ابنـك هو سلوكك التعامل مع الأبناء فن له أصول
ابنـك هو سلوكك التعامل مع الأبناء فن له أصول
معاملة الأبناء فن يستعصي على كثير من الآباء والأمهات في فترة من فترات الحياة. وكثيراً ما يتساءل الآباء عن أجدى السبل للتعامل مع أبنائهم. إن إحساس الولد بنفسه يأتي من خلال معاملتك له, فإن أنت أشعرته أنه (ولد طيب), وأحسسته بمحبتك, فإنه سيكوّن عن نفسه فكرة أنه إنسان طيب مكرّم, وأنه ذو شأن في هذه الحياة. أما إذا كنت قليل الصبر معه, فتشعره بأنه (ولد غير طيب), وتنهال عليه دوماً باللوم والتوبيخ, فإنه سينشأ على ذلك, ويكوّن فكرة سلبية عن نفسه, وينتهي الأمر إما بالكآبة والإحباط, أو بالتمرّد والعصيان. وإذا رأيته يفعل أشياء لا تحبّها, أو أفعالاً غير مقبولة, فأفهمه أن العيب ليس فيه كشخص, بل إن الخطأ هو في سلوكه وليس فيه كإنسان. قل له: (لقد فعلت شيئاً غير حسن) بدلاً من أن تقول له (إنك ولد غير حسن). وقل له: (لقد كان تصرّفك مع أخيك قاسياً) بدلاً من أن تخبره (إنك ولد شقي). ومن الأهمية أن يعرف الوالدان كيف يتجاوبان برفق وحزم في آن واحد مع مشاعر الولد, فلا مواجهة حادّة بالكلام أو الضرب, ولا مشاجرة بين الأم وابنها, إنما بإشعاره بحزم أن ما قاله شيء سيئ لا يمكن قبوله, وأنه لن يرضى هو نفسه عن هذا الكلام. ولا يعني ذلك أن يتساهل الوالدان بترك الولد يفعل ما يشاء, بل لابد من وجود ضوابط واضحة تحدد ما هو مقبول, وما هو غير مقبول. فمن حق الطفل أن يعبّر عن غضبه بالبكاء أو الكلام, ولكن لا يُسمح له أبداً بتكسير الأدوات في البيت, أو ضرب إخوته ورفاقه. أحبب أطفالك بحكمة ولا يمكن للتربية أن تتم دون حب. فالأطفال الذين يجدون من مُربيهم عاطفة واهتماماً ينجذبون نحوه, ويصغون إليه بسمعهم وقلبهم. ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحرصا على حب الأطفال, ولا يقوما بأعمال تبغضهم بهما, كالإهانة والعقاب المتكرر والإهمال, وحجز حرياتهم, وعدم تلبية مطالبهم المشروعة. وعليهما إذا اضطرا يوماً إلى معاقبة الطفل أن يسعيا لاستمالته بالحكمة, لئلا يزول الحب الذي لا تتم تربية دونه. وليس معنى الحب أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت أو المدرسة, يقومون بما تهوى أنفسهم دون رادع أو نظام. فليس هذا حبّاً, بل إنه هو الضعف والخراب. وإن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات, وسوقهم إلى ميادين الجهاد, وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين. وكلّ ذلك لم يسبب فتوراً في محبة الصحابة لنبيهم, بل كانت تزيد من محبتهم وطاعتهم لنبيّهم. ويحتاج الأب لكي يظفر بصداقة أبنائه إلى عطف زوجته واحترامها له. فالزوجة الصالحة التي تُشعر أبناءها في كل وقت بعظمة أبيهم, وتقودهم إلى احترامه وحبّه, وتؤكد في أنفسهم الشعور بما يملك من جميل المناقب والخصال. وهي تقول للطفل (تمسّك بهذا الخلق, فإنه يرضي أباك), و (تجنّب ذلك الخلق فإنه يغضب أباك ويغضب ربك). استمع إلى ابنك إذا أتاك ابنك ليحدّثك عمّا يجري معه في المدرسة, فلا تضرب بما يقول عرض الحائط. فحديثه إليك في تلك اللحظة - بالنسبة له - أهم من كل ما يشغل بالك من أفكار. فهو يريد أن يقول لك ما يشعر به من أحاسيس, بل وربما يريد أن يعبّر لك عن سعادته وفرحه بشهادة التقدير التي نالها في ذلك اليوم! أعطه اهتمامك إن هو أخبرك أنه نال درجة كاملة في ذلك اليوم في امتحان مادة ما. شجّعه على المزيد, بدلاً من أن يشعر أنك غير مبال بذلك, ولا مكترث لما يقول. وإذا جاءك ابنك الصغير يوماً يخبرك بما حدث في المدرسة قائلاً: (لقد ضربني فلان في المدرسة) وأجبته أنت: (هل أنت واثق بأنك لم تكن البادئ بضربه?) (فتكون حقّاً قد أغلقت باب الحوار مع ابنك, حيث تتحول أنت في نظر ابنك من صديق يلجأ إليه إلى محقق أو قاض يملك الثواب والعقاب. بل ربما اعتبرك ابنك أنك محقق ظالم يبحث عن اتهام الضحية ويصرّ على اكتشاف البراءة للتعدّي عليه. فإذا تكلم الابن أولاً إلى والديه, فعلى الوالدين إبداء الانتباه, وتواصل الحوار, وينبغي مقاومة أي ميل إلى الانتقاد أو اللامبالاة بما يقوله الابن. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال ويرأف بهم, ومن ذلك مواقفه المعروفة مع أحفاده وأبناء الصحابة رضوان الله عليهم. روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبّل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا, فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحداً. فنظر الرسول الكريم إليه ثم قال: وكان معاوية رضي الله عنه يقول: (من كان له صبي فليتصاب له). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال فيمسح رءوسهم, فيشعرون بالعطف والحنان. فعن عبدالله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي وقال: كما كان يمسح خدّ الطفل كما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان - أي صبيان - فجعل يمسح خدّي أحدهم واحداً واحداً. وروى النسائي: اترك لطفلك بعض الحرية وأسوأ شيء في دورنا ومدارسنا - كما قال أحد المربين - المراقبة المتصلة التي تضايق الطفل وتثقل عليه, فاترك له شيئاً من الحرية, واجتهد في إقناعه بأن هذه الحرية ستُسلب إذا أساء استعمالها. لا تراقبه ولا تحاصره, حتى إذا خالف النظام فذكّره بأن هناك رقيباً. إن الطفل يشعر بدافع قوي للمحاربة من أجل حريته, فهو يحارب من أجل أن يتركه الأب يستخدم القلم بالطريقة التي يهواها, ويحارب من أجل ألا يستسلم لارتداء الجوارب بالأسلوب الصحيح, والحقيقة الأساسية أن الابن يحتاج إلى أن تحبّه وأن تحضنه لا أن تحاصره, ويحتاج إلى الرعاية الممزوجة بالثقة, ويحتاج إلى أن تعلّمه كل جديد من دون أن تكرهه عليه. وكثيراً ما نجد الطفل يتلكأ, بل قد يبكي ويصرخ عندما تطلب منه الأم بلهجة التهديد أن يذهب ليغسل يديه أو أن يدخل الحمام, ولكن الابن لو تلقى الأمر بلهجة هادئة, فسيستجيب بمنتهى الهدوء. فكلما زاد على الطفل الإلحاح شعر بالرغبة في العناد, وعدم الرغبة في القيام بما نطلب منه من أعمال. وبعض الآباء يتفاخرون بأن أبناءهم لا يعصون لهم أمراً, ولا يفعلون شيئاً لم يؤمروا به! والبعض الآخر يتعامل مع أطفاله وكأنهم ممتلكات خاصة لا كيان لهم. وآخرون يكلّفون أبناءهم فوق طاقتهم, ويحمّلونهم من المسئوليات مالا يطيقون, وفي كل هذه الحالات مغالاة, وبعد عن الأسلوب الحكيم في التربية وهو (خير الأمور أوسطها). انتبهوا أيها الآباء والأمهات إلى ضرورة التقليل من التوبيخ الأوتوماتيكي وغير الضروري وإلى التقليل من الرقابة الصارمة على الأطفال. فالطفل ليس آلة نديرها حسبما نشاء. إن له إبداعه الخاص في إدارة أموره الخاصة, فلماذا نحرمه من لذة الإبداع? سلوك أبنائك من سلوكك عندما يصرخ الأب قائلاً إنه يتعب كثيراً: ولا ينال شيئاً مقابل تعبه وهو المظلوم في هذه الحياة, فإن ذلك ينقلب في ذهن طفله إلى أن الرجل هو ضحية المرأة, وأنه من الأفضل عدم الزواج, وعندما تصرخ الأم بأن الرجل هو الكائن الوحيد الذي يستمتع بالحياة, وهو الذي يستغل كل جهد المرأة, فإن هذا الصراخ ينقلب في وجدان الفتاة الصغيرة إلى كراهية الرجل وعدم تقديره, ولهذا تجدها تنفر من الزواج عندما تكبر. والابن الذي يرى أباه يحتقر أمه يعتبر ذلك (الاحتقار) هو أسلوب التعامل المجدي مع المرأة. والبنت التي ترى أمها كثيرة التعالي على الأب وتسيء معاملته يستقر في ذهنها أن أساس التعامل مع الرجل التعالي عليه والإساءة إليه. والخلاصة أنه ينبغي أن تكون معاملة الوالدين ثابتة على مبادئ معينة, فلا تمدح اليوم ابنك على شيء زجرته بالأمس على فعله, ولا تزجره إن عمل شيئاً مدحته بالأمس على فعله. ولا ترتكب أبداً ما تنهي طفلك عن إتيانه.
|