته عام 211م حكم الأخوان الإمبراطورية حكما ثنائيًا ثم انفرد كاراكلا بالحكم عام 212م، وفي العام نفسه أصدر الأخير مرسومه الشهير الذي يمنح بموجبه حق المواطنة الرومانية لكل الأحرار في الإمبراطورية، وبذلك اختفى الوضع المنحط الذي كان يعاني منه سكان الأقاليم الرومانية. وبعد وفاة كاراكلا عام 217م تولى العرش الروماني إيلاجبالوس، وهو من مواليد حمص، وكان يعمل كاهنًا في معبد الشمس في حمص. وبعد وفاته عام 222م اعتلى العرش الروماني ابن خالته ألكسندر سيفروس (222-235م) الذي كان من منطقة عكار، شمال لبنان، ويذكر التاريخ لهذا الإمبراطور عطفه على المسيحيين في الإمبراطورية. أما آخر الأباطرة الستة ذوي الأصل السوري فهو فيليب العربي (244-249م)، الذي ولد في مدينة شهباء السورية. ويروي بعض المؤرخين أنه اعتنق المسيحية سرًا، وكان عهده فترة سلام سياسي وديني وإنجازات معمارية ضخمة. كما لعبت المرأة السورية، خلال الحكم الروماني، دورا سياسيًا كبيرًا، أمثال جوليا دومنا، زوجة سبتيموس سيفروس، التي جمعت في شخصها بين الجمال والعقل والثقافة. كما اشتهرت شقيقتها جوليا مايسا، التي اعتلى اثنان من أحفادها العرش الإمبراطوري، وهما: إيلاجبالوس وألكسندر سيفروس. كما ينبغي ألا ننسى بعض الملوك السوريين الذين قاموا بدور كبير في تاريخ الرومان السياسي، أمثال أذينة الثاني، ملك تدمر ما بين 258-267م. وكان أذينة هذا حليفًا للرومان، وانتصر على الفرس، ومنحه الرومان لقب «إمبراطور الشرق» في حين اتخذ لنفسه لقب «ملك الملوك». وبعد وفاته تولت زوجته، الملكة زنوبيا، عرش تدمر كوصية على ابنها القاصر، وأظهرت مقدرة فائقة في إدارة شئون المملكة، وانتزعت سورية بكاملها ومصر وآسيا الصغرى من الرومان، واتخذت لقب «ملكة الشرق». وأخيرا تمكن الإمبراطور أورليان من احتلال تدمر والقبض على زنوبيا التي سارت أسيرة في قلب موكب النصر الذي أقامه هذا الإمبراطور في شوارع روما عام 274م.

ثقافة سورية في أوربا

          أما في الميدان الثقافي فقد كان للسوريين مكانة كبيرة في الحضارة الرومانية، حتى أن الباحثين المحدثين يستخدمون اليوم مصطلح «الأدب اللاتيني» بدلا من مصطلح «الأدب الروماني» اعترافاً منهم بأن هذا الأدب ليس كله من إبداع الرومان أو الإيطاليين، وإنما أسهم فيه الكثير من الأدباء والفلاسفة والمؤرخين من أبناء الحضارات الشرقية، وكتبوا مؤلفاتهم باللغة اللاتينية، وليس بلغتهم الوطنية كالآرامية في سورية والقبطية في مصر، كما اتخذ هؤلاء المبدعون الشرقيون أسماء لاتينية جريًا على عادة النخبة المثقفة في ذلك العصر. ففي حقل القانون كان الفضل في احتلال روما مركز الصدارة فيه يعود إلى مدرسة بيروت التي ازدهرت فيها الدراسات القانونية، منذ أواسط القرن الثاني الميلادي حتى بروز القسطنطينية في هذا المجال في القرن السادس. وأمدت هذه المدرسة العالم الروماني بعدد من أعظم فقهاء القانون، أمثال: بابنيانوس، (ت212م)، وهو من مدينة حمص، وكان أستاذًا للحقوق في مدرسة بيروت نفسها، وعمل مستشارًا قانونيًا للإمبراطور سبتيموس سيفروس وتولى في عهده منصب رئيس ديوان العرائض، وترك كثيرًا من المؤلفات القانونية. وكذلك برز الفقيه القانوني يولبيانوس (ت223م)، وهو من مدينة صور، ودرس على أيدي بابنيانوس في مدرسة بيروت، وغدا من أشهر علماء القانون في العالم الروماني، وتولى مناصب قضائية رفيعة في عهد سبتيموس وابنه كاراكلا. كما ذاع صيت الفقيه القانوني باولوس، وهو من مواليد حمص، وعاش في روما، وعاصر العملاقين السابقين، وتولى مناصب قضائية مهمة في عهد إيلاجبالوس وألكسندر، وترك مؤلفات قانونية عديدة.

          أما في مجال الفلسفة فقد اشتهر عدد من الفلاسفة السوريين مثل الفيلسوف بوسيدونيوس (ت51ق.م)، وهو من مدينة أفاميه، وكان من أعظم فلاسفة المذهب الرواقي. ومن الفلاسفة السوريين نذكر أيضًا نومينوس، الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وهو من مدينة أفاميه أيضًا، وكانت فلسفته مصدرًا مهما للأفلاطونية الجديدة. كما ظهر الفيلسوف برفيريوس (ت 305م)، وهو من مدينة صور، وترك مؤلفات عديدة. ونذكر أيضا الفيلسوف السوري ياميلينوس (ت330م) الذي ولد في إحدى قرى لبنان، وأسس مدرسة في أفاميه مزجت بين الدين والفلسفة وألف عددًا من الكتب في مجال الفلسفة. وينبغي ألا ننسى الفيلسوف السوري لونجينوس، (ت273م)، الذي جمّل الحياة الفكرية في مملكة زنوبيا وذهب ضحية القمع الروماني.

نيقولا الدمشقي

          أما في ميدان التأريخ فقد ظهر عدد من المؤرخين السوريين في العصر الروماني، نذكر منهم نيقولا الدمشقي، الذي ولد في دمشق عام 64 ق.م، ومن مؤلفاته كتابه عن «حياة أغسطس». كما اشتهر المؤرخ فيلو الجبيلي، الذي ولد في مدينة جبيل اللبنانية عام 70م، ومن مؤلفاته كتابه عن «حياة الإمبراطور هادريان (ت138م)». كما ظهر المؤرخ افريقانوس، وهو من مواليد القدس في القرن الثالث الميلادي، وكان شخصية بارزة في عهد الأباطرة السيفيريين، وينبغي ألا ننسى المؤرخ الكنسي الفلسطيني يوسابيوس (260-340م)، الذي أصبح أسقف مدينة قيصرية الفلسطينية، وعمل مستشارا للإمبراطور قسطنطين الكبير (ت337م)، وألف عدة كتب، منها كتاب «التاريخ الكنسي» وكتاب «حياة قسطنطين». أما آخر المؤرخين السوريين الكبار في العصر الروماني فهو المؤرخ إميانوس مارسيلوس، الذي ولد في أنطاكية عام 330م، وكرس حياته لكتابه «تاريخ الرومان». وتعتبر مؤلفاته ذات قيمة علمية كبيرة لأنه كان شاهد عيان على الكثير من الأحداث.

          أما الأدباء وعلماء اللغة السوريين في العصر الروماني، فنذكر منهم بروبوس، الذي عاش في القرن الأول الميلادي، وكان قد ولد في بيروت واستقر في روما، وكان عالمًا في النحو والنقد والبلاغة، وجمع نصوصًا لمؤلفين قدامى، أمثال فرجيل، وقام بنقدها. ومنهم أيضًا ادريانوس، الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وكان قد ولد في صور وانتقل إلى أثينا، حيث تبوأ كرسي البلاغة فيها، وقد وجه خطابه إلى أهل أثينا قائلًا: «للمرة الثانية تأتي الآداب إليكم من فينيقيا». وهي إشارة إلى قدوم البطل الأسطوري قدموس من سورية الكنعانية إلى بلاد اليونان وعلّم الإغريق الأبجدية. ثم انتقل أدريانوس من أثينا إلى روما وتولى منصب سكرتير الإمبراطور كومودس. وفي القرن الرابع الميلادي ذاعت شهرة عالم البلاغة السوري ليبانوس، (ت393م)، وهو من أنطاكية، وأصبح أستاذًا للبلاغة في القسطنطينية ثم في أنطاكية، ومن تلاميذه المشهورين: يوحنا فم الذهب والمؤرخ أميانوس مارسيليوس.

أنطاكية أم الفنون

          كما انتشرت الفنون السورية في أرجاء العالم الروماني من موسيقى وتمثيل وزخرفة وغيره، وكانت أنطاكية أهم مراكزها. أما في العمارة فقد كانت سورية نموذجَا احتذته روما نفسها. ويكفي أن نذكر في هذا الصدد أبولودور الدمشقي، الذي ولد في دمشق عام 60م ومات عام 125م، ويُعد أعظم مهندس معماري في التاريخ القديم. ووصل في عهد الإمبراطور تراجان (98-117م) إلى منصب يعادل وزير الأشغال في عصرنا. ومن إنجازاته: ميدان تراجان ودار العدل وعمود تراجان في روما.

          أما في الحقل الاقتصادي فقد قام السوريون بدور مهم في العصر الروماني وقد ساعدهم على ذلك جملة عوامل، منها: موقع سورية الجغرافي الذي جعل منها بوابة الإمبراطورية نحو اقتصاد الشرق كله، وملتقى معظم الطرق التجارية الدولية التي تصل الإمبراطورية بالهند والصين، هذا فضلا عن ثروات سورية الصناعية والزراعية، ومهارة التاجر السوري وخبراته الواسعة في عمليات نقل السلع وتنظيم القوافل والصيرفة. ويضاف إلى ذلك السلام الذي عم أرجاء الإمبراطورية الرومانية في القرنين الأولين للميلاد، وشبكة الطرق التي أقامها الرومان لربط أطراف الإمبراطورية، التي امتدت من الراين والدانوب شمالًا إلى السودان جنوبًا، ومن الأطلسي غربًا إلى الفرات شرقًا. ومما نقله التاجر السوري من بلاده إلى بقية الولايات الرومانية: القمح والمصنوعات الحريرية الأرجوانية والجلديات والزجاج والأصبغة والعطور والنبيذ والأردية الكهنوتية والأعشاب الطبية وغيرها. ومن مصر نُقل القمح وورق البردي والعاجيات، ومن إفريقية «تونس» زيت الزيتون. كما نقل التجار السوريون سلع الشرق الأقصى، التي عرفت بالكمالية، إلى أسواق الإمبراطورية، مثل: التوابل بأنواعها والمجوهرات والعاجيات من الهند والأحجار الكريمة من سيلان والحرائر بأنواعها من الصين. ويقول المؤرخ موس في كتابه «ميلاد العصور الوسطى»: «كان السوريون أعظم التجار في العالم الروماني، حيث انتشروا في كل أرجاء الإمبراطورية، أفرادًا وجماعات، واشتد تزاحمهم على امتداد الطرق التجارية في الإمبراطورية». وقد لاحظ القديس جيروم (ت 420م) بمرارة كيف أن السوريين يواصلون أعمالهم التجارية المربحة بين أنقاض العالم الروماني الذي يعاني الانهيار. ويؤكد المؤرخون أن المجتمع الروماني كان يستهلك أكثر مما ينتج، وهذا ما جعل ميزانه التجاري مع الشرق ميزانًا خاسرًا، حيث كان يدفع ثمن السلع القادمة من الشرق بالعملة الذهبية، وبالتالي كانت السلع تتجه من الشرق إلى الغرب في حين كان الذهب يتجه من الغرب إلى الشرق، حتى أن بعض الأباطرة الرومان شكا أمام مجلس الشيوخ الروماني من أن ثروة الإمبراطورية تسربت إلى البرابرة الأعداء (يقصد الهند والصين) ثمنًا للتوابل والحرير والأحجار الكريمة. وتجدر الإشارة إلى أن دور التجار السوريين لم يقتصر على نقل المتاجر فحسب وإنما تسربت من خلالهم، مؤثرات حضارية كثيرة فنية وأدبية وأقاصيص شعبية وأساطير وعقائد دينية. وتذكر المصادر أن القديس سمعان العمودي السوري (ت 459م) استفسر عن قديسة باريس، جنيفيف (ت500م)، من التجار السوريين الذين كانوا يعملون ما بين سورية وغالية (فرنسا).

عباءة إله الشمس

          أما ما قدمته سورية للعالم الروماني في الميدان الديني فإنه فاق ما قدمته له في الميادين الأخرى على أهميتها، فقبل ظهور المسيحية كان الرومان يعبدون عدة آلهة، مثل: مارس وجوبتر وفينوس ومنيرفا وديانا، فضلًا عن عبادة الإمبراطور نفسه. ثم انتقلت عقائد شرقية كثيرة إلى داخل الإمبراطورية، فمن سورية انتشرت عبادة إله الشمس انتشارًا واسعًا، بل اعتلى العرش الروماني أحد كهنة معبد الشمس الحمصي وهو الإمبراطور إيلاجبالوس. كما نقل التجار والجنود السوريون إلى العالم الروماني عبادة إله النور عند الفرس، وهو ميثراس، خلال القرن الأول الميلادي، والعقيدة المانوية، في القرن الثالث الميلادي. ويبدو أن هذه العقائد الشرقية كانت طلائع لظهور المسيحية.

          وبلغ تأثير سورية الديني في العالم الروماني ذروته بانطلاق المسيحية من أرضها وانتشارها في أرجاء الإمبراطورية، بل ينظر المؤرخون إلى توغل المسيحية في الإمبراطورية الرومانية على أنه من نتائج تأثير الحضارة السورية على الحضارة الرومانية، فالمسيحية تنتمي إلى أصل شرقي وليست لها جذور في الماضي الأوربي أو في تقاليد الحضارة الكلاسيكية. فقد ولد السيد المسيح في بيت لحم في فلسطين في عهد الإمبراطور أغسطس (27 ق.م 14 ق.م)، ودعا إلى عبادة الله والسلام والمحبة. وانضم إليه اثنا عشر تلميذًا عرفوا بالحواريين، وكان معظمهم من سورية، وقاموا بعد وفاته بإتمام رسالته. وبُنيت أقدم كنيسة في تاريخ المسيحية على أرض سورية، وهي كنيسة أنطاكية، التي أسسها الحواريان بطرس وبولس، وغدت أم الكنائس. كما أسس بطرس كنيسة روما، وكانت له اليد الطولى في إنشاء الجالية المسيحية فيها. وبذل بطرس وبولس جهودًا كبيرة لنشر المسيحية في العالم الروماني في عهد الإمبراطور نيرون (ت 68م) حتى ذهبا شهيدين من أجل المسيحية عام 64م.

          واعتلى كنيسة روما عدد من البابوات من أصل سوري، اثنان منهم في أيام الإمبراطورية الرومانية، وهما: البابا ايفاريستوس (ت 105م) وهو أنطاكي الأصل، والبابا أنيقيطوس الأول (ت 166م) وهو من مدينة حمص. كما اعتلى العرش البابوي بعد سقوط الإمبراطورية وقيام الممالك الجرمانية، ستة من البابوات من أصل سوري، نذكر منهم ثيودورس الأول (ت 649م) وهو مقدسي الأصل، ويوحنا الخامس (ت 686م) وهو من أنطاكية.. إلخ.

          ولا يسعنا المجال للحديث عن آباء الكنيسة السوريين الذين أسهموا في وضع أسس المسيحية في العالم الروماني، أو إلى القديسين الرومان الذين تتلمذوا على يد علماء لاهوت سوريين، أو إلى سيرة بعض النساك، أمثال سمعان العمودي السوري، التي كانت ملهمة لحياة النساك في الغرب الأوروبي. ويهمنا أن نؤكد على أن ظهور المسيحية شكل منعطفًا كبيرًا في تاريخ الحضارة الرومانية، حيث أسهمت في بناء حضارة جديدة، وهي حضارة أوربا في العصور الوسطى، والتي كانت المسيحية روحها ومادتها.

          وهكذا يتبين لنا أن الشرق الأدنى القديم (ممثلا في سورية) استأنف رسالته الحضارية في العصر الروماني، التي سبق أن قام بها في العصر اليوناني. ولعل أبلغ تعبير عن هذه الحقيقة التاريخية هو ما قاله الشاعر الروماني جوفينال (50-127م) من أن: «مياه نهر العاصي (في سورية) تصب في نهر التيبر (في روما)».
---------------------------------
* كاتب وأكاديمي من سورية.

 

عادل زيتون*