الحظيرة مكسوّة بالرخام

 الحظيرة مكسوّة بالرخام

هل صحيح ينام الجميع هنا فوق أكفانهم, هل صحيح يغطّون أوجههم بالمزامير والجوع, هل يملكون سوى سلّة يحشرون بها ما تساقط من أمسيات, يزيلون صوت البكاء من الريح, حين تنام على وجهها الأغنيات, يشقّونها, ويخيطون أرجلها في الرذاذ الخفيف, ويلتفتون معاً في الصباح إلى الخلف, لمّا تهب عليهم رياح الخمّاسين, يبتسمون جميعاً, ويقتسمون الهواء.

هل صحيح ينام الربيع, بعيداً عن البيت, إن نام أحبابنا في مكان بعيد, ويخفض أكتافه الماء, إن سقطت دمعة فوقه, وتميل ذراعان فوق ذراعين, يصبح (آدم) محض غبار خفيف, وإبريق شاي, ويصبح تفّاحة ومنازل, يصبح أطفاله بعض طين قديم, وبعض دماء, وإن ساورتنا الوساوس, سوف نراه (المعذّب آدم) يجلس في مدخل الجنّة القرفصاء.

هل صحيح سينسحب العشب ذات مساء, ويدخل خلف الفناء, وتأتي البنات وسيقانهنّ مبللة, حافيات, وفوق الرءوس جرار تصاعد منها البخار, وأودية... تتشعّب تحت فساتينهن, وعند اجتياز الدهاليز, ينظرن نحو صدى الصوت, يتركنه يتلفّت, حتى ينام على حجر في السماء.

هل صحيحٌ أنا أو سواي, هُمو أو سواهم, جميع المصابين بالسنوات الطويلة فوق العظام, جميع الذين لهم رئتان كآنية, والذين أصابعهم كالملاعق, والمائلون على سندياناتهم والذين إذا انتظروا أغنيات غرائزهم, أطفأوا شمعة, كي يروا ظلهم في الخفاء.

هل صحيحٌ سنرضع من لبن الأمهات, لندفنهن أخيراً, سنهدأ فوق حكاياتهن, لندفنهنّ أخيراً, سنصحبهن إلى حفلات الزواج, ويهدأ أطفالنا في المسافة بين ابتساماتنا وابتساماتهن, لندفنهنّ أخيراً, سنبتاع أدوية للسعال, وأدوية للشرايين, نبتاع أدعية, ثم نمشي وراء سحاباتهن إلى حفرة, ونعود, لنحضن أحزانهن هنالك تحت الغطاء.

هل صحيحٌ سنأكل وجبتنا كل يوم, ونترك أصواتنا تتسكّع في أسقف الحجرات, ونفرك فوق الأسرّة أحلامنا, ونعيث وراء مشاغلنا, نستعين بها إن تساقط من دمّنا الورق الرخو, نرسم كهّاننا بوجوه تشابه أوجهنا في الفراغ, ونتركهم في جحيم الفراغ, ونذهب عنهم, وننتظر الموت في آخر الظل, نعرفه حين تخبط أقدامه سور منزلنا, حين يعطس قرب الممر, ويجلس في حجرة كان يجلس فيها الشتاء.

هل صحيح سأهبط حتى أرى جسدي, عائماً في حبيباته, وأصيح إذا غابت الروح عنه, وظلت ترفرف فوق فهارسها, وغزارة أعشابها, وأصيح إذا اندثرت: أيّها السيد الموت, يا أيها السيد الموت, يا أيها الموت, يا الموت, يا أيها السيد الموت, يا أيها المتكبّر, والمستعان, ويا ذا المروءة, يا ذا الأظفار, يا ذا الجلال, ويا ذا العزيمة والكبرياء.

هل صحيحٌ نشاء الذي لا نكون, فنرفع أصواتنا, أو نكون الذي لا نشاء, فنستاء, يدخلنا الموت من كل ركن يصادفه, فإذا ضاقت الأرض يدخلنا من تجاويفنا, فأراه على خد أختي وفي كفّها, وأراه على فمها فأعانقها ونصير معاً مثل كلبين مندفعين إلى آخر الصحراء.

 

عبدالمنعم رمضان