المفكرة الثقافية.. الظاهرة «الأدونيسية» في مسقط

المفكرة الثقافية.. الظاهرة «الأدونيسية» في مسقط

  • مهرجان

احتفى المثقفون العمانيون بزيارة الشاعر العربي أدونيس إلى السلطنة بدعوة من بلدية مسقط للمشاركة في فعالياتها الثقافية على هامش مهرجانها السنوي المختتم في 12 من فبراير. وشارك أدونيس في محاضرة عن الجمال في الإبداع وفي أمسية شعرية، وكان الحضور في قاعة النور بمدينة السلطان قابوس لافتا كما ونوعا، وبقي متشوقا لدور هذا المفكر المشاكس للحديث والتحاور معه.

في الأمسية الأولى قدم أدونيس ورقته عن جمالية التحول في الشعر، وقال فيها إن المعنى العميق الأساسي للعربي اليوم في بدايات القرن الحادي والعشرين هو تحويل التاريخ وصنعه في أفق التحولات الكونية. وقال إن اللغة العربية تحولت هي نفسها كي تكون قادرة على التحويل، وجمالية هذه اللغة هي جمالية التحول. ورأى أدونيس أن التأسيس لهذه الجمالية يقتضي بدئيا نقد الراهن السائد، ثقافيا وجماليا لا فيما يتصل بالذات العربية وحدها، بل فيما يتصل كذلك بالآخر (علاقة وسلطة ومعرفة وكاتبا).

وشدد أدونيس على أهمية إحداث قطيعة مع «كل ما يعرقل سيرنا في اتجاه التحول أيا كان، سواء في مجال الأفكار والمعتقدات أو في أثناء ذلك أن نبطل ما يعده بعضهم قاعدة لاتبطل، مطالبا بتجاوز أعراف وتقاليد ينظر إليها بعضهم الآخر بوصفها مسلمات يقينية لاتمس، والاصطدام بما هو سائد ومستقر، مناقشا العلاقة بين المبدع وما اصطلح على تسميته بالجمهور وهو مستودع للتراث وحارس له.

وتحدث أدونيس عن التراث بصفته نبعا من الماضي، يتدفق نحو المستقبل، الجمهور لا يرى سوى المنبع الذي ينبجس منه الماء، لا يرى المجرى ولا النهر الذي انفصل عن جريانه وعن ينبوعه، لم يعد نشأته الأولى، شمعة في ليلة التاريخ، حركة الماء الأول في النهر تغيرت، فقد هذا النهر ماءه الأول بصفته «الماء الأول» ودخل جاريا في لا نهاية من الماء الذي يتدفق في جميع الجهات.

واعتبر أدونيس أن الجمهور يختار الثبات في جمالية التحول وجمالية الثبات الذي فيه ما يطمئن لأنه محدود، وفي المتحول ما يقلق لأنه غير محدود، معضلة الكتابة الشعرية الحديثة لا يتذوقها إلا من تحول في داخله فكرا وتذوقا، ولم يتحول الجمهور العربي على هذا السياق الفكري الخالص نظرا لأسباب متعددة، ومن بينها أنه نظام يرتبط أساسا بالرؤية الدينية التي ترتبط أساسا بالسياسة، نظام تفسير، نظام هيمنة وسلطة تحول الحقيقة إلى قانون وشرع ولا تصبح عالما ذاتيا.. ورأى أن فقدان الحقيقة فقدان للتفكير، الجمهور لا يأخذ من الشاعر إلا ما يعرفه مباشرة أو مسبقا، يقوم الشاعر بدور المذكر، والإبداع كما قال نيتشه «إنجاب»، فالإنسان يبدع ليؤكد أنه يستمر.

وشدد أدونيس على أهمية الاستعصاء في القراء الأولى للقصيدة وإلا فإنها قصيدة تأتي في عاديتها وابتذالها. القارىء الحقيقي للشعر والصديق الحقيقي له هو الذي يقرأ الشعر ليفهمه ويصر على استقصاء معانيه قراءة بعد أخرى، يجب عدم استيعاب القصيدة من القراءة الأولى بينما كتبها الشاعر أياما أو أسابيع مضمنا إياها حدوسه ورؤيته للعالم، يقينا أنه فهم كل شيء فمثله لا يحتاج إلى قراءة كل شيء أو أي شيء.

وتحدث المفكر العربي بأن نظام الحقيقة اليوم في الثقافة العربية السائدة هو أنه نظام يرتبط أساسا بالدين الذي يرتبط أساسا بالسياسة، وهو إذن نظام تفسير وفقا لقواعد موزونة معينة وهو بوصفه كذلك نظام هيمنة وسلطة.ونفى أدونيس الاتهام الذي يلاحقه بأنه يدعو دائما للقطيعة التامة مع التراث، وقال: لم أنكر النبع الأول، مفهوم القطيعة أصبح ملتبسا جدا بحيث إننا نصفها كأنها شجرة قطعت من جذورها ولم تعد لها علاقة بنشأتها، هذا النوع يؤدي إلى اليباس، التراث مجموعة من التناقضات والآراء والمفكرين لكل طريقته في التعبير، تراث كل الشعوب ليس خيطا واحدا بل شبكة من الأفكار والتناقضات.

وضرب أدونيس مثلا بالنفري الذي كتب مخطوطته قبل ألف عام، ونشرها باحث بريطاني عام 1945 ولم يقرأها أحد قبل هذا التاريخ، يقول أدونيس: قرأتها بعد ذلك التاريخ بعشرين عاما، أي عام 1965 في مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت ولم يكن قد قرأها أحد، نشر النفري وصار جزءا من التراث، المسكوت عنه والمكبوت والذي لا يجوز الكلام عنه، التراث طبقات، مجموعة ضخمة من تحرك الأمواج في محيط ما، في فترة تاريخية تظهر طبقة منه. وفي أخرى تظهر أخرى لكنه واحد. القطيعة مع الثقافة التي سادت المجتمع العربي والتي أقامت وحدة بينها والسلطة السياسية والسلطة الفقهية أفضت إلى نشوء ثقافي واحدي النظر يحتاج إلى الكثير من الغنى والتنوع مثلما يحتاج المجتمع، هذه هي القطيعة وليست القطيعة مع التراث، لا يمكن أن تكون قطيعة بهذا المعنى.

وقال إن ما نسميه ثابتا لم يكن ثابتا دائما في التراث العربي، وما نسميه متحولا لم يكن متحولا دائما في هذا التراث. المنهج حجاب على العقل، أنظر إلى جميع الاتجاهات وليس إلى اتجاه واحد فقط، أنا ضد المناهج، أدرس من داخل التراث العربي قضايا التراث العربي، والثابت والمتحول ليسا مفهومين نظريين، هما مفتاحان للدخول إلى التراث العربي ورؤيته بكل تناقضاته، واعتبر الدولة الأموية ذروة التحول في التاريخ العربي.

ورفض أدونيس وجوده كشاعر القطب الواحد بعد رحيل محمود درويش (الظاهرة الشعرية الأخرى) وقال: أنا أحزن إذا كنت الشاعر الوحيد، أنا شاعر بين شعراء، ولي جمالياتي الخاصة بين شعراء لهم جمالياتهم الخاصة، وفي كل شاعر ذاتيته الخاصة ولغته الخاصة وجماليته الخاصة، وليست هناك جمالية تتنافى مع جمالية الآخر. الشعراء الكبار يعيشون في بيت واحد وفي غار واحد لكل شجرة جماليتها الخاصة، لا يكون الشعر العربي محصورا بين جماليتين أو ثلاث جماليات، مشددا على أن النقد لا يؤتمن له ولا يكون موضوع ثقة. أما في ليلته الشعرية التي شاركه فيها من عمان الشاعر صالح العامري فقد قرأ نصا واحدا عنوانه «آخر الكلام» بعد مقدمة طويلة للكاتب العماني عبدالله حبيب، وأعقبت القراءة الشعرية مداخلات عن تجربة أدونيس الشعرية والفكرية، والتي أكد فيها أنه شاعر في الأساس وما يكتبه من أشكال أخرى إنما هي تنويعات على القالب الأساس، الشعر.

يقول إنه لا يخشى الموت لأنه قرين الحياة، ولا طعم لها إن لم يكن بعدها موت.

يقول في نصه الشعري:

باسم جسدي الميت - الحي الحي- الميت
ليس لجسدي شكلٌ
لجسدي أشكالٌ بعدد مَسَامِّه
وأنا لا أنا
وأنتِ لا أنتِ
ونصحّح لفظنا ولسانينا
ونبتكر ألفاظاً لها أحجام اللسان والشفتين،
الحنك
وأوائل الحنجرة
ويدخل جسدانا في سديم دَغَلٍ وأعراس
ينهدمان
ينبنيان في لُجّة
احتفال بلا شكل بطيئاً سريعاً
نحو ما سميناه الحياة
وكان فاتحة الموت.
باسم جسدي الميت - الحي الحي- الميت
ارتفع السَّرْو بين الاسم والوجه
عادت اللغة إلى بيتها الأول كان الحب قبراً دخلتُ إليه وخرجتُ
كان القبر نزهة لراحة الأوردة
ومات النحو والصرف
وحشرا بين يدي قصيدة كتبتها وآخر قصيدة.

مسقط
محمد بن سيف الرحبي

  • ندوة

صورة العربى في كتب التعليم بدولة الاحتلال الإسرائيلي

كل الظروف كانت تشير إلى فشل هذه الندوة فى اللحظات السابقة على بدئها.. فمقررها الدكتور أحمد درويش صاحب فكرتها اضطر للسفر فجأة إلى سلطنة عمان، والدكتور محمد حمدى إبراهيم الذى طلب إليه درويش أن ينوب عنه فى رئاسة أولى جلساتها، كان مرتبطاً بالمشاركة فى احتفالية تكريم المركز القومى للترجمة للمفكر الدكتور عبد الغفار مكاوى المقامة فى القاعة المجاورة بالمجلس الأعلى للثقافة!، ولم يكن أمام الناقد الدكتور يوسف نوفل، عضو لجنة الدراسات الأدبية، إلا أن يدعو جميع المشاركين إلى المنصة لتبدأ وقائع ندوة (صورة العربى فى كتب التعليم والأدب فى إسرائيل)، التى احتشد لحضورها جمهور كبير جاء ليطلع من المتخصصين في الأدب العبري والدراسات الإسرائيلية على دقائق الصورة: الدكتورة صفا محمود عبد العال، الحائزة على جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمى، والدكتور محمد محمود أبو غدير، أستاذ اللغة العبرية بقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والدكتور عادل معاطى، نائب رئيس التلفزيون المصري، المتخصص في المسرح اليهودي، فضلاً عن الدكتور محمد جلاء إدريس، والدكتور منصور عبد الوهاب.

وفى البداية أوضح أبو غدير أن صورة العربي في الوعي الإسرائيلي عامة، وفي الأدب والمناهج الدراسية الإسرائيلية بخاصة، تتحدد بناء، على معطيات وظروف وعلى تصور إسرائيلي مسبق يرى استحالة التوصل إلى تفاهم وسلام مع العالم العربي. وقد ربطت الأدبيات الصهيونية هذا الموقف تجاه الإنسان العربي بالفهم الصهيونى للتاريخ اليهودى، القائم على ديمومة الصراع مع الآخر غير اليهودى، حتى أن الأستاذ الجامعى إسرائيل لندراس ذكر في دراسة له أن الصراع اليهودى العربى، يمثل على الدوام مصدر الدفع الرئيس لإرساء قواعد الدولة. ويرى جرشوم شوكيه أنه

لا يمكن للمرء أن يكون إسرائيلياً دون أن يكون موقفه من الإنسان العربي جزءاً من هويته.

وهذا التوجه العام تجاه الإنسان العربى ترجم عملياً في المناهج الدراسية المطبقة في مدارس إسرائيل حتى يومنا هذا وهو الذي يسيطر أيضاً على أغلب الأعمال الأدبية بأشكالها المختلفة.

فالعربي في المناهج الدراسية الإسرائيلية هو الإنسان المتطرف، الذي يتسم دائماً بالعنف مع الآخرين، وينفذ ضدهم أعمالاً إرهابية متواصلة، بالإضافة إلى تخلفه وتعصبه مع نفسه ومع الآخرين!

والغريب أن هذه النظرة لم تتغير بعد مسيرة السلام التي أثمرت توقيع اتفاقيتى سلام مع مصر والأردن. فلا تزال المناهج الدراسية الإسرائيلية تقدم العربي للدارسين في إسرائيل بصورة سلبية مقيتة أثارت استياء بعض المثقفين الإسرائيلين أنفسهم، مثل الدكتورة نيللي مندلر التي ذكرت بعد أن فحصت 1500 من الكتب الدراسية الإسرائيلية أن هذه الكتب تركز على تحقير العربي والتقليل من قدره، بل إن المراجع التي تضعها وزارة التعليم بين أيدي المعلمين، وليس الطلبة فقط، أكثر عنصرية وفظاعة. والغريب في الأمر كما ذكر أستاذ تربوي إسرائيلى يدعى د. بارتل أن المناهج الدراسية الإسرائيلية لم تغير نمط تناولها لصورة العربي حتى بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر ومع الأردن!

ويفرق الدكتور محمد جلاء إدريس في طرحه بين صورة العربي الفلسطيني، وصورة العربي اليهودي فى الأدب العبري الحديث، ويقول: «أما الصورة الأولى فقد قمت بمتابعتها في الأدب العبري الحديث من خلال وصف البدوي الفلسطيني، وكذا قمت بتتبع الثانية من خلال اليهود الذين تم تهجيرهم من العراق في عام 1950.

ويمكن القول بشكل عام إن هناك ثلاثة تصورات إسرائيلية للشخصية العربية وهي على النحو التالي:

أولاً - تصور الصفوة الإسرائيلية التقليدية والمعاصرة، وفيه ثلاثة اتجاهات:

1 - الاتجاه البوبري، نسبة إلى مارتن بوبر، ويتميز بالنظرة المعتدلة للعرب، والاعتراف بما وقع عليهم من ظلم تاريخي، كما يدعو إلى التعايش مع العرب، ولم يعد لأبناء هذا الاتجاه وجود واضح على مسرح الأحداث.

2 - الاتجاه البنجوريوني، نسبة إلى بن جوريون، ويركز أتباعه على أن العرب لا يعرفون سوى لغة القوة، ويعكس هذا الاتجاه عدوانية المشروع الصهيوني.

3 - الاتجاه الوايزماني، نسبة إلى حاييم وايزمان، ولا يختلف أتباعه في نظرتهم إلى العرب عن الاتجاه السابق.

ثانياً: تصور العلماء الإسرائيليين،ويرى أصحابه أن الشخصية العربية تتسم بالجمود والتصلب، وأنها غير قادرة على تجاوز سلبياتها نتيجة سمات غريزية تتسم بها وتتمكن منها.

ثالثاً - تصور الرأي العام الإسرائيلي، وأصحابه لم يعنوا كثيراً بالعرب،ويؤيدون السياسات الحكومية بفرض القيود على العرب، ولا يعترفون بحقوق اللاجئين ويرون في العرب كسالى وأغبياء وجبناء وخونة.

أما عن صورة البدوي الفلسطيني في الأدب العبري الحديث، فهى وإن كانت لا تخلو من ذكر إيجابيات هذه الشخصية المتمثلة في الكرم والشجاعة وعزة النفس والكرامة، وذلك لإعجاب الأدباء بالنموذج البدوى، إذ رأوا فيه صورة لما كان عليه جيل الآباء العبريين القدامى، على نحو ما ورد في التوراة، إلا أننا نجد العديد من الصور السلبية للبدوي الفلسطيني.

وعلى الجانب الآخر، حتى لو كان العربي يهودياً، فإنه يحمل أوزار العروبة في تصويره في الأدب العبري الحديث.

أما رؤية الأشكناز (اليهود الغربيين) في إسرائيل لليهود العرب فهي سلبية للغاية، فهم مجرد حشرات.. متخلفون.. لصوص.. كذابون.

ويكشف الدكتور منصور عبد الوهاب للحضور،من خلال حديثه، كيف أنه لا يمكن، بحال من الأحوال، الفصل بين تأثير الأدب والمنظومة الإعلامية والمناخ الديني السائد وكذلك المناخ السياسي العام وبين تأثير مناهج التعليم على العقل الإسرائيلي.

القاهرة
مصطفى عبد الله

  • معرض

«البيت...المنفى..» أسئلة الفن في بيت لحم

من عجائب عيش الفلسطينيين تحت الاحتلال، أن تفاصيل عيشهم الغريب تثير الآخرين خارج فلسطين، وتثيرهم هم أنفسهم كفلسطينيين تحت الاحتلال.العمل الفني التركيبي المعاصر الذي بين أبصارنا مثال واضح، يصلح لتصوير حالنا لنا وللآخرين.

يستفز مضمون العرض التركيبي بواسطة فن الفيديو في دار الندوة في مدينة بيت لحم، للفنانة الفلسطينية فاتن نسطاس «البيت..المنفى»، من هم داخل فلسطين، ويحيون الحياة فيها على مدار سنوات الاحتلال، خصوصا من تشربوا بالتدريج كل أشكال الحصار وتقييد التنقل وصعوبة تفاصيل الحياة اليومية، على مدار سنوات الانتفاضة الثانية، أو هم خارجها.

لنتحدث بإيجاز عن العمل، ثم نحلل معا مستويات التلقي:

شاشتان تعرضان فيلمين قصيرين، وبينهما عبارة محمود درويش الشعرية: الآن في المنفى..نعم في البيت.

يصور الفيلم الأول والذي هو إلى جهة اليمين، شابا وشابة يرقصان معا رقصة رومانسية هادئة (slow) في فناء شجرة زيتون، في مقطع من أرض جبلية، في حين تبرق أشعة الشمس مضفية روح النهار على المشهد، الذي يتكرر بكل حرية وجمال، وبقامتين مرتفعتين، تلائمان روح الشباب المتوثب، المقبل على الحياة بقوة وحب وأمل.

أما الفيلم الثاني، والذي إلى جهة الشمال، فهو يعرض لصور ومشاهد فلسطينية من مدينة بيت لحم، ومن حواجز الاحتلال على أبوابها، وأبواب القدس، وفيه يمرّ الفلسطينيون في بانوراما حياتهم التي اختلط فيها العادي، كالزواج والسير والتسوق.. بغير العادي كالمظاهرات والتنقل الصعب على الحواجز حيث المراقبة والتفتيش، ومقاطع من جدار الفصل العنصري. ويلاحظ على هذه المشاهد أنها مشاهد جمعية تضم الأفراد معا في المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

جمع المتناقضين معا!

من قال إن الأشياء المتناقضة لا تكون معا لم يختبر عن قرب حياة الشعب الفلسطيني!

بالنسبة لمن يستفزهم العمل الفني ويثيرهم، والذين هم من داخل البلاد، فإن تلقيهم لهذا العمل الذي يبدو أنه يجمع حياتين متناقضتين، يرونه من باب أن الفلسطينيين، أي هم، يمارسون العيش العادي هنا في ظل الظرف الاستثنائي وغير العادي، وكأنهم يعجبون لأنفسهم كيف يحيون الحياة في ظل حصار الاحتلال لها، بكل تفاصيلها، فيعيدون رؤية أنفسهم فخورين أو حتى ساخرين، وغير ذلك من مشاعر، في ظل دهشتهم!

لقد اختارت فاتن لكاميراتها التي تجولت معها في بيت لحم وعلى الحواجز الاحتلالية وجودا ضيقا، انسجاما مع الحصار، فقد حشرت الكاميرا في حقيبتها ليتم التصوير من داخلها، حيث فتحت فتحة في الحقيبة أمام العدسة، كي تجعل الكاميرا تعيش ما يعيشه حاملها/حاملتها، والناس هنا من جهة، ولتستطيع تنفيذ ذلك خارج المدينة، بسبب ممانعة جنود الاحتلال لتصوير الحواجز من جهة أخرى.

فاختيار مكان العدسة كان اختيارا إبداعيا وليس تقنيا فقط، حيث خدمت التقنية الفكرة، كما تخدمها عدسة مصور آخر قام بتوثيق حياة الفلسطينيين هنا.

ويمكن توظيف الرؤية البصرية هذه إلى رؤية فكر تطرح سؤالاً حول كيف نرى نحن أنفسنا كفلسطينيين، قبل أن نرى كيف يرانا الآخرون!

فهل تهشيم الإطار في الفيلم الثاني (فيلم حياة الناس) والذي تحول من كادر مستطيل عادي إلى شكل غير منتظم هو رمز إلى احتمالية ألا نرى أنفسنا على الوجه الموضوعي نتيجة لعدم قدرتنا على الرؤية بحرية، أو لانحيازنا إلى أنفسنا أكثر من الضروري؟

وسواء أكان ذلك رمزا أو واقعا، أو جاء ذلك بصدفة اختيار تقنية ما، فإن رؤيتنا لأنفسنا تحتاج دوما إلى تعميق، ينطلق مما هو محتمل وممكن إلى ما هو عميق يلزمه عمق من نوعه، ويسعى له، ويقودنا نحو هذا المسعى.

لأجل ذلك، اخترت أن أشاهد الفيلم مرة ثانية من دون قراءة الشعر!.

القدس
مراسل العربي

  • فن

معرض لجماليات الخط الألماني!

على غرار ما يحدث في الثقافة العربية من اهتمام بالخط العربي وفنونه ومن ثم تخليد أعمال الفنانين المجيدين في هذا المجال خاصة الذين برعوا في تطويره واستحسانه ، فإننا نجد الشيء نفسه يحدث في الثقافات الأخرى - على سبيل المثال - أقيم في مدينة نورنبرج الألمانية معرض لفن الخط الألماني وتطوره عبر العصور وأهم الفنانين الذين لعبوا دورا رائداً في تطويره ، المعرض يتيح للزوار التعرف على جزء مهم من الثقافة الألمانية، خاصة أن ألمانيا تعتز كثيرا بدورها في تطوير الثقافة العالمية ، فقد كان لها دور رائد في مجال الخطوط والطباعة، وفيها تم اختراع أول آلة للكتابة على يد الألماني جوتنبرج قرابة العام 1449.

يحكي المعرض الذي أقيم في مكتبة نورنبرج العامة قصة الخط الألماني ومراحل تطوره ابتداء من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر، وهي متعة ثقافية للعين أن يرى الزائر كل هذا الكم من الصفحات والمخطوطات وأغلفة الكتب التي خطت باليد، وتحديداً في القرن السادس عشر، وما تلاه من قرون لاحقة، يظهر ذلك في عرض منمق وتنسيق بديع أثناء المرور عليه، ونستطيع بسهولة التعرف على كيفية تطور الخط وبالتالي تطور الفن في صناعته أيضاً، وكل ذلك يظهر بلا استثناء كيف كان فناً رائعاً ومميزاً. فالكتابة في تلك الفترة لم تكن فقط خطا للحروف، إنما كانت أيضاً فناً يمكن تشبيهه تماماً بفن الخط العربي، فقد كانت الكتابة تخط بشكل أقرب إلى اللوحات الفنية الجميلة، كانت الألوان تتغير وتتبدل، وكانت الأحرف يتم هندستها بأشكال وصور جميلة.

أحد أهم أعلام تلك الحقبة التي ركّز المعرض عليها هو «Johann NeudOrffer» يوحنا نيودورفر الذي ولد في العام 1497 وتوفي في عام 1563 في نورنبرج، واكتسب شهرة كبيرة في زمانه ومكانه كأحد أهم الخطاطين الألمان في تلك الحقبة التاريخية وإليه يرجع الفضل في رسم شكل الحروف الألمانية وذلك في سنة 1519 وهي الحروف التي ظلت معروفة ومعمولا بها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وبعد نهاية حقبة الحرب كانت ألمانيا قد قررت استحداثاً جديداً في شكل الخط وتم ذلك بالفعل وهو الخط المعروف والمعمول به حتى الآن.

استخدم يوحنا تقنية جوتنبرج في تثبيت شكل الخط وكان جوتنبرج قد توصل في عام 1450 إلى ابتكار الطباعة، واستطاع تصميم الحروف المعدنية وفكرته كانت تقوم على رصها بسهولة وسرعة لتأخذ شكل الكلمة، ومن ثم ضغط الألواح التي تراصت عليها الحروف مباشرة على الورق فتضغط الأحرف المدببة على سطح الورق لتنفتح مسامه ويحقن بالحبر الملون، بعد مرحلة الكبس هذه تعود مسام الورق لتنغلق محتفظة بلون الطباعة.

أحد أهم المعروضات في المتحف هو الكتاب المقدس الذي طبعه جوتنبرج كاملا بمطبعته الأولى التي ابتكرها ومازال محتفظاً ببهاء طباعته وجماله حتى الآن، ويمكن القول إنه بشكله هذا يمثل حالة النموذج الأمثل لفن الطباعة.

يحكي العرض أيضا تاريخ مدينة نورنبرج التي تعتبر معقل هذا الفن عبر العصور، فقد ظلت مركز تطوير وتحسين الخط الألماني على مر العصور، إذ كان يحرص التجار والأغنياء قبل 500 عام في هذه المدينة على تعليم أولادهم فن الكتابة والحساب، لأن ذلك كان ما يميز أبناء الصفوة في تلك الآونة، وهذا ما فعله يوحنا نفسه، فقد تعلم أسس الخط فيها حتى تفوق فيه، وتوج تفوقه هذا بافتتاح مدرسة لتعليم الصغار أسس الخط.

إن الصور الموجودة في المعرض توضح كيف اتخذ شكل الكتابة الألمانية في عام 1581 شكلا مميزاً أطلق عليه آنذاك Nordalpinen، وهناك صور أخرى تبرز تطوراً آخر له في عام 1602. إن التدقيق في لوحات الخط المعروضة في المعرض تشبه إلى حد كبير زخارف الخط العربي نفسه، إذ تنحني الحروف إلى أعلى وتتشابك ثم تنساب إلى أسفل بشكل فني رائع، وهو ما يؤكد حقيقة أن احتراف رسم الخط هو أقرب إلى الفن منه إلى الكتابة.

بنهاية القرن الثامن عشر وتطور فن الطباعة فقد الخط أهميته ولم يعد هناك إقبال على الخطاطين كما كان من قبل، إذ كان لهم دور فعال في كتابة العقود والمواثيق والشهادات والخطابات وما عداها من أمور تستلزم التوثيق، وفتحت طريقة جوتنبرج الطريق أمام انتشار الكتب بشكل غير مسبوق في كل أنحاء العالم. وأدى تداول الاكتشافات العلمية والفكرية إلى صحوة ثقافية كبرى استفادت منها البلدان الأوربية بشكل أساسي لكثرة المطابع التي نشأت فيها. كما مهدت الكتب المطبوعة لظهور الصحف حتى أصبح صدور جريدة دورية ومتجددة أمراً في متناول اليد.

وزادت محتويات الصحف تنوعا، لتحمل العديد من الآراء وتفتح باب الحرية السياسية، فكانت المحرك الأول للحركات الديمقراطية التي غيرت وجه أوربا.

ألمانيا
صلاح سليمان

  • محاضرة

هوميروس في العالم العربي

نظم المركز الثقافي المصري بأثينا ندوة تحدث فيها الدكتور أحمد عثمان أستاذ اللغة اليونانية والرومانية بآداب القاهرة، والدكتور كونتوس سكرتير عام جامعة أثينا، والدكتور ثوماذاكيس عميد كلية الفلسفة، والدكتور كولياس مدير قسم الدراسات البيزنطية بمركز البحوث اليونانية.

تناول الدكتور أحمد عثمان نشره لترجمته إلى العربية لواحدة من درر الفكر الإنساني - إلياذة هوميروس - بالتعاون مع الأساتذة الدكاترة لطفي عبدالوهاب وميرة كروان والسيد عبدالسلام البراوي وعادل النحاس الذين أهدوا للمكتبة العربية أول ترجمة عربية منقولة عن اللغة اليونانية، وشملت 16 ألف بيت من الشعر في ألف صفحة، وبعد ست سنوات من العمل ومقدمة طويلة في 100 صفحة جاءت بعد مرور 100 عام على صدور ترجمة سليمان البستاني عام 1904.

وقال أحمد عثمان إن هناك تاريخا طويلا في محاولة ترجمة الإلياذة منذ القدم وحتى اليوم، وبالرغم من تردد ذكر «الإلياذة» فيما خلفه المترجمون العرب فإن الظن الغالب هو عدم ترجمتها ضمن الأعمال التي نقلت عن الحضارة الإغريقية مع أن حنين بن اسحاق الذي يعتبر من أفضل المترجمين العرب، كثيرا ما كان يتغنى بأشعارها. وفي العصر الحديث كانت هناك ترجمة البستاني الذي استعان بلغات وسيطة هي الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وهي تعتبر الترجمة الأولى الكاملة للإلياذة في الأدب العربي قديمه وحديثه.. وأشار الدكتور أحمد إلى جهود الأستاذ دريني خشبة في تعريف القارئ بالأساطير اليونانية ومحتويات الإلياذة. وكانت من أحدث الجهود ترجمة الشاعر السوري ممدوح عدوان عام 2002 والتي اعتمدت على اللغة الإنجليزية. ويعتقد الدكتور أحمد أن العرب قديماً لم يترجموا أشعار هوميروس، ربما لأن للعرب تراثاً شعرياً عريقاً وراسخاً ولا يحتاجون إلى ترجمة الشعر اليوناني، وأن العرب يعتقدون أن الشعر بصفة عامة لا يترجم كما ورد عند كتاب الحيوان للجاحظ. وهو يعتقد أن مفهوم الشعر عند الإغريق كان مرتبطا بالأسطورة ولايمكن الفصل بينهما، وهذا غير موجود في المفهوم العربي للشعر ويعتقد أنه السبب الرئيسي في عدم ترجمة الشعر اليوناني للعربية.

في بداية الندوة قام الملحق الثقافي المصري الدكتور طارق رضوان بتقديم الدكتور أحمد للحضور ومنحه درعاً تذكارية، كما قام سكرتير عام جامعة أثينا بتقديم درع الجامعة التذكارية للدكتور أحمد عثمان، كما قدمت نائبة محافظ أثينا درعاً تذكارية بهذه المناسبة للدكتور عثمان، وتلقى الدكتور أحمد شهادات ودروع تكريم من كل من رئيس اتحاد الجالية المصرية، ونائب رئيس رابطة يونانيي مصر، ورئيس مؤسسة كفافيس اليونانية، تقديراً لدور الدكتور أحمد في توثيق العلاقات الثقافية بين مصر واليونان.

والدكتور أحمد عثمان حاصل على الدكتوراة في المسرح الإغريقي اللاتيني من جامعة أثينا عام 1974. وقد عمل أستاذا بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت في الفترة من 1978 - 1994.

تولى رئاسة قسم الدراسات اليونانية واللاتينية بآداب القاهرة. وأسس وأدار مركز الدراسات اليونانية والرومانية، وهو رئيس الجمعية المصرية للأدب المقارن، وعضو اللجنة الاستشارية باليونسكو الخاصة بالتعددية اللغوية. ومن أهم مترجماته من اليونانية إلى العربية الإينيادة لفرجيليوس، هرقل فوق جبل أويتا لسينيكا، نبات تراخيس لسوفوكليس، أثينا السوداء( بالمشاركة مع آخرين). أما أهم مؤلفاته في مجال الدراسات الأدبية الموسوعة الكلاسيكية فهي: الأدب اللاتيني، كليوباترا وانطونيو، وغيرها من المؤلفات الإبداعية.

أثينا
عبد السلام الزغيبي

  • تجارب أدبية

مشاهد من الشعر السعودي الراهن

تتسع آفاق الشعرية الجديدة لكل المجالات التجريبية التي يمكن لها أن تعضد النص الشعري، وأن تنتج صورا لانهائية من المشاهد والتشكيلات التجريبية مستفيدة في ذلك ومطورة في الآن نفسه- من إمكانات الفنون الإبداعية الأخرى القولية والبصرية خاصة الفنون التشكيلية والسينمائية والسردية. إن النص الشعري اليوم لم يعد رهينا للفكرة البلاغية المعهودة التي تتطلع إلى بناء النص الشعري على عناصر المجاز، والبيان، والاستعارة، والبديع، بحيث تتشكل الصور الشعرية من خلال هذه العناصر، تحفزها اللغة وحقولها الدلالية من جهة، والأسلوب الشعري وخواصه وآلياته من جهة أخرى. لقد أضحى النص الشعري التجريبي يطل عبر فضاءات أخرى، إنه يستلهم هذه العناصر البلاغية، ينقب في بعض آلياتها، يحور فيها، لكن هذه العناصر أصبحت في الخلفية الإدراكية للنص، ولم تعد هي جوهر العملية الشعرية، أو العنصر التشكيلي الأول في النص.

في هذه القراءة المبدئية سأكتفي بالإشارة إلى إحدى الخواص البينة في هذه التجربة والتي تتمثل في الانتقال من بلاغة الصورة إلى بلاغة المشهد، بمعنى الانتقال من استثمار آليات البلاغة المعهودة في إنتاج الصورة داخل النص الشعري إلى استثمار طاقة المشهد، والانتقال من الجزئي إلى الكلي في رسم مشهد شعري يتضمن آليات الرصد، واللقطة، والمونتاج، والسيناريو، والتقطيع البصري، والكولاج، والقطع والمزج، وما إلى ذلك من آليات الفنون البصرية التشكيلية والسينمائية. حيث مرت القصيدة في فضاء الشعرية السعودية بمرحلتين: الأولى تأسيسية كما نجدها لدى الشعراء: فوزية أبو خالد، ثم محمد الدميني، أحمد الملا، إبراهيم الحسين، غسان الخنيزي، أحمد كتوعة، هدى الدغفق، علي العمري، وقد قدمت في مقامات أخرى دراسات ومقالات عن هذه التجربة في كتاب: «نسيج الإبداع». أما المرحلة التالية فتتمثل في نماذج مثل: عبدالله ثابت، وشريف الشهراني، ومحمد الحرز، وزياد السالم، ومكمد خضر على سبيل المثال.. وقد اختلف الأداء الشعري في المرحلتين، حيث كانت المرحلة الأولى أكثر تمثلا لتجارب مؤسسي القصيدة النثرية، خاصة في لبنان، فيما تطرفت القصيدة النثرية الراهنة إلى الانفتاح بشكل أكثر تجريبية على لغة الواقع والحياة الشخصية الذاتية.

ثمة نماذج شعرية تقودنا إلى آلية المشهد مباشرة، ولا تثريب علينا لو اقتطعنا بعضها هنا، يقول عبدالله ثابت في ديوانه: «النوبات» «إشارات طائشة، نعلان مهتوكان، شق بثوب طفل قروي، بخور، حكاية، سمجة، وأخرى حساسة، بوذية مالحة، حلوى المشبك، مجانين في منتصف العمر، مراهقون، مدرسون جلفون، أقارب باهتون، ملتحون وحليقون، روائيون كذابون، شعراء بدينون، فلاسفة مكسورون، عوانس، وأبكار مراهقات، وأصدقاء إنترنتيون، ذكريات، ومجالس بمشروبات وأعشاب، وكربون، وقطران، وفلوس وحلم صغير، وبلدان بعيدة.. ألن ينتهي هذا البلغم؟» فهذه المشاهد تنهض على تقديم بنية وصفية لمشاهد جزئية متجاورة، وليتجلى في نهاية الأمر مشهد شعري كلي،

لا يتم تقديم صدمته البلاغية إلا في نهاية المشهد، حيث يعطي الشاعر الدلالة الكلية للمشهد، بعد أن يكون قد قام برصد وصفي يقدم فيه لقطته الشعرية المتكاملة.

وفي ديوان: «لهفة جديدة» لهدى الدغفق، (دار الكنوز الأدبية، بيروت 2002) نجدها تقوم بإنتاج نصوصها القصيرة جدا عبر مجموعة من المشاهد المتتابعة المتجاورة معا، للعصفور، للغصن، للشجرة، للشروق، للسبورة، للكرسي، في مشاهد متتابعة تشكل لوحة كلية، قد تكون بها نتواءت مفارقة أو نتوءات في التعبير الشعري بيد أنها تتشكل وفق آلية المشهد الشعري.

الأمر نفسه نجده في معظم دواوين قصيدة النثر الجديدة، كما في «مقتطعات الرنين» لشريف الشهراني، و«مثل قمر على نيته» لسلوى خميس، و«أخف من الريش أعمق من الألم» لمحمد الحرز على سبيل التمثيل، حيث يركز الشعراء على استثمار آلية المشهد الشعري وتكوين نمط من البلاغة الشعرية الجديدة، ففي ديوان: «صندوق أقل من الضياع» لمحمد خضر الغامدي نجد أنه يركز على استيلاد شعريته من فعل السرد الشعري، ومن التجريب عبر بلاغة المشهد الشعري، حيث يصنع مجموعة من المشاهد المتجاورة أحيانا، أو يقوم بإنتاج نص شعري مشهدي يركز فيه على إحدى ذوات النص، كما نجد في هذا النموذج المعنون بـ: «امرأة لم تذكر برجها»:

تجلس على الكرسي الخشبي الطويل الذي يتسع لأربعة / بأجساد رشيقة / وحيدة يملؤها الفقد / تقرأ جريدة وتوسع ابتسامتها / لعابر لم يكن يقصدُ / شيئا سوى التسكع في الحديقة والمشي بنصف سعادة / أحيانا / تترك اللوعة للهواء الذي يخدش المخيلة / وتمضي / كالذي لا ينوي على شيء.

ولا تقتصر بلاغة المشهد على القصيدة النثرية وإن كانت هي الأكثر تمثلا لها، بل نجدها في نماذج كثيرة لدى الشعراء الذين يكتبون القصيدة التفعيلية الحديثة، خاصة فيمن يقدمون نمطا من الشعرية التجريبية يتمثل في القصيدة القصيرة. ولعل البنية القصيرة تمنح النص الشعري قدرا من المشهدية، كما في نصي: وطن للعابرين، وغيمة البرتقال للشاعر حسن الصلهبي في ديوانه: «خائنة الشبه» (نادي أبها الأدبي 1424هـ) ولدي محمد حبيبي: حديث (من ديوانه: أطفىء فانوس قلبي) نادي جازان الأدبي 1424هـ: جرتان يشف حديثهما من تثاؤب باب مسن، وليمونة حاصرتها البلاطاتُ الخشباتُ العتيقة تصفقها وحشة الريح فيما يدان عجوزان، فرت عروقهما.. مسّحت رعشة الجرتين طراوة حنائها.

ثمة بلاغة أخرى تتعلق بالمشهدية وهي تقدم نموذجها الشعري التجريبي، وسأضيء هنا تجربة صوتين شعريين هما علي الحازمي، وأحمد قران الزهراني. حيث تتسم العلاقة السياقية الإبداعية بين ما هو درامي وما هو غنائي في النظام الشعري العربي المعهود بالتجاذب والتماهي، التجاذب بين أداء تركيبي حافل بالتوتر، وتعدد الأصوات، والتصوير المأساوي للحالة الشعرية بسيطة أم معقدة، والتماهي مع أداء آخر ينتصر للذاتية، ويركض عبر خيالاتها المطلقة والجوانية، وينضد حالة من الغناء، والولع بالإيقاع الصاخب الذي يتمهد بنمطه التلقائي في دروب الكلمات حين تبحث عن صورتها العبارية، وصيغها المؤطرة بذهنية التكرار اللفظي، التي تتجلى بأشكالها المموسقة المحسوسة.

وفي ظل هذه العلاقة، وهذا الأفق التعبيري تتنَمْذجُ كتابةُ الشاعرِ علي الحازمي في ديوانه: «الغزالة تشرب صورتها» ضمن نسقٍ غنائيِّ، يومىء بداءة إلى مكنة الشاعر في استيلاد مكامن الصوت الشعري العربي في سجاياه الإيقاعية، والتوصيلية، وإعادة ابتكار حالته التصويرية التي تند عن أن تفضي إلى شكل من أشكال التعقيد أو التركيب الذهني.

وتومىء عنونة ديوان الشاعر أحمد قران الزهراني: «بياض» المركز الثقافي العربي- بيروت، الطبعة الأولى 2003م إلى الوضاءة، والنور، والسطوع، والتوهج، كما تومىء إلى بياض الفجر، والحلم النقي القادم، وإلى الأمل المشرق، والغد الجميل. لا يرفع أحمد قران الزهراني هنا البياض كراية استسلام، أو كعنوان سيميائي لكفن، بل يرفعه ليواجه به العتمة: الحاضرة أو المقبلة، يرفعه كراية للحلم، والحب، والخلاص والحرية. هكذا تومىء نصوصه، وهكذا تدلنا مداراتها الدلالية، وشفراتها الجمالية الدالة.

الرياض
عبدالله السمطي






أدونيس





المتحدثون في ندوة «صورة العربي في الكتب الاسرائيلية»





شعر محمود درويش يتوسط عرض الفيلمين





الفنانة فاتن نسطاس





إحدى اللوحات المعروضة في معرض جماليات الخط الألماني





د. أحمد عثمان (أقصى اليمين) متحدثا عن هوميروس