أرقام

أرقام

النفط... وقراءة للمستقبل

هل يمكن التنبؤ بمستقبل النفط العربي? الخبراء يقولون (نعم)... ويضيفون: إن قراءة المستقبل ليست قراءة للاقتصاد والميزانيات وحساب الأرباح والخسائر فقط, لكنها قراءة في السياسة أيضاً, فالعلاقات الدولية للمنطقة سوف تتحدد في جزء كبير منها على أساس هذا المكون: النفط وتطوره, وقد مرّ النفط العربي, كما هو معلوم, بفترات مد وجزر... رواج وانحسار... صعود وهبوط.

ساند الموقف العربي في حرب أكتوبر (73).

وطرح قضية العلاقة بين الشمال والجنوب, أو بين مستهلكي ومنتجي المواد الخام في السبعينيات.

وساند التنمية وإعادة بناء منطقة الخليج العربي ومناطق عربية أخرى طوال ربع القرن الأخير.

وساند بناء الجيوش بما تكلفته.

ثم... كان عاملاً رئيسياً في حشد (90 - 91) عندما وقعت حرب الخليج الثانية.

وخلال كل ذلك ظلت قضية السعر محوراً رئيسياً, فعندما يرتفع تزيد الفوائض وتزيد إمكانات الحركة, وعندما ينخفض يحدث العكس.

دخل العرب, ومعهم منتجون آخرون معركة الأسعار فكسبوا وخسروا, وبعد أن ارتفع سعر البرميل في أحد الأعوام إلى أربعين دولاراً هبط في أواخر التسعينيات إلى عشرة دولارات.

إنه الهبوط إلى القاع,والذي دعا إلى موقف جديد يتكتل فيه منتجو (أوبك) ومعهم منتجون آخرون استطاعوا أن يحددوا سقف الانتاج, ويوازنوا بين العرض والطلب, و... بينما حققت الشركات العملاقة للنفط أرباحاً استثنائية ضخمة عام (2000) بسبب سياسة المضاربة تصرف المنتجون بشكل مسئول وفق هدف سعري محدد يترواح بين (22) و (28) دولاراً, وهو هدف يحققه التحكم في العرض زيادة أو نقصاناً.

هكذا جرت السياسة التي استهدفت استقرار العلاقة لأول مرة بين المنتجين والمستهلكين رغم ضغوط أمريكية وغير أمريكية, ورغم تلويح أمريكي باستخدام المخزون الاحتياطي للتأثير سلبياً في الأسواق, ومن أجل تخفيض الأسعار.

حدث كل ذلك, وبات السؤال: وماذا بعد?

والجواب كما يقول الخبراء في حال العرض وحال الطلب.

... عشرون عاماً للأمام

كيف نتصور العالم بعد عشرين عاما? كيف نتصور النشاط الاقتصادي ومعدلات النمو, ومن ثم معدلات استخدام الطاقة?

تقارير دولية عدة حاولت أن تتنبأ, وتقرير عربي - هو تقرير (الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية) والذي تصدره مؤسسة الأهرام حاول أن يبلور توقعات محددة.

من هذه التوقعات والتي تشمل الفترة فيما بين عامي (1996) و(2020) أن الناتج المحلي الاجمالي سوف يزيد على مستوى العالم بنسبة (2,9) بالمائة سنوياً, وبالدولارات الثابتة لعام 97 كان دخل العالم - أو ناتجه (27,5) تريليون دولار عام (96).. وسوف يصبح ضعف ذلك تقريباً عام (2020) وبرقم يصل إلى (54) تريليون دولار, وبطبيعة الحال سوف تختلف نسب النمو فتصل إلى أقصاها في آسيا (5,2%), وإلى (3,6%) في الشرق الأوسط, وإلى (4,8%) في الدول النامية بشكل عام مما يجعلها مستهلكاً رئيسياً للطاقة ومنافساً كبيراً للدول الصناعية.

هناك إذن طلب متزايد على الطاقة يرتبط بالنشاط الاقتصادي, ولكن أي نوع من الطاقة? هل هو النفط أم الغاز أم الطاقة النووية أم الفحم?

تذهب التوقعات إلى أن النفط سوف يظل فوق عرشه محتلاً عام (2020) النسبة نفسها التي يحتلها الآن وهي تتراوح بين (37 و 39%) من مصادر الطاقة, ولكن, وبجواره سيتزايد نصيب الغاز الطبيعي ويتراجع بشدة نصيب الطاقة النووية التي بات الكثيرون يخشون استخدامها, بينما يسجل الفحم تراجعاً محدوداً لتصبح نسبته بعد عشرين عاما: حوالي (23%) من مصادر الطاقة.

الاستهلاك - إذن - سوف يزيد, والأهمية النسبية للنفط وسط المصادر الأخرى سوف تظل ثابتة, ولكن لأن الأرقام العامة لا تكفي لقراءة المستقبل فإن الوقوف أمام بعض التفاصيل أمر ضروري.

في التفاصيل, يبدو نصيب دول الأوبك طاغياً, فبينما كانت تزوّد العالم بـ (40%) من احتياجاته عام (97) فإنها ستزوّده بنصف احتياجاته بالكامل عام (2020), ولكن, وداخل الأوبك تتميز ست دول بأنها تملك النسبة الأكبر.

الدول ذات الحظ الموفور بينها أربع دول عربية هي: السعودية, الإمارات, الكويت, العراق, ودولة آسيوية هي إيران, ثم دولة سادسة هي فنزويلا.

هذه الدول كانت تقدم (22) مليون برميل يومياً إلى السوق العالمية عام (97). ولكن التوقع أن تقدم (47) مليون برميل عام (2020), أي نسبتها من احتياجات العالم البترولية سوف تصل إلى (36%) عام (2010) وإلى (42%) عام (2020).

وهكذا يتحدد مركز القرار, ومعظم الغنم والغرم في هذه الدول الست. إنها قلب المعركة, إن كانت هناك معركة.

.. شركاء المستقبل

ومن البديهي أن نقول إن فائض دول الأوبك, يتجه لتغطية عجز مناطق معينة من العالم, وقد ظلت الدول الصناعية الكبرى أو دول بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تمثل أكبر مستهلك وأكبر عجز لفترة طويلة, ولكن ها هي التوقعات تقول إن الدول النامية بنسب نموها المتزايدة سوف تكون منافسة في ذلك, ففي عام (2020) سوف يبلغ استهلاك دول منظمة التعاون الاقتصادي والتي تضم الولايات المتحدة وغرب أوربا واليابان وأستراليا: (55) مليون برميل يومياً في مقابل (49) مليوناً للدول النامية أي أن لاعباً جديداً - وهو الدول النامية - يدخل للساحة ويزيد فرص المناورة لدى المنتجين.

هكذا تتحدد صورة المستقبل: نمو عالمي متزايد, نمو في استهلاك الطاقة, وموقع متميز للنفط, و... على صعيد القوى الفاعلة تأتي الأوبك - وفي القلب منها ست دول كبرى نفطياً - كما يأتي على الطرف الآخر, الدول الصناعية, وفي مقدمتها الولايات المتحدة, والدول النامية أو الصاعدة وفي مقدمتها: دول شرق آسيا.

و... تستمر التفاعلات لتضم عناصر أخرى مؤثرة في أسعار النفط مثل: التطورات التكنولوجية التي تزيد أو تقلل استخدام النفط, وعوامل البيئة, ومناورات كل طرف.

إنها صورة متفائـلة, وأحد أسـباب التفاؤل هي تلك الوقفة الحازمة للمنـتجين والتي لم تبـالغ أو تضارب لتكسب أكثر, ولم تهـادن أو تتهاون لتخسر أكثر.

من جانبها, تحاول الدول المنتجة أن تلتزم بما يوفر للعالم إمداداته ويوفر ثمناً عادلاً, ولكن من جانب الآخرين فالأمر يختلف, وهاهي الولايات المتحدة تحقن آبارها بنفط مستورد لتنقل مخزون العرب وغير العرب إلى داخل أراضيها, تحارب به حين تشاء, وتضغط من خلاله حين تريد.

حرب النفط مستمرة, لكن موقف المنتجين يتحسن.

ورقم الحـرام

بعض الحرام يمكن قياسه بالأرقام, وهاهو مسئول في الأمم المتحدة يعلن في شهر يونيو (2001) أن عمليات غسيل الأموال في بنوك العالم تصل إلى نحو (3) تريليونات دولار سنوياً, أي ثلاثة آلاف مليار دولار وبما يعادل (5) بالمائة من إجمالي الناتج في العالم... و.. إذا افترضنا أن كل المشتغلين بقطاع الأعمال يساهمون في الناتج - أو الدخل - بنسبة متساوية, فإن ذلك يعني أنه بين كل عشرين رجل أعمال, أو عشرين مشروعاً, يوجد واحد (في الحرام).

قبلها, كانت المنظمات الدولية قد انتهت لعقد اتفاقات ومعاهدات لمحاصرة الفساد ومطاردة الأموال غير المشروعة والتي تتولد من أنشطة مثل تجارة وزراعة وصناعة المخدرات, ومثل تجارة الرقيق الأبيض ومنظمات البغايا الدولية, والتجارة في الأعضاء البشرية.

كل ذلك ممنوع بموجب اتفاقات دولية, ومحاولة الكشف عنه وضبطه تأتي أمام شباك البنك الذي يطلب - بالنسبة للمبالغ الضخمة - الكشف عن مصدرها مما يجعل تجار الحرام يلجأون للغسيل عبر أنشطة أخرى قبل الوصول إلى البنك, إنها أنشطة لواجهات تخفي الكثير وراءها.

والقوانين والمعاهدات والأديان والأخلاق, كل ذلك يمنع تجارة الموت أو تجارة الجسد أو أرباح الجريمة, لكن إغراء المال عند الكثيرين هو الأقوى.. (5) بالمائة من أموال العالم ليست قليلة, وليست كل شيء... فما خفي كان أعظم!

وموقف الدول العربية في مرتبة أفضل, وإن بقى السؤال: أي آثار سياسية تتركها احتمالات المستقبل?

هناك تركز في الإنتاج والعرض ومحوره دول عربية في معظمها, وهناك تركز في الاستهلاك فنصيب الولايات المتحدة وحدها كاف لأن تكون طرف التفاوض الرئيسي, أي أنه يمكن القول إن هذه هي ساحة المواجهة ودور السياسة أن تدير هذه العلاقة بكفاءة.

من جانب الولايات المتحدة, فإن إدارة العلاقة النفطية تعني السيطرة السياسية والعسكرية, فماذا عن الطرف الآخر?

تلك هي القضية.

 

محمود المراغي