الأرض في طريقها إلى انهيار إيكولوجي.. أحمد خضر

الأرض في طريقها إلى انهيار إيكولوجي.. أحمد خضر

كشف تقرير شاركت في إصداره ثلاث منظمات دولية أن كوكبنا في طريقه إلى «أزمة ائتمان بيئية»، أو بتعبير أدق «انهيار إيكولوجي»، إذا استمرت البشرية في نهمها الاستهلاكي وتدميرها لموارد الأرض الطبيعية وأنماط عيشها الحالية. وخلص التقرير إلى أن حاجاتنا من الموارد الطبيعية قد تجاوزت بالفعل ما يمكن لكوكبنا أن يحتمله بنحو الثلث.

واشترك في إعداد التقرير، الذي حمل عنوان «تقرير الكوكب الحي The Living Planet Report»، ثلاث منظمات هي الصندوق العالمي للحياة البرية WWF وجمعية علم الحيوان بلندن Zoological Society of London والشبكة العالمية لبصمة القدم البيئية Global Footprint Network.

وفي وقت تواجه فيه البشرية أزمة مالية عاصفة، تثير فزع العالم من أقصاه إلى أقصاه، يصعب على الناس التفكير في أي شيء آخر. ومع ذلك، فإن نشر «تقرير الكوكب الحي» - وهو تقييم عالمي لصحة كوكبنا يحظى باحترام دولي واسع - يعد تذكيرا جاء في وقته تماما بأنه ليس بوسعنا تجاهل «أزمة الائتمان» الأسوا التي يواجهها كوكبنا الآن.

وبما أن الطلب على الموارد الطبيعية يتجاوز قدرة الكوكب على تعويض «رأسماله الطبيعي» بنحو 30 في المائة، فإن هذا يعني أنه بالمعدلات الحالية التي تستنزف بها البشرية الموارد الطبيعية وتنتج بها المخلفات، سنحتاج بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي إلى موارد كوكبين لكي نلبي حاجاتنا المتزايدة.

وأظهر التقرير أن مواطني الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات يجيئون على رأس قائمة الأكثر تأثيرا في كوكبنا، حسب مفهوم (بصمة القدم البيئية).

وبصمة القدم البيئية ecological footprint هي مقياس لمدى التأثير والضغط الذي يخلفه إنسان، أو شعب،في مجمتع معين على البيئة. وهي تمثل مساحة الارض المطلوبة لتزويد السكان، أو الفرد، بالمواد والموارد بشكل عام بناء على معدلات الاستهلاك، المتباينة جغرافيام وكذلك قياس المساحة التي يتطلبها امتصاص نفاياتهم.

وبينما جاءت مالاوي وأفغانستان في ذيل القائمة، فإن بريطانيا احتلت المرتبة الخامسة عشرة من بين البلدان الأكثر تأثيرا بالسلب في البيئة في العالم، وتعادل بصمتها بصمات 33 بلدا إفريقيا مجتمعة.

وقدر التقرير بصمة قدم بريطانيا البيئية بـ000ر470ر317 هكتار. وبما أن عدد سكانها يقدر بـ 9ر59 مليون نسمة، فإن بصمة قدم المواطن البريطاني البيئية تساوي 3ر5 هكتار، بينما يبلغ متوسط بصمة قدم المواطن الإفريقي البيئية في المتوسط 4ر1 هكتار. وهو ما يعني أن بصمة قدم البريطاني البيئية أعلى بنحو 78ر3 من متوسط قرينه في إفريقيا.

ويعيش أكثر من ثلاثة سكان أرباع سكان العالم الآن في بلدان مدينة إيكولوجيا، حيث الاستهلاك على المستوى الوطني يتجاوز قدرة البلاد على إنتاج موارد طبيعية واحتواء انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويتجاوز قدرات التجدد والتعويض الطبيعية.

وهذا ما يعني أنهم «مدينون بيئيون»، وأنهم يقترضون ويتجاوزون الرصيد المسموح به، فيما يتعلق بالأراضي الصالحة للزراعة والغابات والبحار وموارد بلدان أخرى.

ويقول المدير العام لصندوق الطبيعة العالمي جيمس ليب: «معظمنا يعزز نمط حياتنا الحالي، ونمونا الاقتصادي، من خلال السحب - وأحيانا السحب المفرط - من رأس المال الإيكولوجي لأجزاء أخرى من العالم. وإذا ما استمر استنزافنا للكوكب على هذه الوتيرة، فإننا سنحتاج إلى ما يعادل كوكبين بحجم كوكبنا، لمواصلة العيش بالطريقة التي نعيش بها الآن».

بينما يؤكد مدير الشبكة العالمية لبصمة القدم البيئية د. ماثيس واكرناجل: «إن استمرارنا في الإنفاق بالعجز على الصعيد الإيكولوجي سيخلف عواقب اقتصادية وخيمة. فمحدودية الموارد وانهيارات الأنظمة الإيكولوجية ستقودان إلى تضخم ركودي (تضخم مصحوب بركود اقتصادي) واسع النطاق مع هبوط حاد في قيمة الاستثمارات، وارتفاع هائل في أسعار المواد الغذائية والطاقة».

وتمنحنا المقارنة بين بصمة القدم البيئية في بلدان مختلفة قدرة أكبر على استقراء الواقع وإدراك طبيعة المشاكل التي نواجهها. وتقدر بصمة القدم البيئية للمواطن الأمريكي في المتوسط بنحو 4ر9 هكتار- وهي مساحة تعادل مساحة 10 ملاعب كرة قدم. أما البلد الوحيد الذي تجاوز الولايات المتحدة في بصمة قدم الفرد البيئية فهو الإمارات العربية المتحدة، حيث يحتاج الفرد فيها في المتوسط إلى 5ر9 هكتار لكي يستمر في نمط حياته الحالي. وقد احتلت الإمارات، والولايات المتحدة، والكويت، والدنمارك وأستراليا المراكز الخمسة الأولى بينما تحتل المراكز الخمسة الأخيرة بنجلاديش، والكونغو، وهاييتي وأفغانستان ومالاوي. وبينما لا تتجاوز بصمة القدم البيئية للمواطن في الكونغو 5ر0 هكتار، فإن هذا البلد يواجه مستقبلا يخيم عليه انكماش الموارد الطبيعية نتيجة إزالة الغابات والاحتياجات المتزايدة للنمو السكاني وضغوط الصادرات رغم ثرواته الطبيعية الهائلة.

أما على مستوى الدول، فإن الولايات المتحدة والصين هما الأكثر تأثيرا في البيئة، وتحتكر كل منهما 21 في المائة من القدرة الحيوية لكوكبنا. وإذا كان سكان كوكبنا يتمتعون ويعيشون بالنمط الاستهلاكي نفسه الذي يعيش فيه المواطن الأمريكي فإن البشرية ستحتاج حينها إلى أربعة كواكب ونصف الكوكب، بينما المواطن الصيني يحتاج إلى نحو 1ر2 هكتار للاستمرار في نمط حياته الحالي.

واستخدم التقرير مؤشرا بيئيا جديدا هو بصمة القدم المائية. ويبين هذا المؤشر القيمة المائية للسلع. على سبيل المثال يحتاج إنتاج «التي شيرت» القطني إلى 2900 لتر من الماء. وفي المتوسط، يحتاج كل إنسان يعيش على كوكبنا سنويا إلى 24ر1 مليون لتر من الماء (نحو نصف حجم حمام سباحة أوليمبي). لكن استهلاك البشر الفعلي يتباين من 48ر2 مليون لتر للإنسان سنويا (في الولايات المتحدة)، و000ر619 لتر لكل نسمة (في اليمن).

ويواجه نحو 50 بلدا حاليا ضغطا مائيا حادا أو معتدلا، ويتوقع أن يزداد العدد الإجمالي للذين يعانون شح المياه طوال العام أو موسميا بسبب التغيرات المناخية.

كما استخدم التقرير مؤشرا ثالثا، هو «مؤشر الكوكب الحي»، تمت بلورته لقياس تطور التنوع الحيوي العالمي. وأظهر هذا المؤشر انكماشا قدره نحو 30 في المائة منذ العام 1970 في أعداد 1686 نوعا من الثدييات، والطيور، والزواحف، والبرمائيات الأسماك في مناطق العالم كافة. وتزداد الصورة قتامة على نحو خاص في المناطق المدارية، حيث وصلت نسبة هذا التراجع إلى 51 في المائة.

وأمام تراجع هذا المؤشر، تترسخ قناعة متزايدة بأن البشرية لن تتمكن على الأرجح من تحقيق الهدف المتواضع لاتفاقية ريو دي جانيرو حول التنوع الحيوي المتمثل في الحد من اضمحلال التنوع الحيوي العالمي مع حلول العام 2010.

وتقف خلف هذا التراجع الخطير لثرواتنا الطبيعية عوامل مثل تغير المناخ، وإزالة الغابات وتحويل الأراضي لاستخدامها في الزراعة في المناطق الاستوائية، وتأثر بناء السدود وتغيير مجاري الأنهار على الأنواع التي تعيش في المياه العذبة. وأيضا خلف التلوث، والصيد المفرط والصيد المدمر تأثيرات وخيمة على البيئات البحرية والساحلية.

ووصف جوناثان لو، أحد الباحثين الذين وضعوا التقرير الوضع قائلا: «لقد تصرفنا إيكولوجيا بالطريقة نفسها التي تصرفت بها المؤسسات المالية اقتصاديا: البحث عن العائد الحالي السريع دون النظر لعواقب ذلك. لكن عواقب الأزمة الإيكولوجية العالمية ستكون أخطر وأكبر بكثير من الأزمة الاقتصادية الحالية».

ويقول الرئيس الدولي للصندوق العالمي للحياة البرية أميكا أنياوكو: «إن الأحداث الأخيرة أظهرت مدى الحمق الذي نقع فيه عندما نعيش على أكثر من إمكاناتنا. لكن وعلى الرغم من الأثر الكارثي للأزمة المالية الحالية، فإنها لا تعادل شيئا بالمقارنة مع الانتكاسة البيئية التي تنتظرنا».

وأضاف أن خسارة تريليوني دولار في أسواق السندات والأسهم تتضاءل أمام ما قيمته 5ر4 تريليون دولار من الموارد الطبيعية التي تدمر إلى الأبد كل عام.

وكانت دراسة أجرتها المفوضية الأوربية أخيرا قد كشفت أن الاقتصاد العالمي يفقد أموالا نتيجة لاختفاء الغابات تفوق بكثير ما يفقده نتيجة للأزمة المالية الراهنة. وقدرت الدراسة الخسائر السنوية الناجمة عن اجتثاث الغابات بين تريليونين وخمسة تريليونات دولار. وجاء هذا الرقم الهائل بعد إضافة قيمة الخدمات الإضافية التي تقدمها الغابات لنا مثل توفير المياه العذبة وامتصاص ثاني أكسيد الكربون.

وخلص التقرير إلى أن نصف القرن الماضي شهد ازديادا هائلا في الضغوط البشرية على الكوكب بأكثر من الضعفين بسبب النمو السكاني وارتفاع الاستهلاك الفردي. وأدى هذا الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية إلى استنزاف الأنظمة الإيكولوجية فيما تراكمت النفايات في الهواء والتربة والمياه. وكان اقتلاع الغابات وشح المياه وتقلص التنوع الحيوي والخلل المناخي الناجم عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كلها عوامل تفرض ضغوطا متزايدة تعيق توفير مستوى معيشة جيد لمختلف الدول وتنميتها. وأصبح الاستهلاك المستهتر «للرأسمال الطبيعي»، يهدد مصير العالم ورخاءه، بما يجر ذلك من آثار اقتصادية من بينها ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمياه والطاقة.

واقترح التقرير عددا من «أوتاد الاستدامة» الأساسية، التي إن طبقت يمكن أن تتضافر معا لإيقاف الانزلاق نحو الأزمة الإيكولوجية العالمية وإلحاق الضرر غير القابل للإصلاح بأنظمة الدعم على كوكبنا.

وبالنسبة للتحدي المفرد الأكبر أهمية، أي تغير المناخ، بين التقرير أن مجموعة من «الأوتاد» المتجددة والعالية الكفاءة والقليلة الانبعاثات يمكنها أن تلبي الزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة بحلول العام 2050 مع تخفيض في انبعاثات الكربون تتراوح بين 60 و80 في المائة.

ويقول مدير الحملات في الصندوق العالمي للحياة البرية ديفيد نورمان: «نحن البشر كنا ماهرين جدا في صنع المشاكل، لكن بوسعنا أن نكون ماهرين أيضا في حلها. و«عالم مستدام» ليس هدفا مستحيل التحقيق. وبينما يبحث العالم عن استعادة عافية اقتصاداته، يتعين علينا أن نبني استدامة بيئية واقتصادية طويلة الأمد».

 

 

أحمد خضر 





خسائر الطبيعة تتضاءل إلى جانبها خسائر أزمة البنوك





قدرت دراسة أوربية الخسائر السنوية الناجمة عن اجتثاث الغابات بين تريليونين وخمسة تريليونات دولار





البشرية ستحتاج بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي إلى موارد كوكبين لكي نلبي حاجاتنا المتزايدة





خلف التلوث، والصيد المفرط والصيد المدمر تأثيرات وخيمة على البيئات البحرية والساحلية





المواطن الأمريكي يحتاج في المتوسط إلى نحو 4ر9 هكتار لكي يستمر في نمط حياته الحالي، بينما لا تتجاوز بصمة القدم البيئية للمواطن في الكونغو 5ر0 هكتار.. البشر سيدفعون ثمنا باهظا للاستهلاك السفهي





حاجاتنا من الموارد الطبيعية تجاوزت بالفعل ما يمكن لكوكبنا أن يحتمله بنحو الثلث





يعيش أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم الآن في بلدان مدينة إيكولوجيا