عندما تؤثر النفس على الجسد

عندما تؤثر النفس على الجسد

إذا كان العقل هو زينة الإنسان، وبه يستطيع أن يعيش حياة سعيدة، والأمر الذي يتميز به عن الحيوان، فهو أيضًا مصدر الشقاء والتعاسة للإنسان لأنه الينبوع الذي تتصاعد منه الأفكار السوداء، ومشاعر اليأس والخوف، وهذا ما يؤثر في الجهاز العصبي، ويشكّل هذا التأثير أمراضًا قد تكون وهمية في البدء، وقد تصبح حقيقية على المدى البعيد.

أصبحنا نسمع كثيراً أن فلاناً أصيب بالاكتئاب بسبب ما عاناه من مشكلات ومصائب، وآخر أصيب بجلطة قلبية أو سكتة دماغية وأدخل المشفى نتيجة للضغوط، التي يمر بها، وقد يصل الأمر إلى الوفاة المفاجئة بسبب تلك الضغوط.

والاضطرابات الشائعة لدينا كثيرة منها: القلق والمخاوف وفقدان الثقة بالنفس ومشاعر الاكتئاب والغضب غير المحكوم وسرعة الاستثارة والعجز عن التركيز أو الاستيعاب والأرق والشعور بالهجر مع الإحساس بالتوتر الشديد.

  • وهذه الضغوط مرتبطة بـ:

1 - الضغوط البيئية: من ارتفاع في درجة الحرارة أو البرودة الشديدة أو الضوضاء العالية.

2 - عدد من الأحداث: مثل التهديد لمكانة الفرد أو منصبه، أو تقديره لذاته، أو عدم التفاعل مع شخص عدائي أو الفشل في تحقيق أهداف شخصية.

3 - الضغوط الاجتماعية: الاختلاف أو التناقض بين حاجات الفرد ورغباته وبين الأنظمة والقوانين والأعراف والتقاليد، التي ينتج عنها الصراع مع الجماعة (جماعة العمل أو جماعة الأصدقاء أو في محيط الأسرة..).

4- الضغوط التي تنتج عن الأحداث المفاجئة العنيفة: كما يحدث في فترات الحروب والكوارث والنكبات الطبيعية، أو موت شخص عزيز أو فقدان عمل أو وقوع الطلاق، أو عدم قدرة الأفراد على السيطرة على الأحداث، التي تجري في حياتهم (ضمن بعض متغيرات العمل، مثل العبء الكبير الذي يتطلب معه إنجاز كمية كبيرة من العمل في الوقت المتيسر).

تأثيرها على الجسم: الشدة النفسية تؤثر في ارتفاع كولسترول الدم، وتأثير المستويات المهنية والإدارية العالية والذين يتحملون أعباء كبيرة، والآثار التي تتركها زيادة إفراز الإدرينالين على الأنسجة الجسمية يمكن أن تظهر في الحالات الانفعالية، فتؤدي إلى تراخي العضلات الملساء خاصة في المجاري الهوائية في الرئة، وكذلك إلى اختلاف توزيع الدم في الجسم، وتسريع النبض وزيادة ضغط الدم وسرعة تجلطه.

إن 80 % من الأمراض ترتبط أسبابها المباشرة بالضغوط النفسية مثل ارتفاع ضغط الدم والقرحة المعدية والتهاب القولون وأمراض القلب والشرايين التاجية وأمراض الدماغ الانسدادية والأمراض الجلدية والصداع والحساسية، وحتى السرطان، والناس يكونون أقل مقاومة للبرد والرشح عندما يكونون تحت هذه الضغوط، وإن انفعال المرضى بكثرة يؤثر في قابليتهم للشفاء.

كما أن الغضب والانفعال الشديد يؤديان إلى ارتفاع في ضغط الدم، مما قد يتسبب في انفجار أو انسداد أحد شرايين المخ، أو إلى تضييق أو انسداد في شرايين القلب، أو إلى سرعة التنفس وتقلص في عضلات القلب وسرعة ضرباته، أو إلى ألم في الأطراف واضطرابات في إفراز الغدد الصم، التي تسيطر على جميع العمليات الحيوية في الجسم. ويمكن أن يؤدي ذلك أيضًا إلى الاضطرابات المرضية المزمنة مثل: الربو وارتفاع ضغط الدم وتصلب شرايين الجسم عامة، كما يصاحب كل ذلك تغيرات مرضية في كيمياء حيوية الدم والأنسجة المختلفة.

وأكثر الأمراض التي تصيب بعض الناس لا تنجم فقط عن انفعالات عنيفة، ولكن الأهم من ذلك أنها تأتي نتيجة التعرض إلى سلسلة من الانفعالات الصغيرة غير السارة، التي ينتج عنها تغيرات تتراكم حتى تظهر في شكل مرضي.

سبل الوقاية والعلاج

أولاً: تقوية الشخصية ومزاولة الرياضة والتأمل الذاتي، والتنفيس عن الشدة عن طريق التدريب على الصلابة، بدلاً من البقاء فريسة الإحساس بالعجز، فالإنسان بحاجة إلى جرعات يسيرة من الأحداث المثيرة، التي تولد فيه إرادة المواجهة، وتزكي فيه الرغبة في الخلق والإبداع (الشدة الإبداعية)، التي لها تأثيرها الإيجابي في نفسية المريض وصحته.

ثانياً: تلافي الآثار السيئة للشدة النفسية أو التخفيف من حدة تأثيرها على الجسم بمقاومتها وتصعيدها، وذلك بواسطة ضخ شحنات من هرمون الألم والسعادة (الأندرفين والأندوفينات)، وذلك بسماع الموسيقى ولقاء الأشخاص الذين نحبهم، وتناول الطعام اللذيذ والضحك والطرب، ويمكن أيضاً ممارسة الرياضة والصلاة وتناول الغذاء المتوازن، والقيام بنشاط جسماني منتظم، وأخيراً الاستفادة من الضوء، وأن نرضى بالواقع مهما كان مظلمًا، وألا نتعجّل التغيير، فمن يدري ما وراء الغيب، فما تظنه اليوم تعباً أرحم بكثير مما قد يأتي به الغد.

ثالثاً: الابتعاد عن الطموح الزائد الذي قد يكون فوق طاقة الإنسان لأنه يعطيك بيد ويأخذ منك باليد الأخرى. ويعطيك الشهرة، فهي بالتالي تتطلب تفرّغاً كاملاً للحفاظ عليها، وتكون النتيجة فقدانك لأكثر متع الحياة.

أخيراً: والمهم في النهاية، أن تكون حياة الإنسان في حال توازن نفسي، ولا يكون شيء على حساب شيء آخر، ولكن الأهم من ذلك الإيمان، إذ إنه من القوى التي لابد من توافرها لمعاونة المرء على العيش، فلئن أصيب بمصيبة ما فتلك إرادة الله تعالى، والتساؤل عن السبب ليس سوى إضاعة للوقت، وقد علّمتنا الحياة أن أكثر الناس قلقاً وضيقاً وشعوراً بالتفاهة والضياع هم المحرومون من نعمة الإيمان.

----------------------------------

وقفَ الهوى بك بعد طولِ وجيفه
وأفاق من يلحاك من تعنيـفِـه
ولقد يَرُوقكَ بارتجاج نبيـلـه
قمرُ النساء وباهتزاز قضيفِـه
قَبحَ الهوى ملكُ السماء فلم يزل
دَيْنا يدينُ قويُّه لضعيفـه
ولحا الصِّبا بعد المشيب فإنه
شأوٌ يريكَ الحُر خلَفَ وصيفه

ابن الرومي

 

 


نزار الناصر