القدس في السينما الوثائقية الفلسطينية: القدس.. وعد السماء

القدس في السينما الوثائقية الفلسطينية: القدس.. وعد السماء

قباب الحرم القدسي الشريف

القدس المدينة والوجود.. الرمز والحلم.. الإعلان الإلهي بالأرض المقدسة، المبارك جنباتها.. أولى القبلتين وثالث الحرمين.. القدس الوجه الآخر، معاناة أهلها منذ نيف وستين عاماً من الاحتلال والحصار والقهر الصهيوني، وممارساته البشعة.. القدس المدينة المحتلة.. مرارة الطرد والاقتلاع، ومصادرة الأراضي، لبناء المستوطنات التي تحاصر القدس.

القدس حكاية خمسة آلاف عام، مذ سكنها اليبوسيون.. تاريخ متصل، تعبر الغزوات وتبقى راسخة في المكان والوجدان.. القدس الجبال والوديان والسهول والروابي.. أشجار الزيتون.. الأبواب التاريخية.. الأسواق العتيقة.. الحارات الضيقة، العابقة بروائح المحبة والسلام..

القدس نبض الروح، ولهفتها.. مسلمين ومسيحيين ويهوداً .. والعهدة العمرية التي بقيت ردحاً من الزمان معلقة على جدران كنائس أوربا.. القدس أمن وأمان.. سلام ومحبة.. بركة ورفعة وجمال.. مآذن تحتفي بنشيد السماء.. وكنائس تسبِّح للخلاص.. مزارات، وأضرحة، ومواسم أنبياء.

القدس صوت الفلسطينيين وصورتهم.. ذاتهم وهويتهم.. ومعقد رجائهم.. والقدس بقيت دوماً محط اهتمام الفلسطينيين في الحياة، كما في وسائل تعبيرهم الأدبية والفنية، من الرسم والشعر والمسرح، إلى القصة والرواية.. وحتى عندما ولدت السينما لديهم، كانت القدس فاتحتها، وربما خاتمتها.. أليس أول فيلم سينمائي أُنتج في فلسطين عام 1935، كان عن زيارة الملك سعود للقدس؟.. وألم يكن أول فيلم يدعو لكفالة الأيتام يتكئ على الحرم القدسي؟ وألم يكن الفيلم التالي بعدهما عن زيارة أحمد حلمي باشا للقدس أيضاً؟

من واجهة الصورة

ستبدو القدس دائماً في واجهة الصورة عند الفلسطينيين.. عاصمتهم المأمولة.. بل قل عصمتهم من الخلل والزلل.. تتيبس الأصابع عند حافتها، فلا يجرؤ سياسيّ على التنازل عنها، مهما بلغت به المقايضة السياسية، قاعاً.. وبها تنتعش الأرواح وتتورد، وتزهو الصورة وتتحلى، على الرغم مما يشوبها من بؤس حاضر، وغمامة مستقبل.

مرصودة للمرارة والعذاب.. ومرهونة للصمود والنضال.. منذ أن جاس في مدراجها أول الفرنجة الغازين، ومنذ أن غاب عنها صلاح الدين الأيوبي، وإلى أن اقتحمها الجنرال موشيه دايان بدباباته القاصمة، ذات ظهيرة مليئة بالنكسة.. وصورتها على جدران الروح، قبل البيوت.

والسينمائيون الفلسطينيون، لعلهم لم يتركوا ركناً فيها، أو حجراً، لم يقلّبوه ويتأملوا فيه بكاميراتهم السينمائية.. ولعلهم لم يفلتوا قصة، أو حكاية، إلا قالوها.. سجلٌّ طويل من الأفلام الوثائقية، والروائية القصيرة والطويلة، قائمة تستعصي على من يحصي، وتصعب على من يرصد، وليس لنا

إلا المرور عليها لرصد بعض أهم ملامحها.

ولو كان لنا أن نقول شيئاً مما فعلته السينما الفلسطينية إزاء القدس، لكان من المؤلم أن حضور القدس في السينما الفلسطينية، بدأ مع نكستها الفاجعة، آن سقطت تحت سنابك جند الاحتلال الإسرائيلي، غداة يوم فاجع من حزيران (يونيو) عام 1967. ومن هنا سيبدو فيلم «القدس»، الذي حققه الفنان التشكيلي فلاديمير تماري، عام 1968، مدته 18 دقيقة، أول محاولة سينمائية تواكب ولادة زمن «سينما الثورة الفلسطينية»، على الرغم من أن إنتاج هذا الفيلم تمّ بمبادرة من «رابطة الخامس من حزيران في بيروت». وقد توافق إنتاج هذا الفيلم مع نشاط فني تعبيري، شاء تناول كارثة سقوط القدس في براثن الاحتلال، تلك المحاولات التي بلغت ذروتها الفنية في مرثية غنائية ملحمية حملت عنوان «زهرة المدائن»، قدمتها المطربة فيروز، والأخوان رحباني، وصاغها المخرج علي صيام في عمّان، فيلماً يصورها، في العام ذاته.

ومن المؤسف، الآن، ملاحظة أن حضور القدس في الأفلام السينمائية التي أنتجتها الثورة الفلسطينية طيلة السبعينيات بقي مغموراً في فيض الشعارات التي رفعتها الثورة، بالحرب الشعبية طويلة الأمد، أو الكفاح المسلح، ونداءات التحرير من النهر إلى البحر.. وكان من الطبيعي أن تتجه أفلام الثورة الفلسطينية لخدمة هذه الشعارات، وعلى هذا ظهر خلال السبعينيات، فيلم «فلسطين في العين»، ومدته 30 دقيقة، عن المصور السينمائي الشهيد هاني جوهرية، تضمن آخر اللقطات التي صورها لمدينة القدس.

كما قدم المخرج قيس الزبيدي فيلمه «صوت من القدس»، عام 1977، وهو يتناول لقاءً مع المغنّي الفلسطيني «مصطفى الكُرد»، الذي استطاع أن يلهب بأغانيه الوطنية الملتزمة والجادة حماس الناس، وأضحى، من ثم، منشد انتفاضات الفلسطينيين في الأرض المحتلة، خلال عقدي السبعينيات ومطالع الثمانينيات، من القرن العشرين.

ولم تأخذ القدس مكانتها اللائقة في السينما الفلسطينية، إلا عندما بدأت «السينما الفلسطينية الجديدة»، تجربتها، وتقديم منجزها السينمائي، بمعزل عن «سينما الثورة الفلسطينية»، فكانت التجربة المميزة بفيلم «الذاكرة الخصبة/ صور من مذكرات خصبة»، الذي حققه المخرج ميشيل خليفي عام 1980، ومدته 100 دقيقة، والذي تم تصويره كاملاً في الأرض الفلسطينية المحتلة، خصوصاً في مدن الناصرة ورام الله ونابلس والقدس.. ويبين الفعالية الفلسطينية الحقيقية تحت الاحتلال، والتشبث بالأرض وملكيتها، والحق بالحياة.

وفي العام 1982، قدم المخرج العراقي الكبير قيس الزبيدي فيلمه الشهير «فلسطين سجل شعب»، مدته 110 دقائق، وفيه قراءة وتسجيل فريد من نوعه للقضية الفلسطينية، تمتد منذ أوائل القرن العشرين حتى منتصف السبعينيات منه، اتكاء على وثائق بصرية نادرة، مأخوذة من أرشيفات عالمية، مسبوكة في سياق سيناريو بصري محكم الصنعة.. في هذا الفيلم ثمة كشف لأول مرة عن العديد من الصور السينمائية لمدينة القدس، منذ مطلع القرن العشرين، والتي تبين أن القدس كانت مأهولة بأهلها من الفلسطينيين دائماً، وبما يدحض ادّعاء الصهاينة بأن «فلسطين أرض بلا شعب».

إعادة التأسيس

ويقدم المخرج ناظم الشريدي فيلمه «مسلسل صيف فلسطيني حار»، عام 1988، المكون من خمسة أجزاء تعالج مختلف القضايا والمشكلات التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال.. فيتناول الجزء المعنون «ما بين الحلم والذاكرة» حكاية عائلة من قرية «لفتا» على مدخل القدس، فقدت بيتها ومعظم أراضيها سنة 1948، فأعادت تأسيس نفسها على ما تبقى لها من أراض على جبل الزيتون، حتى جاء احتلال 1967 ليأتي على ما تبقى ويترك بيت العائلة محاصراً بالمستوطنات الإسرائيلية.

وفي فيلم «القدس تحت الحصار»، للمخرج جورج خليفي، عام 1990، مدته 15 دقيقة، ثمة صورة عن واقع مدينة القدس، المهددة بالمستوطنات الصهيونية، ومحاولات المستوطنين احتلال بيوت الفلسطينيين في البلدة القديمة.. ينقل الفيلم شهادات فلسطينيين مقدسيين، ورجال دين مسيحيين ومسلمين، إضافة إلى تصريحات مستوطنين صهاينة، كما يعرض الفيلم لأهمية المدينة عند الفلسطينيين، وأهميتها على المستويات كافة. الفيلم يقول: إن القدس ستكون الصخرة التي يمكن أن تتحطم عليها أحاديث التسوية.

ويقرع فيلم «بيان من مآذن القدس»، للمخرج جمال ياسين، عام 1993، مدته 50 دقيقة، أجراس خطر ما يهدد مصير القدس، ويصور الاعتداءات الوحشية على المتعبدين في رحاب الأقصى.. ثمة شهادات بصرية ترقى إلى درجة الوثيقة التي لا تُدحض، فيرصد الفيلم موقع الأقصى وأهميته في التاريخ العربي الإسلامي، ورمزية القدس ومكانتها في وجدان عموم المسلمين والمسيحيين، من جهة أولى، كذلك يفضح ادعاءات اليهود بوجود الهيكل، ويكشف عن الحفريات التي أجريت تحت الأقصى، دون أن تدعم المزاعم الصهيونية.

ويدخل فيلم «القدس.. أبواب المدينة»، للمخرج فرانسوا أبوسالم، عام 1995، ومدته 15 دقيقة، مدينة القدس عبر ثلاث شخصيات مقدسية: أولهم نحات حجر يعمل في ترميم الحرم القدسي، وثانيهم يعمل في صنع حلويات مقدسية شهيرة، وثالثهم صحفية من سكان البلدة القديمة في القدس.. يحاول الفيلم، من خلال نماذجه، تقديم صورة عن مدينة القدس، وأصالتها.. ومن ناحيته، فإن فيلم «أنت، أنا، القدس»، للمخرج جورج خليفي بالاشتراك مع ميشا بيليد، عام 1996، ومدته 52 دقيقة، يتناول شخصيات مقدسية، من شرق المدينة وغربها، ومن مختلف الديانات، لينتهي إلى مقولته المتلخصة بأن القدس ستكون العقبة أمام أي اتفاق سلام، ما لم تؤخذ خصوصيتها وأهميتها بعين الاعتبار.

أما فيلم «القدس، احتلال مثبت في الحجر»، للمخرج مارتي روزنبلوث، عام 1995، ومدته 55 دقيقة، أنتجته «حركة حقوق الإسكان الفلسطينية»، فهو تحية إلى الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في شرق القدس، دون حق الحصول على معظم مرافق وضروريات العيش الأساسية. ويبين الفيلم الآثار التدميرية تجاه القدس وهويتها وسكانها.

المستعمرون الصهاينة

وفي فيلم «النار القادمة»، للمخرج محمد السوالمة، عام 1997، ومدته 52 دقيقة. عرض لممارسات المستوطنين الصهاينة، ضد العرب، الأصحاب الأصليين للمكان، فيكشف عن المواقف العنصرية البشعة التي يجسدها المستوطنون اليهود، الأداة العضوية للكيان الصهيوني، ويقدم تصريحاتهم الداعية لطرد وقتل العرب، إذ إن المستوطنين لا يخجلون من اعتبار باروخ غولدشتاين قديساً، فينهجون دربه، يحملون أسلحتهم، ويلغون في الدم العربي. ويفضح الفيلم سياسة قضم الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان المتواصل والمستمر، بالقسر وبالقوة، وفي المقدمة مدينة القدس.

أما فيلم «ومحوطة بالسور»، للمخرج وليد بطراوي، عام 1998، ومدته 15 دقيقة، فإنه يرصد وقته للحديث عن العلاقات فيما بين المسلمين والمسيحيين في القدس، لينتهي إلى أن الجميع منهم يواجه مأزق الاحتلال، دون أن يفرِّطوا أبداً بمبدأ العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.. ويقوم فيلم «كوشان موسى»، للمخرجة عزة الحسن، عام 1999، ومدته 28 دقيقة، برصد مصير أوراق ومستندات الملكية الفلسطينية (الكواشين) للبيوت والأرض، خاصة أن الأرض شكّلت دائماً جذر وجوهر الصراع، وبؤرته.. ويأخذ الفيلم مستوطنة «معاليه أدوميم» نموذجاً ترصد من خلاله السياسات الاستيطانية الصهيونية تجاه القدس.

وفي فيلم «القدس يوم إلك ويوم عليك»، للمخرج ليون وليامز بالاشتراك مع تينوس كرارم، عام 1998، ومدته 45 دقيقة، يتذكّر الفلسطينيون، الذين طُردوا من القدس بسبب الاحتلال الصهيوني للجزء الغربي منها في العام 1948، ومن ثم الجزء الشرقي منها في العام 1967، ما جرى لهم، ويتحدثون عن حياتهم في القدس، قبل أن يقتحم الاحتلال مدينتهم وحياتهم، ويعيث فيها بؤساً وتعباً.

ويبني المخرج إياد الداوود أول أفلامه فيلم «القدس وعد السماء»، عام 1999، ومدته 60 دقيقة، يتناول التاريخ العريق لمدينة القدس، المؤكد على عروبتها، والظروف القاسية، التي تتعرض لها هذه المدينة على أيدي الصهاينة.. في الفيلم وثائق بصرية، ومستندات، لا يمكن دحضها، فضلاً عن حوارات مع رجال دين مسيحيين ومسلمين، وعاملين في لجان حفظ التراث، والأوقاف، إضافة لمواطنين مقدسيين يتعرضون، أو تعرضوا بشكل مباشر، للطرد والتهجير من مدينتهم.. كما يعرض الفيلم لتجربة «مخيم الرباط والصمود والعودة»، الذي أقامه المقدسيون عام 1997، للحفاظ على ملكيات أراضيهم، التي تريد الجامعة العبرية مصادرتها، كذلك تطويق القدس بالمستوطنات مثال مستوطنة «جفعات زئيف»، ومستوطنة «هارحوما» على جبل أبوغنيم.

ويقدم المخرج رشيد مشهراوي فيلمه «خلف الأسوار»، عام 2000، ومدته 34 دقيقة، ويعتبر وثيقة تفضح المحاولات الصهيونية للاستيلاء على مدينة القدس، من خلال احتلال البيوت واغتصابها، ومضايقة الفلسطينيين المقدسيين، ومحاولة طردهم من بيوتهم التي ولدوا وترعرعوا وعاشوا فيها، وإسكان مستجلبين يهود بدلاً منهم.. وينتهي الفيلم بصرخة امرأة فلسطينية عجوز: «وين العرب تجي تشوف».

ويشاء فيلم «جوهر السلوان»، للمخرجة نجوى النجار، عام 2001، ومدته 45 دقيقة، تصوير الحياة الاجتماعية في القدس، خلال الفترة ما بين عقدي الخمسينيات والثمانينيات، وذلك من خلال تناول حكاية «سينما الحمراء»، التي عملت من سنة 1952 إلى سنة 1989، فتكون صالة السينما هذه بوابة للحديث عن تفاصيل الحياة الاجتماعية المقدسية. إن حضور العروض السينمائية، كان واحداً من الطقوس الاجتماعية الدالة على أبعاد ثقافية واقتصادية وسياسية لشرائح عديدة في المجتمع. ويستعين الفيلم بوثائق بصرية تبين طبيعة الاحتلال الداهم الذي تعرضت له مدينة القدس عام 1967، وما حصل جراء هذا الاحتلال من تدمير للكثير من تفاصيل الحياة فيها.

وخلال أحداث انتفاضة الأقصى، يعود المخرج حازم البيطار، في فيلمه «القدس: الثمن الصعب للعيش»، عام 2001، ومدته 53 دقيقة، إلى مدينة القدس ليستكشف جوانب من صورتها وحالتها.. فيتوقف عند الساعات الأولى من اندلاع الانتفاضة، وحال التوتر والقلق والترقب والانتظار لمعرفة أخبار من استشهد أو جرح.. أما فيلم «آخر الصور»، للمخرج أكرم الصفدي، عام 2001، ومدته 52 دقيقة، فيتناول ثلاث شخصيات، من جنسيات مختلفة، عاشت في فلسطين، وجمعها حب المدينة المقدسة، والبحث القلق عن المستقبل: علي جدة, الذي جاءت أسرته من تشاد واستقرت قرب الحرم الشريف في مدينة القدس. والمغنية ريم تلحمي التي جاءت إلى القدس من مدينة شفا عمرو، في فلسطين المحتلة عام 1948، وفاروق الدزدار المتحدر من عائلة من العسكريين الأتراك، بينما يتناول فيلم «ولد اسمه محمد»، للمخرجة نجوى النجار، عام 2002، يوميات فتى فلسطيني، في الثانية عشرة من عمره، يأتي من مخيم قلنديا إلى القدس، ليعمل في نقل بضائع المواطنين عبر الحاجز العسكري الذي يغلق أفق القدس أمام القادمين إليها.

وفي فيلم «فورد ترانزيت»، للمخرج هاني أبوأسعد، عام 2002، ومدته 80 دقيقة، يرافق المخرج سائق التاكسي رجائي وركابه على طريق رام الله - القدس الشرقية، على طول الحواجز والمتاريس والطرق المختصرة. يشكل الركاب جماعة متغايرة، آراؤها وأفكارها تختلف وتتقاطع حول الوضع في فلسطين وحول النزاع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن ضمن الركاب شخصيات عامة، مثل السياسية حنان العشراوي والدكتور عزمي بشارة.

ويمنح فيلم «عبور قلنديا»، للمخرج صبحي الزبيدي، عام 2002، ومدته 51 دقيقة، جزءاًَ من وقته للحديث عن الفلسطينيين بعد 53 عاماً من النكبة، فمازال خطر الرحيل يتهددهم، ومازالت الأسئلة ذاتها.. وزاد عليها أن الأسرة الواحدة صارت تتشتت ما بين طرفي حاجز يعزل القدس.. حاجز قلنديا، ما بين القدس ورام الله، وأصعب خمسين متراً في حياة كل من يعيش في هذا المكان، أو يريد التنقل.. الإسرائيليون يعرفون مدى تأثير هذا الحاجز، وكل أسبوع تقريباً يخترعون له نظاماً جديداً، أحياناً مكعبات اسمنت، وأحياناً أخرى قواطع حديد، ومن ثم أسلاك شائكة، أو دبابات، والوضع يزداد سوءاً.

وتتناول المخرجة سها عراف في فيلمها «صباح الخير ياقدس»، عام 2004، ومدته 52 دقيقة، قصة شاب مقدسي (شعبان نصار)، يعيش صراعاً بين المشكلات اليومية، والوضع الاقتصادي، وبين تطلعاته الشخصية، بأن يصبح مغنياً، وكفاح مدينته من أجل البقاء في وجه المحاولات لمحو هويتها العربية.

هكذا تبدو القدس صورة للمعاناة الفلسطينية التي تتكثف فيها، ويقيناً أن السينمائيين الفلسطينيين الذين ذكرناهم (وثمة من لم نذكر للأسف، ونعتذر لهم) حاولوا جهدهم القول إن القدس هي: وعد السماء.. وعد السلام.

  • القدس في الأفلام الروائية الطويلة

على قلّة ما أنتجت السينما الفلسطينية من أفلام روائية طويلة، إلا أن القدس أخذت حضورها المميز في هذه الأفلام..

ففي العام 1990، وعندما أنجز المخرج ميشيل خليفي فيلمه «نشيد الحجر»، نجد حضوراً للقدس، من خلال عودة المرأة الفلسطينية (تؤديها الممثلة الفلسطينية بشرى قرمان) من هجرتها الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى مدينة القدس، إبان الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، التي انطلقت عام 1987، وسيكون هدف المرأة الفلسطينية العائدة إلى القدس القيام بإجراء بحث حول مفهوم التضحية في المجتمع الفلسطيني، فتلتقي بحبيبها السابق الذي غادر السجن بعد أن أمضى فيه 15 عاماً، ويتجدد الحب على خلفية صور من أرض الواقع، عن الانتفاضة الفلسطينية.

أما فيلم «يد إلهية»، للمخرج إيليا سليمان، عام 2002، فإنه يحكي عن قصة حب بين شاب فلسطيني يعيش في القدس، وفتاة فلسطينية تعيش في رام الله، وسنرى أنهما بسبب من وجود حاجز الرام الذي يقف عائقاً في وجه التنقل من وإلى القدس، يعكفان على اللقاء قرب الحاجز. وسيسمح الفيلم للفتاة بالمرور بشكل افتراضي عبر الحاجز لتشهد جانباً من مأساة المقدسيين الذين يتعرضون للاعتداءات الهمجية، لا سيما مشهد إلقاء قنبلة على بيت، وإطلاق النار عليه.

وفي فيلم «القدس في يوم آخر»، للمخرج هاني أبوسعد، عام 2002، تتحول رحلة الشابة رنا، للبحث عن خطيبها الموعود خليل، إلى رحلة كشف واكتشاف لمدينة القدس تحت وطأة الاحتلال.. تجوب رنا أنحاء القدس التي تسيطر عليها فوضى الاحتلال، باحثة عن الرجل الذي تحب، وينبغي لها أن تتزوج، وتنتهي باضطرارها للاحتفال بالعرس عند حافة الحاجز المحفوف بجند الاحتلال.

ويعيش جبر في فيلم «تذكرة إلى القدس»، للمخرج رشيد مشهراوي، عام 2002، مع زوجته سناء في مخيم للاجئين بالقرب من مدينة

رام الله، وهو يعمل في مجال السينما المتنقلة، ويتنقل في أنحاء الضفة الغربية، بينما تقوم هي بعمل طوعي في فرق الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني. وفي لحظة، يقرر جبر خوض مغامرة الدخول إلى القدس من أجل تنظيم عروض سينمائية للأولاد في إحدى مدارس القدس العتيقة.

  • القدس في الأفلام الروائية القصيرة

يتناول فيلم «عازف الناي الصغير»، للمخرج جورج خليفي، عام 1995، ومدته 8 دقائق، حكاية عن فتى فلسطيني في الثانية عشرة، تقع على كاهله مسئولية إعالة أسرته، فابوه مسجون، وأخوه الأكبر أصبح معاقاً جسدياً، إثر إصابته خلال أحداث الانتفاضة.. الفتى يحاول كسب رزقه من بيع النايات للسياح في القدس، الأمر الذي يضطره للتسلل يومياً عبر حواجز جيش الاحتلال، من قريته إلى مدينة القدس.

بينما يرصد فيلم «حول»، للمخرج صبحي الزبيدي، عام 2001، ومدته 32 دقيقة، حكاية سينمائي فلسطيني يتم تكليفه من قبل هيئة أمريكية بصنع فيلم وثائقي يصور القدس، باعتبارها مدينة متعددة الثقافات، تجمع بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، فيبدأ المخرج التصوير حذراً، ومبتعداً عن تصوير اللقطات التي قد تؤدي به إلى مشكلات، حتى يلتقي بالشاب «موسى» الذي يحلم بأن يصبح ممثلاً، فيعرض المساعدة على فريق العمل، وحينما تصل الأخبار بأن شارون دخل المسجد الأقصى، تنقلب الأحوال.

 

 

بشار إبراهيم 




خلال تصوير فيلم «القدس وعد السماء» للمخرج إياد الداودي





إيليا سليمان مخرج فيلم «يد إلهية»





هاني أبو سعد مخرج «القدس في يوم آخر»





رشيد مشهراوي مخرج فيلم «خلف الاسوار»





الممثلة الفلسطينية منال خضر في فيلم «يد إلهية»





عدد من سكان القدس في مواجهات يومية ضد جنود الاحتلال .. من فيلم «انتفاضة الأقصى» للمخرج حازم البيطار





مشهد من فيلم «يد إلهية» الذي يناقش مشكلة الحواجز الإسرائيلية التي تقف عائقا أمام تبادل العواطف الإنسانية





كلار خوري من فيلم «القدس في يوم آخر»