حب الشباب: إضاءات حديثة

 حب الشباب: إضاءات حديثة

يضرب حب الشباب وجوه ثلث الشباب بسوط المرض القبيح, فما الجديد في آلية حدوثه وطرائق علاجه ?

لاحظ شيوخ الكار القدماء أن حب الشباب أو العد يظهر مترافقا مع فرط الإفراز الدهني من جلود المصابين, وأن للمرض علاقة مع الهرمونات الجنيسة فقد بدا واضحا أن المصيبة تبدأ بعد سن البلوغ وأن المرض لا يقرب الخصيان إلا أنهم لم يستطيعوا الربط والتفسير. وبعد الانفجارات العلمية المذهلة التي أضاءت ساحات الدراسات المخبرية والنسيجية وجد العلماء أن هرمونات الذكورة (الاندروجينات) المفرزة إلى الدم من الخصيتين والكظر عند الذكور ومن المبيضين والكظر عند الإناث هي المسئولة عن تحرض نمو الغدد الدهنية وزيادة إفرازها في الجلد, وكذلك لاحظوا أن الآفات العدية تكون على مستوى الغدد الدهنية المرتبطة بالجريب الشعري فقد كانت متضخمة متقيحة ملتهبة لتعكس عدا قبيحا على الوجوه, وتوقع الباحثون أن يجدوا ارتفاعا في مستوى تلك الهرمونات تلك إلا عند نسبة بسيطة من المرضى, وهذا ما دفعهم للبحث عن متهمين أُخر, وتسابق العلماء في مراكز البحث لإيجاد المجرم وإدانته, وكان أن وجدوا في دماء البشر عموما بروتينا بريئا أسموه الغلوبيولين الرابط لهرمون الجنس وعرف اختصارا بـ SHBG ويلعب هذا البروتين دورا في لجم نشاط وفعالية الاندروجينات, وما يفلت من قبضته منها يكون مؤثرا لما يُسر له من أعمال فيزيولوجية, ولدى قياس مستويات SHBG عند مرضى حب الشباب وجد أن نسبته منخفضة عند الكثيرين, وهكذا فإن كمية الأندروجينات المارقة من سطوة هذا البروتين اللاجم كبيرة عند المرضى, وبمعنى آخر يكون مستوى التستسترون الحر (وهو من الآندروجينات) عند مرضى العد أعلى منه عند الطبيعيين, ولكن هذا لم يكن ليفسر أيضا كل الأشكال المرضية المترافقة في بعض حالاتها بقيم طبيعية لمستويات الأندروجينات والـ SHBG, وهذا ما سعر فضول الباحثين فتوجهوا لدراسة تأثير الهرمونات الجنسية تلك على مستوى الغدة الدهنية في الجلد فوجدوا ما أثلج صدورهم, كان لابد للتستسترون ـ حتى يكون فعالا ـ من أن يتحول لدى هيدروتستسترون DHT وذلك على يد خميرة تدعى 5 ألفا ريد كتاز 5a- Reductase التي كانت شديدة الفعالية عند مرضى العد ولوحظ أيضا أن قناة الغدة الدهنية تكون مفرطة التقرن مما يشكل عائقا أمام إفراغ مفرازاتها الزائدة وهذا ما يؤهب لمقوم هام من مقومات المرض, فما إن تشاهد الجراثيم الموجودة بالشكل الطبيعي على الجلد أن الغدد تكتنز الدهون في فصيصاتها حتى يسيل لعابها, فتنقسم لتزيد أعدادها وتهرع مع أبنائها وأحفادها إلى تلك الوجبة الشهية حاملة أنزيم الليباز بدل السكاكين والملاعق. ومن تلك الجراثيم الدنيئة هناك العنقوديات البشروية والجراثيم البروبيونية العدية والبويغاء البويضية, وتنتهي الوليمة في الغدد الدهنية عند المصابين بانطلاق حموض دهنية حرة FFAs ذات التأثيرات الالتهابية والتخريشية في المنطقة, ولا ريب أن ما تطلقه تلك الجراثيم من ببتيدات منخفضة الوزن الجزيئي اثناء التهامها الشره للدهون يزعج الكريات البيض ويجذبها لقتل هؤلاء الطفيلين الثقلاء مما يثير معركة لا تحمد عقباها تكون نتائجها الاحمرار والوذمة والألم أحيانا في المنطقة ثم تظهر الأشلاء والضحايا فيتكون القيح في الغدد الدهنية المنتبجة الملتهبة. ولابد في المعارك الشديدة من تدخل الجهاز المناعي النوعي الذي لا يمكنه السكون عن أفعال الجراثيم الوضيعة تلك, بيد أنه لا يمكن لهذا الجهاز أن يعمل بصمت بل إنه يسارع لإطلاق الكثير من المواد الالتهابية ليستدعي جنده واحتياطييه مما يزيد الطين بلة وتتظاهر ساحات المعارك تلك على الوجوه عداً التهابياً شديداً خاطفاً قد يترافق بأعراض جهازية من ارتفاع حرارة وتعب.

العوامل المثيرة

تصاب 40% من الشابات بالعد بعد البلوغ وغالبا ما تنتهي الإصابة عفويا بعد سن 25 سنة تاركة تنقرات وندبات دائمة, ورغم أن إصابة الذكور أقل فـ 35% منهم فقط يلطخون بالمرض فإن آفاتهم قد تكون اشد حيث تقدر نسبة ظهور الأشكال الشديدة عندهم بأكثر من عشرة أضعاف إصابة النساء, وقد تمتد فترة المرض عند الذكور حتى سن الخمسين في بعض الحالات. ويظهر المرض على الوجوه وأعلى الجذوع بشكل حطاطات حمراء محددة قد تتقيح وقد تظهر كيسات دهنية وخراجات ويعتبر الزؤان (الزيوان) مفتاح تشخيص المرض ويتظاهر بشكل ارتفاعات بحجم رأس الدبوس ذات لون أبيض أو أسود تتوزع بين الافات لتقول إن المرض عد.. وعند النساء قد يصاحب المرض اضطرابات في الدورة الطمثية أو غزارة في أشعار الجسد (شعرانية) مما يهدد أنوثتهن فيهرولن نائحات لمراجعة الطبيب. وقد تتفاقم الإصابة قبل الطمث أو قد تسوء عند استخدام بعض أنواع حبوب منع الحمل. ومن الشائع أن تلجأ الشابات لستر آفاتهن ونتائجها (من تصبغات وندب) بوضع مواد التجميل والمكياج ويسرفن في تلطيخ وجوههن بالكريمات والمساحيق والأصباغ التجارية البراقة, ومع الأسف غالبا ما تعطي تلك المواد نتائج غير ما يقصدن أو ما يتمنين, فمن المؤكد أن مواد التجميل عموما قد تسيء للعد وتثيره. إضافة لهذا غالبا ما تعير الشابات آذانهن لأصوات دور الأزياء التي كثيرا ما تطلق (صرعات) غريبة وعجيبة من ألبسة ضيقة وحزامات ضاغطة وقبعات راضة, ولاشك أن الضغط والعصر والحك يوقظ المارد الشرير ـ حب الشباب ـ الناعس على جلودهن فيظهر مكان الرضوض عدا بغيضا, ومن جهة أخرى هناك الكثير من الأدوية متهمة بجريمة إثارة العد ومنها فيتامين ب 12 والإيزرونيازيد المعروف لعلاج السل والليثيوم المستخدم لعلاج الهوس والكوتزونات الموضعية الجهازية وما أشيع وصفها واستخداماتها.

ومن الجدير بالذكر أن بعض المواد المهنية كالزيوت الثقيلة والبترولية والقطران تتمتع بقدرة على إثارة المرض في مناطق التماس معها. أما عن الشمس وما تحمله من الأشعة فوق البنفسجية فهي غالبا ما تكون مفيدة في التصدي للمرض وقهره ولكن هنالك بعض الحالات تزداد شراسة عند تعريضها أو محاربتها بالشمس وخاصة في الجو الرطب. وكثيرا ما يسأل المريض عن أهمية الحمية في سياق حب الشباب والإجابة بأن المحدثين من الأطباء حطموا قيود الحمية الثقيلة التي كانت تكبل شفاه المرضى بعد أن ثبت بأنه لا علاقة للمرض مع الطعام فليأكل المرضى ما طابت نفوسهم من طعام. وأخيرا لا ريب أن للوضع النفسي علاقة مع المرض والعكس قائم, فبالشدات النفسية يثار المرض وكذلك يترك المرض غصة في نفوس المصابين ويتركهم في حرج اجتماعي كبير. وكثيرا ما ينقم المرضى على آفاتهم فيهرعون لعصرها وتفجيرها ولا يتنفسون الصعداء قبل أن يروا الدماء على أصابعهم ومناديلهم, ومن المصابين أناس يتخذون من آفاتهم تسلية أثناء خلواتهم أو دراستهم فيخدشون وينقبون ويسحجون وجوههم مما يفاقم المشكلة حتى إنه من وجوههم تعرف شدة عصاباتهم.

صراع بطرائق حديثة

من المهم في البدأ مجالسة المريض وتزويده بكل الحقائق المتعلقة بمرضه وإعلامه أن فترة العلاج تمتد لعدة أشهر وسيكون الشفاء حليفه في النهاية, وتقيم حالة المصاب بشكل جيد لمعرفة نوع العد ودرجة شدته ثم يقترح العلاج المناسب وفق ذلك, وكما أسلفنا فقد حمل التقدم العلمي خيارات علاجية فعالة وكثيرة وسنذكر بعضها لإعطاء فكرة مضمخة بالآمال للمرضى التائهين والمصابين اليائسين. ففي الحالات الخفيفة يكفي عادة تطبيق المعالجات الموضعية ويعتبر البنزويل بيروكسيد Benzoyl peroxide من أشيع الأدوية الموضعية استخداما وهو يؤثر من خلال قدرته على أكسدة الجراثيم في منطقة الإصابة فيخفض عددها وتنخفض بالنتيجة الحموض الدهنية الحرة ومن ناحية أخرى وجد أن الدواء يثبط الإفراز الدهني أيضا, ويحتاج المرضى لتطبيق العلاج إلى عدة أشهر.

ويمكن استخدام المضادات الحيوية الموضعية وخاصة في الآفات المتقيحة ويستخدم عادة الإريثرومايسين أو التتراسيكلين أو الميكلوسيكلين, ويمكن إشراك تلك المضادات الحيوية مع الموسفات للحصول على تأثيرات أفضل. وفي السنوات الأخيرة ظهر دواء جديد وفعال وهو حمض الأزيلايك Azelaic acid وقد نال هذا الدواء نجومية كبيرة وتشجيعا إعلاميا وفيرا, ولاكتشاف الدواء قصة طريفة فقد لاحظ الباحثون في مرض النخالية المبرقشة ـ وهو مرض جلدي يتظاهر ببقع مختلفة الألوان تسببه خمائر البويغاء الدويرية ـ أن سبب ظهور البقع البيضاء الظاهرة في سياق المرض هو مادة خاصة يفرزها المسبب للمرض وقام الباحثون باستخلاصها فكانت حمض الأزيلايك ووجدوا أنها ذات تأثير سمي على الخلايا الميلانينية المولدة للصباغ في الجلد واقترح استخدامها موضعيا لعلاج فرط التصبغ والكلف وكانت المفاجأة عندما وجدوا شفاء الآفات العدية المرافقة للتصبغات عند المستخدمين للدواء, ثم نصح باستخدام حمض الأزيلايك لعلاج العد, ويؤثر الدواء من خلال آليته المضادة للتقرن وفعالية في كبح نمو الجراثيم وتثبيطه التنافسي لخميرة الريدكتاز.

أما في الحالات الزؤانية فيستخدم الترتينوين وهو يؤثر من خلال إنقاصة لتماسك الطبقة المتقرنة السطحية للجلد وإحداثه للتوسف, ويطبق الدواء مساء حصرا, ويمكن أن يظهر تخريشا وتقشيرا للجلد عند بدء استخدام الدواء, أما النتائج المرجوة فتظهر خلال ثلاثة أشهر من استخدامه. وفي السنتين الأخيرتين ظهر في قماقم البحث دواء جديد خرج ليحمل آمالا عظيمة ويدعى الدواء أدابالين Adapalene وهو آخر مواليد عائلة الرتينوئيدات الدوائية التي لها أياد بيضاء على طب الجلد ويعطي الدواء نتائج ممتازة بتطبيقه الموضعي وبتخريش أقل من سابقة.

وفي الحالات الشديدة لابد من إشراك إحدى المعالجات الموضعية السابقة مع معالجات جهازية فموية وأشيعها استخداما المضادات الحيوية وخيرها التتراسيكلين ومشتقاته فهو رخيص الثمن قليل التأثيرات الجانبية الضارة وفعلا من خلال إبادته للجراثيم وإنقاصه لجذب الكريات البيضاء وتثبيطه النسبي للإفراز الدهني ولا يعطي الدواء أثناء الحمل, لذلك من الواجب أن تشير الحوامل المصابات بالعد لأطبائهن بوجود الحمل. ويمكن قهر المرض عند المصابات بأشكال شديدة بإعطاء مانعات الحمل الأستروجينية وذات الشق البروجستروني غير الأندروجيني وقد ظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من تلك المركبات المفيدة كالـ Brevicon والـ Desogen ويحصل الشفاء عادة بعد ثلاثة أشهر, وبفضل أىضا إعطاء تلك المركبات في حالات ترافق العد باضطرابات طمثية أو بشعرانية وبالطبع ينصح بالمعالجة تحت إشراف الطبيب كما هو الحال في مختلف المعالجات عموما.

ويمكن اللجوء في الحالات المستعصية والشديدة للمعالجة بالإيزوترتينوين Isotretionoin وهو لايزال يعتبر السلاح الأمضى والأكثر فعالية في علاج الحالات الكيسية والمشوهة ويمتد الشوط العلاجي به لمدة 4 أشهر ويظهر بنهايته شفاء مؤزرا يعيد للوجوه جمالها, ومن المعلوم أن الدواء مشوه للأجنة لذلك يتوجب نفي الحمل وتوقيه قبل العلاج وأثنائه, ولأن الدواء يتراكم في الجسم ويبقى مدخرا به حتى بعد وقت العلاج بشهرين لذا ينصح بالاستمرار بمنع الحمل طيلة تلك المدة, أما الرجال فيمكنهم تناول الدواء بسرور ودون خوف, وغالبا ما يؤدي الدواء لجفاف الجلد والأغشية المخاطية وقد يؤدي لارتفاع الغليسيريدات الثلاثية والأنزيمات الكبدية في الدم لذلك ينصح بالرقابة المخبرية أثناء العلاج بإشراف الاختصاصين.

 

أنور دندشلي