في مهرجان القرين: أيام فلسطينية في قلب الكويت

في مهرجان القرين: أيام فلسطينية في قلب الكويت

إن اختيار مهرجان القرين شخصية القدس وفلسطين عنواناً محورياً له، عمل على رسم شخصية محددة لأنشطة المهرجان لهذا العام. فبينما تحرص أغلب المهرجانات الثقافية الوطنية الأخرى المماثلة لمهرجان القرين - على اختيار رموز من داخل السياق الوطني الداخلي الذي يؤطر سياقها القطري الضيق، مثل شخصية كاتب أو شاعر أو زعيم وطني وما شابه، فإن قيام مهرجان القرين باختيار القدس شخصية محورية للمهرجان إنما يدل على الأهمية الرمزية للقدس ولفلسطين داخل السياق الكويتي الوطني ذاته.

إن الربط بين الوطني والعربي على هذا النحو يعكس فرادة وجدلية الفعل الثقافي الكويتي، وخصوصية التجربة الثقافية الكويتية في السياق العربي. كذلك حدث ربط وتجديل بين مختلف الأشكال والأجناس الثقافية في أنشطة الأيام الفلسطينية المضمنة في مهرجان القرين، حيث تعددت الأجناس بين الشعر والفن التشكيلي والتراث الشعبي والمعارض المتحفية والمحاضرات الفكرية وحتى الخطب الحماسية وجدت مكاناً أصيلا لها ضمن أنشطة مهرجان القرين.

جغرافياً، تسلم بقعة الأرض الكويتية جسدها لمجرى الخليج العربي، لكنها سرعان ما تغويه وتستضيفه ليجري داخلها عند منطقة السالمية، فيخرج عن مساره المستقيم وينعطف غربا لعدة كيلومترات قبل أن يقرر أنه قد بلغ مداه وآن أوان أن يعود إلى مساره السابق مرة أخرى. ولكنه تقديرا لاستضافة الأرض الكويتية له يقرر أن يطبع على أرضها قبلات وداع أبدية تنحتها شفاه الأمواج على صخور الجهراء والدوحة في كل يوم من آلاف السنين.

وعندما يستعيد الماء مساره السابق مغادرا أرض الكويت، فإنه يتمهل طويلا في غفلة من باقي مياه خليجه ليصافح يد الكويت الممتدة له عند جزيرة بوبيان ويتشبث بها ويحيطها بكفيه معا، وتترك الكويت كفها ترتاح بين يديي ماء الخليج. تلك الأنسية الجغرافية تصور قصة الكويت في بعدها المكاني الطبيعي الذي صنعته ثنائية الماء واليابسة، منذ آلاف السنين.

هذا الجسد الأرضي - الحادب نحو الماء - يغوي الماء من ناحية ويعدل مساره بيده الجزيرية المتروكة في أمان من ناحية أخرى. وبفعل كسره لزاوية الخليج ليصبح خليجا داخل الخليج، يجسد من ناحية معنى الاحتضان والضيافة ومن ناحية أخرى معنى تعديل المسار، ليجد هذان المعنيان أفضل ترجمة لهما في الممارسة الثقافية الكويتية.

شهدت هذه اليابسة المضيافة افتتاح مهرجان القرين في دورته الخامسة عشرة، في نهاية عام 2008، في 22 ديسمبر، ممتدا لثلاثة أسابيع. وعلى صعيد البعد الزمني، بدأ مهرجان القرين في وقت ملائم تماما، حيث تخلت شمس الكويت عن قيظها، وقررت أن تتوارى بعد شهور طوال من سفورها الحار، لتختبئ وراء حجب من غيوم الشتاء الندية، ليبرز جمال شتاء الكويت في مخالفته الرقيقة لغلظة صيفها. ففي الشتاء، تحرص حتى الأمطار على أن تتساقط ليلا والناس نيام، وكأنما تتوخى ألا تعكر عليهم نهار معاشهم. أما شمس شتائها، من ناحيتها، فحرصت هي الأخرى على أن يراها زوار الكويت الذين حضروا للمشاركة في مهرجان القرين الثقافي في أبهى صورة وأرق سلوك لها. فأفسحت مكانها لشمس الثقافة غير الحارقة، التي أشرقت بمناسبة مهرجان القرين السنوي.

وقد تميز المهرجان الحالي باستضافته شخصية محورية هي القدس، حيث ركز على الثقافة الفلسطينية في أيام خصصت كاملة للأنشطة الفلسطينية.

وكما قال وزير الإعلام الكويتي الشيخ صباح الخالد في افتتاح حفل شخصية المهرجان في كلمة ألقاها نيابة عنه الأمين العام للمجلس الوطني بدر الرفاعي، فإن القدس: «تختصر القضايا النبيلة، وتفرض نفسها علينا دون حاجة إلى كلام منمق وشرح كبير، فهي تتجاوز المناسبات، وتستحوذ على الأفئدة، وتستصرخ الهمم والضمائر، دفاعا عن هوية مهددة أو حق مهدور.

ومن هذا المنطلق، فإن الاحتفاء بالقدس لا يعود هنا لمجرد استذكار ما تعنيه لنا كعرب وكمسلمين أو التغني بقيمة وجمال معالمها وآثارها، ولا استدعاء بطولات محرريها من محتليها السابقين، بل يعني اول ما يعني أن يستنفر المؤسسات الثقافية والمثقفون والفنانون العرب هممهم ليعيدوا جذوة هذه القضية إلى وجدان الأمة وإلى وعي الأجيال الشابة تحديدا.

والاحتفاء بالقدس يعني أيضا أن تكون قضيتها حية حاضرة في المشهد الثقافي اليومي وطنيا وعربيا وعالميا، خصوصا في ظل تراخي المنظمات العالمية المعنية بالثقافة عن حماية تراثها وآثارها على الأقل، وذلك يقتضي أكثر فأكثر حث الجهود وابتكار السبل لتسليط الضوء على حقيقة هويتها العربية والإسلامية وعلى حقيقة مقاومة وصمود أهلها المقدسيين».

بين السياق الوطني والسياق العربي

هناك شيء ما يتعلق بمسألة الاحتفالية والمهرجانية. فكلمة المهرجان نفسها لم تكن شائعة ضمن مفردات العربية القديمة. فلا تكاد الثقافة العربية تحوي سوى كتاب واحد باسم المهرجان وهو للصوفي العارف بن علوان، وهو كغيره من كتب الصوفية مكتوب على شاكلة كتاب النفري الشهير «المواقف والمخاطبات».

ولكن هذه الحقيقة نفسها قد تلقي ببعض الضوء على فكرة المهرجانية. فالمهرجانية هي في عرف الشعوب من قبيل التكثيف والتجميع لما يتناثر في الحياة العامة في الأحوال العادية. فهدف المهرجان أن يتم تركز عدد من الأنشطة التي هي في العادة متفرقة ومشتتة، لتتجمع في بؤرة زمانية ومكانية محددة. فإذا ما افترضنا أن عدداً من الشعراء في بلد ما يقرضون أشعارهم ويلقونها بشكل منفرد كما هو معتاد، فإن إقامة مهرجان للشعر بهذا البلد إنما يعني دعوة لتجميعهم واحتشادهم في مكان واحد وفي توقيت واحد، ليلقوا أشعارهم مما يجمع أعمالهم وجهودهم في بؤرة محددة، وتكون النتيجة بالطبع مزيداً من القوة والزخم لهذا المجال، بالضبط كما يحدث عندما تتجمع أشعة الشمس في بؤرة عدسة.

هذا هو بالضبط ما حدث في مهرجان القرين، حيث هدف المهرجان إلى تكثيف وتجميع المتفرق والمتناثر في بؤرة محددة.

وقد ارتأى المهرجان لهذا العام أن أهم ما يمكن تجميعه من الشتات وأفضل ما يمكن حشده من التفرق، هو الثقافة الفلسطينية، بتراثها الغني وقضيتها العصية ومعاصرتها الضرورية.

أنشطة الأيام الفلسطينية

في إطار مهرجان القرين تم افتتاح معرض القدس للفنون التشكيلية للفنان الفلسطيني حسني رضوان في قاعة أحمد العدواني. والفنان الفلسطيني حسني رضوان، من مواليد القدس وقد درس الفن في كلية الفنون الجميلة في بغداد وتخصص في الجرافيك، وعمق دراسته في بودابست، وعاش وعمل فترة في قبرص، وقدم العديد من المعارض الشخصية وكان أولها جاليري التصوير في تونس عام 1983، كما عرض لوحاته في اليابان عام 1985، وله كثير من المشاركات في المعارض الجماعية حول العالم.

وقد ضم معرض الفنان حسني رضوان مجموعة تشاركت في عدة قواسم، فأولا جميعها كانت أكريليك. وثانياً كان اللون الأحمر مسيطرا على اللوحات جميعها مع اختلاف موضوعاتها، كأنما يمثل العنف المستمر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في أرضه. فقد أعطى حسني في أعماله اللون الأحمر المساحة الكبرى ليصوغها كيفما شاء، فجاءت معظم لوحاته بلا عنوان تاركا المتلقى ليتفرد باللون أو ليتفرد اللون به.

وفي يومي الثلاثاء والأربعاء 23 و24 من ديسمبر وعلى مسرح الدسمة، قدمت فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية عروضها التراثية الرائعة. وقد تأسست هذه الفرقة في العام 1979 بجهود حفنة من الفنانين والفنانات الفلسطينيين المتحمسين. ومنذ ذلك الحين، توجت كرائدة للرقص الشعبي الفلسطيني، حاصدة في مسيرتها كثيرا من الجوائز الأولى وشهادات التقدير المميزة من مهرجانات محلية ودولية. كما استطاعت أن تحقق في الوطن الفلسطيني كما في الشتات شعبية لم يسبق لها مثيل، حيث تحولت أغاني ورقصات الفرقة إلى أنغام يشدو بها الفلسطينيون أو يرقصونها في مختلف أماكن وجودهم. ومنذ ولادتها، حرصت «الفنون» على الجمع بين الأصالة والمعاصرة من خلال مزيج من الرقص المستوحى من الفولكلور والرقص المستحدث، الخاص بالفرقة. فجاءت أعمال الفرقة معبرة عن روح التراث الشعبي وعن ثقافتنا الحاضرة.

وفي يوم الأربعاء 24 ديسمبر أقيمت أمسية شعرية فلسطينية للشاعرين محمد الريشة و محمد لافي، وذلك في مقر رابطة الأدباء.

والشاعر محمد حلمي الريشة هو من مواليد نابلس، فلسطين. وقد حصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم الإدارية، وبكالوريوس في الأدب العربي، عمل موظفا حتى العام 2000 ثم انتقل للعمل في بيت الشعر الفلسطيني وتفرغ للشعر. وشارك في عدد من الندوات والمؤتمرات المحلية والعربية والعالمية، وترجمت نصوص أشعاره إلى عدد من لغات العالم، وهو يعمل حاليا رئيسا لتحرير الإصدارات الثقافية في بيت الشعر الفلسطيني. وله أكثر من ثلاثة عشر ديوان شعر مطبوعاً، وأعمال نثرية أخرى وترجمات ودراسات، وكتبت عن أدبه دراسات نقدية عديدة.

أما الشاعر محمد لافي، فهو من مواليد حيفا عام 1945، وكانت دراسته للحصول على ليسانس في اللغة العربية لمدة سنتين في جامعة بيروت العربية عامي 1973 و 1974، عمل في حقل التربية والتعليم وعضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين، ونادي أسرة القلم الثقافي، كما عمل في الصحافة الأردنية والسورية، ويعمل حالياً معداً ومقدماً لبرنامج «شاعر وقضية» لإذاعة عمان، بعد أن عمل محرراً وكاتباً لزاوية أسبوعية في جريدة المجد، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، والاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، حصل على جائزة عبدالرحيم عمر لأفضل ديوان شعر عربي من رابطة الكتاب عام 1996.

وبحضور الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر سيد عبدالوهاب الرفاعي والأمين العام المساعد للشؤون الإدارية عبدالهادي العجمي، وفي إطار الأيام الثقافية الفلسطينية التي يحتضنها مهرجان القرين الثقافي في دورته الخامسة عشرة، اقيم مساء الخميس 25 ديسمبر حفل شخصية مهرجان القرين الثقافي الخامس عشر في متحف الكويت الوطني. حيث أشار الأمين العام بدر الرفاعي إلى أن وجود الأيام الثقافية الفلسطينية في المهرجان إنما يؤكد عمق العلاقة بين الثقافة والكويت، ويعبر عن التصميم والإرادة لأن تكون القدس عنوان قضية الثقافة العربية، في الوقت الذي تشهد فيه أعتى وأخطر وأوسع حملة تهويد على يد سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

كل هذا مهد لكلمة رئيس ديوان الرئاسة الفلسطينية الدكتور رفيق الحسيني أثناء حضوره مهرجان القرين، حيث قال: «نحن في القدس صامدون، نحن في بطن الحصان، فزودونا بالزاد والزواد حتى نستطيع أن نبقى صامدين مرابطين، حتى نسلمكم الأمانة عندما تحين الساعة».

المرأة الفلسطينية والتراث

وفي يوم الأربعاء 24 ديسمبر تم افتتاح معرض التراث الشعبي الفلسطيني، في متحف الكويت الوطني. كان ذلك هو اليوم الثاني من أيام المهرجان، وكانت حرارة الحماس تملأ أجواء قاعة معروضات التراث الفلسطيني، لدرجة ما عاد معها يمكن التمييز بين المواد المعروضة والأردية التي حرص العارضون على التزيي بها حتى الأردية التي ارتداها المشاركون في حفل الافتتاح بكل عفوية ومن دون تدقيق، بحيث أصبح بالمقدور رؤية خيط ممتد من التواصل العربي الفلسطيني الكويتي، بين التراث الفلسطيني المعروض وما تقع عليه العين في أي من أرجاء معرض التراث الفلسطيني في متحف الكويت.في وسط هذه الأجواء المبهجة ترامت إلى الأسماع جملة ذات نبرة حماسية فاهت بها إحدى المشرفات على العرض تقول: «النساء هن دوما القائمات على حفظ التراث». كانت الجملة عبقرية للغاية لدرجة أنها أفصحت عن خلفيات الحدث الثقافي الحالي بكل أبعاده الظاهرة والمستترة. فقد أطلقت السيدة منى الزعنون، نائبة رئيس مركز التراث الفلسطيني في الكويت، هذه الجملة بكل تلقائية. ثم أكملت: «بالطبع النساء هن القائمات على التراث، فالرجال لهم انشغالات أخرى في فلسطين، تتمثل في المقاومة والسياسة وغيرهما من الأعمال. أما المرأة الفلسطينية فهي بمنزلة الوصي الأساسي المعني بالتراث، فهي تصنع بيديها كل أثواب أولادها وبناتها، وبالذات أثواب البنات اللاتي يلتقطن منها الطريقة والأسلوب من جيل إلى جيل، وهكذا يتشكل التراث، فالأم الفلسطينية تصنع لبنتها نحو 12 ثوبا آخرها هو ثوب الزفاف، الذي بعده تنتقل البنت إلى مرحلة صناعة أثوابها وصناعة أثواب بناتها، وبذلك تكتمل الدائرة وينتقل التراث إلى الفتاة التي ترتفع به إلى مستوى جديد مع المحافظة على عدة سمات أصلية فيه. فظروف شعبنا عبر جل تاريخه المعاصر لم تسمح له بمظاهر الترف المتاحة للمجتمعات الأخرى التي تدجنت وتعودت على ابتياع كل ما تحتاج إليه من أدوات معيشية من الأسواق المتسعة التي تنوء بمعروضاتها من ملابس وأدوات أخرى. بل تتمثل فرادة الفلسطينيين في كونهم مجبرين على ابتكار أغلب ما يستخدمون من أدوات معيشتهم، نظرا لظروف حرمانهم من الأسواق المعتادة لدى كل الشعوب. وهكذا أصبح ابتكار أدوات المعيشة والملابس بالنسبة للفلسطيني هو فناً وحياة في ذات الوقت، وليس فنا منفصلا عن الحياة أو فنا من أجل الفن، بل فن من أجل ممارسة الحياة. وفي هذا تكمن عبقرية التراث الفلسطيني المعروض في هذه القاعة».

وأضافت: «إن أهم ما يميز المعرض أن المعروضات الموجودة فيه تتناسب في وجودها كمتحف وليس كمعرض، حيث احتوى على ثلاثة أثواب تعتبر من أقدم الأثواب الفلسطينية الموجودة في العاصمة الأردنية عمان، وشحنت إلى الكويت، وهي ثوب «بير السبع» وثوب «يافا» وثوب لأهل «غزة»، إلى جانب ما يوجد في المعرض من غطاء الرأس للمرأة (البرقع) وهو ما تتميز به المرأة الفلسطينية في البداوة، وشال المرأة الفلسطينية، وما يتميز به من غزارة في التطريز، إلى جانب أثواب أخرى، بالإضافة إلى أثواب تعبر عن المدن الفلسطينية وذلك للمقارنة بين أثواب أهل المدن وأثواب أهل القرى وأهل البادية، إلى جانب السيراميك والصدف كحرف يدوية أساسية في كل بيت فلسطيني ومتوارثة أيضا».

كانت درجة التنويع على الأبيض للرداء الفلسطيني الرائع الذي لفها تنتمي إلى اللون الفيروزي الذي يكاد يقتصر على تلك البقعة من الأرض التي تمتد من سيناء المصرية إلى كامل فلسطين العربية، وهو لون حجر الفيروز السيناوي الفريد، الذي يقال إنه يضيء أرض فلسطين وسيناء عند اكتمال القمر كل شهر في السماء، بحيث يتمكن الخياط المحلي من ممارسة الحياكة على ضوئه ويتمكن المثقف من القراءة على ضوئه الطبيعي ليلا دون حاجة لإضاءة إضافية من مصابيح الزيت أو الكهرباء. وهو نفس اللون الفيروزي الذي يميز الصدف الفلسطيني الذي برع في تشكيله الفلسطينيون، وكأن ألفة العين الفلسطينية الطويلة مع هذا اللون تكسبها قدرة غريزية على ابتكار ووضع تصورات لتشكيلات فنية محتملة له.

أما السيدة دلال عريقات، وهي رئيسة مركز التراث الفلسطيني بالكويت، والتي تقيم أيضا في الكويت، فشرحت دورة إعادة إنتاج التراث الفلسطيني، حيث قالت: «لدينا معرضان على الأقل في الكويت للتراث الفلسطيني، كما لدينا معارض أخرى ندعى إليها عبر العالم لنقدم منتجاتنا، وخلال هذه المعارض يتجدد التراث الفلسطيني ويخرج للوجود مرة أخرى، وكأنما يبعث من جديد، وبهذا تساهم هذه المعارض والمهرجانات في تحريك دورة إعادة إنتاج التراث الفلسطيني. ذلك أننا نقوم باستقدام هذه القطع والمنتجات من فلسطين، وفي مقابلها يحصل منتجوها على مدخولات ترمي إلى هدفين: أولهما هو مساعدة الفلسطينيين على مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي يحيونها، وثانيهما يتمثل في الحفاظ على التراث الفلسطيني وإعادة إنتاجه بالشكل المشرف الذي نراه في هذه القاعة».

في اليوم الثاني من احتفالية الأيام الثقافية الفلسطينية، في إطار أنشطة مهرجان القرين الثقافي الخامس عشر، افتتح الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي والأمين العام لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية العام 2009 الدكتور رفيق الحسيني معرض التراث الشعبي الفلسطيني في متحف الكويت الوطني ظهرا. وقد أقام المعرض مركز التراث الفلسطيني الذي أُنشئ في عمان بالأردن العام 1991 كامتداد لنشاط اتحاد المرأة الفلسطينية - فرع الكويت - والذي أسس العام 1965، ومن أهم أهدافه دعم المرأة الفلسطينية والمحافظة على التراث كأحد أشكال الهوية الفلسطينية.

وبعد جولة في المعرض، قال الدكتور رفيق الحسيني: «إن الأخوة العربية - الكويتية الأصيلة تحتفل معنا ومع فلسطين بمناسبة احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية للعام 2009، ومن خلال هذه الأيام الثقافية الفلسطينية ضمن هذا الحدث الثقافي السنوي الكبير مهرجان القرين الثقافي الخامس عشر، ونحن نحب دوما أن نكون مع أهلنا في الكويت ونشاركهم احتفالاتهم، وبالتالي فإن مشاركتنا في إطار مهرجان القرين الثقافي هي رمز ودلالة مهمان للاتصال والتواصل الفلسطيني - الكويتي دوما إن شاء الله».

وعن التعاون المستقبلي بين البلدين الشقيقين في مجال الثقافة، قال الدكتور الحسيني:

«إننا أمام تحد كبير، وهو الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية في العام 2009، وفي هذا التحدي نريد من أهلنا في الكويت أن يكونوا معنا كجزء من المعركة التي سنخوضها، من أجل أن نثبت أن القدس عربية، وستظل عربية، وستظل عاصمة للشعب الفلسطيني، ليأتي إليها كل العرب ليصلوا في مساجدها وكنائسها».

كما أكد: «بالتأكيد، هناك حصار إسرائيلي على كل شيء حتى الثقافة، لكننا سنخوض معركة ثقافية ولن يستطيعوا أن يقفوا ضدنا، لأنها معركة تعتبر الثقافة أساسا، ومن يقف ضد الثقافة فهو غير مثقف وغير واع ولا يستحق الحياة».

كما أكد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي، أهمية افتتاح معرض التراث الشعبي الفلسطيني في اليوم الثاني من الأيام الثقافية الفلسطينية في الكويت، مشيرا إلى أن «الملبس وأيضا المسكن هما جزء أساسي ومكون أساسي من حضارة وثقافة أي شعب، وهو معبر عن بيئتهم وحياتهم كما يعبر عن ثقافة أي شعب من الشعوب».

كما بين السيد بدر الرفاعي أن محافظة الشعب الفلسطيني على هذه الأزياء هي نوع من أنواع المقاومة، خصوصا أن الشماغ الفلسطيني أصبح اليوم معروفا في كل أنحاء العالم، وأكد أن الكويت دائما وأبدا تساند القضية الفلسطينية، والشعب الكويتي منذ القدم ساهم ولايزال يساهم في دعم صمود الشعب الفلسطيني لحل هذه القضية التي تؤرقنا جميعا.

خصوصية الحميمية الكويتية الفلسطينية

تتضح درجة احتفاء الكويت بفلسطين والقدس في لمعات طريقة تخطيط أماكن عقد وإقامة أنشطة الأيام الفلسطينية التي مثلت جوهر ولب مهرجان القرين.

فمن اللافت أن فعاليات الأيام الفلسطينية أقيمت في أماكن محددة يجمع بينها كلها سمة أساسية مشتركة. تتمثل هذه السمة المشتركة في وجود كل هذه الأماكن داخل العمق الأهلي والشعبي الكويتي.

وبهذا الشكل تمكن المشاركون من الانتقال عبر أنحاء الكويت بما يتيح لهم أقصى معايشة مكانية ممكنة للكويت.

وفي هذا الصدد كان اختيار موقع الافتتاح موفقاً جدا حيث تم في منطقة الدسمة التي تتميز بهدوئها الرخيم وتصميم شوارعها الحميمي. ومن الطريف أن حميمية المكان تكثفت في وجود مركز تجاري شعبي على بعد أمتار قليلة من المسرح الذي افتتح فيه المهرجان. وبعد انتهاء حفل الافتتاح أحب كثير من المشاركين الفلسطينين والسوريين والإيرانيين التوجه إلى هذا السوق لابتياع بعض الاحتياجات إلا أن هدفهم الحقيقي كان إشباع فضولهم في التعرف على سر حميمية منطقة الدسمة. وعندما دخلوا إلى السوق كانت المفاجأة أنهم صادفوا مواطنين من بلدانهم يملأون السوق سواء كمشترين أو كعاملين فاستغربوا الشعور الذي اعتراهم وكأنهم في بلدانهم وليسوا في بلد مضيف. فقد كان من صادفوهم في السوق يتكلمون نفس لغتهم الفارسية أو لهجاتهم السورية والفلسطينية والمصرية وغيرها كثير. وبرغم أن حفل الافتتاح انتهى في الساعة الثامنة إلا أن كثيراً من أعضاء الجاليات المشاركة في الحفل استمروا في الوجود في شوارع الدسمة لساعات بعد الثامنة حتى استسلموا لمشاعر التعب الناجم عن السفر الذي قدموا منه في الصباح وقرروا أن يرجعوا إلى فنادقهم للحصول على قسط من الراحة يعينهم على مزيد من الاكتشافات الكويتية في الصباح الباكر.

وباستعراض أماكن إقامة فعاليات الأيام الفلسطينية بالمهرجان يمكن فهم قدر المعايشة المكانية التي تمتع بها المشاركون الفلسطينيون خلال إقامتهم بالكويت لحضور مهرجان القرين.

فقد اقيمت مراسم الافتتاح في مسرح الدسمة وهو في عمق منطقة أهلية كويتية شديدة الوداعة والهدوء حيث تحيط بالمسرح من كل انحائه بيوت سكنيه عادية وجمعية المعلمين، بل الأكثر من هذا أنه لا يفصله سوى بضعه أمتار عن أهم سوق أهلي يضم جمعية الدسمة التعاونية وعدداً لا يحصى من محلات التسوق الأهلي الصغيرة والمطاعم ومحلات الحلاقة.

بعد ذلك انتقلت فعاليات المهرجان الفلسطينية إلى متحف الكويت الوطني الملاصق لمجلس الأمة الكويتي القلب النابض للديمقراطية الكويتية.

تبع ذلك انتقال الفعاليات الفلسطينية إلى مقر رابطة الأدباء وقاعة أحمد العدواني الموجودين أيضا داخل مناطق أهلية كويتية حيث كان الأهالي العاديون - وليس فقط المثقفون - هم من يتوافدون إلى أماكن الأنشطة الفلسطينية للمهرجان دون أي تقيد بتذاكر أو دعوات حضور أو ما شابه من إجراءات تنظيمية، لدرجة أن حفل الافتتاح شهد أعدادا غفيرة من الحضور قصر عن استيعابها مسرح الدسمة ففاقت أعداد الواقفين أعداد الجالسين في المسرح، مما أثار دهشة المشاركين في المهرجان دون أن يثير أي دهشة من قبل المنظمين.

يبدو أن تخطيط أماكن إقامة فعاليات مهرجان القرين الفلسطينية قصد إلى التعبير عن دلالة محددة من الممكن التقاطها وتأملها. حيث تعبر هذه الدلالة بشكل واضح عن موقع المسألة الفلسطينية من الانشغالات الثقافية الكويتية. وكذلك تعبر عن استراتيجيات الثقافة الكويتية، سواء المخططة أو العفوية. إن التأويل الحاسم لخصوصية الأماكن الثقافية في الكويت وبخاصة تلك الأماكن التي اختيرت لإحياء الفعاليات الفلسطينية بمهرجان القرين يشير إلى حميمية وثيقة لا لبس فيها. فكل الأماكن التي عقدت فيها الأنشطة الفلسطينية لا تقع في فراغ الأماكن النائية المعزولة عن العمار والمبعدة إلى الهوامش؛ بل على العكس من ذلك تقع جميعها في خضم الحياة الأهلية اليومية الكويتية. بمعنى أنها لا تقع على مسافات بعيدة عن بيوت الأهالي العاديين أو عن الأماكن الأساسية للعمق الكويتي. بل تقع أماكن احتفاء واحتفال الكويت بالفعاليات الفلسطينية وسط بيوت الأهالي وفي العمق الأهلي والحضري الكويتي بالذات. وبذلك فالأماكن المخصصة للفعاليات الثقافية الكويتية تتميز عن غيرها بوجودها الحميم داخل وفي قلب المناطق السكنية الأساسية وليست على هامش حياة الكويتيين اليومية.

هذه السمة الحميمية للأماكن الثقافية الكويتية تتميز باختلافها التام عن السائد في كثير من الدول. فهناك دول توجد بها أماكن ممارسة الفعاليات الثقافية - سواء عن قصد أو عن عفوية - بعيدا عن المناطق المأهولة والمراكز المدينية الأساسية، وهذا يخلق نوعا من التباعد بين اهتمامات الناس وبين الأنشطة الثقافية، بشكل يوازي ويصاحب وينجم عن درجة التباعد الأهلي والسكني والمكاني بين أماكن الفعاليات الثقافية والمسارات المكانية التي يعتادها ويرتادها الأهالي في حياتهم اليومية. وهنا تختلف خصوصية الحميمية التي منحتها الكويت لفعاليات مهرجان الكويت الفلسطينية.

إن موضعة مراكز الإشعاع والممارسة الثقافية داخل المناطق السكنية على الطريقة الكويتية يدل على حرص واضح على جلب الثقافة إلى الناس، وعلى إصرار شديد على عدم إبعاد الثقافة عن الناس بإلقائها خارج مدارات ومسارات معيشتهم اليومية.

هكذا تفصح فلسفة تخطيط وموضعة الأماكن الثقافية الكويتية التي عقدت فيها الفعاليات الفلسطينية لمهرجان القرين عن درجة متميزة من الحميمية بين الثقافة والناس والكويت وفلسطين. فهي تفصح عن حميمية نزيهة نحو المسألة الفلسطينية مع إصرار على الإمعان في موضعتها داخل العمق الأهلي والثقافي الكويتي.

 

 

 

أمير الغندور 





معالي وزير الإعلام الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح يفتتح مهرجان القرين





 





الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي يسلم درعا تذكارية للدكتور رفيق الحسيني الأمين العام لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009





في متحف الكويت مجموعة من العارضين يرتدون الزي الفلسطيني إلى جوار مجموعة من زوار المعرض





السيدة دلال عريقات (يمين) رئيسة مركز التراث الفلسطيني ونائبتها السيدة منى الزعنون





معروضات من الأردية التراثية الفلسطينية في متحف الكويت





معرض الفنان الفلسطيني حسني رضوان بقاعة أحمد العدواني بالكويت





مشغولات خزفية تراثية من فلسطين عرضت في متحف الكويت