جمال العربية

جمال العربية

سطور مضيئة من تراثنا العربي

من بين رسائل البلغاء والكتابات النثرية الجميلة، العامرة بفنون البلاغة، وحسن التأني للمعاني والأفكار، والافتنان في لغة التعبير والتصوير، والكشف عن ثقافة كاتبها وثقافة عصره وزمانه رسالة ابن قتيبة المعروفة باسم: "كتاب العرب" أو "الرد على الشعوبية".

وابن قتيبة بين أدباء عصره- القرن الخامس الهجري- علم على مدرسة في الكتابة، تميزت بحسن العرض، وسلاسة العبارة، والإيقاع المتدفق في غير إسراف ممل أو إيجاز مخل- كما كان يقول القدماء عن إطناب البعض وشدة إيجاز البعض الآخر- وقد شبه ابن قتيبة بالجاحظ لأنه- مثله- ألم بكل معارف عصره، وألف العديد من المصنفات من بينها أدب الكتاب أو أدب الكاتب ومعاني الشعر وغريب القرآن وغريب الحديث، ومشكل القرآن والمشتبه من الحديث والقرآن فضلا عن كتبه التاريخية مثل عيون الأخبار والمعارف وكتابه الأدبي الذائع الصيت: الشعر والشعراء، يقول ابن قتيبة في "كتاب العرب":

قال قيس بن ساعدة: لأقضين بين العرب أقضية ما قضى بها أحد قبلي ولا يردها أحد بعدي: إيما رجل رمى رجلا بملامة دونها كرم فلا لوم عليه، وإيما رجل ادعى كرماً دونه لؤم فلا كرم له. يعني أن أولى الأمور بالمرء خصاله في نفسه، فإن كان شريفا في نفسه وأباؤه لئام، لم يضره ذلك، وكان الشرف أولى به، وإن كان لئيما في نفسه وآباؤه كرام لم ينفعه ذلك.

ومثله قول عائشة: كل شرف دونه لؤم فاللؤم أولى به، ولك لؤم دونه شرف فالشرف أولى به.

والحسب مأخوذ من قولك: حسبت الشيء أحسبه حسبا، إذا عودته. وكان الرجل الشريف يحسب مآثر أبائه ويعدهم رجلاً رجلا. فيقال: لفلان حسب، أي آباء يعدون وفضائل تحسب.

وكذلك الأمم فيها أمة كرم بلبانها، كالعرب فإنها لم تزل في الجاهلية تتواصى بالحلم والحياء والتذمم وتتعاير بالبخل والغدر والسفه، وتتنزه من الدناءة والمذمة، وتتدرب بالنجدة والصبر والبسالة، وتوجب للجار من حفظ الجوار ورعاية الحق فوق ما توجبه للحميم والشفيق. فربما بذل أحدهم نفسه دون جاره، ووقى مآله بماله وقتل دون حميمه.

ومنهم كعب بن مامة، وكان إذا جاوره جار فمات بعض لحمته وداه، وإذا مات له بعير أو شاه أعطاه مكان ذلك مثله.

ومنهم عمير بن سلمى الحنفي أحد أوفياء العرب، وكان له جار فخالفه أخوه "قرين" إلى امرأة هذا الجار، فاشتد الرجل في حفظ امرأته فقتله قرين. وكان عمير غائبا. فلما قدم وخبر بذلك دفع قريناً إلى ولي المقتول فقتله واعتذر إلى أمه وعظم جرمه. فقالت:

تعـد معـاذراً لا عـذر فيـها

ومن يقتل أخاه فقد ألاما

ومن أعجب أمر الجوار قصة أبي حنبل حارثة بن مر وكان الجراد سقط بقرب بيته، فقد الحي لصيده، فلما رآهم قال: أين تريدون؟ قالوا: نريد جارك هذا. فقال: أي جيراني؟ قالوا: الجراد. فقال: أما إذ جعلتموني له جاراً فوالله لا تصلون إليه، ثم منع عنه حتى انصرفوا، ففخر بعضهم فقال:

ويقول الحطيئة معدداً محاسن قومه:

أولئك قـوم ان بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها

وإن أنعموا لا كدروها ولا كدوا

يسوسـون أحلامـاً بعيـداً أناتها

وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد

الشعر ديوان العرب

مالك بن الريب أحد شعراء العصر الأموي الذين كان شعرهم صورة لحياتهم الخارجة على العرف والتقاليد، في ثورة وتمرد، وصعلكة وقطع للطريق. وتتحول حياة مالك بن الريب إلى النقيض وينقلب من فاتك مارق إلى تائب رضي النفس والخلق بعد أن يلقاه أحد ولاة بني أمية، فيعاتبه ويقرعه على طول صعلكته وفتكه، ويستجيب مالك للنصح ويتوب، ويصحب الوالي إلى خراسان حيث يقيم فترة من الزمان يمرض بعدها في مدينة "مرو"، حتى إذا ما أحس بدنو الموت منه واقتراب الأجل، قال قصيدته اليائية التي ذاع صيتها وتقدمت سائر شعره كله، لما تميزت به من صدق عاطفة وجيشان تعبير، وإفصاح بليغ عن حاليه في حياته: حال الصعلكة والفتك والتمرد، وحال التوبة والرضا والأمان والقناعة، وقد كانت وفاته سنة ستين هجرية. فإذا ما التمسنا صورة أخرى لسيرته كما جاءت في الجزء الثاني من كتاب "المنتخب" وجدناه يقول: مالك بن الريب المازني التميمي شاعر فاتك لص، نشأ في بادية بني تميم عند البصرة يقول الشعر الرقيق الجيد، وينال الناس بالشر، فيطلبه الولاة فيفر، حتى اتخذه سعيد بن عثمان بن عفان "والي خراسان من قبل معاوية". وعند قفوله من خراسان مرض مالك هذا، فقال يذكر مرضه وغربته بهذه القصيدة التي مطلعها.

ألا ليت شعـري هـل أبيتن ليلة

بجنب الغضي أزجى القلاص النواجيا

ويقول عنه "معجم الشعراء" للمرزباني:

عاصر الحجاج ومعاوية، وغزا مع سعيد بن العاص، ومات في هذه الغزوة.

وبهذه القصيدة وحدها أصبح مالك بن الريب صوتاً شعرياً متميزاً، ووتراً فريداً في الشعر العربي القديم، لابد لقراء الشعر ومتذوقيه أن يتوقفوا عنده بالتأمل والدراسة والتحليل، كاشفين عن روعته وجماله، وعمق تأثيره ونفاذ كيميائه.

يقول مالك به الريب:

تقول ابنتي لما رأت طول رحلتي

سفارُك هـذا تاركـي لا أُباليـا

لَعمري لئن غالت خراسان هامتي

لقد كنت عن بابي خراسان نائيا

فإن أنج من بابي خراسان لا أعد

إليهـا، وإن منيتمونـي الأمانيا

فلله درى يـوم أتـرك طائعـاً

مني، بأعلى الرقمتيـن، وماليا

ودر الظبـاء السانحـات عشيةً

يخبـرن أني هـالك، من ورائيا

جمال العربية في إبداع المعاصرين

هذه البكائية الوداعية لمالك بن الريب تجعلنا نستدعي بكائية عصرية للشاعر محمود حسن إسماعيل الذي تحين في هذا الشهر ذكراه العشرون، فقد توفي في الكويت في أبريل عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين، وهو شاعر له معجمه الشعري الشديد الخصوصية، وعالمه الشعري المتوهج برؤاه للإنسان والحياة والكون، شاعر الكلي من المواقف والتجارب والأحوال، ينسج من مفردات الطبيعة- التي يفنى فيها حتى العشق والذوبان- أبهاء عالمه الفخم، وتجيش إيقاعاته المتوترة من خلال نفس شعري حار ممتد.

وهو في بكائيته التي نلتقي معها الآن يعزف على وتره الأثير: الطبيعة. لكنها طبيعة حية ناطقة، تتجسد وتتحرك وتفصح وتبوح، وتحل في الشاعر كما يحل هو فيها يتبادلان الحلول والتجلي. فالروض والفوحان والغصن والطير الجريح والفضاء الحزين والعشب الغصون المطرقة والطير الغائب والأيك الذي سكن فيه الصوت والمهد والشاطئان والدير وبنات الرياح والفيء الذي يستظل به الشاعر والضريح الذي تنتهي به القصيدة وكأنما لتدفن فيه الصور رالرؤى والمشاعر، كل هذه العناصر الحية الموحية والرامزة هي ألوان هذه البكائية الشعرية وظلالها الحزينة الممتلئة بالشجن والشجى.

شتان بين لغتي الشاعرين: مالك بن الريب ومحمود حسن إسماعيل، شتان بين عالميهما الشعريين، وتداعيات الصور والأحاسيس. ومع ذلك يظل بينهما ذلك النسيج الإنساني الممتد، الذي يعتصر القلب في لحظة الوداع لحظة الإحساس بسيطرة الفناء والعدم ونزول الستار.

يقول محمود حسن إسماعيل:

وغابت عن الروض عند الأصيل

ولم يبـق إلا هـواها يفـوحُ

وتـرنيمة من أغـاني الصباح

صداها على الغصنَ طير جريحُ

وتكبيـرة للفضـاء الحزيـن

تـرددها للسمَـاء السفـوخ

وعشب يهفهـف كالمستحيـل

يـراوده أمـل لايلـوحُ

ومطرقـة من بنـات الغصون

عـلى غيبـة الطيَر ظلت تنوحُ

وقفت أناديك من قـاع وهمي

وأبكيـك والدمـع يـأس ذبيحُ

بمشلولة مـن بنات الريـاح

نـدائي عـلى ساعديها فحيحُ

فما اهتز فيء، ولا رد شـىء

فما الروض بعـدك إلا ضريحُ

جديد أقره المجمع

كان الظن الشائع أن صحة ضبط كلمة متحف هو بضم الميم فقط، وأن النطق الشائع على الألسنة بفتح الميم نطق خاطئ وغير فصيح. غير أن مجمع اللغة العربية- فيما عكف على دراسته من ألفاظ وأساليب نظر في تحقيق ضبط كلمة متحف وكان قراره في كلمة متحف بضم الميم صحيحة من حيث القياس ومن حيث المعنى للدلالة على مستودع التحف، ويجوز أن يؤخذ من تحفة بمعنى شيء يقدم للإلطاف- فعل ثلاثي من باب نصر ومن مصدره يؤخذ اسم مكان على وزن مفعل. فتكون كلمة متحف بالفتح صحيحة في الاستعمال بالمعنى المتعارف الآن لمكان إيداع التحف أو عرضها. وهكذا يصبح النطقان لكلمة متحف بضم الميم وفتحها صحيحين فصيحين، ويصبح الشائع منهما على الألسنة أولى بالاستعمال لأنه مأنوس وغير مهجور. كذلك كان الحال بالنسبة لكلمة منطقة، فقد كان الظن الشائع أن النطق الصحيح الوحيد للكلمة هو بكسر الميم وأن النطق الآخر- الشائع على الألسنة- بفتح الميم هو نطق غير صحيح وغير فصيح. حتى كان قرار المجمع بتحقيق ضبط كلمة منطقة لمعنى المكان أو الدائرة. فقد وردت الصورة الأولى لكلمة منطقة في معاجم العربية بمعنى الحزام أي اسم آلة من الانتطاق. فصورة منطقة مروية عن العرب بمعنى الحزام، ويمكن استعمالها- عن طريق المجاز- في المكان المحدد بالمعنى الجغرافي.

أما الصورة الثانية منطقة- بفتح الميم- فيمكن أن تعد اسم مكان، مشتقا من مادة الانتطاق. برغم أن الفعل الثلاثي من هذه المادة لم تنص عليه المعاجم، وانتهى قرار المجمع إلى جواز استعمال كل من الصورتين: منطقة بكسر الميم و منطقة بفتح الميم للتعبير عن المكان المحدد، والطريف في الأمر أن قرار المجمع يشير إلى أن منطقة بفتح الميم تشهد لها أصول اللغة بأقوى مما تشهد به لمنطقة بكسر الميم.

قل .. ولا تقل

من الأخطاء الشائعة على ألسنة الناس وأقلامهم قولهم:

خزينة والصواب خزانة.

خطوبة والصواب: خطبة- بكسر الخاء.

أمر هام والصواب: أمر مهم.

كافة الناس والصواب: الناس كافة.

حرمه من كذا والصواب: حرمه كذا من دون حرف الجر من

قابلته صدفة والصواب: قابلته مصادفة.

ويقولون: اعتذر عن الحضور.

والصواب: عن عدم الحضور.

ويقولون: خصم- بكسر الخاء- في مجال المنازعات والصواب: خَصم.

ومنه قول الشاعر:

أنت الخصم والحكم

ويقولون:

ضرب به عرض الحائط بفتح العين.

والصواب عرض الحائط بضم العين.

ومثله:

نظر إليه عن عُرض.

وكلمة عن عُرض.

والسفينة في عرض البحر بضم العين أيضاً.

ويقولون: خلسة- بكسر الخاء. والصواب خلسة- بضم الخاء.

ومنه قولهم : الخلسة سريعة الفوت بطيئة العود.

والخلسة: هي الفرصة، أي ما يختلس.

 

فاروق شوشة