إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

لحظة بين عالمين

هل شغلك يوماً أمر الإمساك بهذه اللحظة التي تسبق دخولك عالم النوم، أو التي تسبق خروجك منه إلى عالم اليقظة؟

هذه اللحظة التي قد يشعر البعض أنها تشبه من بعض الوجوه اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت؟

هل كان شغفي في مرحلة مبكرة من العمر بهذه المسألة، بمحاولة الإمساك بهذه اللحظة، التي كانت تبدو لي كلعبة من نوع خاص، هو في حقيقته شغفاً مضمراً، أو سؤالاً متعجّلاً عن معنى الموت، وقبل أن أتعرف على معنى الحياة؟

ولعلني اكتشفت منذ البداية أن الإمساك باللحظة التي تسبق الخروج من النوم أيسر كثيراً من الإمساك باللحظة التي تسبق الدخول إلى النوم!

فغالباً ما كنت أكتشف أن أول ما أدركه بعَيْدَ لحظة اليقظة يكون جزءاً من حلم ينتمي إلى حالة النوم الذي خرجت منه لتوّي، وعندما كنت أحاول في اللحظات التالية ليقظتي أن أتذكر بقية الأجزاء من هذا الحلم، فقد كنت أكتشف أحياناً - وياللمفارقة - أن هذه الأجزاء، وربما الحلم كله، إنما جاء صدى للعالم الخارجي، فالأمطار التي بلّلتني في الحلم لاتزال تهطل في الخارج، ولايزال صوت سقوط قطراتها على النافذة يصلني بوضوح، والحريق الذي كنت أهرب منه في الحلم كان رسالة إنذار برائحة غاز تسلل من أنبوب للغاز لم يحكم إغلاقه في شقتي، وكأن العالم الخارجي، سواء جاءت صوره وأطيافه من الماضي البعيد أو من الحاضر، كان معي قبل النوم، وفي أثنائه، وبعده، وكأنني لم أبتعد عنه كثيراً حتى وأنا في عز أحلامي!

أما الصعوبة الحقيقية، فقد كانت في محاولة الإمساك بهذه اللحظة التي تسبق الدخول إلى عالم النوم، فأنت لن تدخل إلى عالم النوم قبل أن تكون كل منافذ الوعي والإدراك لديك، قد أغلقت كل أبوابها دون إذن منك، وعادة أنت لا تدخل عالم النوم سيراً على قدميك، أنت تسقط فيه، في فراغ لا سقف له ولا قاع، لا نتحدث عن انعدام الوزن، بل انعدام الإدراك، فأنت لا تدرك حتى أن قوى أخرى تظل تقوم بعملها في داخلك وأنت نائم للحفاظ على وجودك على قيد الحياة دون أن يكون لك من الأمر شيء!

إلى متى يبقى للإنسان ذلك النوع من الوجود الذي يشبه من بعض الوجوه انعدام الوجود؟!

أظن أنه يبقى لمدة تطول أو تقصر حتى يجيء الحلم مرة أخرى. حاملاً مفردات من العالم الخارجي الذي جئت منه، ظلاله وألوانه، روائحه وأصواته، شخوصه وحيواناته وأحداثه وناسه، ومشاعره وأفكاره في صورة خاصة بعالم الأحلام، دنيا مثل الدنيا وليست مثلها، وكأنها تفتح أبوابها لدنيا قديمة مضت منذ مئات السنين، ولكن آثارها باقية. في هذه الأثناء قد لا أدرك أن ما أنا فيه مجرد حُلْم، لكن في بعض الأحيان تأتي لحظة أدرك فيها أنني أحلم دون أن يوقظني هذا الإدراك من النوم، وهنا تجيء متعتي الكبرى في معابثة الحلم، في اللعب معه، في تحقيق مالا أقدر على تحقيقه في عالم اليقظة، في محاولة لفهم مالا أقدر على فهمه في وضح النهار، وقد يبدو وكأنه - ذلك الحلم - بصدد أن يمنحني بعض ما أريد، أن يفك بعض الألغاز، أن يهتف ببعض الأسرار، ولكن تلك اللحظة الرائعة لا تبقى إلا كما تبقى ليلة القدر. وهكذا يبدو وكأن الحلم أشد مكراً ومعاتبة مني، فهو لا يسمح لي بالمضي في استغلاله، فيقذف بي إلى عالم اليقظة، كما يفعل طفل بكرة ملّ من اللعب بها. وهكذا أجد نفسي مرة أخرى مقذوفاً بي إلى العالم الخارجي الذي جئت منه متبوعاً بصوت يخيّل لي أنه يقول: تريد أن تعرف معنى الموت؟ ربما تعرف عندما تعرف أولاً معنى الحياة؟.

 

 

 

أبو المعاطي أبو النجا