مركز البحوث والدراسات: ذاكرة الكويت... وعنوان هويتها

مركز البحوث والدراسات: ذاكرة الكويت... وعنوان هويتها

عدسة: فهد الكوح

من حق جميع الدول والشعوب أن تحفظ تاريخها وتخلد ذكريات أمجادها وأبطالها حتى تتوارثها الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل. الكويت لم تكن حالة استثنائية عن كل ما سبق, حيث مارست حقها المكفول في تعريف نفسها للخارج كدولة عربية تنتمي إلى الوطن العربي الكبير دون أن يخطر ببالها يوماً أنها ستحتاج إلى تعريف نفسها مرة أخرى للداخل!!

ونظراً للتجربة المريرة التي مرت بها الكويت, كان لابد من العودة إلى نقطة البداية, وقراءة هويتها وجوداً وحدوداً بمنظور جديد يكفل تجذير كيانها في ذاكرة التاريخ من جهة, وتعزيز انتماء الكويتيين أنفسهم إلى أرضهم من جهة أخرى.

تلك العودة التي استندت إلى القرارات الدولية الصادرة من قبل مجلس الأمن الدولي, وهي ركائز قوية حصّنت الكيان الكويتي من الابتلاع, وأرغمت الجسد العراقي على عدم ابتلاعه إلى أن عاد إلى حظيرة المجتمعين الدولي والعربي, وعادت الكويت معه مرة أخرى لتمارس دورها فيهما مرة أخرى.

وبروح بعيدة عن الانفعالية, وتتسم بالكثير من المسئولية تجاه الأجيال القادمة, صدر المرسوم الأميري رقم (178) عام 1992 (أي بعد عامين من كارثة الغزو الغاشم) بإنشاء (مركز البحوث والدراسات الكويتية), ليتحمل عبء قراءة وتأصيل هوية الكويت بصورة متجددة متماشية مع المعطيات التي ولدتها المرحلة الاستثنائية.

لقد برزت الحاجة الماسّة لإنشاء مركز البحوث وغيره من المراكز والمؤسسات المماثلة منذ اللحظات الأولى التي تبدلت فيها نغمة الدعاية العراقية من نغمة مساندة الثورة المزعومة في الكويت مروراً بإعادة توزيع الثروة النفطية على العرب وانتهاء بإعلان ضم الكويت إلى العراق الكبير.

ولكن واقع الحال والمنطق يقول إن الكويت بلد مساحته الإجمالي لا تتجاوز (18) ألف كيلومتر مربع, تمكنت قوات الحرس الجمهوري العراقي من تغطيته خلال ست ساعات فقط وبالتالي فقدت الحكومة الكويتية الشرعية جميع وثائقها ومستنداتها, وكان لابد من جمع ما تيسّر من الوثائق والدراسات المتعلقة بالكويت وجوداً وحدوداً سواء من داخل الكويت أو من خارجها عبر تشكيل لجنة تجمع تلك الوثائق, وقد اعتبرت هذه المهمة لاحقاً هي البذرة الأولى التي أثمرت مركز البحوث والدراسات الكويتية.

رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية الدكتور عبدالله الغنيم قدم شرحاً وافياً حول أهداف ومهام المركز, بقوله:

لعل مرسوم إنشاء مركز البحوث لم يتوقف عند بند الإشهار فقط, بل أكمله بمجموعة من الأهداف والمسئوليات أصبحت فيما بعد برنامج عمل ذلك المركز, حيث ألزمه بأن يكون مصدراً وطنياً للعلم والمعرفة بتاريخها وشئونها السياسية والاجتماعية والتراثية وإعداد البحوث العلمية المتعمّقة المتصلة بذلك, وأيضاً نشر نتائج هذه البحوث محلياً وخارجياً بمختلف اللغات والإفادة من نتائجها علمياً وإعلامياً وحضارياً, وتيسيرها للباحثين باستخدام تقنيات متقدمة. ونلاحظ أن المرسوم قد ألزم مركز البحوث والدراسات الكويتية بإطلاق أبحاثه في جميع أرجاء العالم, وليس داخل دائرة صغيرة يعود فيها صوت المركز إلى نفسه كالصدى.

ويضيف الدكتور الغنيم: يجمع المركز كل الوثائق والدراسات المتعلقة بالعدوان العراقي على دولة الكويت وتوثيقها من كل المصادر ويتناولها بالدراسة والتحليل العلمي, ويقوم بنشر الحقائق الدامغة عن أساليب هذا العدوان وممارساته الوحشية ومغالطاته التاريخية لإطلاع الرأي العام على جرائمه وأهدافها ونتائجها, كما يقوم أيضاً بإنشاء مكتبة متخصصة بجمع وحفظ الوثائق والكتب والدوريات والإحصاءات وأوعية المعلومات المختلفة المتعلقة بأهداف المركز.

وتعزيزاً لجميع الأهداف السابقة, يتابع المركز باستمرار كل ما يُنشر ويُذاع عن دولة الكويت في مختلف المجالات, والتصدي بالدراسة العلمية الموضوعية لكل الادّعاءات.

وتعزيز الوعي بعدالة قضايا الكويت وإسهامها الحضاري في التنمية المحلية والعربية والعالمية, وإقامة الندوات والمعارض والنشاطات العلمية والإعلامية, وإصدار مجلة بحثية, والعمل على التواصل مع المؤسسات البحثية المماثلة لتنوير الرأي العام العربي والعالمي.

كتب ووثائق نادرة

قمنا بعد انتهاء حديثنا مع الدكتور عبدالله الغنيم, بزيارة كان لابد منها إلى مكتبة المركز للإطلاع على ما فيها من كتب ووثائق وخرائط نادرة, في البداية دخلنا فرداً فرداً, كنا بالكاد نتحرك داخل تلك المكتبة التي ضاقت بمحتوياتها التي تراكمت عبر سنوات عمر المركز.

اقترب الدكتور الغنيم من إحدى مجموعات الكتب المرصوصة واختار بطريقة عشوائية أحد الكتب وقال: (إن هذه الكتب عبارة عن سلسلة الوثائق البريطانية الصادرة عن الكويت وبعض الدول العربية). والتي صدرت منذ سنوات قليلة مضت عن مؤسسة خاصة بكميات محدودة.

وقد كشف لنا الدكتور الغنيم عن وجود مشروع ضخم بين مركز البحوث وجامعة ويسكونسن الأمريكية لتزويد المركز بقاعدة معلومات ترصد كل ما كُتب عن الكويت في الوثائق والإصدارات والصحف الأمريكية. وكذلك إدخال بعض إصدارات المركز في منـاهج ومقررات وزارة التربية بدولة الكويت.

وحول جمع وأرشفة الوثائق العراقية التي خلفتها القوات العراقية المنسحبة من الكويت في عام 1991م, أكّد لنا رئيس المركز إنه قد تم إدخال نصف مليون وثيقة عراقية في أجهزة الحاسب الآلي لم يحرص جنود الاحتلال على أخذها أو إتلافها يوم انسحابهم بقدر حرصهم على الهرب بما سلبوه من غنائم.

ونوّه الدكتور الغنيم إلى أن جزءاً كبيراً من الوثائق العراقية قد تم استخدامها في بعض إصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية لإدانة قوات الاحتلال العراقي من خلال وثائقه, وعلى سبيل المثال, تم استخدام (176) وثيقة عراقية في كتاب (المقاومة الكويتية من خلال الوثائق العراقية) وهو كتاب يتحدث عن بطولات المقاومة الكويتية ومواجهاتها مع العدو منذ اليوم الأول.

كتاب (تدمير آبار النفط في الوثائق العراقية: الأضرار البيئية والاقتصادية والجهود الكويتية في المحافظة على الثروة النفطية), وفيه يكشف النقاب عن نيّة العدو المسبقة لتدمير الآبار النفطية ومكانتها ضمن مخطط عدوانه على الكويت.

وأخيراً كتاب (مَن سرق الكويت... قراءة في الوثائق العراقية) يتضح من خلاله التعليمات الصريحة الصادرة عن القيادات العليا في النظام العراقي بالنهب والسلب والتدمير وفق خطط مسبقة يكشفها ذلك الكتاب لكي يقدم للعالم دليل إدانة ذلك النظام.

نظرة للتقييم

والآن وبعد مرور ثماني سنوات تقريباً من عمر مركز البحوث والدراسات الكويتية, تندفع إلى الأذهان عدة تساؤلات مشروعة, عن الإنجازات التي حققها المركز, والنقاط التي سجلها في خانة الكويت, بمعنى آخر كان لابد من زيارة المركز وتقييم خطوات مسيرته.

وفي تلك الأثناء, كان هناك حديث آخر امتد لأكثر من ساعتين أجريناه مع وجهين من أبرز العاملين في مركز البحوث والدراسات الكويتية وهما المستشار الدكتور يوسف عبدالمعطي والمستشار سليمان عبدالله العـنيـزي, ذلك اللقاء حصلنا منه على أكثـر ما أردنا, ووجدنا فيه أكثر مما سمـعنا حتى خرجـنا واثقـين بأن هذا المركز البحثي صغير في حجمه وكبير في عمله.

بداية, تمكنا من استخلاص حقيقة مهمة من مجموعة إصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية, وهي أن تلك الإصدارات تنقسم إلى ثلاثة أقسام مهمة, أولها: كتب تتعلق بفترة الاحتلال العراقي لدولة الكويت والدمار الذي ألحقه بها, وثانيها: كتب تؤرخ الوجود الكويتي وتؤصله, وأخيراً كتب تتعلق بالشخصيات والمعالم الكويتية.

وما يرافق تلك الأقسام الثلاثة من مشاركات علمية وندوات ومؤتمرات وتراجم وخلافه يندرج تحت خانة نشر وترويج تلك الإصدارات, وعدم حصرها داخل الكويت أو حتى داخل الوطن العربي.

وحتى لحظة قيامنا بهذا الاستطلاع, كان قد صدر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية ما يفوق المائة كتاب تمت ترجمة أغلبها إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية والتشيكية واليابانية والأوردو وغيرها من اللغات.

ويذكر لنا المستشار سليمان العنيزي حكاية الباحث الياباني الذي بعث برسالة إلكترونية إلى مركز البحوث عبّر فيها عن دهشته لوجود مفكّرين وبحوث على هذا المستوى العلمي في الكويت, بعكس ما كان يتوقعه من صورة سلبية عن ذلك البلد النفطي الصغير والصحراوي وهي الصورة السيئة عموماً التي تظهر في وسائل الإعلام الغربية عن العرب.

ويشير العنيزي قائلاً: (إننا نتعمّد عدم إهداء أي زائر من الضيوف الرسميين أو الباحثين الأجانب أي شيء من إصداراتنا تحقيقاً لهدف أبعد, وما نقوم به هو تسجيل عناوينهم وتركهم يختارون ما يناسبهم من إصدارات وإرسالها لهم في أوطانهم, ونحن بذلك نضمن انتشار إصداراتنا إلى الخارج, وبكميات كبيرة لأن الزائر لن يأخذ معه سوى القليل من الكتب, وإذا ما أتيحت له فرصة الحصول على كميات كبيرة ومتنوعة من الكتب, فهو بالتأكيد لن يرفضها).

واستدرك العنيزي قائلاً: (إن بعض الكتب التي صدرت عن مركز البحوث, تمت الاستعانة بها من قبل جهات معنية برفع قضايا جرائم حرب على رموز النظام العراقي الذين شاركوا في عملية غزو الكويت.

وقد ألمح الدكتور يوسف عبدالمعطي إلى أن مركز البحوث والدراسات الكويتي يتواصل ثقافياً مع ما يفوق الـ3500 مركز ثقافي مماثل في جميع أرجاء العالم, ويتم التبادل معها في جميع الإصدارات, وقد سبق للمركز أن قام بحصر أبرز المراكز الثقافية في العالم, واستقر على العدد المذكور إضافة إلى كبريات الصحف وكتاب الأعمدة, ناهيك عن موقع المركز على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) وهو الأمر الذي سهّل من عملية إرسال وتلقي المعلومات من وإلى جميع أرجاء العالم خلال ثوان معدودة.

قدرة الباحثين

هل إصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية مقتصرة فقط على الباحثين الكويتيين فقط? أم ماذا?

هذا السؤال ألحّ علي منذ أن سمعت أن مركزالبحوث كاد أن يتحوّل إلى دار نشر أو هو كذلك نظراً لكثرة وتنوّع إصداراته.

الإجابة كانت كلا, ومعايير الباحثين تتلخص في القدرة والخبرة وعلاقة البحث بالكويت بصورة مباشرة, كما أن المركز يشجع جميع الأبحاث المتعلقة بالكويت, ويقوم أحياناً بشراء كميات مناسبة من النسخ لكتب تصدر في خارج الكويت لها علاقة بالكويت.

وحول مشاركات المركز الخارجية, أكّد لنا الدكتور يوسف عبدالمعطي أن مركز البحوث والدراسات الكويتية يمثل دولة الكويت سنوياً في مؤتمر دراسات الشرق الأوسط بمدينة نيويورك الأمريكية, ويعرف بمؤتمر (ميسا), ويقام سنوياً في شهر نوفمبر, ويشارك به ما بين 2000 إلى 3000 باحث.

وتعتبر دولة الكويت الدولة العربية الوحيدة المشاركة في ذلك المؤتمر العالمي, ويشارك المركز أيضاً إلى جانب ذلك بندوات ومؤتمرات أخرى بين الحين والآخر.

المختصر

ومن بين مجموعة الكتب المعروضة أمامنا لتسهيل عملية الشرح والاقتباس, وقعت عيناي على كتب صغيرة في حجمها تحمل نفس عناوين وأسماء مؤلفي بعض الكتب المعروضة بضخامة حجمها, وعند استفسارنا عنها علمنا أنها كتب مختصرة للراغبين في القراءة غير المتعمقة, ويطلق عليها (المختصر). كما توجد هناك كتيبات (مختصر المختصر) وهي كتب أصغر تستهدف فئة الباحثين عن المعلومات الرئيسية في الكتاب الأصلي. وأما باقي الكتب والإصدارات, فنظراً لكثرتها فقد استهدفنا منها الأبرز لتسليط الضوء عليها وهي كالتالي:

كتب الشخصيات والمعالم

أفرد مركز البحوث والدراسات الكويتية مساحة لا بأس بها لتخليد أعلام الكويت وتعريف الأجيال الجديدة برجالاتها وسير حياتهم الحافلة بالأحداث.

ومن بين تلك الكتب كتاب (الشيخ عبدالعزيز الرشيد) والملقب بمـؤرخ الكـويت الأول, وقد تطلب جمع مـادة ذلك الكتـاب من مؤلفه الدكتور يعقوب يوسـف الحجي التنقل ما بين الكويت والمملكة العربية السعودية وإندونيـسيا ولندن.

كتاب آخر لمؤلفه الدكتور يعقوب يوسف الغنيم بعنوان (أحمد البشر الرومي.. قراءة في أوراقه الخاصة) وهو أحد أعلام الكويت وأدبائها ممن أثروا المكتبة الكويتية بالعديد من الكتب والمؤلفات من أشهرها معجم المصطلحات البحرية في الكويت والذي يمثل حصاد الخبرة الكويتية عن التراث البحري, ويحمل بين دفتيه ما يقارب الألف مصطلح بحري كان البحارة يستخدمونها في صناعة السفن.

وإلى جانب كتب الشخصيات توجد كتب المعالم وهي سلسلة من الدراسات يقوم مركز البحوث والدراسات بإنجازها بهدف التعريف بالبيئة الكويتية ومكوناتها الطبيعية وخواص الأحياء التي تعمر أرضها. مثل كتاب (تنوع الأحياء في دولة الكويت... دراسة ميدانية), ويتناول هذا الكتاب شعبتين من شعب المملكة الحيوانية هما: شعبة المفصليات/ وشعبة الحبليات.

كما توجد هناك كتب أخرى مثل (البيئة الصحراوية بدولة الكويت), وقد تم تزويد هذا المرجع بما لا يقل عن سبعين صورة فوتوغرافية حديثة توضح الكثير من معالم هذه البيئة التي تشكل مالا يقل عن 90% من مساحة الكويت.

كتب التأصيل

واستمراراً لدور مركز البحوث والدراسات الكويتية في أن يكون أحد المصادر الوطنية للعلم والمعرفة بتاريخ الكويت وشئونها السياسية والاجتماعية والتراثية, فقد صدر عن المركز مجموعة من الإصدارات تتحدث مواضيعها عن تاريخ العملة في الكويت والطوابع البريدية والخدمات الصحية والجمارك.

وفي كتاب العملة الكويتية عبر التاريخ, يعود بنا مؤلف الكتاب عادل محمد العبدالمغني إلى بدايات استخدام العملات في الكويت حيث تم عرض عملات تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد في جزيرة فيلكا التي كانت محطة بحرية تنزل بها الجيوش اليونانية.

كما يقدم لنا هذا الكتاب (الدليل) عملات استخدمت في مرحلة تأسيس الكويت في مطلع القرن السابع عشر, بالإضافة إلى عرض عملات مختلفة مثل النمساوية ثم الروبية بأنواعها وتطورها حتى حلت محلها العملة الكويتية الوطنية بإصداراتها المختلفة منذ عام 1961 وحتى آخر إصدار لها في عام 1995 بمناسبة مرور 50 عاماً على ذكرى إنشاء الأمم المتحدة.

وفيما يتعلق بالطوابع البريدية وخدماتها, فقد صدر كتابان عامي 93 و 94, الأول يعود للمؤلف السابق نفسه ويحمل عنوان (لمحات من تاريخ طوابع البريد في الكويت), وقد صدر بمناسبة سبعين عاماً على إصدار أول مجموعة طوابع بريد تحمل اسم الكويت, وقد تم تداولها في الكويت ابتداء من عام 1923.

أما الكتاب الثاني, فيحمل عنوان (تاريخ الخدمات البريدية في الكويت), ويقدم مؤلفه محمد عبدالهادي جمال متابعة تاريخية لخدمات البريد بشكل عام وفي دولة الكويت بصفة خاصة على نحو يبرز نمو هذه الخدمات وتوسعها ومراحل تطورها خلال مائتي عام تمثل عمر الخدمة البريدية, وأشهر محطاته مثل: مكتب البريد الهندي في الكويت ومكتب البريد البريطاني الذي خلف المكتب الهندي بعد استقلال الهند, وبدء إصدار طوابع بريدية تذكارية للكويت عام 1947, وتأسيس مكتب للبريد الوطني عام 1956 واتساع الخدمة البريدية وتطويرها محلياً ودولياً.

وهناك موضوع أهمله الكثير من الباحثين وهو تأريخ الخدمات الصحية في الكويت على مدى حقبة من الزمن, وقد تمكن كتاب (تاريخ الخدمات الصحية في الكويت منذ النشأة وحتى الاستقلال) لمؤلفه الدكتور خالد فهد الجارالله من تغطية الحالة الصحية في الكويت منذ عام 1904 إلى عام 1951 من خلال الوثائق البريطانية, وقد تابع الكتاب الأوبئة في الكويت وحدد أنواع الأمراض الشائعة خلال فتـرة ما قبل النفط, وتطور أساليب مواجهتها وعلاجها, ويختتم الكتاب فصوله بعرض شامل للإنجازات الصحية بدولة الكويت في الخمسينيات وحتى تاريخ استقلالها 1961 موضحاً مـدى ما وصل إليه الجهاز الفني في دائرة الصحة العامة من تقدم وتطور حتى هذا التاريخ.

وأخيراً نأتي إلى موضوع بداية ظهور النظام الجمركي في الكويت ودور ذلك المرفق المهم من بين منظومة المرافق والمؤسسات الاقتصادية التي أسهمت في الارتقاء بالعديد من الخدمات الحيوية لدولة الكويت.

وقد صدر حول ذلك الموضوع كتابان (الجمارك الكويتية... نشأتها وتطورها) و (نشأة الجمارك الكويتية ودورها في تدعيم سيادة الكويت على منافذها), وقد صدر الكتاب الأول بمناسبة الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيـس إدارة الجمارك الكويتية, وهو يعـد من الدراسات العلمية المؤيدة بالوثائق التاريخية للقوانين والنظم واللوائح الضابطة لحركة الصادر من هذه البلاد والوارد إليها عبر منافذها البرية والبحرية.

أما الكتاب الثاني, فيركز على تاريخ إنشاء الإدارة الجمركية في الكويت والصراعات الإقليمية والدولية المتعلقة بهذا الأمر, ويوضح كيف واجهت الكويت الأطماع والمشكلات التي اعترضتها في سبيل تدعيم هذا المرفق المهم وتأكيد سيادتها عليه مع الإشارة إلى أهم الاتفاقات العربية والعالمية.

ويعتبر كتاب (الكويت وجوداً وحدوداً) الذي صدر عام 1991 وترجم إلى ثماني لغات من أول وأشهر الكتب التي صدرت عن مركز البحوث والدراسات الكويتية, حيث تم فيه تصحيح بعض المعلومات التاريخية حول نشأة الكويت والتي كانت تقول إنها كانت في منتصف القرن الثامن عشر, في حين أن ذلك الكتاب أكّد مدعماً بالوثائق أن وجود واستقلالية الكويت بدأ منذ عام 1613م.

ويتناول ذلك إلى جانب الوضعية التاريخية لنشأة الكويت, محطات من تاريخ العلاقات الكويتية - العراقية وجذور الأزمة السياسية التي أدت إلى قيام العراق بغزو شامل لدولة الكويت.

كما صدر كتاب (أصـول الكويت) باللغة الإنجليزية وفيه يستعرض البروفسـور سلوت نشـأة الكويت وبدايات تاريخها وتطوّرها على امتداد حوالي مائتي عام منذ عام 1615 موثقاً ما أورده من حقـائق ومعلـومات بالوثائق التاريخية.

وقد ركّز سلوت على مجموعة الخرائط المحفوظة في الأرشيف العام للدولة بهولندا, وخرائط تغطي الفترة حتى الستينيات من القرن التاسع عشر, كما يبين الكتاب أول حدود وضعت للكويت في القرنين السادس عشر والسابع عشر.

وقد ألقت مادة الكتاب الضوء على فترة غامضة من تاريخ الكويت قبل عام1800م حيث يحتوي على مجموعة من الخرائط والصور الفوتوغرافية التي تغطي أهم الأحداث والوقائع في منطقة الخليج العربي التي تضم الكويت حتى عام 1820م.

ويقدم كتاب (أصول الكويت) شهادة يعود زمنها إلى عام 1758م عندما رصد طبيب هولندي يدعى (إيفيس) كان يزور منطقة الخليج ومر بجانب الكويت خروج قافلة مكوّنة من خمسة آلاف جمل ويحرسها ألف رجل وهو الأمر الذي يدل على حجم الانتعاش الاقتصادي الذي كانت تتمتع به الكويت آنذاك, وقد وردت تلك المعلومات في الصفحة 139.

إن كتاب مثل أصول الكويت يحث أي باحث في منطقة الخليج عموماً, والكويت على وجه الخصوص للسؤال عن : كيف عاش أهل الكويت دون نفط? البعض يرى أن الكويت ظهرت على سطح الأرض بعد اكتشاف النفط في باطن أرضها, أي في فترة الأربعينيات من القرن العشرين. والبعض الآخر وهو الأصح رأياً يرى أن الكويت أمة بحرية بالدرجة الأولى كافح أهلها وناضلوا من أجل لقمة العيش الشريفة وركبوا البحر وأهواله سعياً لتحقيق ذلك الهدف إلى أن منّ الله عليهم بنعمته وفجّر تحت أقدامهم ينابيع الذهب الأسود.

الموطأ: شهادة تاريخية

لعل من بين أهم الكتب التي أصدرها مركز البحوث والدراسات الكويتية كتاب (الموطأ) لإمام الأئمة وعالم المدينة مالك بن أنس - رضي الله عنه - وتبدأ قصة هذه المخطوطة الثمينة عندما قام المغفور له مسيعيد بن أحمد بن مساعد بن سالم في عام 1094 هـ الموافق 1682م في جزيرة فيلكا إحدى جزر الكويت بنسخ كتاب الموطأ بخط أنيق مشكول جعل منه جوهرة فريدة في عالم المخطوطات. انتهى بها المطاف إلى مكتبة المرحوم الأستاذ عبدالعزيز حسين وهو أحد أعلام التنوير في الكويت وإلى أن أعيد تصوير الكتاب مرة أخرى من قبل مركز البحوث عام 1997.

ووجود هذه المخطوطة على أرض الكويت ونسخها على هذا النحو المميز يدل على ما كان لعلماء الكويت من إسهامات علمية تعود إلى قرون عدة مضت, ويؤكد ازدهار الحياة العلمية والثقافية على أرض الكويت في تلك العصور الباكرة.

ويدل هذا التراث العلمي بكل جلاء على أن الكويت كانت كياناً حضارياً مستقلاً منذ قرون عدة. مما يؤكد ما وصل إليه الباحثون في مركز البحوث والدراسات الكويتية من أن الأدلة كلها تتضافر على أن الوجود الكويتي المستقل قد بدأ منذ عام 1613م.

وقد جاء تحقيق هذه المخطوطة ونشرها بتعاون مشترك بين مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ومركز البحوث والدراسات الكويتية والصندوق الوقفي للثقافة والفكر.

خاتمة

تجربة مركز البحوث والدراسات الكويتية تؤكد على أهمية قيام كل دولة عربية بتوثيق تاريخها وحفظ وقائع أصبحت في ذمة التاريخ, لكنها تظل دائما لدى الشعوب الحيّة نبراساً هادياً وضوءا ينير الطريق للأجيال ويحفظ ذاكرة الوطن, وتراث أبنائه:

ويمكن القول إن مركز البحوث والدراسات الكويتية قد حلق في فضاءات أرحب من الغوص فقط في بحار الماضي أو في أشهر الاحتلال السبعة, وأنشطته تعكس بصورة جليّة سلامة الرؤية المستقبلية لحقيقة أن الماضي (آجلاً أم عاجلاً) ستجف ينابيعه يوماً من الأيام, أما المستقبل فلا نهاية لفصوله.

 

 

إبراهيم المليفي