عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

محتاجون إلى بعض التفاؤل

هناك نوع من التفاعلات الدائرية يعرفها الأطباء، سواء كانوا أطباء أجساد أو نفوس. وفي التفاعلات تمثل كل خطوة سلبية إشارة لخطوة تالية من نوعها ومن ثم تتراكم نتائج من نوع سلبي واحد فيما يسمى "الدائرة الشريرة" التي تظل عجلتها تدور حتى تنتهي إلى الوبال. مثال ذلك ما يثيره اليأس من اكتئاب، ثم يضاعف الاكتئاب من الشعور باليأس وهذا يؤدي إلى اكتئاب أشد، وهكـذا، حتى تظلم الدنيا. لكن الدنيـا ليست مظلمة تماما، وكـما قال نجيب محفوظ في كلمته البديعـة في احتفال تسليمه جـائزة نوبل إن استمرار الحياة دليل على أن الخير أقوى، فبرغم الحروب والكوارث والأوبئة لاتزال الإنسانية تواصل الحياة، مما يعنى أن الخير لايـزال أقوى من الشر. وليس بعيـدا عن هذه القراءة المحفوظية ما يقول به الحكماء والمنطق، من ضرورة كسر الدائرة الشريرة، للإفلات من خاتمتها الوبيلـة. مثال ذلك ما يحدث في لحظتنا الراهنة، وعلى مستوى العلاقات الدولية. فثمة حـالة من الصراع المدمر تشتعل نيرانها هنا وهناك على كـوكبنا الأرضي. ولو استسلمنا لظلالها الخانقة لصرنا ندور في دائرة شريرة نهايتها المنطقية مظلمة. لهذا لا بد لنا من خروج عن مسار هذه الدائرة، بالبحث عن آليات جديدة، وبالرؤية من زوايا نظر جديدة. وهذا جوهر ما كرست له العربي محورها وبعض موادهـا في هذا العدد. فحديث الشهر يخصصه رئيس التحرير لعرض كتاب مهم يمزج بين القضايا الدولية العامة والمجتمعية الجماعية، أو الفردية، من حيث آلية إدارة الصراع التي يقترح لها الكتاب منطقاً جديداً وزوايا رؤية جديدة. أما في استطلاع المجلة الأساسي فقد ذهب مدير التحرير إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك لإنجاز تحقيق مصور يكون مساهمة في احتفالية العالم بمرور نصف قـرن على قيام الأمم المتحدة. ولا شك أن هذه المساهمة تعني أن وجـود الأمم المتحدة ضرورة برغم إخفاقات المجتمع الدولي في معالجة كثير من قضايا البشرية المؤلمة كقضية شعب البوسنة والهرسك الذي تسفك دمه عنصرية المتـوحشين الصرب. هذا الاعتقاد بضرورة وجود واستمرار الأمم المتحدة يمثل نـوعا من التشبث بأصغر بـارقة أمل ولو لكسر الـدائرة الشريرة لسواد اليأس. فـوجود كيان دولي له ميثاق متفق عليه لحل صراعات البشرية باتجاه السلام يظل أفضل من الغياب المطلق لهذا الكيان. وفي خضم الإخفاقات ينبغي ألا ننسى قائمة النجاحات حتى لو كانت قائمة صغيرة. لعل ذلك يعزز إرادة البشرية في مزيد من السعي باتجاه الأمان والسلام والحرية وحقوق الإنسان والعدل الـدولي. إنه تفاؤل لـه بعض مبرراته. وهو تفاؤل ضرورة نحتاج إليه كبشر حتى لا يزيـدنا اليأس يأساً. وهـذا هو المنطـق نفسه الذي يتنـاول به هذا العدد مواضيع أخرى كاستطـلاع " نواكشـوط" العاصمة التي برغم كل مشاكلها فإنها تسعى لتحدي العشـوائية. وموضوع "الـزراعة البيئية" الـذي يتجاوز النغمة السائدة من البكـاء البيئي ليشير إلى إمكانيـة طيبة في مستقبل أخضر يصلح ما فات من موات الخضرة.. وإلى لقاء طيب جديد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات