من رحمة الله أن
رخص للمريض الإفطار في شهر الصيام. قال تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام
أخر [البقرة 184].
وإن كلمة "مريض" قد
تبدو غير محددة، فقد تبتدئ بأبسط الأمراض، وتنتهي بالأمراض المستعصية التي لا يرجى
برؤها، وترك الله تعالى للطبيب الأخصائي المسلم أن يقرر ما إذا كان المريض قادرا
على الصوم، أم أن في الصوم ضررا على المريض وحياته.
فإذا أخبر الطبيب
المسلم مريضه أنه إذا صام أدى صيامه إلى زيادة المرض عليه أو إلى هلاكه، وجب عليه
الإفطار ، بحيث أنه إذا صام ومات، فإنه آثما كما يذهب إلى ذلك كثير من العلماء
والفقهاء. ومما لا شك فيه أنه لا ينصح بالصوم في أمراض معينة، في حين هناك أمراض
أخرى يكون لها الصيام علاجا كالسمنة وما يرافقها من أمراض واضطرابات الجهاز الهضمي
وغيرها.
ولا شك أن في
الصيام فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب. كما أن المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم
يستطيعون الصيام، شريطة تناولهم الدواء بانتظام. وهناك حاليا أدوية لارتفاع ضغط
الدم تعطى مرة أو مرتين فقط في اليوم.
ويفيد الصيام في
علاج ارتفاع ضغط الدم، فإنقاص الوزن الذي يرافق الصيام يخفض ضغط الدم بصورة
ملحوظة.
وينصح المريض
المصاب بقصور القلب (فشل القلب) الحاد بعدم الصيام، حيث يحتاج إلى تناول المدرات
البولية، وربما بجرعات عالية. أما إذا استقرت حالة المريض فربما يستطيع الصيام.
وينبغي استشارة الطبيب، فهو الذي يقرر ما إذا كان المريض يستطيع الصوم أو
لا.
أما المريض المصاب
بالذبحة الصدرية فيستطيع الصيام إذا كانت أعراض الذبحة مستقرة بتناول العلاج، ولا
يشكو المريض من أي ألم صدري.
وهناك حاليا أدوية
للذبحة الصدرية تعطى مرة واحدة، أو اثنين في اليوم. ولا ينصح المرضى المصابون
بالذبحة الصدرية غير المستقرة، أو أولئك الذين يحتاجون إلى تناول حبوب
النيتروغليسرين تحت اللسان بالصيام. كما أنه لا ينصح مرضى الجلطة الحديثة بالصيام
إلا إذا تماثل المريض للشفاء، وعاد إلى حياته الطبيعية، فيمكن الصيام مع تناول
الأدوية بانتظام.
ويستعمل كثير من
مرضى القلب، كذوي الصمامات الاصطناعية، وبعض مرضى الجلطة القلبية وغيرهم دواء يزيد
سيولة الدم، ويمنع حدوث تخثر فيه، ويطلق على هذا الدواء عادة اسم "وارفرين". وقد
أظهرت دراسة حديثة قام بها باحثون في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض أنه بإمكان
هؤلاء المرضى الذين يستعملون هذا العلاج الصوم دون أي ضرر
يذكر
وينبغي عدم الصيام خلال فترة الأسابيع الستة التي تلي عمليات
جراحة القلب، كما ينصح المرضى المصابون بضيق أو قصور شديد في صمامات القلب بعدم
الصيام.
مريض جهاز
الهضم
يتساءل مرضى القرحة
الهضمية عن إمكان صومهم في شهر رمضان. والحقيقة أن ذلك يعود إلى تقدير الطبيب
للحالة، وفيما إذا كانت القرحة قد شفيت تماما بالعلاج أم لا. وكثيرا ما يستطيع
المصابون بقرحة مزمنة الصيام، شريطة تناول الأدوية المثبطة لإفراز الحمض المعدي
كالزانتاك والتاغاميت وأمثالها عند السحور وعند الإفطار. كما ينبغي إبلاغ الطبيب
فورا إذا ما لاحظ المريض المصاب بإحدى الحالات التالية الإفطار:
1- القرحة الحادة: حين يشكو المريض من الألم عند
الجوع، أو ألم في الليل يوقظه من النوم.
2- عند حدوث انتكاسة حادة في قرحة
مزمنة.
3- حين حدوث مضاعفات القرحة، كالنزيف الهضمي، أو
في حال عدم التئام القرحة برغم الاستمرار بالعلاج الدوائي أما المصابون بعسر الهضم
" Dyspepsia " دون
وجود قرحة مرافقة - فكثيرا ما تتحسن أعراضهم بصيام رمضان.
ينصح هؤلاء المرضى بتناول وجبات صغيرة من الطعام،
وتجنب التخمة والأطعمة الدسمة أو الحلويات. وأما المريض المصاب بالإسهال، فينصح
بالإفطار، وخاصة إذا كان الإسهال شديدا، فالمريض في تلك الحالة بحاجة إلى تعويض ما
يفقده من سوائل وأملاح بسبب الإسهال. كما ينصح المصابون بالتهاب الكبد الفيروسي
الحاد ، أو بأمراض الكبد المتقدمة بالإفطار.
أما بالنسبة لمرضى الكلى فلا شك أن حدوث الحصيات
الكلوية يزداد في المناطق الحارة، بسبب عدم تناول كميات كافية من السوائل تعوض ما
فقده الجسم من الماء أثناء التعرق.
والواقع أنه إذا لم يكن لدى المرء حصيات كلوية من
قبل، فلا داعي للقلق في رمضان أما الذين لديهم حصيات أو يتكرر حدوث حصيات كلوية،
فيمكن أن تزداد حالتهم سوءا بالجفاف إذا لم يشرب المريض السوائل بكميات
كافية.
ويستحسن في مرضى الحصيات الكلوية الامتناع عن
الصيام في الأيام الشديدة الحرارة، حيث تقل كمية البول، مما يساعد على زيادة حجم
الحصيات، أو تشكيل حصيات جديدة. وكقاعدة، ينصح مرضى الحصيات الكلوية بتناول كميات
كافية من السوائل في المساء وعند السحور، كما ينبغي تجنب التعرض للحر والمجهود
المضني أثناء النهار. ويوصى هؤلاء المرضى بالإقلال من تناول اللحوم، والأطعمة
الغنية بالأوكسالات، كالسبانخ والسلق والمكسرات وغيرها.
وينصح المريض المصاب بمرض كلوي باستشارة طبيبه
قبل البدء بالصوم، فالمصاب بتخرب في لب الكلية يمكن أن يتعرض لحدوث الفشل الكلوي
إذا لم يشرب كمية كافية من الماء. أما المريض المصاب بفشل كلوي ويتلقى الغسيل
الكلوي، فينصح بعدم الصوم في اليوم الذي يأتي فيه لإجراء الغسيل
الكلوي.
وهناك كثير من مرضى الربو الشعبي ( القصبي ) من
يحتاج إلى تناول بخاخ الربو مثل الفنتولين ventolin
أو البيكوتيد becotid
وأشباههما. وهناك من العلماء الأفاضل من أفتى بأن
هذه البخاخات لا تفطر، كفضيلة الشيخ ابن عثيمين. وقد تكون نوبات الربو خفيفة لا
تحتاج إلى تناول أدوية عن طريق الفم. كما يمكن إعطاء المريض أقراص الأمينوفللين
طويلة المدى عند الإفطار والسحور. أما في الحالات الشديدة من الربو القصبي فينبغي
الإفطار، كما ينبغي الإفطار إذا أصيب المريض بنوبة ربو حادة لم تستجب للعلاج
المعتاد. أما في حالات التهاب القصبات الحاد أو التهاب الرئة، فيعتمد الأمر على ما
إذا كان المريض في حاجة إلى مضادات حيوية كل 6 أو 8 ساعات، كما يعتمد على الحالة
المرضية للمريض. ويستطيع الطبيب الأخصائي رأيه فيما إذا كان بمقدور المريض الصوم أم
لا.
وهناك من المرضى المصابين بالداء السكري من
يستطيع الصوم في رمضان دون مشقة تذكر، ومنهم من لا يسمح له أبدا بالصيام. فالمريض
المصاب بالسكري الكلي ( سكر النضج ) الذي يعالج بالحمية الغذائية فقط يستطيع
الصيام، بل إن الصيام يفيد في علاج مرضه.
كما يستطيع المصاب بالسكري الكلي الذي يعالج
بالأقراص الخافضة لكسر الدم صيام رمضان شريطة الانتباه إلى تعليمات الطبيب بشأن
تغيير مواعيد وجرعة الحبوب. فالذي يتناول حبة واحدة يوميا من الدواء الخافض لسكر
الدم يستطيع الصوم عادة على أن يفطر بعد آذان المغرب مباشرة على تمرتين أو ثلاث مع
كأس من الماء. وبعد صلاة المغرب يتناول وجبة الدواء تك يبدأ بالوجبة الرئيسية
للإفطار. أما الذي يتناول حبتين يوميا فيستطيع الصوم عادة على أن يتناول حبة واحدة
قبل الإفطار ونصف حبة قبل السحور، بدلا من الحبة الكاملة التي كان يتناولها قبل شهر
رمضان. وهكذا بالنسبة لأكثر من حبتين يوميا، بحيث يكون المبدأ إنقاص جرعة ما قبل
السحور إلى النصف، بناء على توجيه طبيبه المعالج.
أما إذا كان المريض يتناول أقل من 40 وحدة
أنسولين يوميا مرة واحدة في اليوم، فإن موضوع الصوم متروك تماما للطبيب المعالج،
فإذا سمح بالصوم، فينصح بأخذ جرعة الأنسولين قبل وجبة الإفطار مباشرة. ولا ينصح
المريض الذي يتعاطى أكثر من 40 وحدة أنسولين يوميا بالصوم أبدا. وهناك وصايا عامة
لمرضى السكري الصائمين ومنها:
1- حافظ على نفس
كمية ونوع الغذاء ( السعرات الحرارية ) الذي وصفه لك طبيبك
المعالج.
2- قسم هذه
الكمية إلى ثلاثة أجزاء متساوية، بحيث تتناول الأولى الإفطار، والثانية بعد صلاة
التراويح، والثالثة عند السحور.
3- ينصح بتأجيل
وجبة السحور قدر الإمكان.
4- ينبغي ممارسة
النشاط اليومي بشكل عادي مع تجنب الإجهاد، وأخذ قسط من الراحة في فترة ما بعد
الظهر.
5- يجب تجنب بعض
أطباق رمضان التقليدية التي لا تناسب مرضى السكر.
أما مرضى السكر
الذين لا يستطيعون الصوم فهم:
1- مريض السكري
الشبابي.
2- مريض السكري
الذي يتعاطى أكثر من 40 وحدة أنسولين يوميا، أو يعطي الأنسولين مرتين
باليوم.
3- المصاب
بالسكري غير المستقر.
4- المريضة
الحامل المصابة بالسكري.
5- المريض الذي
أصيب بحماض ارتفاع السكر قبل أيام من دخول شهر الصيام.
وينبغي الإشارة
إلى أنه على المريض الذي يصاب بنوبات نقص السكر، أو الارتفاع الشديد في سكر الدم أن
يقطع صيامه فورا - ولو قبل دقائق من موعد الإفطار - لأنه يضطر إلى علاج
فوري.
وبصفة عامة فإن
السماح لمريض السكري بالصوم أو عدمه، متروك تماما للطبيب المعالج دون غيره. وأخيرا
ينبغي تأكيد ضرورة استشارة الطبيب الأخصائي المسلم فإن أوصاه بالصيام نظم مواعيد
الأدوية المستخدمة بطريقة تتناسب مع وقت الصيام. ويوصى المريض بتعجيل تناول الدواء
عند الإفطار، وتأخير جرعة السحور.
إن ما ذكرناه
سابقا هو إرشادات طبية عامة، وأما القول الفصل في صيام المريض أو عدمه فيعود للطبيب
المعالج.