صَلاة الفِطر في الأمويّ

 صَلاة الفِطر في الأمويّ

سمعتُ الأذانَ, وكان مُحَلَّى بسُكَّرة الفطر، حَلّتْ فَحلاّ
فراوغني القلبُ لمّا أصاخ وغافلني الدَّمعُ حين استهلا
فوجّهتُ نحو المآذنِ روحاً مُكبّلَةً, وخيالاً أَشلاّ
وعقلاً يُغطي الضبابُ عليهِ فيوشِكُ ألاّ يرى أو يَدُلاّ
ولو كنتُ شمساً إذن لاهتديتُ, فكيف اهتدائي إذا كنتُ ظلا
أنا خاطئ أيّها الأموي فهلاّ غفرتَ ذنوبي هَلا
وكيف السبيلُ لأسبحَ فيك فأغسلَ إثماً وأنسخَ جَهْلا
***
أرى بابك الرحبَ خلفَ الزحام يكسّر قفلا ويجبر قفلا
ليمتحنَ الواقفين عليه فأيٌّ تولّى, وأيٌّ تخلّى
ولكنّهم يدخلون جميعاً فكيفَ سمحتَ بأن تُسْتَغَلا
***
ذهبتُ أصلّي, فلم أستطِع من الازدحام بلوغ المُصَلّى
رأيتُ الدكاكين مثل الفطور تسدّ الطريق وتغزو المحلا
وتزحفُ فوق الجدار العتيق تُموّهُ عهداً ذوى واضمحلا
وكان الأذانُ البعيدُ ينادي كَمَنْ يستغيثَ حبيباً تَوَلّى
وكنتُ أمدّ ذراعي كأنّي من البئر أرجو خلاصاً ووصلا
وما مِن مُغيثٍ سوى ما أردّدُ سرّاً وأنكرهُ إنْ تَجَلّى
***
أزحتُ الدكاكين ثمّ دخلتُ إلى الصحن مستأنياً مُسْتَدلاّ
فأرشدني للمياه الحمامُ وحين توضّأتَ طارَ وعَلّى
فطيّرني مَعَهُ, فارتفعت فأمْسَكْتُ أطرافَ حبلٍ تَدَلّى
فشدّ جذوري وأطلق جِذْعي فأشعلَ نجماً وحرّرَ عقلا
ووزّعني في السماوات نوراً يعودُ إلى نبعهِ مُسْتقلا
وفي لحظةٍ عدتُ نحو المآذ نِ أنقى وأقوى وأشجى وأحلى
أرمّمُ روحي, وكانت جداراً يَسُدّ, فأضْحَتْ مناراً مُطِلاً
***
دخلتُ, وكان الإمامُ يكبّـ ـرُ سَبْعاً, فزدْتُ, فزاد وأغلى
وكانت دمشقُ تمورُ أمامي وحولي وفَوْقي فيحاءَ جَذْلى
وكان الخطيبُ يزيّن عهداً فَيُعْلِنُ قولاً ويُضْمِرُ قوْلا
وما كاد يختِمُ حتى صعدتُ فقلتُ لهُ: لو سمحتَ... فأخلى
فألقَيْتُ مأثرتي, فاستعدتُ ابنَ عبدالعزيز نجيّاً ومولى
وحين أضاءتْ جميعُ الثريّا تِ من فوقنا صِحْتُ: أهلاً وسهل
رأيت الصحابة والتابعينَ ومروانَ مِنْ خلفِهم قد أطلا
وجيشاً مهيباً على رأسهِ عليٌّ وعثمانُ هَبّا لجُلّى
فكبّرتُ للجامعِ الأمويّ يَضُمّ شتيتاً ويمسحُ ذلا
وحين خرجتُ وجدت أمامي بحاراً, وحولي رفاقاً وأهلا
وأشرعةً بانتظار الهبوبِ وأسلحةً, وجنوداً, وخَيْلا
فصرنا إليها, وكان الأذانُ يُدوّي, ويصعدُ أعلى فأعلى...

شوقي بغدادي