عزيزي القارئ

 عزيزي القارئ

تحدي الهزيمة

كيف يمكن للفكر العربي أن يتحدى الهزيمة? يبدو هذا السؤال ملحّاً على الذهن كلما أقبلت الأيام الأولى من شهر أغسطس. وكأنما الأقدار تتوافق هذا العام فيأتي يوم الثاني من أغسطس متوافقاً مع يوم الخميس كما حدث منذ أحد عشر عاماً عندما اندفعت جحافل القوات العراقية إلى أرض الكويت وهي تدّعي أن هذا الطريق هو الذي يقود إلى القدس. إن ما يزيد على عقد من الزمن قد أثبت لنا أن هذا هو ما أبعد القدس تماماً عن طريقنا. وما المذابح التي تدور رحاها في الأرض السليبة كل يوم إلا نتيجة طبيعية لهذه الخطيئة المميتة. إن رئيس تحرير العربي يناقش في هذا الشهر الحار تلك القضية الساخنة حول عجز العقل العربي عن مواجهة تلك الهزائم التي لاشك تلاحقه منذ العام 67. وهو يستند في تحليله إلى كتاب أكثر سخونة للمفكر البحريني د. محمد جابر الأنصاري حول مساءلة الهزيمة. وهو يرى أن هناك تاريخاً طويلاً لتردي العقل العربي. ويمكن أن نلخص كل هذا التاريخ في كلمة واحدة هي التخلف. تخلف في أكثر من صورة وعلى أكثر من مستوى. فهذا العقل الذي وقف حائراً أمام فعل فاضح مثل الغزو العراقي للكويت هو عقل متخلف. وهذا العقل الذي يقف عاجزاً أمام جريمة إنسانية وأخلاقية مثل محاولة إسرائيل إبادة العرب في فلسطين هو عقل متخلف, وعلينا أن نسائل أنفسنا قبل أن نسائل العالم: لماذا يأخذ كل هذه المواقف المنحازة ضدنا?

إن العربي تفتح صفحاتها لعل المثقفين العرب يحاولون الإجابة بأكبر قدر من الصراحة ونقد للذات حول هذا السؤال, وأن يتحرّروا من هيمنة الآلة الدعائية للأنظمة العربية على عقولهم, وأن يدركوا أننا نواجه المأساة بكل ما في هذه الكلمة من معنى. وهي مأساة أخذتنا بظلالها من قرن مضى إلى قرن واقع, نعيش فيه كالغرباء.

إن الكويت التي خرجت حزينة من تجربتها قد حوّلت هذا الحزن إلى عمل دءوب من أجل دعم الصف العربي, وهذا ليس جديداً عليها, فتاريخها شاهد عليها, وفي هذا العدد تقدم العربي شهادة من أحد أبنائها البررة الذين حملوا على عاتقهم تنفيذ سياسة الكويت في مساعدة الأشقاء والوقوف بجانبهم, إذ يقدم الدكتور عبداللطيف الحمد ـ الذي وهب حياته للعمل العربي العام ـ صورة حيّة ونابضة من ذلك التوجه الكويتي العربي منذ أن ذاقت الكويت أولى نسائم الاستقلال وهي شهادة حية لكل من ادّعوا أنهم مكلفون بتقسيم الثروة العربية. كما تقدم العربي أيضاً في استطلاعها الرئيسي رحلة إلى بلد إفريقي قديم وجديد. وهي تستعيد من خلاله قلم د. محمد المخزنجي الساحر ليخط لنا تجربة بريتوريا التي حصلت على استقلالها من خلال الدم لعل هذا يكون عبرة ونبراساً لأهلنا في فلسطين. كما تحاور الدكتور فؤاد زكريا أحد أعمدة التنوير العربي, ونرى كيف أن الجسد المجهد مازال يحتوي على عقل يقظ ومتحرك لمواجهة كل تغيرات الواقع. وهناك أكثر من قضية وموضوع يثير الاهتمام في مجال الفكر والعلم والأدب تدفع القارئ في هذا الصيف الحار إلى واحة تصنعها الكلمة والصورة وتهب في فضائها رياح من المعرفة ترطب أيامه وتنير ليله.

 

المحرر