إلي أن نلتقي

إلى أن نلتقي

كلام في الرقص

جريا على العرف القائل إنه ليس المهم الموضوع ولكن المهم هو كيفية الحديث عنه، انتهز الفرصة لأكتب على صفحات "العربي" الوقور عن.. الرقص الشرقي.

لم لا؟! فهذا الفن مع الأسف الشديد يعجب به الكثيرون منا دون أن يجرئوا على إظهار ذلك باعتباره فنا رخيصا .. والبعض الآخر ينادي باستئصاله تماما لأنه لا يحض إلا على الفساد ولا يثير سوى الشهوة. وحتى الآن لم يجد هذا الفن المظلوم من يحسن الدفاع عنه. وسبب ذلك أن اللواتي يقمن بممارسته من كبار الراقصات على قدر كاف من الثقافة يؤهلهن للقيام بهذا الدور. فمعظمهن - ولا فخر- تركن الدراسة منذ سنواتها الأولى، وبدأن تجاربهن وسط الأفراح والليالي الملاح، فتقلبن بين الموالد وتجار الرقيق الأبيض وعلب الليل الرخيصة قبل أن تواتيهن أضواء الشهرة .. أي أنهن - بقول أكثر تحفظا - قد تخرجن من مدرسة الحياة، وهي مدرسة - برغم غناها - غير معترف بشهاداتها.

وكأن الأمر كان في حاجة إلى انتقال هذا الفن إلى حضارة أخرى، والى عين غير متحيزة تراه بعيدا عن الضغوط الاجتماعية التي تـرفضه وتحط من شأنه. ففي السنوات الأخيرة انتشرت موضة الرقـص الشرقي في أوربا، ولم يقتصر الأمر على المحترفات ولكنه تعداهن إلى النساء العاديات عن طريق عشرات من مدارس تعليم الرقص التي انتشرت في كل مكان. لقد وجدن في هذا الفن خلاصة الأنوثة التي تجمع بين الترفع والسلطة والرقة والقوة معا. على حد تعبير المستشرقة البريطانية "وندي بونا فنتورا" التي احترفت هذا النوع من الفن فترة من الزمن ولا تستطيع إخفاء حماسها له. بل أنها - كعادة العقل الغربي - أخضعته للتحليل والتنظير، فهي تعقد مقارنة خطيرة بينه وبين الفن الأرفع في الثقافة الغربية " الباليه "، الذي يعتمد على تقديم صورة رقيقة وهشة للمرأة، التي لا تكاد تلمس الأرض إلا في قفزات سريعة متلاحقة كأنها تريد أن تتحول إلى مخلوقة سماوية، خفيفة الوزن لدرجة تتحول فيها إلى كائن عظمي، يستطيع فيها زميلها أن يحملها بسهولة. إنه نوع من عقاب الجسد والرغبة في الألم والتطلع إلى الـروحانية، بعكس الرقص الشرقي الذي يحتفي بهذا الجسد، ويمنحه نوعا من الثبات على الأرض وينـاسب كل الأعمار وكل الأحجام. والأداء فيه ينبع من داخل المرأة نفسها دون حاجة في شريك يقود خطواتها، مما يعطيها القدرة على الابتكار والثقة بالنفس. كما أن الحركات والاهتزازات المتصلة للجسم تولد فيه حالـة أشبه بالتنويم المغناطيسي مقاومة للاكتئاب، وتوقظ الانسيابية الكامنة فيه داخل المرأة العديد من الأنماط .. نمط المرأة الأم، واللعوب، والشاعرة، والمليئة بالشهوة والحيوية.

ماذا يمكن أن نقول عن الرقص الشرقي بعد ذلك؟. هل يمكن أن ننظر إليه كفن رخيص أو أن العيب ليس في الفن بل في الذين يمارسونه..؟.

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات