أدرِكوا اللغة العربية

أدرِكوا اللغة العربية
        

          لا ندري هل نحن بحاجة لكي نتحدث عن أهمية اللغة العربية لأبناء الأمة العربية؟
          قد يكون ذلك ضروريًا أحيانًا، فإن الإنسان قد لا يدرك أهمية أشياء موجودة لديه إلا إذا افتقدها أو أحسّ بأن فيها خللاً أو مكروهًا، فأنت تحب أخاك ولكن لم تسأل نفسك عن مقدار هذا الحب أو مدى أهمية هذا الأخ إلا إذا أصابه مكروه أو ابتعد عنك لسبب من الأسباب، وقد لا يدرك الإنسان أهمية الدم الذي يسري في عروقه إلا إذا نزف كثيرًا - مثلاً- أو قيل له إنه مصاب بفقر الدم وهكذا.. وكذلك الأمر بالنسبة للغة فهي موجودة ونحن نستخدمها للأغراض والحاجات العديدة في حياتنا اليومية، ولكن التوعية بأهمية اللغة العربية عند العرب أمر غاية في الأهمية لمعرفة طبيعتها وضروريتها في حياتنا اليومية، فهي وسيلة التفاهم والتعامل اليومي، وهذا يشرح التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا وعن أفكارنا وآرائنا، وبهذا تكون أهم العوامل التي توحدنا وتجمع بيننا لنصونها ونحافظ عليها.

          أما بالنسبة للمسلمين، فالعربية هي لغة الدين الإسلامي كون القرآن الكريم عربيًا بإرادة الله سبحانه وتعالى، وقد ورد تأكيد هذه الحقيقة في عدد من الآيات القرآنية الكريمة، منها:

          الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . سورة يوسف / آية 1و2.

          حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . سورة الزخرف / آية 1و2و3.

          نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ . سورة الشعراء / آية 193و194و195.

          فالقرآن الكريم لا يعقل ولا يفهم حق الفهم إلا باللغة العربية ولن تعطي الآيات معانيها الدقيقة إذا ترجمت إلى أية لغة أخرى، والحديث النبوي الشريف صدر عن الرسول العربي الكريم صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن الكثيرين من المسلمين من غير العرب يقبلون على تعلم اللغة العربية ليفهموا الدين كما ينبغي، ولهذا فإنهم يميلون إلى العرب ويحبونهم ويحبون اللغة العربية ويحترمونها والعرب بدورهم يبادلونهم هذا الحب وهذا الاحترام.

واقع اللغة العربية وما تعانيه من مشكلات

          إن اللغة العربية وما لها من أهمية في حياتنا توجب علينا أن نوليها ما تستحقه من الاهتمام والرعاية ونكون حريصين على سلامتها، ولكن هل هذا حاصل بالفعل؟ والإجابة هي: كلا، لعدة أسباب، منها استخدام العامية وكلمات وتعابير بلغات أجنبية وبخاصة الإنجليزية أو الفرنسية بدلاً من العربية وإليك هذه الأمثلة:

  • استخدام كلمات أجنبية أثناء الحديث وإطلاق تسميات أجنبية على محلات أو فنادق أو مشاريع. وفي هذا يقول د. سليمان إبراهيم العسكري: «نرى بعض الشباب يحرصون على تطعيم حواراتهم وأحاديثهم بكلمات من لغات أجنبية خصوصًا الإنجليزية والفرنسية، بل إنهم أحيانًا يفعلون العكس، إذ إنهم يطعمون حديثهم بعدد محدود جدًا من المفردات العربية بدعوى أنهم يفضلون التحدث باللغات الأجنبية، لاعتقادهم بأنها لغات حضارية في مقابل لغتهم الأم الدونية» وقد لفتت هذه الظاهرة انتباه عدد من مقدمي البرامج الغيورين على اللغة العربية فحاولوا عرضها ومناقشتها، ومن ذلك:

          أ - حمدي قنديل ببرنامج «قلم رصاص» من فضائية دبي: في إحدى فقرات حلقة برنامجه تصدى لهذه الظاهرة وكان ضيفه د. السويدي (أحد الشخصيات الإماراتية المعروفة)، الذي روى مستغربا ما حدث له يوم دعا ضيوفا إلى أحد المطاعم فوزعت عليهم قوائم الطعام وكانت باللغة الإنجليزية، فاستغرب د. السويدي وطلب قائمة باللغة العربية فاعتذروا لعدم وجود مثل هذه القائمة فكان ذلك مثار استغراب حتى الضيوف الأجانب.

          ب - جورج قرداحي وبرنامج «من سيربح المليون» (قناة mbc) في إحدى حلقات هذا البرنامج أجاب أحد المشاركين باللغة الإنجليزية وكم أعجبنا الأستاذ قرداحي حين علق قائلاً: «ولماذا تقول ذلك باللغة الإنجليزية؟ نحن عرب».

          ج - في برنامج «القوة العاشرة» وهو برنامج معلومات عن الوطن العربي كان السؤال في إحدى حلقات البرنامج: ما نسبة الأسر العربية التي تتحدث بلغة أجنبية بدلاً من اللغة العربية؟» وقدر أحد المتسابقين بنسبة 10 في المائة والآخر بنسبة 15 في المائة وقد توقعنا أن كلا المتسابقين قد قدر بنسبة عالية، وقد أصابنا الذهول حين أعلن قرداحي أن النسبة هي 40 في المائة، أي أن 40 في المائة من الأسر العربية تستخدم لغة أجنبية بين أعضائها بدلاً من اللغة العربية، فهل ابتليت لغة مثلما ابتليت به لغتنا الجميلة؟

  • إطلاق تسميات أجنبية على المنشآت والعمارات وغيرها مثل City plaza وهناك من حاول التخفيف من هذا الخرق الوطني والقومي فكتب التسمية الأجنبية بأحرف عربية «سيتي سنتر» وهو يعتقد أنه متفضل بذلك على اللغة العربية! وهناك من أخذ يعامل الكلمة الأجنبية كالكلمة العربية فيجمع مثلاً فيقول (مانشيتات).. إلخ.
  • فضائيات عربية تطلق على نفسها أسماء أجنبية مثل: mbc action, mbc4, mbc1, panorama drama, melody drama, dream2, dream1. وهناك برامج تحمل أسماء أجنبية في فضائيات عربية مثل برامج Hala show, star academy, music club..إلخ، هذا فضلاً عن استعمال كلمات أجنبية بكثرة مثل Ok «التي يشاع استخدامها بدرجة غير معقولة»..إلخ، من قبل المذيعين ومقدمات البرامج.
  • تزيين ملابس الأطفال والشباب من كلا الجنسين بكلمات وعبارات أجنبية. إن مثل هذه الظاهرة ذات تأثير سلبي مزدوج، فضلاً عن ضررها على لغتنا العربية، فإنها ذات تأثير تربوي سيئ على أطفالنا، فهاهو الطفل يرتدي الحروف الأجنبية منذ أول وعيه وانفتاحه على الدنيا فيتعلق بها وبمصادرها، وقد ذهب المروجون لهذه «التجارة» إلى أبعد من ذلك، فجعلوا العبارات التي تكتب على الصدر أو على الظهر تمس قيمنا ووجودنا ومثال ذلك كتابة «Follow me» على مؤخرة سروال الفتاة أو كتابة «I Love you» على الصدر وهكذا.

          ولعل ما صادفته أخيرًا أذهلني، وسبّب لي الكثير من الحزن والقلق على مستقبل شبابنا، وبالتالي على أمتنا العربية، إذ التقيت شابين وكان كل منهما يرتدي قميصًا كتبت على صدره عبارة باللغة الإنجليزية، أفهم ما كتب على صدر أحدهما، وأما على صدر الآخر فقد كتبت عبارة «I Love NY» فدفعني الفضول لأن أسأل هذا الشاب مداعبًا عن معنى العبارة وبخاصة عن معنى «NY» فقد كنت أظن أنهما حرفان يرمزان إلى اسم حبيبته. فأحسست بوقع كارثة قومية حين أجابني بأن الحرفين يرمزان إلى «نيويورك» فقلت ولماذا لا تكتب «بغداد؟» أو «أمتي العربية؟» مثلاً، فأجابني وفي نبرة صوته الكثير من الاستهزاء «وماذا في بغداد لكي أحبها؟ أما نيويورك ففيها كل ما يحلم به الشاب». لاحظوا كيف أن ضعف الانتماء إلى اللغة العربية أضعف الانتماء إلى الوطن والأمة العربية.

          إذن فإن اللغة العربية تواجه خطرين شديدين هما استخدام العامية واستخدام اللغات الأجنبية استخدامًا لا موجب له، والقصد الحقيقي هو تغريب اللغة العربية وتفكيكها ليقود ذلك إلى تغريب الانتماء إلى العروبة والإسلام وتجزئة الأمة العربية إلى أجزاء ينشغل كل جزء منها بحاله، وهنا تحدث صاحبي وعلامات التأثر الشديد بادية على وجهه قائلاً: «معك حق إن لغتنا العربية في خطر ونحن مقصرون بحقها..»، فقلت «نعم وهذا ما جعل فاروق شوشة أمين عام مجمع اللغة العربية في القاهرة يقول «أساء العرب إلى لغتهم واحتفوا باللغات الأخرى»، وتجلى ذلك غضبًا في عنوان مقالة هايل المولى «اللغة العربية وعقوق الأبناء» وعنوان مقالة ريمة حلمي «رفقًا باللغة العربية» وعنوان مقالة السيد الخولي «تغريب اللغة العربية وأزمة الهوية» التي يوضح فيها أسباب ما حدث بقوله «يعني مصطلح التغريب دلالتين: الأولى بمعنى تبني قيم الحضارة الغربية، والثانية بمعنى الاغتراب والنأي عن الأوطان، وكلتا الدلالتين تعبران بصدق عن أزمة اللغة العربية في وقتنا الراهن وهي أزمة تنعكس بالضرورة على هويتنا الوطنية»، وهو يوقع المسئولية علينا نحن «فما يصيب هذه اللغة من تغريب وتقويض وإقصاء تبنيناه بأنفسنا وأسهمنا في تعميقه سواء بوعي أو من دون وعي»، وهو لا يستبعد في الوقت ذاته فعل القوى الخارجية التي تجد فيما تتعرض له اللغة العربية حاليًا من محو للهوية الوطنية وتفكيك للمجتمع يتفق مع أهوائها، فتغذيه وتشجعه بطبيعة الحال فيقول «وفي هذه الأزمة وتداعياتها لا يمكن إغفال أثر العامل الخارجي متمثلاً في ظاهرة العولمة وما أفرزته من قيم». وتزامن ذلك مع ظهور طبقة جديدة أفرزتها سياسات الانفتاح الاقتصادي وتبني سياسات السوق، وهي طبقة مستحدثة نشأت سريعًا وانخرطت في أنشطة العائد السريع، وتراكمت لديها الثروة دون أن تكون لديها تقاليد راسخة ووجدت هذه الطبقة في العولمة نظامًا يحقق مبتغاها من العوائد السريعة. ولما لم يكن بمقدورها الالتزام بمصالح الأمة لتعارضها مع آراء ومفاهيم العولمة التي تركز على النفعية الذاتية وآراء ميكافيلي وأن الغاية تبرر الوسيلة «ما يجعل القيم كالوطنية غير نافعة ومبررة»، إن التجارة لا تتقيد بحدود.. بحكم تبعية مصالحها للخارج فتبنت قيمًا تتسم في الغالب بالفجاجة والعشوائية، والانتهازية، ومن ثم ازدراء ما هو أصيل ومتجذر في تراب الوطن، واستتبع ذلك أن يتحدث المواطن العالمي لغة جديدة ومفردات مستحدثة تمكن التواصل مع مراكز العولمة والحصول على مغانمها. وكان من الضروري استيراد نظم تعليم تستجيب لهذه الاحتياجات الجديدة، وقد سهل ذلك تدهور النظام التعليمي القائم، مما أثر على تدريس اللغة العربية سلبًا بشكل كبير. وكانت فرصة لأنصار العولمة بوصفهم اللغة العربية بأنها لا تستجيب لاحتياجات العصر، وهكذا تم استيراد نظام تعليم آخر، وكثرت المدارس الأجنبية وسط دعاية واسعة بأنها هي التي تقدم التعليم العصري، ولأن الالتحاق بها باهظ الثمن فاقتصر الانتماء إليها على أبناء الطبقة هذه، مما أدى بالتالي إلى استصغار شأن اللغة العربية واستعراضها للهويات الوافدة، فقد أصبح من علامات الرقي والسمو التخاطب بلغات أجنبية، ومن المؤسف أن وسائل الإعلام القومية والمستقلة شاركت -من دون استثناء- في تجريف اللغة العربية سواء كان ذلك استجابة لاحتياجات السوق أو استسلامًا لأمر واقع، ولم يعد بوسع المذيعين والمذيعات الحديث أمام الشاشة والميكروفون من دون تطعيم خطابهم بكلمات وتعبيرات من لغة أجنبية في إيحاء بأن اللغة العربية عاجزة عن الاستجابة لاحتياجات العصر ومتطلباته. ومن هذا المنطلق ظهر مَن يدعو إلى تأليف كتب العلوم والتكنولوجيا الحديثة باللغة الإنجليزية مادامت اللغة العربية عاجزة عن التعبير عن هذه المستجدات.

          وتملك الغضب صاحبي فانتفض واقفًا وهو يقول: «ياللهول.. إن لغتنا العربية تواجه خطرًا كبيرًا، إن وجودنا القومي في محنة، يجب أن نفعل شيئًا.. ما العمل؟».

وللتغلب على هذه المشكلة نقدم المقترحات الإجرائية العملية التالية:

          1 - اعتبار «حديث الشهر» الذي كتبه د. سليمان إبراهيم العسكري للعدد 613 - ديسمبر 2009، من مجلة العربي، تحت عنوان «العربفونية في زمن العولمة»، إطارًا عامًا لوضع إستراتيجية عربية لتطوير تعليم وتعلم واستخدام اللغة العربية (مثل إستراتيجية تطوير التربية العربية). يقترح د. العسكري إنشاء منظمة عربية تعنى بنشر اللغة العربية في العالم، مثل الفرانفكونية التي تأسست عام 1960 من أجل نشر اللغة الفرنسية في العالم، وأصبحت تضم الآن 45 دولة بعد أن وضعت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية لنشر اللغة الإنجليزية في أرجاء العالم مستخدمة وسائط ثقافية بالغة التأثير لتحقيق ذلك، ويعتبر د. العسكري أن نشر اللغة العربية سهل بحكم وجود 22 بلدًا عربيًا والعديد من الدول الإسلامية غير الناطقة بالعربية ترغب في تعلمها كونها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. ولم يغبْ عن بال د. العسكري «أن مشروعًا يستهدف نشر اللغة العربية في العالم لابد أن ينطلق من مجتمعات تعرف قيمة لغتها وتراثها الحضاري بكل المعاني»، ولأنه يعرف ما تعانيه «العربية» من مشكلات فهو يرى أن يكون العمل أولاً أن تستعيد اللغة العربية مكانتها في مواطنها.

          إذن ينبغي أن تبدأ الإستراتيجية المقترحة بمعالجة مشكلات اللغة العربية مما سبق أن ذكرناه وذكره أساتذة أفاضل قبلنا، ومن ثم العمل على نشرها في العالم الإسلامي وسواه، وهذا لا يمنع من السير في الخطين في الوقت ذاته.

          2 - قيام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (في الجامعة العربية) بجمع ما نشر عن واقع اللغة العربية ومقترحات التحسين، وإجراء دراسات جديدة إذا لزم الأمر، ووضع نتائج ذلك تحت تصرف لجنة تشكل لغرض وضع الإستراتيجية لتقوم الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة في الوطن العربي بالتنفيذ، على أن تتناول الإستراتيجية كل ما يتعلق بمناهج اللغة العربية في المدارس والمعاهد والكليات (الأهداف، محتوى الكتب الدراسية، طرائق التدريس، الوسائل والتقنيات المعينة، الأنشطة، وأساليب التقويم)، مع التركيز على الأساسيات والتطبيقات بدلاً من التركيز على حفظ القواعد واسترجاعها دون القابلية لاستخدامها في النطق والكتابة.

          3 - أما على الصعيد الشعبي فينبغي على كل مواطن عربي أو مسلم من غير العرب أن يفعل شيئًا بخصوص استخدام الكلمات الأجنبية أثناء الحديث ووجود الكلمات الأجنبية على الملابس. والآن أيتها القارئة الكريمة وأيها القارئ الكريم، ابدأ من الآن بالعمل، بعد أن تكون قد حصلت عندك القناعة بما قلناه، وبإمكانكم أن تتصوروا ماذا سيحدث خلال أسبوع واحد إذا امتنع كل منكم عن شراء ملابس عليها كلمات أجنبية أو على الأقل عدم تحبيذه لذلك، يبلغ الباعة التجار باتجاه الناس، هذا وسيضغط هؤلاء على أصحاب المصانع المحلية والموردين من الخارج بعدم الإقبال على هذه الملابس. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية العمل على توعية الأبناء بضرورة عدم الإقبال على ما يمس لغتنا وديننا، مستثيرين مشاعرهم الوطنية والقومية من خلال إثارة السؤال التالي «لماذا نستعمل اللغات الأجنبية في كلامنا؟ ولماذا نرتدي ملابس تحمل كلمات أجنبية؟ هل يفعل أبناؤهم وشبابهم مثلما نفعل فيطعمون كلامهم بكلمات عربية ويرتدون ملابس عليها كلمات عربية؟!» وستكون الإجابة بالطبع «لا»، ثم نتساءل «لماذا إذن نفعل ذلك نحن؟!» أما بالنسبة إلى مجلتنا الغراء «العربي» فأقترح عمل ما يأتي:

          أ - تخصيص صفحة في كل عدد من المجلة للغة العربية على أن يتم تصميم هذه الصفحة بعناية وجمالية (بالإفادة من جمالية أنواع الخط العربي) وتكتب عليها جملة أو عبارة دفاعًا عن العربية أو حبًا لها، ويفضل أن تكون هذه الورقة سائبة دون أن تدبس مع باقي أوراق المجلة لكي يمكن للقارئ وضعها على مكتبه أو تعليقها على جدار أو ما شابه.. مثل {إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا}، «لغتي العربية أهواها من كل دخيل أرعاها»، «أنا أحب لغتي لأنها تجمعني بإخوتي»، «لغة القرآن رفع الله لواءها» «مَن يستهين بلغته وأمته فإنه يستهين بكرامته».

          ب - إجراء مسابقات لغوية في القصة القصيرة والشعر.

          4 - أما بخصوص أجهزة الإعلام وبخاصة التلفزيون فإن الحديث عن البرامج التلفزيونية يطول ويطول والعلاقة بين التربويين والإعلاميين ليست على ما يرام، ولنقتصر في حديثنا على ما يتعلق باللغة العربية وما تفعله أجهزة الإعلام بها كما أسلفنا راجين من المعنيين في هذا المجال تنقية هذه البرامج من كل ما يسيء إلى اللغة العربية باستخدام العامية المهذبة في أقل قدر ممكن وحذف ومنع استخدام اللغة الأجنبية من قبل المذيعين والمذيعات (بخاصة) والعناية الفائقة في اختيارهم لتأثيرهم في تحبيب اللغة العربية للمستمعين والمشاهدين.

          وفي ذهني مذيعة تشارك كثيرًا في قراءة النشرات الإخبارية ولكن صوتها منفر وإلقاءها مخالف لقواعد الإلقاء السليم في تشديد الحرف الأخير من الكلمة مع فتحة، فتقول مثلاً «بغداد» وتحول التاء المربوطة الساكنة في نهاية الكلمة إلى (ألف) فتقول «العربيا» بدلاً من «العربية» كما أنها ترفع صوتها في منتصف الجملة أو الكلمة من دون مبرر، والنصيحة التي نقولها لهذه المذيعة أن تكلف أحدًا من ذويها بتسجيل ما تقوله في نشرة الأخبار مثلاً، ثم تستمع إليه مع مَن تثق بخبرتهم لتتلافى ما يتبين لها من أخطائها، كما أنني أقترح على جميع المذيعين والمذيعات ومقدمي ومقدمات البرامج الإجراء نفسه، مع الأخذ بالاعتبار أن السرعة ليست معيارًا لحسن الإلقاء.

          5 - أما ما يتعلق بتسمية المحلات والعمارات.. إلخ، بأسماء أجنبية، فيتطلب من الجهات المسئولة من وزارة الداخلية أو الشئون البلدية، إصدار بيان يلزم أصحاب الشأن باستخدام التسميات العربية مع جواز كتابة الاسم باللغة الإنجليزية مثلاً إلى جانب الاسم العربي وبخاصة في المدن التي يكثر فيها وجود الأجانب، مثل «مطعم الشوكة الذهبية Golden fork rest».

          6 - في مقدمة الناشر محمد دربالة لكتاب «نظرية المنهج» الرد على مدعي عجز اللغة العربية عن التعبير عن معطيات العصر، حيث يقول «إن التقدم العلمي الذي تنعم به دول أوربا اليوم يرجع في واقعه إلى الصحوة العلمية في الترجمة التي عاشتها في القرون الوسطى، وكان المرجع الوحيد للعلوم الطبية والعلمية والاجتماعية هو الكتب المترجمة عن اللغة العربية لابن سينا، وابن الهيثم والفارابي وابن خلدون وغيرهم من عمالقة العرب».. ولكن ما أصاب الأمة من مصائب وجمود في عصر الاستعمار عاق اللغة عن النمو والتطور.. «ولكن عندما أحس العرب بأن حياتهم لابد من أن تتغير وأن جمودهم يجب أن تدب فيه الحياة اندفع الرواد من اللغويين والأدباء والعلماء في إنماء اللغة وتطويرها».. «ولكن رأى الأجنبي أن في خنق اللغة العربية مجالاً لعرقلة تقدم الأمة العربية». ومما يؤسف له أنه كان بين المواطنين صنائع سبقوا الأجنبي فيما يتطلع إليه.. ورجال تأثروا بحملاته في التشكيك في قدرة اللغة العربية على استيعاب الحضارة الجديدة.

          ويتزايد اليوم الاهتمام باللغة العربية، ولاشك أنه في المستقبل القريب ستستعيد اللغة العربية هيبتها التي لطالما امتهنت من أبنائها وغير أبنائها، ولاريب في أن إذلال لغة أية أمة من الأمم هو إذلال ثقافي وفكري للأمة نفسها ويتطلب ذلك تضافر جهود أبناء الأمة جميعًا، لجعل لغة العروبة تحتل مكانتها اللائقة بها.

          وينهي دربالة كلمته بتوجيه نداء إلى جميع حكومات الدول العربية بأن تبادر في أسرع وقت ممكن إلى اتخاذ التدابير والوسائل الكفيلة باستعمال اللغة العربية لغة تدريس في جميع مراحل التعليم العام والمهني والجامعي، واهتمام العلماء والأساتذة بالتعريب. إن نداء دربالة سهل التنفيذ، فبالإضافة إلى فهم الناس للعربية الفصيحة، كما أسلفنا، فإنهم يحبون استحداثها في الكلام الاعتيادي (في الحياة اليومية) وفي تجربة الدجاني مثال جيد إذ كان يتحدث باللغة العربية الفصيحة مع الناس فيتلقون ذلك بشيء من الاستغراب في البداية، ولكنهم سرعان ما كانوا يندمجون معه في الحوار وهم فرحون. وقد قمنا بتجربة ميدانية في عدد من مدارس بغداد في استخدام العربية الفصيحة في مجمل الحياة المدرسية ونجحت التجربة نجاحًا باهرًا (وسنقوم بشرحها تفصيلاً في عدد قادم من «العربي» إن شاء الله إن سمحت الظروف بذلك).

***

          وختامًا نقول لكي يتحقق للغة العربية ما نريده لها من السلامة يستوجب ذلك ولاء المواطنين لبلدهم ولأمتهم ولدينهم وعندئذ يتحقق ما نريده تلقائيًا من قبل المواطنين أنفسهم دون الحاجة إلى اللجوء إلى الأوامر والنواهي، وتقع هذه المهمة على عاتق الجميع وبخاصة وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والشئون الدينية والتنظيمات الشعبية.

ولنبدأ العمل توًا:

          نرجو أن تبدأ بنفسك وبأسرتك أيها القارئ الكريم. لتكن صوت حق يبث الوعي بضرورة الحفاظ على سلامة اللغة العربية. ولتكن أنموذجًا جريئًا في نبذ استخدام الكلمات الأجنبية كتابة وكلامًا أثناء التحدث باللغة العربية، مع الأخذ بنظر الاعتبار أننا لسنا ضد تعلم لغة أجنبية، فهذا موضوع آخر نحبذه لما لتعلم لغة أجنبية من فوائد معروفة.
---------------------------------
* تربوي وكاتب من العراق.

 

إبراهيم مهدي الشبلي*