المصارف الإسلامية.. ما موقفها من الربا والفائدة؟.. د. مجيد الشرع

المصارف الإسلامية.. ما موقفها من الربا والفائدة؟.. د. مجيد الشرع

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على أهم المرتكزات، التي تستند إليها المصارف الإسلامية في تجنب الفائدة، باعتبارها ضرباً من الربا، يفسد حلية التعامل.

إن التطرق لمثل هذه الموضوعات يحتاج إلى مناقشات تمتزج فيها الآراء الفهية لمختلف المذاهب الإسلامية والآراء الاقتصادية من ذوي الخبرة والاطلاع في تحليل العلة من الفائدة في التعامل المصرفي الحديث، وفي ظل التطور السريع للاستثمار وتبادل الصفقات.

أثير موضوع الربا وارتباطه مع الفائدة المصرفية التي تتعاطاها المصارف التقليدية بعد ظهور المصارف الإسلامية وممارسة عملياتها كطرف منافس لأنشطة المصارف التقليدية وقد ركزت الدراسات في هذا المجال على جدوى الفائدة كآلية لإدارة رشيدة للنشاط الاقتصادي.

ويعبر عن الربا اصطلاحا بالزيادة بغير عوض في عقود المعاوضات وبمعنى آخر ينصرف المعنى إلى الزيادة مقابل الأجل سواء كانت هذه الزيادة مشروطة ابتداء أو محددة عند الاستحقاق لتأجيل السداد. ومن حيث المقارنة بهذا المعنى نجد أن الفائدة التي تتعامل بها المصارف التقليدية تنطبق ومفهوم الزيادة المشار إليه، حيث إنها تفرض مع أصل القروض الممنوحة للعملاء وبالتالي تستقطع مقدما أو عند السداد لأصل القرض وتشكل زيادة حسب نسبة مقررة.

وقد جاءت حرمة الربا بحرمة الزيادة وأخذها وفاء للشرط، وقد ورد في كتب الفقه، بل يكاد يكون الإجماع ثابتا في التحريم. وكما يقول ابن قدامة: «كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف»، وكما يذكر ذلك أيضا القرطبي في تفسيره: «أجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة علف».

ويعزز هذا القول ما رواه مالك في المدونة حيث قال: «كل شيء أعطيته إلى رجل فرد إليك مثله وزيادة فهو ربا».

ومن وجهة نظر الإمامية نجد أن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني يقول: «لايجوز الاقتراض من البنوك الأهلية بشرط دفع الزيادة لأنه ربا محرم، ولو اقترض كذلك صح القرض وبطل الشرط».

هذه الآراء وغيرها - ونحن لسنا بسرد مالدينا منها - تنحو نحو المعنى الذي أشرنا له في موضوع الربا وارتباطه بالفائدة المصرفية، حيث كان مجمل تلك الآراء منصبا على أن فوائد البنوك مادامت محددة مقدما فهي من قبيل ربا الزيادة المحرم شرعا.

آراء فقهية معاصرة

تنصب الآراء الفقهية التي تطرقنا لها في مفهوم الفائدة المصرفية باعتبارها زيادة غير مبررة شرعا حيث ينطبق عليها معنى الربا وبذلك تتأصل حجية الاستدلال في نوعين من الربا:

1 - ربا البيوع: ويندرج في نوعين:

أ - ربا الفضل: ويعني مبادلة صنفين متجانسين مع الزيادة في أحد البديلين وهي تكون مشروطة مقدما في عقود المعاوضات، مثل مبادلة قمح جيد بقمح أقل جودة مع الزيادة الفورية في البديل الثاني.

ب - ربا النسيئة: ينشأ من مبادلة متجانسين (ذهب بذهب) أو متقابلين (ذهب بفضة) مع التأجيل في دفع أحد البديلين مع الزيادة.

2 - ربا القروض: ويطلق عليه ربا الجاهلية لانتشاره عند عرب الجاهلية، أو ربا النسيئة أيضا لأن من طبيعته التأجيل من المقرض للمقترض مع شرط الزيادة.

ومن خلال ما ذكر سلفاً فإن حجية الاستدلال بمماثلة الفائدة بالربا بكونها تمثل زيادة وأن الدائن (البنك) هو الذي يحددها، وأن المقترض (العميل) قد يعجز ولا يحقق ربحا من القرض فيقع عليه الظلم والظلم وعاء للحرام.

وبنظرة تحليلية اقتصادية نجد أن محور الزيادة في القروض والمتمثلة بالفائدة تكاد أن تنصب على القروض الاستهلاكية، وقد ثبتت حرمتها في إجماع آراء الفقهاء القدماء والمعاصرين على حد سواء، إلا إن بعض الآراء المعاصرة قد نظرت إلى قروض الاستثمار والودائع الاستثمارية في معاملات المصارف التقليدية نظرة أخرى حيث تنتفي علة تحريم الفائدة في هذا المجال مادام استثمار الأموال في أعمال جائزة شرعا ولا بأس بتقدير ربح فيها محدد مقدما ومن ذلك رأي الدكتور عبد المنعم النمر.

وقد انصب الرأي على تعليلات مجملها اختلاف ماهية الفوائد المصرفية، أخذا وعطاء عن الزيادة المتمثلة بالربا وهي تعليلات قد تبتعد عن معنى الربا، من وجهة نظر مصرفية وترتبط باستغلال الأموال المقترضة بنشاطات اقتصادية، قد تعود على المقترض بأرباح تفوق الفائدة المفروضة عليه وفقا لقاعدة فقهية «لاضرر ولاضرار في الإسلام»، إضافة إلى الرأي القائل إن المصارف التقليدية لم تحتكر الأموال ليكون حالها حال المرابي الكبير بل إنها تجمع أموالها من مصادر داخلية وخارجية وقد يلعب المصرف دور الوسيط وهناك رقابة على الاستثمار تفرضها الدولة، بواسطة البنك المركزي، لذلك تتبادل المنافع بين المصرف والطرف الآخر.

وقد يرى بعض الآراء استبدال مفهوم الفائدة بالعمولة المصرفية التي تمثل خدمة يقدمها المصرف نظير قرض الأموال وهي جائزة شرعا مادامت مرتبطة بتهيئة الأموال للاستثمار في سبيل رفع مستوى النشاط الاقتصادي.

ولكن هذه الآراء أثارت عدة انتقادات من كتاب معاصرين أيضا، حيث ربطوا الفائدة بالزيادة مهما كان نوع المال المقترض.

الربح المتوازن

إن المحرك الرئيسي للتعامل المصرفي الإسلامي هو إبعاد المعاملات المصرفية التي دأبت عليها المصارف التقليدية من شبهة الربا والتأويلات التي ارتآها المعاصرون من الكتاب المسلمين.

والمصارف الإسلامية هي مؤسسات مالية هادفة للربح ولا تختلف في أداء مهماتها عن المصارف التقليدية في جميع الأنشطة إلا في مراعاة حلية التعامل، وهناك كلام كثير عن تأصيل عمل هذه المصارف والمقارنات مع أعمال المصارف التقليدية لا يتسع المجال لمناقشته، ولكن الشيء الذي نود التطرق إليه خدمة للقراء يتلخص في الآتي:

1 - يهدف المصرف الإسلامي إلى الربح المتوازن بين مصلحة المصرف والعملاء دون استغلال لأي طرف، وطبيعة العملية المصرفية الإسلامية متفق عليها بما يحقق المصالح المشتركة في ظل الفهم الواعي لمدلولها.

2 - تركز العمليات المصرفية في المصارف الإسلامية على حلية التعامل وتوجد رقابة شرعية للاستدلال برأيها في إجازة العمليات وبذلك تبتعد عن شبهة الربا.

3 - تسعى المصارف الإسلامية إلى خلق مستثمرين إيجابيين لايرتكزون على عنصر الفائدة كمحفز لهم وإنما تستكمل شخصيتهم الاستثمارية في سبيل تدعيم وظيفة المصرف التنموية، لذلك فإن المصرف الإسلامي يوازن في استثماراته بين وجهتي نظر المستثمر من منظور اقتصادي واجتماعي.

4 - إن العمليات المصرفية في المصارف الإسلامية متنوعة وفي تطور مستمر تبعا لحاجات المجتمع، بحيث تغطي أكثر من المجالات التي تغطيها المصارف التقليدية، وهي تضع رأس المال في موضعه الصحيح حيث ينبغي أن يكون خادما ووسيلة يستطيع إن يجدها كل قادر على الاستثمار والإفادة منها، ولذلك تكون مخرجات النظام المصرفي الإسلامي عبارة عن برامج بين الأهمية النسبية للمشروعات وتخصيص الموارد.

5 - هناك كثير من الناس ومن بينهم حملة الدكتوراه والمختصون بالعلوم الاقتصادية قد تنقصهم المعرفة الحقيقية بآلية عمل المصارف الإسلامية، ومنهم من ينتقد العمليات المصرفيةالاسلامية دون إدراك لماهيتها، فمثلا ينتقد عمليات المضاربة والمرابحة، بأنها لا تشرك أموال المودعين في الحسابات الجارية والتوفير التي يعبر عنها بودائع تحت الطلب بالأرباح ولايدفع عليها فائدة تذكر، لأن لأصحابها الحق في سحبها في أي وقت يرغبون، وبالتالي لا يستطيع البنك ويعني البنك الإسلامي أن يشارك بتلك الأموال في مشروعات تجارية قد تحتاج إلى مدة طويلة حتى تأتي بربح.

إن هذا الطرح ينم عن عدم إدراك ماهية العمل المصرفي ككل، لأن الودائع المشار إليها هي الأخرى لم تعط فائدة عليها لدى البنوك التجارية التقليدية، وخاصة الحسابات الجارية - ما عدا حسابات التوفير - تعطي فائدة يسيرة وهي تشكل جزءا قليلا نسبة إلى ودائع تحت الطلب.

أما المصارف الإسلامية فقد حثت أصحاب تلك الودائع على جعلها ودائع استثمارية تحصل على الربح، وللعميل حق سحبها في أي وقت يشاء ولكن يخسر جزءا من أرباحها، وفقا لآلية معينة كما يحق للعميل أن يجعلها ودائع عادية حالها حال مايجري العمل عليه في المصارف التقليدية. وهذا يشكل ميزة للمصارف الإسلامية، كما أن بعض الفقهاء دعا إلى إعطاء أصحاب تلك الودائع حصة من الربح من باب المصالحة وهذا ماورد في كتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» للسيد محمد الصدر - (وهو في أساس تاليفه كأطروحة - لتأسيس بيت التمويل الكويتي، وقد تضمن آليات يعتد بها في العمل المصرفي الإسلامي، وخاصة في معالجة الفوائد المصرفية التي هي مدار البحث.

-----------------------------------

الدمعُ في العين لا نومٌ ولا نظر
ولامحالةَ من معنى ً لهُ خُلقا
ولم أجد ذلك المعنى وعيشكما
إلا البكاءَ إذا مافاجعٌ طرقـا
فخلِّيا أدمعي تقرو مسارِبهـا
فإنها عَبَرٌ إن لم يفض خنقا
رُزْئي أجلُّ فلا تكذِب ظنونُكما
من أن يُصدَّق مجلودي ولوصدقا

ابن الرومي

 

  

 

مجيد الشرع