طرائف عربية

 طرائف عربية

عودة لأهل الله
القتلة

كانت كربلاء, أرضا من جحيم, وسماء من غيم والرمال ممدودة مثل بحر من نار. الفتى القرشي سيد شباب الجنة ممددا على أرض من كراهية, تحيطه العيون الكارهة, والأشداق الملعونة, لو تهب من الجبل نسمة هواء يطيح بهذا الظمأ!!

لكن هيهات وحصار الكارهين مثل قيد من حديد.

صرخ عبدالله بن حصين اللعين: يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء, والله لاتذوق منه قطرة حتى تموت عطشا, فقال الحسين: اللهم اقتله عطشا, فكان ذلك الخبيث يشرب الماء ولايروى حتى مات عطـشا.

ولما اشتد العطش على الحسين دعا بماء يشربه فرماه (وزغة) فأصاب حنجرته فحال بينه وبين الماء, فقال الحسين: اللهم أظمئه, فكان هذا الخبيث يصيح من الحر في بطنه ومن البرد في ظهره وكان يقول: اسقوني, فيؤتى بالإناء العظيم به الماء واللبن لو شربه خمسة لكفاهم فيسقى حتى تنتفخ بطنه مثل بطن البعير فلا يروى.

قال: أما الذي حضر القتل ورأى ما لايُرى فقد عمي. ولما سأله بعضهم عن سبب عماه قال: رأيت النبي حاسرا ذراعيه وبيده الكريمة سيف وبين يديه نطع, ورأيت عشرة من قاتلي الحسين مذبوحين بين يديه ثم أكحلني بمرود من دم الحسين فأصبحت أعمى.

ذهب الحبيب وذهب الغيب

مرت رابعة العدوية يوماً بشيبان الراعي, وكان من أهل الله إذ أجنب ولا ماء عنده جاءت سحابة فأظلته فاغتسل منها. قالت له رابعة: أريد الحج. فأخرج لها من كمه ذهبا, وقال: أنفقيه في الطريق. فمدت يدها إلى الهواء وقبضت فإذا هي مملوءة ذهبا. فقالت: أنت تنفق من الجيب وأنا أنفق من الغيب. فحج معها على التوكل بغير زاد.

عفو صاحب الدين

كان على أحدهم دين التزم به, ولما ضاقت الدنيا به وعز سداده لجأ إلى قبر ولي الله الصالح محمد بن جعفر الحسيني وقرأ عنده شيئا من القرآن وذكر دينه ثم انخرط في بكاء محزون, يشكو لله قلة حيلته, وهوانه على الناس, وإذا بامرأة تسمعه وتعطيه قلادة من الذهب, قائلة له: خذ هذه القلادة لأجل صاحب هذا القبر فأخذها وانصرف, فلم يمش إلا خطوات وإذا بصاحب الدين قد أقبل, فلما رآه تبسم في وجهه وقال: رد على المرأة قلادتها فأنا أحق بالأجر وثوابه, ولما سأله عن سبب ذلك ومن أعلمه به, فقال: رأيت صاحب هذا القبر, وليّ الله الطيب, وعاهدني على قصر في الجنة إن صفحت عنك.

ثم إنه كان في يده ستة دراهم فدفعها لي.

شعرت لحظتها أن فك دين المسلم فريضة واجبة, وأن طريق الإنسان المؤمن إلى الجنة مضاء بمثل هذه الأعمال فأحببت أن أكون من هؤلاء.

باب العلم والمعرفة

كان محمد بن يوسف البناء من أكابر الصوفية, كتب الحديث, ولقي من الشيوخ ستمائة. وكان يتوجه إلى السماء قائلا: يارب أن تدخل قلبي المعرفة أو اقبضني إليك, فسمع قائلا: إن أردت هذا فصم شهرا ولاتكلم أحداً, ثم ادخل قبة زمزم وسل الحاجة, فلما دخل سمع قائلا من البئر يقول: اختر أيما أحب إليك: العلم مع الغنى, أم المعرفة مع الفقر? فقال: المعرفة مع الفقر, فأجيب: قد أعطيت.

كنز الفقر

كان (محمد بن جعفر أبوبكر الكتاني) البغدادي أحد أئمة الصوفية وأكابر العارفين, صحب الجنيد, ومجد الفقر والفقراء, يرى الفقر طهارة للنفس والقلب, والغنى مجلبة للشر والفساد. كان بطريق مكة في وسط سنة يهم للحج عبر طريق موحش وقفار واسعة لايحدها البصر, فإذا هو يسير إذ رأى جرابا ملآن تلتمع من فتحته الدنانير, فهم بأن يحمله ليفرقه على فقراء مكة, فسمع من جوف الصحراء هاتفا يأتي صوته من المجهول: إن أخذته سلبناك فقرك.

قال: فتركته قانعا بكنزي.

سلطان العارفين

رحم الله مولانا, الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي, إمام العارفين, صاحب الثناء الجميل, والعلم السائر في الزمان والمكان. كان صاحب كرامات لاتعد ولاتحصى. كان بدمشق ناسخ يكره الشيخ ويقذف عرضه بالزور وكان بيته يشرف على ضريح مولاي محيي الدين فجاء يوما يريد أن يحرق ضريح الشيخ فخسف به دون القبر بتسعة أذرع فغاب في الأرض.

وحين جاء أهله للبحث عنه فحفروا حتى وجدوا رأسه, فكلما حفروا نزل وغار في الأرض إلى أن عجزوا فردوا عليه التراب.

وتلك إحدى كراماته الكثر.