عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

جَدَلُ الحياة

مثل البشر، تتجادلُ الأفكارُ في محيطٍ أوسع، يسمحُ لنا بأخذ السمين منها والاستفادة منه، وترك الغث والابتعاد عنه، ولايُمكّننا من هذا الانتقاء سوى تلك الرؤية التي تتسعُ لتكون شاملة، بعيدة عن التحزب والتعصب، نائية عن ضيق الأفق المريض، وصلابة النظرة الواحدة الهشة.

هذا العدد من «العربي» ينقلنا إلى محاور عدة تحيي ذلك الجدل:

رئيس التحرير يتناول ما يمكن أن نعده - ربما - أكثر الموضوعات جدلاً في عالمنا العربي اليوم، حقيقة أوضاع المرأة العربية بعد مرور ستين عاماً على اعتراف العالم بقضايا حقوق الإنسان. الصورة السلبية تشير بأصابع الاتهام إلى الأمية التي تسوِّر محيط النساء، والعنف الذي يسقف فضاءهن، والتمييز الذي يحدد حريتهن، وهن اللاتي يشكلن أغلبية العاملين في الوظائف المنخفضة الدخل والمناصب الدنيا والوظائف ذات الدوام الجزئي، في مقابل ما قدمته المجتمعات العربية في بداية نهضتها، من نماذج مضيئة للفتيات الواعدات المتسلحات بالعلم والمعرفة والطموح الذي أهلهن لبلوغ المناصب، واقتحام مجالات لم يكن معروفا القدرة على اقتحامها إلا من قِبل الرجال؛ في ذلك الوقت.

استطلاع «العربي» في سيوة، الواحة المقدسة بالصحراء الغربية في مصر، يواصل ذلك الحوار بين التاريخ والحاضر، ويؤجج الصراع بين قسوة الصحراء في تلك البقعة النائية ورحمة الطبيعة التي وهبها الله سبحانه وتعالى أسباب الحياة، في الواحة التي لا تعود فرادتها إلى العمارة وحدها، بل تعزى أيضا إلى العادات والتقاليد، المروية والمدونة، الباقية والزائلة، على حد سواء. فعزلة «واحة سيوة» في قلب مثلث رءوس زواياه عواصم مصر وليبيا والسودان، جعل من هذا النَّأي فضلا في تفردها.

العزلة وحدها لا تكفي لخلق حوار، وهذا جدلٌ آخر تطرحه «العربي» يؤكد ضرورة العودة إلى قراءة الجذور، لبناء المستقبل وحصد الثمار، وجذورنا التي يمتدُ أغلبها في قلب الحضارة العربية الإسلامية تكتشف بصيصا من نور، وتتلمسه على صفحات هذا العدد عبر قراءات ثلاث في حوار مع التاريخ، وتواصل عبر الثقافة، واشتباك مع الاستشراق.

وفي مواجهة الإعلام الطاغي عبر وسائط سمعية وبصرية، يقوم جدل مماثل يتناول دور القنوات التلفزيونية، بين سطوتها لترسيخ دور الاستهلاك لدى المشاهدين، ودورها في إعلاء قيم تغييب التفكير لدى الناشئة.

إذا كان الشاعر ت. إس. إليوت قد خاطب أبريل بأنه أقسى الشهور، فقد حاولت «العربي» أن تحول رياح الخماسين فيه إلى نسائم ربيع حافل بمواد تسبح بين الفنون والآداب والعلوم بلا استثناء، داعية القراء الأعزاء لمشاركتها تلك السباحة الآمنة فوق الحروف.

 

 

 

المحرر