مساحة ود

مساحة ود

أحلام بعيون مفتوحة

صحيح أن (محمد علي كلاي) الملاكم الشهير، كان متخصصاً بالضربات واللكمات القاضية، إلا أن له كلمة جميلة طيبة، كان يرددها دوماً، قبل أن يلج إلى حلبة الملاكمة، فيقول: من يعش بلا خيال، يعش بلا أجنحة!!.

وبالرغم من أنني لا أحب الملاكمة وأكرهها، وأحسبهم يدرجونها ظلماً مع الرياضة، حتى ولو أنها تسمى من قبل تلطيف عنفها بالرياضة النبيلة، فإن كلمات الملاكم المهيب محمد علي كلاي، جعلتني أطير محلقاً، ليس بلكمة صاروخية منه بالطبع، ولكني أطير محلقاً بأجنحة الخيال، التي أعدها أهم بكثير من أجنحة واقعنا: إني أؤمن بالخيال!، فما لا أستطيع أن أراه، هو من المؤكد أهم بكثير مما أقدر على رؤيته!!.

قبل سنتين دُعيت إلى جامعة من جامعاتنا، للقاء طلبة المرحلة النهائية في قسم اللغة العربية، من أجل مناقشة ومدارسة أدب القصة القصيرة في الأردن، ومن أجل محاورتهم حول عدد من قصصي المنشورة!!، وقبل أن أبدأ، سلمت عليهم، وبدلاً من أن أسألهم عن صحتهم وأحوالهم، سألتهم جاداً: كيف هي أحلامكم؟!، هل أحلامكم بخير؟!

الكثير من الطلبة فجع بهذا السؤال غير المتوقع، ولأنني أحببت أن أجرب، فقد ألححت أن أسمع أجوبةً عدة منهم، أحدهم قال: إنه لا ينام كثيراً، في هذه الأيام، فهو منزوع الأحلام!!، فضحكنا، وآخر قال: إن أحلامه لا تتعدى المرح مع بعض الزملاء والأصدقاء، وأخرى أجابت بثقة: إن أحلامي دوماً أمامي!!، ليلاً ونهاراً، أراها وأنا مغمضة العينين، تماماً كما أراها عندما أفتح عيني: أحلامي هي آمالي التي سأكونها، والتي أطمح أن أنالها!

دهشت من جواب الصبية، وفرحت كثيراً، أن ما زال هناك أناس يملكون أحلامهم، أحلامهم التي سيرافقهم همُّ تحقيقها، حتى النهاية! فلكل منا أسطورته الخاصة، أي لكل منا حلمه الحميم، الذي يراوده وطالما تمنى أن يحققه ويراه واقعاً، فماذا يعني أن يحيا الإنسان بلا حلم؟! أو بلا أسطورة ذاتية؟!

وهناك حقيقة كبيرة في هذا العالم، فأينما كنت، ومهما فعلت، فإنك عندما تريد شيئاً بإخلاص من كل قلبك، تتولد لك (روح العالم)، أو يتولد لك أمر تحس من خلاله، أن كل العالم سيتآمر ليعاونك ويساعدك على تحقيق حلمك، هذا إذا أخلصت فيه من كل قلبك!

لكن المشكلة التي تعم وتطغى، هي أن أغلب الناس لا يكتشفون، أو لا يدركون رسالتهم أو حلمهم أبداً، فيعيشون من دون هدف، فلا يحققون أسطورتهم الذاتية، وتمر حياتهم دون أن يلاحظوا، أو يعرفوا، أو ينجزوا، شيئاً مهماً!

وبما أن لكل منا كنزاً ثميناً باهظاً، يكمن في أحلامنا، فإن لكل حلم ثمنه الخاص، فعليك أن تطارده دوماً، لتجعل العالم يمنحك روحه ويعينك ويساعدك، فلا يكتشف الكنز سوى من يستطيع أن يكتشف معنى الحياة، ولا معنى للحياة.. بلا حلم!

سينبري أحدهم، فيقول لنا: أنتم معشر الذين يحيون على خيالهم وأحلامهم، لستم أرضيين أو واقعيين أبداً، وسأرد عليه: أيهما أفضل، أن يعيش الواحد منا على خياله وأحلامه، أم أن يعيش على ذاكرته ويجتر ماضيه؟!.

 

 

رمزي الغزوي