تركيا.. والاتـجـاه غـرباً

تركيا.. والاتـجـاه غـرباً

قدمت (الكمالية) مجموعة الأفكار التي بلورها مصطفى كمال أتاتورك, نفسها على أنها المنظومة, التي ستتيح لتركيا الخروج من مرحلة اتسمت بالتخلف والتشرذم, والدخول في عالم الحضارة الغربية, التي مثلت لمصطفى كمال مثال الحداثة والتقدم. وكانت بعض أحاديثه (متطرفة) لجهة الاستلاب بالغرب, وأوربا تحديداً. يقول: (الحضارة التي يجب أن ينشئها الجيل التركي الجديد هي حضارة أوربا, مضموناً وشكلاً. لأن هناك حضارة واحدة هي الحضارة الأوربية, هي الحضارة القائدة, والحضارة الموصلة إلى القوة والسيطرة على الطبيعة, وخلق الإنسان السيد والأمة السيدة.. وإن جميع أمم العالم مضطرة إلى الأخذ بالحضارة الأوربية لكي تؤمن لنفسها الحياة والاعتبار). وفي هذا التوجه كان أتاتورك الاستمرار الأكثر تجلياً لما ذهب إليه بعض مفكري عصر النهضة التركي مثل أحمد مختار الذي قال: (إما أن نصبح غربيين وإما أن نهلك) أو عبدالله جودت الذي كان يقول: (ليس هناك حضارة أخرى, الحضارة تعني الحضارة الأوربية).

وانطلاقا من هذه الرؤى, شرع مصطفى كمال وفريقه, بعد انتصارهم في (حرب التحرير الوطنية) (1919 ـ 1923) وإعادة توحيد الأناضول ورسم حدود الوطن الجديد في معاهدة لوزان (يوليو 1923), في صوغ الأسس الجديدة للبلاد, نظاماً ومجتمعاً, قيماً ومثلاً.

وقد تمثلت هذه الأسس, لاحقاً, في شعار حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك, والذي يرمز إليها بستة أسهم: الجمهورية, القومية, الشعبية, الدولتية, العلمانية, الثورة. لكن هناك ما يتوجب فعله ليكون الطريق أمام تطبيق هذه الأخطار, ممهداً.

وهكذا رأى مصطفى كمال أن ولوج المستقبل, في الحالة التركية, ممكن فقط عبر القطع مع الماضي, وليس فقط الانقطاع عنه. وهو ما كان يعني إعادة بناء الهوية التركية من جديد. فمضى, في خطوات متسارعة, خلال سنوات قليلة, إلى استئصال كل المظاهر التي تمت بصلة إلى الطابع الإسلامي للدولة والمجتمع بدءاً من إلغاء الحرف العربي وحظر الزي التقليدي, إلى منع كل نشاط سياسي أو اجتماعي للطرق الدينية أو أي حركات أخرى.

وهنا بالتحديد, يكمن المأزق الذي وقعت فيه (الكمالية), كما في مرحلة أتاتورك (1923 ـ 1938) كذلك في المراحل اللاحقة وصولا إلى يومنا هذا.

قطع أتاتورك والكمالية مع الماضي (الإسلامي) لكنه لم يستطع, ولم ينجح, ولعله لم يرد, لا هو ولا خلفاؤه في أن يكونوا جزءاً من الحضارة الغربية, بغض النظر عما إذا كانت هذه الحضارة تمثل النموذج الأرقى أم لا. وتجربة 77 عاماً من الكمالية في تركيا وما آلت إليه, عبر سنواتها, اليوم يدفعنا للاعتقاد بأن الكمالية وضعت هدفاً أساسياً (سلبياً) هو بتر تركيا, مجتمعاً وقيماً, عن منظومتها الإسلامية في الداخل والخارج, من دون أن يشكل الإندماج بالغرب هدفاً أساسياً آخر (إيجابياً) بمعنى التفاعل الحقيقي مع عناصر الحضارة الغربية, وتجسيدها على الأرض, في المؤسسات والدستور والقوانين, كما في الممارسات والسلوك داخل المجتمع والعلاقات بين مختلف فئاته.

فصل الدين عن الدولة

ألغى أتاتورك الإسلام ديناً للدولة, وخلال السنوات الأولى من عهده كان يمهد لتشريع (الدين) الجديد, أي العلمانية ويقرها بنداً أساسيا في الدستور. العلمانية, في تعريفها البديهي, المتفق عليه لدى أصحابها في الغرب, هي فصل الدين عن الدولة, وترك الجماعات المدنية في المجتمع تدبير شئونها الدينية بنفسها بالطريقة التي ترتئيها بعيدا عن أي دور للدولة. وعلى هذا تستطيع الجماعات الدينـية أن تبـني جوامعها أو كنائسها أو مدارسـها أو أي مؤسسة أخرى بحرية وبطريقة سلمية. والمفارقة هنا أنه في حين اعترفت معاهدة لوزان للأقليات الدينية في تركيا من مسيحيين (أرمن ويونانيين) ويهود إقامة مؤسساتهم ومدارسهم الخاصة, كانت الدولة (العلمانية) تنزع هذا الحق عن الطوائف الإسلامية حيث يشكل المسلمون 99 في المائة من عدد السكان. وهو ما كان يدعـو نجم الدين أربكان, الزعيم الإسلامي, للقول في أواخر القرن العشرين أن الإسلاميين في تركيا يريدون فقط الحقوق التي تتمـتع بها الأقليات المسيحية واليهودية (!).

وهكذا رفع أتاتورك وخلفـاؤه (العلمانية) شعاراً لم يكن يعني, في الواقع التطبيقي, سوى إمساك الدولة بالشأن الديني وإدارته ورسم خطوطه. كانت العلمانية ومازالت حتى الآن, في تركيا, تعني تدخل الدولة فـي الدين لا فصله عنها.

فمنذ اللحظة الأولى لتأسيس الجمهورية الكمالية العلمانية, كانت الدولة, وبهدف وضع رجال الدين تحت دائرة المراقبة, وبهدف تخريج رجال دين بـ (مواصفات) محددة, تنشيء 29 مدرسة (عام 1924) عرفت باسم (مدارس إمام ـ خطيب) لإعداد أئمة الجوامع وخطبائها, ومع أن هذه المدارس أغلقت لاحقا وبصورة تدريجية, إلا أنها ما لبثت أن عادت عام 1949 تحت صفة (دورات إمام ـ خطيب) إلى أن شرعت قانونياً عام 1951 وكان عددها سبعاً, ليصل عام 1993 ـ 1994 إلى 391 معهداً, متوسطاً وثانوياً, تابعاً للدولة وتهدف حسب دستور 1982, إلى (إعداد عناصر تلبي الاحتياجات الدينية مثل الإمامة والخطابة والتدريس في دورات القرآن الكريم وتطبيق برامج تحضيرية لمن سيدخلون إلى التعليم العالي.

وتدخلت الدولة في الشأن الديني, عندما أنشأت, في جامعة أنقرة, في عهد أتاتورك, كلية للعلوم الدينية باسم (كلية الإلهيات) ما لبثت أن تعممت لاحقاً على مختـلف الجامـعات التركية. والطابع العلماني للدولة, لم يلغ كذلك, فرض تدريس مادة الدين, تحت اسم (الثقافة والمعرفة الأخلاقية) في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة, وفقا للمادة 24 من الدستور الحالي الذي أقر عام 1982, بعدما كانت هذه المادة تعطي لبعض الصفوف بدءاً من العام 1949. أكثر من ذلك, أن جميع أئمة الجوامع والمساجد, وجميع العاملين في دور العبادة والمؤسسات الدينية, التعليمية والاجتماعية, هم بمنزلة موظفين يتقاضون رواتبهم إما من الدولة مباشرة أو من رئاسة الشئون الدينية, وهذه الأخيرة, تُفرد ميزانيتها من ميزانية الدولة وهي بالتالي مؤسسة رسمية. ومن البديهي القول إن توجهات هذه المؤسسة, وجميع الأئمة التابعين لها وعددهم أكثر من سبعين ألف إمام مسجد, تتحدد وفقاً للسياسة التي يرسمها لها النظام. وهذا يتناقض مع أبسط قواعد العلمانية وهي عدم تدخل الدولة في الشأن الديني وترك الجماعات الدينية تنظم نفسها بنفسها وهذا ما هو قائم في جميع الدول الأوربية وأمريكا الشمالية.

الديموقراطية.. السهم الناقص

تعتبر الديموقراطية أحد أهم الأسس التي تقوم عليها الحضارة الغربية, وهي إلى جانب الحريات وحقوق الإنسان, من الشروط التي تفرضها مثلا, الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي, في بعض علاقاتها مع الدول الأخرى. والمفارقة أن الكماليين اليوم, الذين يعودون في كل صغيرة وكبيرة إلى أتاتورك كمرجعية في مختلف القضايا, يفتقدون أتاتوركهم في مسألة الديموقراطية. والأسهم الستة للكمالية التي ذكرناها سابقا لا تتضمن (سهم) الديموقراطية. وإذا كان الكماليون اليوم يبررون غياب الديموقراطية عند أتاتورك بأن الأمة حينها لم تكن مهيأة لها, وبأن أوربا كانت محكومة بأنظمة شمولية مثل هتلر وموسوليني وفرانكو, إلا أن ما هو صحيح أيضا أن الأمة التركية كانت إسلامية بامتياز, فلماذا تكون مثل هذه الأمة مهيأة إذن للعلمانية, ولا تكون مهيأة للديموقراطية, ومن ينكر بأن هؤلاء الزعماء الأوربيين ليسوا نتاج عملية انتخابية ديموقراطية, وأن الديموقراطية كانت تعم معظم القارة الأوربية, ودولها الأساسية, مثل بريطانيا وفرنسا?

تشكل, إذن الديموقراطية, إحدى الثغرات الأساسية من التوجه الأوربي لتركيا في عهد أتاتورك. لكن الثغرة تبدو أكبر, حين تغدو الديموقراطية واجهة الحضارة الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية والفاشية, وبمواجهة الكتلة الشيوعية. وتركيا, التي كانت عسكرياً, جزءاً أساسياً من المنظومة العسكرية للغرب (حلف شمال الأطلسي), لم تنجح في أن تكون كذلك على صعيد الحلقة الديموقراطية. فعلى الرغم من إقرار التعددية الحزبية عام 1945, وإجراء أولي انتخابات ديموقراطية عام 1946, فإن هذه العملية على امتداد السنوات اللاحقة وحتى اليوم اعترتها معوقات كبيرة جعلت منها عاطلة عن أن تكون عملية ديموقراطية حقيقية.

أولى هذه المعوقات تدخل الجيش في السياسة عبر أساليب مختلفة أبرزها القيام بانقلابات عسكرية مباشرة أعوام 1960 و1971 و1980. فإذا كانت السيادة للشعب, كما يقول أتاتورك, فلماذا الانقلاب على حكومات شرعيتها كاملة ومستمدة من برلمان انتخبه الشعب? والمشكلة أدهى وأخطر حين نعلم أن أي انقلاب عسكري, وفقا للقوانين, لا يعتبر غير شرعي, بل منصوص عليه في المادة 35 من (قانون المهمات الداخلية) للجيش الذي يسمح للجيش بوضع يده على إدارة البلاد في حال شعر أن الجمهورية العلمانية في خطر.

ومع ذلك كان العسكر يدركون مضاعفات تدخلهم المباشر, ويسعون ليس لمنعه أو لوقفه, بل لتقليصه إلى أدنى حدود الضرورة. وعلى هذا كانت فكرة تأسيس (مجلس أمن قومي) وإقراره كبند في الدستور عام 1961 أكده من جديد دستور 1982. ومن خلال مجلس الأمن القومي, مارست المؤسسة العسكرية دوراً (شرعياً) كاملاً. إذ يتألف مجلس الأمن القومي (المادة 118 من الدستور) من عشرة أعضاء نصفهم مدنيون فيما النصف الآخر عسكريون وهم: رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية ومن رئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية والجوية والدرك (الجندرمة). ومع أن ما يقرره المجلس لا يتعدى حدود التوصية للحكومة, فإن الحكومات المتعاقبة كانت تتعاطى مع (توصيات) المجلس كما لو أنها (قرارات) ملزمة التنفيذ, وبذلك كان العسكر يمارسون (شرعية) تدخلهم الكامل في كل شاردة وواردة, في القضايا الأساسية و(الصغيرة), من السياسة الخارجية والتسلح إلى الزي والطعام (!).

وبدا في السنوات الأخيرة, أن العسكر لم يعودوا بحاجة إلى تنفيذ انقلابات عسكرية مباشرة, ما داموا قادرين على فرض إرادتهم الكاملة, من خلال مجلس الأمن القومي. وأسطع مثال على ذلك, (التوصيات) التي اتخذها المجلس في اجتماع 28 فبراير 1997 ويطلب فيها من أربكان, رئيس الحكومة حينها, تطبيق كل ما نصت عليه (قوانين الثورة) العائدة لزمن أتاتورك. وما هي إلا أربعة أشهر حتى كان أربكان خارج السلطة بضغوط من الجيش. وينظر الجميع إلى ما جرى يوم 28 فبراير 1997 على أنه (انقلاب مقنع), ويمكن اعتباره الانقلاب الرابع في تاريخ تركيا. والأمثلة على خضوع الحكومة ورجال السياسة لإدارة العسكر كثيرة وصادرة عن لسان زعماء الأحزاب أنفسهم.

وإلى مجلس الأمن القومي والمادة 35 من النظام الداخلي للجيش, تتكبل العملية الديموقراطية في تركيا بعدد كبير من المواد, في الدستور وفي قانون الأحزاب السياسية وفي قانون العقوبات التي تتيح حظر الأحزاب وحرمان الزعماء من العمل السياسي, وسجنهم, بحيث يقوم العسكر, من حين لآخر, بإعادة تركيب الخريطة السياسية بما يتوافق مع المباديء الأساسية للكمالية, ولو تناقض ذلك مع الإرادة الشعبية المعبر عنها في الانتخابات النيابية والبلدية. وهذا يتعارض كلية مع الديموقراطية كإحدى الركائز الأساسية للحضارة الغربية.

الحريات وحقوق الإنسان

من القضايا التي تتباهى بها الحضارة الغربية ذلك المدى الواسع من الحريات والحقوق الممنوحة للأفراد والجماعات ما دامت لا تتخذ العنف وسـيلة للحركة أو للوصول إلى السلطـة. وعلى الرغم من بعض (الخروقات) التي يشهـدها هذا المبدأ في دول غربية (فرنسا تحديداً), فإن انتهاكات حقوق الإنسان والحريات في تركيا شكلت قاعدة على امتداد سنوات الجمهورية. ففـي الدستور والقوانين عشرات البنود التي تحد بصورة كبيرة من الحرية الفكرية وحرية التعبير والكتابة, وفرض عقوبات على كل من يطرح تصورا يتناقض مع الفكر الأتاتوركي أو حتى مجرد انتقاد بعض جوانبه.

من أجل حماية شخصية أتاتورك والعلمانية (بمفهومها الكمالي), حيل بين المجتمع وخياره الحر وبين الفرد وحريته حتى الشخصية. وأصبحت معارضة أو انتقاد كل ما يمت إلى الكمالية بصلة ذنباً يعاقب (مرتكبه). وهذا ما أثار دائما احتجاجات منظمات حقوق الإنسان وانتقادات تقارير منظمة العفو الدولية. فأودع السجن عشرات بل مئات الكتاب والصحافيين ورجال السياسة والمواطنين بسبب فكرة قالوا بها. وتحت ذريعة إثارة النعرات المناطقية والمذهبية والدينية والعرقية الواردة في المادة 312 من قانون العقوبات التركي, تم اصطياد صفوة المعارضين, حرماناً من العمل السياسي, أو سجناً وعلى رأسهم نجم الدين أربكان, وحسن جلال غوزيل ورجب طيب أردوغان (الذي حوكم وسجن لمجرد قراءته أبيات شعر للأب الروحي للقومية التركية ولأتاتورك ضياء غوك ألب!!). وبسبب مواقف معينة لنواب أكراد (بالأحرى أتراك من أصل كردي) في البرلمان في مارس 1993, رفعت الحصانة عنهم, وسيقوا فور خروجهم من البرلمان من رقابهم من جانب الشرطة. ولم تتوقف محاولات محاكمة المفكرين وعلى رأسهم يا شار كمال لأنه طالب بوقف حمام الدم ضد أكراد تركيا. ومن لم يقع عليه الحرمان السياسي أو يذوق طعم السجن كان مصيره التصفية. وهكذا سقط المئات بل الآلاف من الضحايا في ما سمي بـ (جرائم مجهولة الفاعل) والتي كانت تنفذ من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة.

حقوق الأقليات

تعدّ تركيا الآن 65 مليوناً, لكنها فسيفساء من خليط الأعراق والمذاهب, فالأكراد فيها يناهزون الـ 12 مليوناً أي خمس السكان, فيما العلويون يقاربون ثلث السكان. هذا إضافة إلى أقليات عرقية ودينية ومذهبية أخرى.

النفي الديني الذي قامت العلمانية على أساسه, واكبه نفي عرقي, وتحت شعار (هنيئاً لمن يقول أنا تركي) الذي أطلقه أتاتورك مورس أبشع نفي وإلغاء للآخر. لم يعد هناك من أعراق سوى العرق التركي. والجميع تحولوا, بقدرة مؤسس الجمهورية إلى (أمة تركية). وهكذا لم يعترف بالهوية الثقافية لـ 12 مليون كردي, وشنت حملة تتريك واسعة بدءاً من قمع المتمردين وإعدام الزعماء وصولاً, وهذا الأخطر, إلى محاولات تذويب الهوية الكردية. ونزعت عن الأكراد صفة الكردية وتحولوا في نهاية الثلاثينيات إلى (أتراك الجبال) وأطلق المسئولون في تلك الفترة أقسى التعابير بحق الأكراد حين وصفوا بأنهم عبيد, لم يخلقوا سوى لخدمة السيد التركي. وعلى امتداد العقود اللاحقة دمرت أو أحرقت آلاف القرى, في جنوب شرق الأناضول, وهجر مئات الآلاف من أراضيهم بموجب قوانين سنت. ولم يسمح لهم باستخدام لغتهم الأم ولا التعلم أو الكتابة والنشر بها. ورغم التخفيف المحدود في بعض القيود في العام 1991 (بأوامر من طورغوت أوزال), فإن النظام الكمالي مازال يرفض الاعتراف بوجود أقلية عرقية كردية. ومبعث قلق النظام أن ذلك سيكون الخطوة الأولى على طريق انفصالهم واستقلالهم, وحجتهم القانونية أن معاهدة (لوزان) أشارت إلى أقليات دينية لا عرقية.

وهذه القضية بالذات تحتل منذ سنوات عقدة العقد في العلاقات التركية مع الاتحاد الأوربي. واحترام حقوق الأقليات الثقافية واللغوية هو أحد العناوين الأساسية في وثيقة (معايير كوبنهاجن), التي يلزم الاتحاد الأوربي كل من أراد الانضمام إلى ناديه تطبيقها, وهو ما سوف يشكل إحدى أكبر العقبات أمام دخول تركيا هذا الاتحاد.

ما بعد هلسنكي

التطلع الأوربي لدى تركيا, الذي تعود جذوره البعيدة إلى أواخر العهد العثماني, والذي تبلور, شعارات نظرية, مع مصطفى كمال أتاتورك, يصل اليوم إلى مرحلة حاسمة. فتركيا التي فهمت الحداثة الأوربية قطعاً مع الإسلام والماضي, لم ترد جدياً أن تكون جزءاً حقيقياً من الحضارة الأوربية, فمارس كماليوها مفهومهم الخاص لكل القضايا التي تشكل عناصر المنظومة الحضارية الأوربية, من العلمانية والديموقراطية والمجتمع المفتوح والحريات وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان, والمبادرة الفردية واقتصاد السوق وما إلى ذلك. وحين قبلت قمة زعماء دول الاتحاد الأوربي في 11 و12 ديسمبر 1999 إدراج اسم تركيا على لائحة الدول المرشحة للانضمام إلى الاتحاد, فإنما كانت تضع تركيا والكمالية أمام موقف حـرج وخيارات حاسمة.

 

محمد نور الدين

 
 




المنفذ الأوروبي هل يكون الأكثر قربا لتركيا من منفذها الاسلامي





احد الاسواق التركية القديمة حيث تتعايش الازمنة





في استنابول يطرح السؤال حول مدى نجاح اتاتورك في بتر تركيا عن عالمها الاسلامي