مساحة ود

 مساحة ود

بطاقة ائتمان أم انتماء?

يروق لي النظر في محافظ الآخرين. طبعاً لا يهمني النظر في الجيب المخصص لحفظ الأموال. فأنا لست لصة! يحلو لي فقط استراق النظر إلى تلك البطاقات المعدنية المصطفة بانتظام كبير في جيوب محافظهم! تلفتني ظاهرة انتفاخ محافظ الآخرين لكثرة ما تحوي من بطاقات، أما النقود فلقلتها تبقى مخبأة في جيب واحد فقط!. ما أحبّ في تلك البطاقات أنها تدلّني على مستوى حياة الناس الاجتماعية وعلى طريقة عيشهم واهتماماتهم وهواياتهم. أي أنها بطريقة ما تدلّني على «انتماءات الناس»؛ ألا تحدد لنا تلك البطاقات المصرف الذي يدّخر فيه هؤلاء الناس أموالهم، والحزب الذي ينتمون إليه والرابطة الاجتماعية التي يؤيدونها... وإلى ما هنالك من انتماءات لم أتقنها يوماً!.

هل هي بطاقات ائتمان أم بطاقات انتماء؟!.. وأنا أتنقل في سيارات الأجرة بين مكان دراستي ومكان عملي ومنزلي (ويسمى «السرفيس» في لبنان، ويمكن لأكثر من شخص واحد أن يستقل السرفيس الواحد) أختلس دوماً النظر إلى الركاب وهم يفتحون محافظهم لدفع الأجرة! علّني أوفق بكشف واحدة من انتماءاتهم!. كم مرّة كدت أن أسأل أحدهم عن الفائدة الإضافية (أو التسهيلات!) التي تقدمها لهم تلك البطاقات!. لكني لغاية الآن لم أتجرأ على هذا العمل! أعرف أنها ستثير شكوكهم حول مغزى سؤالي وسيعتبرون أنني أخطط بطريقة ما لسرقتهم، في حين أنّ هدفي لا يتعدى ممارسة هوايتي في التلصّص على انتماءات الآخرين.

في محفظتي أيضاً جيوب كثيرة للبطاقات. لكني لا أستعمل إلا واحدة منها، حيث خبأت بحرص كبير بطاقة واحدة فقط! إنها هويتي اللبنانية! ومع هذه البطاقة عندي مشكلة أصلاً: فأنا لا أنتمي فقط لـ «لبنان» بل أنتمي إلى إنسانيتي، وهنا تكمن مشكلتي: أني مجبرة على اقتناء هذه البطاقة من أجل تخليص معاملاتي الرسمية!. لقد قرّرت منذ ما يقارب عشرة أعوام، أي منذ بداية استقلاليتي المادية عن أهلي ألا أجهد نفسي لاقتناء بطاقة إضافية عن بطاقتي اللبنانية. وأكون قد قرّرت ضمنياً ألا أراكم على نفسي انتماءات إضافية على إنسانيتي.

إنسانيتي هي هويتي التي أحملها منذ طفولتي، وهي أبعد من أن تحدّ ببطاقة معدنية. تلك البطاقات التي تحوّلت مع تقدم التكنولوجيا والعولمة إلى أجزاء لا بدّ من اقتنائها لإكمال (أو اكتمال) حياة الإنسان. لقد بات استعمالها فنّا مستحدثاً لا بدّ من إتقانه. أن تتقن استخدامها في الأماكن العامة، وحتى وأنت في سيارتك، يمكنك أن توقف سيارتك في مكان مخصص لتلك الماكينات وبكل راحة أن تمدّ يدك من نافذة سيارتك وتضغط على كبسات محددة لتحصل على كمية الأموال التي تحتاج إليها!.

أما أنا فأفضل أن أبقى على استعمال تلك الأوراق النقدية لأتلمسها بأصابعي وأنا أدفع «للعم محمد» - صاحب المتجر المقارب لمنزلي - ثمن ما أشتريه من حاجيات وأن أتبادل معه الأحاديث اليومية عن غلاء الأسعار، وأحوال العائلة، وأقساط المدارس، والانتخابات..

لكل هذه الأسباب لم أبذل أدنى جهد لإتقان هذا الفن المستحدث! وقرّرت أن أقبع ضمن لا حدود إنسانيتي.

 

 

 

إيمان محمد خليفة