عالم واحد محمد الرميحي

من مقومات النظام العالمي الراهن أن المواثيق الدولية قننت استخدام القوة، فجعلتها للدفاع المشروع، ومنعت استخدامها في غير هذه الحال، وأقامت الحق والمنع في الاستخدام على أساس المساواة، وأسست هذه المواثيق منظمات دولية تسهر على تطبيق تلك المبادئ.

غير أن تجربة منظمتين عالميتين، أولاهما سابقة وهي عصبة الأمم، وثانيتهما راهنة وهي الأمم المتحدة، لا تزال لا تبعث الثقة في نفوس الدول الصغيرة أو الضعيفة، وهي السواد الأعظم من دول العالم. ذلك أن الواقع الفعلي يؤكد أن القوة هي أساس تنظيم العلاقات الدولية. وتبقى مأساة فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي ومجريات المفاوضات في مؤتمر السلام للشرق الأوسط، أكبر شاهد تاريخي على استمرار التناقض الجذري بين نصوص المواثيق وممارسات سياسات القوة والعدوان.

من عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة

ولقد جاءت منظمة الأمم المتحدة (26/ 6/ 1945) تجسيدا وتقنينا للنظام العالمي الجديد، الذي ولد في إثر الحرب العالمية الثانية، ولتخلف عصبة الأمم (28/ 4/ 1919) التي كانت أيضا تجسيدا وتقنينا للنظام العالمي الذي أفرزته الحرب العالمية الأول. ومن يطلع على مبادئ المنظمتين وأهدافهما قد لا يجد فروقا كثيرة بينهما. فالمشكلة لم تكن في المبادئ، بقدر ما كانت في المارسات والمتغيرات التي طرأت على النظامين العالمين، الأول والثاني، إذا صح هذا الوصف. فقد شهد النظام الأول ترسيخ أسس الاستعمار في آسيا وإفريقيا لمصلحة الدولتين العظميين يومذاك، انكلترا وفرنسا. كما شهد صعود الفاشية في أوربا إلى مراكز القيادة في ألمانيا وإيطاليا في العشرينيات والثلاثينيات. وحينما أفرزت الحرب العالمية الثانية النظام الثاني، تربعت على سدة قيادته الدولتان العظميان، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لتقودا عهدا طويلا من الحرب الباردة، وتشرفا على عدد كبير من الحروب الإقليمية والمحلية، ولتخوضا سباقا لا حدود له في التسلح التقليدي ثم النووي.

هل بدأ القرن الحادي والعشرون؟

ولقد طرأت على نظام العلاقات الدولية الراهن متغيرات جذرية، جعلت بعض القادة السياسيين ورجال الفكر يرون فيها ملامح تشكيل نظام عالمي جديد، حتى أنه يمكن القول إن أحداث الأعوام الثلاثة الأخيرة 1989، 1990، 1991 رسمت حدا انتهى عنده عصر القرن العشرين، الذي شهد الحروب الثلاث: الأولى والثانية والباردة، كما شهد عملية تصفية الاستعمار وعددا كبيرا من الحروب الإقليمية والصغيرة. ويبدو أن القرن الذي نعيش أواخر سنواته قد كون فترة تاريخية مكتملة الحلقات، وتخلى عما بقي له من العمر للقرن الحادي والعشرين كي يبدأ عصره قبل نحو عشر سنوات من مولده.

لقد شهدت هذه السنوات الثلاث، التي سبقتها إرهاصات وأمارات كثيرة، متغيرات متتالية ومتوازية، يمكن رصد أبرزها وأهمها في الوقائع التالية: انتهاء الحرب الباردة، وانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي على النظام الاشتراكي الشمولي، وزوال الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى كانت تشكل قطبا نقيضا وندا للولايات المتحدة القطب الآخر، وانهيار الأنظمة الاشتراكية في دول أوربا الشرقية وزوال المعسكر الذي كانت تشكله ظهيراً للاتحاد السوفييتي، ومواصلة أوربا الغربية مسيرتها التوحيدية كقوة سياسية اقتصادية واحدة، ومواصلة اليابان صعودها سلم القوة الاقتصادية الصناعية الكبرى، ومحافظة الصين على مسيرتها الاشتراكية كدولة كبيرة.

حرب الخليج منعطف النظام العالمي

كانت حرب الخليج المنعطف الذي التوت عنده مسيرة النظام العالمي. ولهذا لا نعجب حين يفتتح رئيس وزراء بريطانيا قمة مجلس الأمن التي انعقدت في نيويورك يوم 31 كانون الثاني/ يناير 1992، بقوله في السطرين الأولين من خطبة الرئاسة - وكانت يومذاك معقودة لبريطانيا -: " نحن نجتمع في وقت يتسم بتغير بالغ الخطورة والأهمية. منذ سنة واحدة فقط تصدى المجلس لتحدي غزو العراق للكويت. وواجه المجلس ذلك التحدي بنجاح كبير".

ويبدو أن النجاح الذي أحرزه مجلس الأمن في تلك المواجهة، وتوافر مجموعة من العوامل العربية والدولية التي أدت إلى بلوغ ذلك النجاح، قد كانا كافيين لإشعار دول العالم بأن نظاما جديدا للعلاقات الدولية يمكن أن ترتسم ملامحه على قاعدة تجربة حرب الخليج. فعند تلك التجربة حدث التغير الكافي لمثل ذينك الإشعار والارتسام.

ويوم أن اجتمع مجلس الأمن على مستوى القمة ليتدارس أعضاؤه ما جد على شبكة العلاقات الدولية من متغيرات، وما بقي منها، وإلى أين مسيرها ومصيرها، تتابع على منبر الخطابة خمسة عشر ملكا ورئيسا ورئيس وزراء. وكل منهم نظر إلى المتغيرات من زاوية تختلف عن زوايا نظر الآخرين، اختلافا واسعا أو ضيقا. ولكنهم، في معظمهم، سعوا إلى قراءة ميثاق الأمم المتحدة - وبخاصة فيما يتعلق بالسلم والأمن الدوليين واستخدام القوة الجماعية - قراءة جديدة، مبعثها ميزان القوى الجديد، الذي نشأ في إثر حدوث المتغيرات التي أشرنا إليها.

ويلاحظ قارئ خطب الملوك والرؤساء، أن حرب الخليج، بأسبابها ومجرياتها ونتائجها، وبخاصة دار مجلس الأمن في تلك المجريات والنتائج - وهو دور لا يزال مستمرا - كانت مسيطرة على الأفكار التي تضمنتها الخطب. ذلك أن مسيرة الحرب ومآلها أغريا أعضاء المجلس بإمكان تكرار دور المجلس، وإمكان الحصول على مآل مماثل، إذا ما توافرت الظروف نفسها التي يسرت على مجلس الأمن اتخاذ تلك السلسلة المتصاعدة من القرارات، وسهلت على دولة عظمى انفردت - في تلك الفترة على الأقل - بوحدانية القطبية العالمية، في حين كان القطب الثاني - الاتحاد السوفييتي - يتآكل من داخله وتتقوض دعائمه، وكانت القوى الغربية الأخرى غير قادرة، وحدها، على التصدي لإدارة أزمة الخليج سياسيا وعسكريا.

في مجلس الأمن

لم تكن دورة مجلس الأمن، التي أشرنا إليها، ندوة لتبادل الآراء فحسب، بقدر ما كانت أيضا لرسم ملامح ما اصطلح على تسميته "النظام الدولي الجديد". وسواء أكانت هذه التسمية دقيقة بمعناها اللفظي القانوني والسياسي، أم كانت غير ذلك، فقد التقطتها أجهزة الإعلام والسياسة في العالم من خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم 5 / 3 / 1991 في إثر انتهاء حرب الخليج. ومازال المصطلح ساريا وموضوعا للمناقشة، قبولاً أو رفضا أو تعديلا.

ما يهمنا في هذا الشأن أن الرئيس بوش نفسه هجر هذا المصطلح في خطبته في مجلس الأمن، واكتفى بقوله "إننا نجتمع في لحظة بدايات جديدة" . في حين وصف الرئيس الروسي يلتسين الوضع بأنه "حالة سياسية جديدة في العالم" . وقال الرئيس الصيني: "انهار الهيكل القديم ولم يتبلور الهيكل الجديد بعد". أما الرئيس الفرنسي ميتران فلم يستعمل أي مصطلح أو وصف يدل على معنى نشوء نظام جديد. وتراوحت تعبيرات معظم سائر الخطباء بين الإشارة إلى حصول بعض التغيرات، والإشارة الى نشوء نظام جديد. ولكن أي خطيب لم يشر قط إلى زوال الاتحاد السوفييتي ومعسكره الاشتراكي من الوجود، كمتغير جد مهم في التحول الذي دخل على شبكة العلاقات الدولية.

وإلى جانب ذلك، شهد مجلس الأمن تدفق بعض الأفكار القليلة المتسمة بالعنف من أفواه بعض الرؤساء، كمثل "العزم على مواجهة التهديدات المحدقة بالسلم والأمن الدوليين - انكلترا"، و "أن انتصارنا في الخليج شهادة على مهمة الأمم المتحدة، وهي أن الأمن مسئولية مشتركة... علينا أن نواجه بحسم الأنظمة المارقة. وإذا لزم الأمر عن طريق الجزاءات أو تدابير أقوى لإجبارها على الالتزام بمعايير السلوك الدولية - الولايات المتحدة ". وذهب الرئيس الفرنسي إلى وضع قوة قوامها ألف جندي في تصرف الأمين العام لعمليات صيانة السلم.

وفي حين كان هذا النوع من الأفكار نادرا في خطب سائر الرؤساء، اتجهت معظم الأفكار الأخرى إلى اقتراح التدابير العملية التي تنزع من احتمالات الصراعات المسلحة أسباب نشوبها ووسائلها، كمثل: نزع السلاح، والجد من التسلح، ورصد عمليات نقل الأسلحة، وعدم انتشار الأسلحة النووية، ثم تدميرها، ورصد الأزمات ومعالجة أسبابها.، وإنشاء صناديق إقليمية لتحويل البحث والتطوير العسكريين إلى الإنتاج المدني، وتعزيز دور الأمم المتحدة.

وإلى جانب هذه المجموعة من الأفكار، انتصبت فكرتان مترابطتان ترابطا وثيقا، هزتا الجو الذي انساق إليه المجلس. أولى الفكرتين طرحها الملك الحسن الثاني، حين قال إنه لا يمكن تصور إقامة نظام عالمي جديد، والعالم العربي يعاني مأساة استمرت ما يقرب من نصف قرن، هي مأساة الشعب الفلسطيني "المحروم من ممارسة حقوقه، المشرد من أرضه ووطنه، المهدد في هويته وتاريخه".

أما الفكرة الثانية فقد تمسك بها رئيسا وزراء الهند والرأس الأخضر، حينما لاحظا أن من واجب المجلس، وهو يتناول قضايا العدوان والاحتلال، أن يكون منصفا، فلا يتبع نهجا انتقائيا في هذا الصدد. وإذا ما فعل ذلك، فإنه يدمر مصداقيته، ويضعف سلطته وسلطانه. وإذا ما أراد المجلس أن تكون له، في أعين شعوب العالم، المصداقية التي يستحقها، فعليه أن يضمن تنفيذ جميع قراراته.

وفي حين انفرد رئيس فنزويلا بالدعوة إلى التفكير في نوع من حكومة عالمية، وذلك بأن "نصقل المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية، وأن ندخل فيه المسئوليات المتحددة الجنسية الكامنة في تكافل جميع أممنا وفي النزعة المتخطية للحدود الوطنية"، أكد رؤساء آخرون على مبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشئون الداخلية.

وإذا كان البيان الختامي لمجلس الأمن قد حفل بهذه المفاهيم والمصطلحات، فهو قد بنى نظرته المستقبلية على أننا نعيش "زمن التغيير"، ومن أماراته زيادة قدرة الأمم المتحدة على صيانة السلم والأمن الدوليين وتسوية المنازعات الإقليمية.

ولقد سيطرت على البيان فكرة كانت تبرز في جمل وكلمات، وتختفي وراء جمل وكلمات أخرى. وتلك هي فكرة تجنب استعمال القوة في العلاقات الدولية، وتسوية جميع المنازعات بالطرق السلمية، وأن الأمم المتحدة هي الجهة الوحيدة التي لها أن تفرض السلم وتصون الأمن بما منحها الميثاق من سلطات ووسائل. وتنبعث تلك السلطات والوسائل من التزام الدول الأعضاء بنظم الأمن الجماعي المنصوص عليه في الميثاق، لمعالجة الأفكار التي تهدد السلم.

نحو نمطية جديدة للعلاقات الدولية

كان من حصائل المتغيرات والتطورات التي حاولنا رسم بعض معالمها، أن فقدت بعض المصطلحات معناها، أو أصبحت غير مطابقة للواقع، فقد أضاع تعبير "العالم الثالث" محتواه، بعد أن زال "العالم الثاني" الذي كان يضم دول المنظمة الاشتراكية. واتسعت كلمة "الغرب" لتمتد إلى "الشرق" فتضم اليابان وأستراليا في تضاعيفها، ولم يعد "الشمال" قادر، على احتضان ألبانيا ورومانيا وأمثالهما. ولم يعد لا الجنوب" يرتاح لعضوية كوريا فيه. ولم تعد " حركة عدم الانحياز" قادرة على إيجاد مكانة لها بين طرفين متصارعين زال أحدهما. وهنا تبدو الحاجة واضحة إلى تصور نمطية جديدة للعلاقات الدولية. ولعل أحد تلك التصورات يتجسد في تعبير " المراكز والأطراف ". والمركز هنا هو تلك الكتلة الرئيسية من الاقتصادات الرأسمالية المسيطرة على العالم. أما الأطراف فهي مجموعة من الدول الأضعف في النواحي الصناعية والمالية والسياسية، تتحرك في إطار علاقات يرسم المركز أشكالها وحدودها، وتخضع الأطراف لما رسم لها. وثمة دول من الأطراف، ذات قوة أو غنى أو تقدم حضاري، يمكن أن توصف بأنها " أشباه المركز ". فهي تطمح إلى أن تهجر دائرة الأطراف، وتنضم إلى عضوية المركز. ولا يعني مصطلح " المركز والأطراف " هنا أي مفهوم جغرافي. فليس المركز تجمعا أو تجاوزا لدول تشكل مركز دائرة، وليست الأطراف دائرة جغرافية تحيط بالمركز. بل المعيار في الانتماء مقدار القوة الاقتصادية والحضارية والسياسية والعسكرية.

ويمكن تصور آلية العمل في منظمة " المركز والأطراف لا استنادا إلى التجربة الأولى التي مرت بها تلك المنظومة حينما واجهت تحدي إحدى دول الأطراف (العراق). فقد شكلت أربع دوائر: احتلت الولايات المتحدة الدائرة المركزية القيادية. ولم تكن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة المعركة إلا إذا كان هناك من يقاتل معها، ومن يؤيدها على نطاق واسع. وبذلك نشأت الدائرة الثانية التي ضمت دولا مستعدة للقتال، بعضها من دول المركز، وبعضها الآخر من الأطراف. وأحاطت بالدائرة الثانية دائرة ثالثة ضمت أولئك الذين يدفعون مالا ولا يقاتلون (كاليابان وألمانيا)، ثم دائرة رابعة خصصت للمؤيدين دون قتال ولا مال. وكان هؤلاء كثرا، من دول المركز ودول الأطراف على السواء.

ولا يعتبر هذا النموذج (حرب الخليج) صورة جامدة للمستقبل، فهو ليس حلفا مؤسسيا أو ائتلافا دائما. وليس من المحتمل أن يتكرر، ولكنه يعطي فكرة عن الطابع العام لعلاقات الأمن في عالم يسيطر عليه مركز واحد، ويبين الآليات المتاحة، ويتعرف على وسائل تشغيلها ويظهر قدرة المركز على إنزال الأذى بمن يهددون النظام السياسي المعترف به، والقواعد المستقرة للاقتصاد العالمي.

ويمكن أن نصف الهيكل الجديد لعلاقات القوى، بأنه " متعدد الأقطاب غير المتعارضة لما، من حيث إنه مجموعة من الدول الكبرى يقوم كل منها بدور في القطبية التعددية، وبأنه، في الوقت نفسه، " ذو قطب واحد " بمعنى أن ثمة قطبا واحدا مسيطرا يحكم العلاقات الدولية. وهذا التحالف هو الذي يمنح نموذج " المركز والأطراف " قوته، ويدخل على نظام العلاقات الدولية تغييراً واضحا.

هيكل القوة في منظومة المركز والأطراف

وإذا أردنا أن نتلمس الآثار الأمنية المترتبة على منظومة " المركز والأطراف " هذه، ونحن نعبر الزمن إلى القرن الحادي والعشرين، ينبغي أن نرصد التغيرات التي طرأت على المركز، باعتباره ينزل في النظام العالمي منزلة الدماغ في جسم الإنسان. ولعلنا يمكن أن نرصد ثلاث خصائص جوهرية في النمطية الجديدة للعلاقات الدولية:

1 - ظهور هيكل للقوة متعدد الأقطاب ذي قيادة مركزية، وذي مرونة تسهل تحقيق الاتفاق، وتستوعب أسباب الاختلاف الذي لا يبلغ حد التصارع، في المدى المنظور على الأقل. وقد حل هذا الهيكل في مكان الهيكل ذي القطبية الثنائية المتضادة، الذي ميز عمر الحرب الباردة، وزالت عنه الثنائية بزوال الاتحاد السوفييتي.

2 - ضمور التصارع الأيديولوجي. فقد كان القرن العشرون عصر الأيديولوجيات المتنافسة. التي أفضت إلى حروب ساخنة وباردة. وقد انتهى العصر بانتصار الرأسمالية والليبرالية. وقد يحمل القرن الواحد والعشرون في ثناياه تنافسات أيديولوجية جديدة تختلف عن تلك التي شهدها القرن العشرون.

3 - نشوء بؤرة للأمن الدولي في قلب منظومة " المركز والأطراف ". فقد أدى زوال التهديد العسكري المتبادل بين حلفي الأطلسي ووارسو، إلى إفراز ثلاث ظواهر: (أ) نشوء فراغ إطار التهديدات المرصودة المباشرة، (ب) واحتمال ظهور تهديدات طارئة أو غير مرصودة (مثل غزو العراق للكويت)، (ج) وتشكل جماعة أمنية في قلب المركز، وهي جماعة لا تتوقع استخدام القوة العسكرية في علاقة إحداها بالأخرى، ولا هي تستعد لذلك. وقد منحتها هذه السمة القدرة على مواجهة التحدي من جانب الآخرين. وتكشف السهولة النسبية التي تمكنت بها الولايات المتحدة من إقامة تحالف عسكري ومالي ضد العراق عن إمكانات هذه الجماعة الأمنية، وعن قدرتها على العمل لمواجهة أي تحد من جانب دول الأطراف.

وقد استخدمت قيادة المركز ( الولايات المتحدة بالتعاون مع انكلتر وفرنسا ) مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأجهزتها وآلياتها إلى أقصى مدى ممكن، على أساس تغييب أو إزاحة أية معارضة دستورية أو واقعية قد تقف عثرة في طريق الحد الأقصى لذلك الاستخدام. ولقد كان مجلس الأمن هو الباب الذي عبرت منه تجربة منظومة " المركز والأطراف " إلى أرض الواقع والمعركة. كما كانت المادة (41) من الميثاق بشأن اتخاذ تدابير غير عسكرية، والمادة (42) بشأن اتخاذ تدابر عسكرية هما المستند القانوني الدولي لاستعمال القوة المسلحة ضد العراق من أجل تحرير الكويت.