معرض العربي

معرض العربي

مودلياني.. ولوحة زوجته (جان)

ينتمي الفنان (اميدو مودلياني) إلى جماعة من الفنانين عرفت عبر تاريخ الفن التشكيلي بمدرسة باريس, وهي لم تكن مدرسة بعينها, وإنما صفة أطلقت على مجموعة من الفنانين أقاموا في باريس, في سنوات الأربعين الأولى من القرن العشرين, على سبيل المثال: شاقال من روسيا, موندريان من هولندا, ميرو من إسبانيا, ريفيرا من المكسيك, إلى جانب ماتيس وبونار وغيرهم من الفنانين, حيث يجمعهم الزمان والمكان المحدد لا الأسلوب.

والفنان (مودلياني) هو رسام ونحات إيطالي, ولد في عام 1884م بمدينة ليفورن بإيطاليا, أصيب بسلسلة متتالية من الأمراض التي أنهكت صحته, بدءا من الالتهاب الرئوي وهو في الحادية عشرة من عمره, وبعدها بسنتين أصيب بالتيفوئيد, وتطور فيما بعد ليمتد الالتهاب إلى صدره فيبتلى بالسل طيلة حياته القصيرة, ومات من أثر فشل في كليتيه في السادسة والثلاثين من عمره.

تنقل في دراسة أكاديمية دامت حوالي ثماني سنوات, في مدينته ليفورن, وفلورنسا, وكابري, ومنها إلى فينسيا, وفي عام 1906م شده الأسلوب التأثيري الذي تعرف إليه في بينالي فينسيا, فشد الرحال إلى (باريس) واستقر فيها, والتي أصبحت مركزا لتجمع الفنانين, والشعراء, وخاصة هؤلاء الذين يبحثون عن حياة البوهيمية, وروح التمرد, وكان مودلياني أحد أقطابها.

عرف كنحات في الفترة من 1909م و1913م, حيث تتلمذ على يد النحات برانكوزي, فنقل عنه التبسيط في التشكيل, وبدا تأثره بملامح من الفن الأفريقي والنحت الروماني, وكان من المرجح أن يصبح نحاتا بارزاً, لولا أن النحت يتطلب مالا لشراء الحجر نظرا لارتفاع سعره مع اشتعال الحرب العالمية الأولى, ويحتاج إلى رئة سليمة لا يتلفها غبار الحفر.

وتعود لوحة زوجته (جان هيبوتيرن) إلى نهاية عام 1919م, أي قبل أشهر قليلة من وفاته في 24 يناير 1920م, حيث تبدو شاردة الذهن, وهي حامل بطفلها الثاني, متوجهة بجلستها بانعطافه نحو المتلقي على هيئة شكل (S), وبانحناءة الرأس نحو اليمين, وامتداد الذراع نحو اليسار, فخلق مواءمة ما بين الشكل المرسوم واستدارة منظور الغرفة للداخل, وفي الانسجام اللوني ما بين الشال والنصف السفلي لحائط الغرفة.

ومودلياني لم ينتم إلى أي من الأساليب الحديثة والحركات الفنية التي ظهرت, غير أنه استفاد من نضارة الوحشية, ومن تقاسيم التكعيبية, ومن خطوط تولوز لوتريك, ومن البناء التكويني لدى سيزان, ومن الأقنعة الإفريقية وتوظيف بيكاسو لها في لوحاته, وتوصل إلى ما عجز عنه الفنانون في الوصول إليه, ألا وهو قدرته في التقاط أحاسيس الأشخاص المرسومة بغاية الصدق.

وكما ـ في أغلب أعماله ـ في رسمه للوجوه ووضعية النساء العاريات, فأسلوبه يعتمد بشكل أساسي على الخطوط اللينة الانسيابية, التي تدرك الجوهر بلا تكلف, مما يجيز أن نعرفه بالسهل الممتنع!, حيث لمودلياني سماته الخاصة التي ميزته عن بقية عمالقة جيله, والتي تتصف باستطالته للأجسام ببنائها النحتي, بالإضافة إلى تلوينه لكامل العين وأحيانا أخرى طمسها بالأسود, وهذه اللوحة تبين مدى مهارته التعبيرية في تصويره للأحاسيس, والكشف عن المشاعر الدفينة, من حزن, وأسى, وارتباك, التي تؤكد خطوط ملامح الوجه البيضاوي بشكل عميق, في وسط الغرفة ذات اللون الداكن الشاحب, التي تشعرك بالوحدة التي تحياها (جان) بالرغم من أناقتها, ولربما هو انعكاس لحالة التوجس والخوف بداخلها بعد تداعي صحة مودلياني, وإدمانه لشراب الخمر وتعاطيه للحشيش الذي أودي بحياته, ودفعها عشقها الأبدي له ـ فيما بعد ـ إلى الانتحار من شدة حزنها ـ عليه, وذلك في صبيحة اليوم التالي من وفاته, وهي في الشهر الأخير من حملها!!

 

خالد عبدالمغني