خيار العم توم

خيار العم توم

قصة للكاتب الإفريقي: تشنوا أشبيبي

سنة تسع عشرة وتسعمائة وألف, كنت موظفا شابا في شركة النيجر, في يومورو. وأن تكون موظفا في ذلك الوقت, مثل كونك وزيرا هذه الأيام, حيث مرتبي يصل إلى جنيهين وعشرة شلنات. قد تضحك لذلك ولكن هذا المبلغ يعادل خمسين جنيها اليوم, فمثلا كان باستطاعتك شراء عنز ضخمة بأربعة شلنات, وأتذكر أن أعلى الموظفين الأفارقة رتبة رجل أصله من سارو, يصل راتبه إلى عشرة جنيهات وثلاثة عشر شلنا وثلاثة بنسات. كان يبدو في أعيننا وكأنه حاكم عام.

ككل الشباب التقدميين فقد التحقت بالنادي الأفريقي, حيث مارسنا لعبة التنس, والبليارد, وفي كل سنة كنا نلعب مباراة مع النادي الأوربي, ولكن ذلك كان أقل اهتماماتي, فما أحببته فعلا كان حفلات الرقص يوم السبت, حيث النساء يتوفرن بأعداد كبيرة, لسن مثل نساء الواو واو اللاتي تشاهدهن اليوم, ولكنهن مخلوقات جميلة أخرى.

كنت أملك دراجة من نوع راللي, جديدة بالمرة, وينعتني الجميع (بن المرح) كانت صحبتي مرغوبة من الجميع, ولكن هناك أمرا ما يتعلق بي ـ بإمكاننا الضحك والهذر, وتناول الكحول, وفعل ما نحب, ولكن علي دائما أن أحتفظ بعقلي سليما. أخبرني أبي أن الابن الحقيقي لهذه البلاد عليه أن يعرف كيف ينام بعين مفتوحة وعين مغلقة, ولم أنس ذلك مطلقا, فصرت ألعب وأضحك مع الجميع وهم يصيحون (بن المرح! بن المرح!) ولكن كنت دائما أعرف ما أفعل. ميزة نساء يومورو أنهن ذكيات جدا, فقبل أن تقول (أ) يقلن (ب) ولهذا السبب اضطررت أن أكون حذرا للغاية, فلم أريهن مطلقا الطريق إلى بيتي, ولم أتناول إطلاقا أي طعام كن يعددنه خوفا من خلطه بأعشاب المحبة, لقد رأيت العديد من الرجال الشبان يضيعون أنفسهم من أجل نساء في تلك الأيام, ولذلك تذكرت مقولة أبي (لا تسمح للمصافحة أن تتعدى المرفق).

لكن لابد أن أقول إن هناك استثناء واحدا, فتاة طويلة, صفراء, من الذين يعيشون بالقرب من المياه المالحة, وتدعى مارجريت. في صباح أحد أيام الآحاد بينما كنت أدير صندوق مشغل الأسطوانات, وكان جديدا من أحسن الأنواع (لم أكن أؤمن باقتناء الأشياء المستعملة, فإذا لم تكن نقودي تكفي لشراء الجديد, لا أحرك ساكنا, هذا هو مثلي الذي أعمل به). كنت واقفا بالنافذة أدير تلك الاسطوانة محتفظا في فمي بعود أمضغ عليه بينما يتجه الناس وهم يرتدون أبهى ملابسهم إلى كنيسة مجاورة, كانت مارجريت هذه تسير معهم عندما رأتني, وليكمل الحظ لعبته, لم أرها في الوقت المناسب لأخفي نفسي, وعليه فقد قامت في نفس اليوم ـ لم تنتظر حتى يوم الغد أو بعد الغد ـ بمجرد انتهاء الصلاة, بالعودة أدراجها, وحسب قولها كانت تريد أن تغير ديانتي إلى طائفة الروم الكاثوليك. إن المعجزات لا تتوقف عن الحدود! مارجريت العملاقة! هذه المخلوقة الجميلة. ولكنني الآن لا أريد أن أقول لكم شيئا عن مارجريت, بل أريد إخباركم كيف توقفت عن حماقاتي.

كان الوقت يوافق ليلة رأس السنة, مثل هذا اليوم تماما, وتعرفون أهمية السنة الجديدة لنا نحن الذين نترقب آخر الشهر بشوق لتمضية أعياد الميلاد بفرح وغبطة, لأنه ما إن يحل عيد الميلاد إلا ويكون قد مضى عشرون يوما عجافا, ولكن يصبح الجيب عامرا مع نهاية العام, ولذلك توجهت إلى النادي في ذلك اليوم.

عندما أراكم شباب اليوم تقولون إنكم تشربون الخمر, يدفعني ذلك إلى الضحك, فأنتم لا تعرفون حتى معنى الخمر, تتناولون زجاجة بيرة, أو كأسا من الويسكي, فتأخذون في الصياح مثل المجانين. تلك الليلة كنت أتعامل برفق مع زجاجة ويسكي (وايت هورس). إلى كل أولئك الراغبين في السفر من إدنبرة إلى لندن أو أي مكان آخر في تلك الطريق عليهم أن يعرجوا إلى القبو حيث مخازن (الوايت هورس) يا إلهي.. يا لعظمة هذا الشراب!

هناك شيء درجت عليه وهو إنني لا أنوع في الشراب أبدا, ففي اليوم الذي أقرر فيه شرب الويسكي أعرف أنه يوم ـ الويسكي, وإذا أردت شرب البيرة يوم الغد أعرف عندها أنه سيكون يوم ـ البيرة, ولا أقرب شيئا آخر. في تلك الليلة كنت أشرب الوايت هورس, ولدي دجاجة مشوية, وعلبة من تبغ غينيا الممتاز, نعم كنت أدخن في تلك الأيام وقد أقلعت عنه عندما أخبرني طبيب ألماني بأن قلبي يشبه في سواده طنجرة الطهي, كان هؤلاء الأطباء الألمان أرواحا طيبة. يعطونك الحقنة في الرأس, أو البطن, أو في أي مكان, فما عليك إلا أن تشير لهم إلى موضع الألم, فيغرزون فيه حقنتهم بدون تأخير.

ماذا كنت أقول? نعم, لقد تناولت زجاجة وايت هورس, واتبعتها بدجاجة مشوية, وعلبة من تبغ غينيا.. ثمل? ليست هذه الكلمة في قاموسي, فلم أثمل مرة في حياتي, كان أبي يقول إن علاج السكر أن تقول لا, وأنا أشرب عندما أرغب وأتوقف عندما أريد, وعليه عند حوالي الساعة الثالثة من تلك الليلة قلت لنفسي لقد شربت بما فيه الكفاية, وركبت دراجتي الرايلي واتجهت إلى بيتي في هدوء لأنام.

في تلك الفترة كان رئيسنا قد سجن لسرقته عدة بالات من القماش وكلفت بالقيام بعمله, ولهذا السبب كنت أسكن بيتا صغيرا للشركة, يطل على نهر النيجر, لدي غرفتان إلى جانب منه, ولدى مسئول المخازن غرفتان أخريان على الجانب الآخر, وليلعب الحظ لعبته, كان ذلك الرجل في إجازة, أي أن بيته خال.

فتحت الباب الخارجي ودلفت إلى الداخل, ثم أغلقته. تركت دراجتي في الغرفة الأولى, ودخلت إلى غرفة النوم. كنت من التعب لأبحث عن المصباح, فنزعت ملابسي ووضعتها على مسند الكرسي, وارتميت كما جذع شجرة على السرير الحديدي الكبير, وأقسم بالله الذي خلقني كانت هناك امرأة في سريري. قال لي عقلي فورا إنها مارجريت, ولذلك أخذت في الضحك وصرت ألمسها هنا وهناك. واصلت الضحك وسألتها عن الوقت الذي حضرت فيه, فلم تقل شيئا وقد شككت أنها قد تكون غاضبة مني لأنها طلبت مني اصطحابها إلى النادي اليوم, ورفضت قائلا: إذا أتيت بنفسك سنلتقي, أما أنا فلا أصحب أحدا هناك, ربما هذا ما يجعلها غاضبة.

طلبت منها ألا تغضب, ولكنها لم ترد, وسألتها إن كانت نائمة, ولم ترد أيضا. رغم إنني أخبرتكم أني لا أحب أن تأتي النساء إلى بيتي, ولكن لكل قاعدة استثناء, وعليه لو قلت إنني غاضب جدا لعثوري على مارجريت في تلك الليلة فسيعني ذلك إنني قلت لكم كذبة بيضاء. كنت مستمرا في الضحك وبدت مثل فتاة في السادسة عشرة أو السابعة عشرة على الأكثر, فقلت لنفسي ربما كان ذلك بسبب الطريقة التي تضطجع بها على ظهرها, ولكن عندما لمست شعرها, وجدته ناعما مثل شعر المرأة الأوربية, فانحبست ضحكتي على الفور.. وقفزت من السرير صارخا (من أنت?) كنت أرتعش, وشعرت بأن رأسي منتفخ كما برميل. انتصبت المرأة جالسة ومدت ذراعيها أمامها تدعوني إليها, ولامست أصابعها جسمي خلال ذلك, مما جعلني أقفز إلى الخلف صارخا في وجهها, لتعلن عن اسمها. ثم قلت لنفسي: كيف يمكن أن تخاف امرأة سواء كانت بيضاء, أو سوداء, إنهما لا يختلفان عن بعضهما. عليه قلت لها (حسنا, سرعان ما أجعلك تفتحين فمك) وفي نفس الوقت بدأت أبحث عن صندوق الكبريت فوق الطاولة, فشكت المرأة في ما أنا بصدده وقالت (بيكو أكباكوانا أوكو).

قلت: (إذن فأنت لست امرأة بيضاء, من تكونين? سأشعل الثقاب الآن إذا لم تخبريني). وهززت بصندوق الكبريت لأبين لها إني جاد في تهديدي. عادت إلي جرأتي من جديد ورحت أحاول أن أتذكر هذا الصوت لأنه بدا لي مألوفا.

(عد إلى السرير وسأخبرك من أكون) كان هذا ما سمعته منها, إن من أوحى لي بأن هذا الصوت مألوف لدي كان يكذب, ولذا أشعلت عود الثقاب.

(أنا استعطفك), وهذا آخر ما سمعته منها.

إذا قلت لكم ما قمت به بعد ذلك, أو كيف تمكنت من الخروج من تلك الغرفة, فلن يكون ذلك إلا تخمينا مني, الذي أتذكره هو أنني كنت أعدو كالمجنون صوب منزل ماثيو, ثم وأنا أطرق بابه بكلتا يدي.

(من هناك?) أتاني صوته من الداخل.

صرخت به (افتح الباب, بحق الإله في الأعالي, افتح).

نطقت باسمي, ولكن صوتي لم يكن هو نفسه. فتح الباب بما يكفي لأشاهد قريبي يمسك ببلطة في يده اليمنى.

سقطت على الأرض, وقال (إن الرب لن يرضى عن ذلك).

لقد كان القدر نفسه الذي قادني إلى منزل ماثيو أوبي في تلك الليلة, لأنه لم يكن بإمكاني رؤية طريقي, ولم أعرف ما إذا كنت لا أزال في هذه الدنيا, أم ميتا. بعد أن دلق على ماثيو ماء باردا, استطعت بعد طول وقت إخباره بما حدث, وأظن أنني أخبرته القصة بالعكس وإلا ما كان يستمر في سؤالي طوال الوقت, كيف كان شكلها, كيف كان شكلها?

قلت له (لقد أخبرتك من قبل, لم أتمكن من رؤيتها).

(أعرف, ولكن ألم تسمع صوتها?).

(نعم لقد سمعت صوتها, ولمستها, ولمستني).

(لا أدري إذا كانت إخافتك لها هو الصواب أم لا).

(لا أدري كيف أفسر ذلك ولكن تلك الكلمات من ماثيو قد فتحت عيني, فقد عرفت للفور, أنه قد جرت زيارتي من قبل مامي ووتا.. سيدة نهر النيجر.

قال ماثيو ثانية: (كل شيء يعتمد على ما تريده من هذه الحياة. إذا كان ما تريده هو الغنى, فأنت إذن قد اقترفت خطأ كبيرا اليوم. ولكن إذا كنت ابنا حقيقيا لأبيك, فخذ بيدي إذن).

تصافحنا, ثم قال (لم يقل لنا أجدادنا أبدا, أن المرء يجب أن يفضل الثروة على الزوجات والأبناء).

هذه الأيام, وفي كل مرة تغضبني فيها زوجاتي, أقول لهن (لا ألومكن, لو كان عندي شيء من الحكمة لفضلت مامي ووتا). (فيأخذن في الضحك ويسألنني, لماذا لم آخذها, وتقول لي أصغرهن: (لا تقلق يا أبي, ستعود حالا, ستعود غدا) ويأخذن في الضحك.

ولكن جميعنا يعرف أنها مجرد مزحة, وإلا أين هو الرجل الذي يفضل الثروة على الأولاد? باستثناء رجل أبيض مجنون مثل الدكتور جي. ام. ستيوارت ـ ينق. أووه, لم أخبركم, في نفس الليلة التي رفضت فيها مامي ووتا, ذهبت إلى الدكتور جي. أم. ستيوارت ـ ينق, وهو تاجر أبيض وصارت عشيقته. هل سمعتم عنه?

... نعم لقد صار أغنى رجل في كل البلاد. ولكنها لم تسمح له بالزواج. وماذا حدث عند موته? ذهبت كل ثروته للغرباء. فهل هذه ثروة مباركة? أنا أسألكم.

كلا, لا سمح الله!

 

فرج الترهوني