قرن من الحروب إبراهيم عبدالمجيد

قرن من الحروب

في وداع القرن العشرين

كتاب أطلس "تاريخ القرن العشرين" للمؤرخ، وخبير الخرائط الإنجليزي، ريتشارد ناتكييل ، يتناول جانب الحرب في القرن العشرين. يبدأ بحرب البوير، وينتهي بحرب الخليج الأولى. وهو كتاب أهوال ينتهي المرء منه فلا يصدق أن الإنسانية أفلتت وعاشت. وسوف نختار منه عددا من أبرز المعارك والحروب التي ساهمت في تشكيل الحياة البشرية على كوكب الأرض في قرننا هذا.

كان العالم بسيطا مع بداية القرن العشرين. ثلاث إمبراطوريات كبيرة، الألمانية والنمساوية المجرية، والروسية ، تسيطر على أوربا شرقي نهر الراين، وثلاث أخرى تسيطر على العالم خارج أوربا هي البريطانية والفرنسية والعثمانية.

كان ممكنا للعالم أن يمضي هادئا لولا الإحساس العدائي المتبادل وتحلل الإمبراطورية العثمانية وانتقال ممتلكاتها إلى إنجلترا وفرنسا..

كانت هناك أيضا القوميات البلقانية، الصرب والبلغار والرومان واليونان التي صارت دولا بعد طرد الأتراك العثمانيين، بينما كان ينظر إلى التشيك والكروات والإيرلنديين باعتبارهم شيئا مخترعا لا بد له من الثورة باستمرار ليقدم الدليل على وجوده ، كما شهد العالم منذ بداية القرن عدة حروب صغيرة بدا واضحا منها كيف سيكون شكل هذا القرن.

كانت حرب البوير Boer في جنوب إفريقيا أولى هذه الحروب التي انتهت بانتصار الإنجليز على البوير - الناطقين بالالمانية - وعلى السكان الأصليين الذين تحالفوا مع البوير. كذلك ازداد النفوذ الأوربي في الصين التي كانت مركز جذب كبيرا منذ منتصف القرن التاسع عشر لإنجلترا وفرنسا وألمانيا، ودخلت اليابان وروسيا في صراع على منشوريا وكوريا فاشتعلت الحرب بينهما بهجوم مفاجئ لليابان، ببوارجها الحربية، على القوات الروسية المتمركزة بميناء آرثر بمنشوريا.

هجوم أشبه بالتمرين على معركة بيرل هاربور التي ستفاجئ بها اليابان أيضا الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الثانية، كان هذا الهجوم الياباني على الروس عام 1904 ، واندلعت في روسيا الثورة عام 1905 فأعطت اليابان الفرصة أكبر للتوسع في الصين على حساب الروس، في الوقت نفسه كانت الولايات المتحدة قد تخلصت من النفوذ الإسباني في البحر الكاريبي وصارت دول أمريكا اللاتينية ، نيكاراجوا، المكسيك، هاييتي، الدومينيكان، بنما، كوبا، بمنزلة الفناء الخلفي للولايات المتحدة. كذلك اندلعت الحرب التركية الإيطالية 1917 بعد غزو إيطاليا لليبيا في العام السابق، وفي عام 1912 أيضا اتحدت الدول البلغارية الثلاث ، بلغاريا وصربيا واليونان على حرب تركيا وطردها من بقية البلقان، واستولت اليونان على ميناء سالونيك، كما استولت مع صربيا على معظم مقدونيا، وهكذا قبل أن تنتهي حربهم مع تركيا قامت حرب أخرى بينهم بسبب إدراك البلغار أن صربيا واليونان ستقسمان مقدونيا على حسابها ، وكانت النمسا قبل ذلك قد استولت عام 1908 على البوسنة التي كانت خاضعة لتركيا، وكهذا بدا أنه لا نهاية للحروب في البلقان ودوله التي كانت تنقسم في ولائها بين الإمبراطوريتين العظميين، الإمبراطورية المجرية النمساوية والإمبراطورية الروسية.

لكن كان على الناحية الأخرى من الحروب ، معاهدات وتحالفات سياسية مستقرة. التحالف الأول كان بين ألمانيا والنمسا وإيطاليا على تبادل الدعم في حالة تعرض أي منها لهجوم من فرنسا. التحالف الثاني كان بين فرنسا وإنجلترا وروسيا. كذلك كان هناك اتفاق قديم بين اليابان وإنجلترا يضمن للأخيرة حماية مصالحها في الشرق الأقصى .

لذلك ، ووفقا للتناقضات العسكرية السابقة ، والتحالفات السياسية الموازية لها ، حدث أنه حين أعلنت النمسا الحرب على "صربيا" قامت روسيا بدورها التاريخي لمناصرة الصرب - السلاف مثل الروس - فأعلنت الحرب على النمسا ، وعلى الفور أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا في جانب النمسا فأعلنت فرنسا الحرب على ألمانيا في جانب روسيا ودخلت إنجلترا الحرب لمناصرة فرنسا وبالتالي دخلتها اليابان لمناصرة أنجلترا. وهكذا اشتعلت الحرب العالمية الأولى.

معركة السوم

هي أكبر معارك الحرب الأولى : ولقد كان التحالف بين روسيا فرنسا قبل الحرب من الأمور التي شغلت الفكر العسكري الألماني ، وبصدد هذا التحالف وضع القائد العام للجيش الفريد فون شليفن خطة عرفت بـ ( خطة شليفن ) عام 1905.

كانت هذه الخطة تقوم على سرعة مهاجمة فرنسا من الشمال والجنوب ومن داخل بلجيكا لتجاوز الجيوش الفرنسية ، ومن ثم تطويقها ، ثم الانتقال بسرعة إلى باريس قبل أن يستطيع الروس نقل قواتهم شرقا إلى الحدود الألمانية. وبعد الوصول إلى باريس يتم نقل الجيوش إلى الغرب لمواجهة الروس. لكن في عام 1914 كانت الظروف قد تغيرت بحيث صار في مقدور الروس نقل قواتهم إلى الغرب بسرعة. ورغم ذلك تم تطبيق هذه الخطة ولم تنجح. هجمت ألمانيا على فرنسا في " الثالث من أغسطس 1914 ودخلت جيوشها الأراضي الفرنسية لكنها هزمت في موقعة المارن ولم تصل جيوشها إلى باريس ولم تتحرك بسرعة إلى روسيا.

في عام 1916 كانت الحرب قد اتسعت نطاقها . وخططت القيادة الإنجليزية الفرنسية لهجوم كبير من الصيف. وكانت القوات الإنجليزية المشاركة مع الفرنسيين قد امتدت في الجبهة الغربية إلى جنوب نهر السوم Somme .

كان على الفرنسيين المشاركة بثماني فرق تهاجم على جبهة تمتد لثمانية أميال ، بينما يهاجم الإنجليز بأربع عشرة فرقة على جبهة تمتد ثمانية عشر ميلا بالإضافة إلى ثماني فرق احتياطية. لقد تم التمهيد للمعركة بضرب مدفعي متواصل لمدة أسبوع أطلقت فيه أكثر من مليون قذيفة على الخنادق الألمانية ، وحين توقف القذف المدفعي خرج الجنود من خنادقهم يهاجمون الجنود الألمان الذين كانوا قد خرجوا من خنادقهم أيضا . لقد تم استقبال الصف الأول من المهاجمين الإنجليز بالبنادق والمدافع ، وكذلك الصف الثاني ، وفي نهاية اليوم الأول كان هناك عشرون ألف قتيل إنجليزي وأربعة آلاف جريح وتم الاستيلاء على أجزاء من خطوط الدفاع الألمانية ، وكان الفرنسيون على جبهتهم قد أحرزوا تقدما أفضل لأنهم أخذوا الألمان على غرة ، وبعد ذلك عاد القتال بالمدفعية حتى نوفمبر ، وفي سبتمبر استخدمت الدبابات لأول مرة وبأعداد قليلة لكنها لم تتقدم كثيرا لبطئها ، وانتهت المعركة بعد أن تكبدت القوات الإنجليزية والفرنسية ستمائة ألف قتيل وتكبدت القوات الألمانية أيضا خسائر فادحة ، لكن خسارة الألمان الكبيرة بحق كانت في ضباطهم مما خرب الجيش الألماني وأضعفه بعد ذلك.

ولقد دخلت تركيا الحرب في أكتوبر عام 1914 إلى جانب ألمانيا. تركيا لا تنسى دعم إنجلترا وفرنسا للبلقان ولا استيلاءها على كثير من البلاد الخاضعة للنفوذ العثماني في الشرق. وقامت إنجلترا بهجوم بحري على تركيا في فبراير 1915 عند جاليبولي ، لكن هذا الهجوم الذي استمر عاما تقريبا انتهى بالانسحاب في يناير 1916 . لذلك فالمعارك الحقيقية بين الإنجليز والأتراك لم تكن هناك في تركيا ، إنما هنا في الشرق الأوسط. إنها المعارك التي ستؤثر بعد ذلك في قيام الثورات العربية ، والتي أيضا ستأتي بالاحتلال في شكل الانتداب أو الوصاية على هذه الممتلكات العثمانية ، أي الدول العربية. وكانت حملة ما بين النهرين أبرز المعارك. ففي نوفمبر عام 1914 عسكرت قوات إنجليزية هندية على رأس الخليج العربي وفي نيتها الزحف شمالا عبر وادي الرافدين. ونجحت الحملة في البداية بأكثر مما هو متوقع لها ، فقد استولت على البصرة ثم القرنة لتأمين البصرة ثم العمارة والناصرية والكوتKut .

وكان من الضروري بعد ذلك التقدم للاستيلاء على بغداد والانطلاق منها شمالا لتهديد تركيا ذاتها في الاناضول ، أو التقدم إلى سوريا وفلسطين. كما كانت بغداد هي نهاية خط سكة حديد الشرق ( برلين - بغداد) ذي الأثر الأسطوري الدال على نفوذ الألمان بالشرق الأوسط. لكن القوات الانجليزية وهي تقترب من بغداد كانت قد طالت خطوط إمداداتها ، وأحس الجنود المدربون على المناخ الهندي بالتعب في الوقت الذي كان فيه بإمكان الأتراك استدعاء التعزيزات.

وفي الثاني عشر من نوفمبر عام 1915 ، أي بعد عام من بداية الحملة ، وقد صار الإنجليز على بعد أربعة وعشرين ميلا من بغداد ، عجزوا عن اختراق خط الدفاع التركي بل وشن الاتراك هجوما مضادا حمل الإنجليز على الانسحاب حتى دفاعات الكوت في الجنوب من جديد ، بل حاصرتهم القوات التركية فاستسلموا والقوات الهندية. لم يكن قد تبقى من الإنجليز غير ألفين وستة آلاف من الهنود. كان الروس قد تقدموا في إيران حتى كيرمنشاه ولم يستطيعوا الالتقاء بالإنجليز بسبب فيضان نهري دجلة والفرات مما هيأ الفرصة لانتصار الأتراك الساحق في الكوت. لكنه كان انتصارا مؤقتا لأن الروس تقدموا مرة أخرى من القوقاز هذه المرة ، وفي مناخ أفضل فاستولوا على مدينة إرز يروم Erzerum ، وكانت قد تمت تقوية القوات الإنجليزية على رأس الخليج وفي البصرة فعادت في نهاية عام 1916 تتقدم مرة أخرى إلى الشمال فاستولت على الكوت في فبراير ثم بغداد وتقدمت إلى الرمادي شمالا وفي نهاية العام 1917 ، في أكتوبر بالتحديد، منى الجيش السادس التركي بهزيمة كبيرة في الموصل التي سقطت في يد الإنجليز ، في ذلك الوقت كانت الثورة البلشفية قد اندلعت في روسيا فتوقف الهجوم الروسي على تركيا وإيران ، لكن هزيمة الأتراك بين الرافدين أثرت في وضعهم في العالم العربي ، وبدأ زمن أفول الإمبراطورية العثمانية. وتوالت الحملات الإنجليزية الفرنسية فتم طرد الأتراك من كل العالم العربي الذي وقع تحت الانتداب أو الوصاية الإنجليزية أو الفرنسية.

في تلك الفترة حدثت حرب أخري مهمة هي الحرب الأهلية الروسية ، وأهميتها ليست في انتصار الثوار فقط ، ولكن في أن أولئك الثوار أقاموا أول دولة اشتراكي ة، ووضعوا النظرية الشيوعية موضع التنفيذ . صحيح أن الأمر انتهى الآن إلى زوال ، لكن شكل العالم اختلف كثيرا بعد قيام الاتحاد السوفييتي عنه قبل قيامه.

لقد نجح البلاشفة في القضاء على النظام القيصري في روسيا وفي عام 1917 ، عام اندلاع الثورة ، استولوا علي بتروجراد ، التي صارت لينينجراد ثم عادت بطرسبورح أخيرا ، ثم قرروا بعد الاستيلاء على بتروجراد الانسحاب من الحرب العالمية الأولى فابرموا مع ألمانيا معاهدة "برست - ليتوفسك" في ربيع عام 1918 . لقد ضمنت المعاهدة لألمانيا سيطرتها على أوربا الشرقية لكنها جعلت حلفاء روسيا الأول ، إنجلترا وفرنسا ، أعداء لها. لقد اعتبر الحلفاء القدامى الأمر خيانة كبرى ، هذا فضلا عن اختلاف المبادئ السياسية والاقتصادية بين الدولة الجديدة الشيوعية والحلفاء الرأسماليين . لكن سرعان ما خسر الألمان الحرب وأقيمت دول جديدة في شرق أوربا على حساب أراضي الإمبراطورية الألمانية وتوسعت الدولة البولندية الجديدة على حساب روسيا في الشرق ، وصارت فنلندا ودول البلطيق دولا بعيدة عن النفوذ الروسي ، وساعدت الدول المنتصرة الجيش الأبيض الموالي للمناشفة والنظام الروسي القديم فغزت المواني الشمالية لمورمانسك و أرشانجل كذلك موانئ البحر الأسود . لكن الجيش الأحمر بقيادة تروتسكي زحف مسرعا حتى أبواب وارسو قبل أن يصل إليها الفرنسيون. كذلك ساعد الحلفاء أوكرانيا على الانفصال لكن لم يسعدهم الحظ. وفي ربيع 1920 تمت تماما هزيمة قوات التحالف والجيوش البيضاء واثبت الجيش الأحمر للدولة الجديدة أنه الأقوى دائما وثبتت أقدام أول دولة شيوعية في العالم الذي لم يعد ممكنا أن يعود كما كان.

الحرب التي أشعلت الحرب الثانية

لقد قيل دائما إنه في اليوم الذي انتهت فيه الحرب الأولى بدأت الحرب الثانية. واليوم بعد عشرات ومئات بل آلاف من الدراسات لم يعد لدى أحد شك في هذا.. لقد ظهرت مع نهاية الحرب (عصبة الأمم) التي صار التفكير فيها خلال الحرب من قبل الإنجليز والأمريكان ، وبالذات الرئيس ودرو ويلسون . لقد قامت عصبة الأمم لتمنع وقوع الحرب وتحل المشكلات الدولية بالطرق السلمية ، ولم يكن لديها من وسيلة للتأثير على الدول غير سلاح المقاطعة السياسية والاقتصادية لكن هذا السلاح فشل تماما فيما بعد. لم يظهر له أي قوة حين هاجمت اليابان منشوريا في الصين أو حين غزت إيطاليا الحبشة ، ولم يفلح تماما في وقف الحرب الأهلية بإسبانيا، الانتصار المبكر للفاشية ، ولا في منع تقسيم إيرلندا ، وتقريبا لم تفلح عصبة الأمم في مواجهة أي مشكلة تأخذ مظهر القتال. كذلك لم تكن معاهدة فرساي معاهدة صلح حقيقية ، لكنها كانت معاهدة فرضت فيها الدول المنتصرة شروطها على ألمانيا المنهزمة فتخلت ألمانيا عن كل مستعمراتها في إفريقيا والمحيط الباسيفيكي وتم تقليل جيشها - إلى الثلث وصار عليها تقديم تعويضات مالية لا حدود لها للمنتصرين كذلك تخلت ألمانيا عن إقليم الإلزاس واللورين لفرنسا وأضيفت لبلجيكا أربعمائة ميل من ألمانيا أيضا فضلا عن حق فرنسا في احتلال الضفة الغربية لنهر الراين خمس عشرة سنة واقتطعت أراض أخرى أضيفت لبولندا مع ممر دانزج Danzig لتطل بولندا على البحر وهو ما عرف بعد ذلك بالممر البولندي Polesh Corridor وذهبت مدينة ميميرMemer إلى ليتوانيا وأضيفت مائة واثنان وعشرون ميلا إلى تشيكوسلوفاكيا الدولة الجديدة والتي قامت مع يوغسلافيا والمجر وبولندا على حساب الإمبراطورية النمساوية المجرية ، ومنعت معاهدة فرساي أي تحاد مستقبلي بين ألمانيا والنمسا. وهكذا أهينت ألمانيا أكبر إهانة يمكن أن توجه لمهزوم فلم يتبق لها أي مظهر من مظاهر الكرامة مما تسبب في صعود الشعور القومي كرد فعل عنيف على هذا الإذلال ، وهكذا ظهر هتلر والحزب النازي - القومي - في مناخ موات تماما فتقدم بسرعة مذهلة ليصل إلى السلطة عام 1933 ليقرر إخراج ألمانيا من عصبة الأمم التي سبق ووافقت على كل أجراءات معاهدة فرساي ، وبدأ يعد العدة للانتقام مستقبلا التناقض الجديد في العالم بين الدول الرأسمالية ، والدولة الشيوعية الجديدة ، ومستغلا أيضا التراخي الذي سيطر على سياسة الدول المتحالفة القديمة بعد الحرب. لقد بدأ بإعادة احتلال أراضي الراين ، وفي عام 1938 ضم النمسا ثم ابتلع تشيكوسلوفاكيا كلها عام 1939 بعد أن كان يدعو فقط لضم إقليم السوديت الذي يضم المتحدثين بالألمانية. لقد تخلت إنجلترا وفرنسا عن تشيكوسلوفاكيا فراح يطالب بالممر البولندي ، ولما لم يجد إجابة ، هاجم بولندا في أول سبتمبر عام 1939 . وهنا لم تستطع إنجلترا ولا فرنسا الوقوف موقف الحياد. أعلنت كل منهما الحرب على ألمانيا وبدأت الحرب العالمية الثانية تأخذ طريقها الجبار. لقد كانت معركة بولندا إعلانا وعن القوة الجبارة لألمانيا حيث سقطت وارسو بعد أسبوع وانهارت المقاومة البولندية بعد يومين مخلفة وراءها خمسة ملايين قتيل من الشعب البولندي. لقد كان اغرب ما في الهجوم على بولندا أن الاتحاد السوفييتي أيضا، وباتفاق مع ألمانيا ، قام بغزو بولندا من جهة الشرق بعد بداية الغزو الألماني ، ومن ثم قامت الدولتان بتقسيم بولندا بينهما. وقبل أن ينتهي العام كان الاتحاد السوفييتي قد غزا فنلندا أيضا في الشمال ، واحتل دول البلطيق الثلاث ، لاتفيا وأستونيا وليتوانيا ، وضم بعض الأراضي الرومانية ، وكل ذلك بمباركة ألمانيا التي أجلت نواياها العدوانية ضد الاتحاد السوفييتي لبعض الوقت.

سقوط فرنسا

صارت الخطوة التالية لهتلر هي النرويج والدانمارك. لقد حققت البحرية الألمانية هنا انتصارات مذهلة ، وفشلت القوات المتحالفة ، الإنجليزية والفرنسية ، في مساعدة النرويج والدنمارك. لقد ظهرت ألمانيا في هذا الغزو وقد امتلكت اكبر بعث عسكري مخيف عرفته البشرية على حد تعبير تشرشل .

كان هتلر قد أجل ضربته الكبرى ، أي غزو فرنسا، إلى مايو 1940 . لقد انتهى من النرويج والدانمارك وحبس العالم أنفاسه ، وفي ألمانيا تم إحياء خطة شليفن مع تعديلات جديدة. أخذت الخطة الجدية اسم ( ضربة المنجل ) وقامت على فرض أن الهجوم على هولندا وبلجيكا يتم بالمجموعة (B) فيتم سحب الإنجليز والفرنسيين إلى الأمام من مراكزهم على الحدود البلجيكية الفرنسية ، وفي الوقت نفسه فإن التقدم الألماني الرئيسي يكون بالمجموعة (A) تقودها الدبابات وتتحرك بسرعة إلى لوكسمبورج عبر قطاع الأردين Ardennes المليء بالغابات إلى نهر الموز Meuse لتعبره ثم تستمر في القتال عازلة الجيوش البلجيكية والهولندية والقوات المتحالفة. ولم يكن الإنجليز والفرنسيون يتوقعون شيئا من هذا. ففي نظرهم أن قطاع الأردين لا يصلح للحرب لذلك تركوا في مواجهته أضعف قواتهم. لقد كان للحلفاء في هذه المواجهة ( 149 ) فرقة مقابل ( 136 ) للألمان ، وثلاثة آلاف دبابة مقابل الفين وسبعمائة للألمان لكن لم يكن هناك وجه للمقارنة بين مستوى التدريب والقيادة والتنظيم والتكتيك الذي يحسب للألمان. كذلك كان للألمان التفوق الجوي ، ثلاثة آلاف طائرة (لفتواف) عليها طيارون مدربون مقابل (2000) طائرة للحلفاء قد تزيد أثناء القتال بدعم من إنجلترا.

كان التعاون بين الدبابات والطيران أساسيا في الخطة الألمانية فكانت القاذفات تلعب دور المدفعية فتمهد بالقصف الطريق للدبابات لتخترق خطوط العدو وتتركها وراءها وهو ما عرف بالحرب الخاطفةBlits krieg التي برع فيها الألمان .

بدأ الهجوم الألماني في العاشر من مايو بهولندا وبلجيكا واخترقوا منطقة الأردين وأقاموا رءوس جسور على نهر الموز وصدوا هجوما فرنسيا مضادا ثم اندفعوا إلى البحر تاركين القوات المتحالفة خلفهم. لم يبق للقوات المتحالفة إلا الانسحاب من دنكرك والمواني القريبة وساعدهم علي ذلك توقف الهجوم الألماني بأوامر هتلر لمدة أربعة أيام. لقد قيل إن هتلر كان يفتح الباب للإنجليز للتفاوض إذ يعطيهم فرصة الفرار بحوالي ثلاثمائة وخمسين ألف جندي هم خيرة جنود الامبراطورية البريطانية. ولقد تم بالفعل نقل هذا العدد الضخم بكل الوسائل البحرية الممكنة ، في ظروف قاسية من الفوضى ، إلى الساحل الإنجليزي. وبينما كان يتم الانسحاب من دنكرك كان الفرنسيون ينظمون دفاعهم عند منطقة السوم لكن القوات الألمانية اخترقت هذه الدفاعات في الخامس من يونيو وتقدمت ناحية باريس. في السادس عشر من يونيو استقالت حكومة رينو وألف المارشال بيتان الحكومة الجديدة التي وقعت مع ألمانيا معادة صلح في الثاني والعشرين من يونيو. وانقسمت فرنسا إلى قسمين ، قسم يحتله الألمان ، وقسم غير محتل يحكمه بتان من فيشي Vichy لكنه يتعاون أيضا مع الألمان. وفر الجنرال الشاب ديجول إلى بريطانيا معلنا نفسه قائدا لفرنسا الحرة حاملا معه شرف الامة الفرنسية.

بيرل هاربور

لقد جعلت طبيعة الحياة اليابانية للقوة العسكرية الأثر الأكبر في الحياة العادية. وبعد الحرب الأولى كانت أولى تحديات اليابان ظهور البعث القومي الصيني ، ثم الحرب في منشوريا عام 1931 ، وخروج اليابان من عصبة الأمم عام 1933 ثم انفجار الصراع مع الصين عام 1937 مما جعل اليابان تحتل كثيرا من المواني الصينية مما أثار قلق الولايات المتحدة التي راحت تعارض التوسع الياباني. بعد ذلك عقدت اليابان مع الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم اعتداء واتجهت إلى الجنوب لاحتلال الهند الصينية فشنت إنجلترا وأمريكا عليها حربا اقتصادية. وعندما قامت الحرب الثانية عليها ظلت أمريكا على الحياد بعض الوقت ، ثم سمحت ببيع السلاح للحلفاء ،

لكن في الساعة السابعة والخامسة والخمسين في اليوم السابع من ديسمبر عام 1941 هاجمت القاذفات الجوية اليابانية القاعدة الرئيسية للأسطول الامريكي في "ميناء الدرBearl Harboarr" بالمحيط الهادي. لقد امتلك اليابانيون زمام المبادرة وأغرقوا للأمريكان خمسة طرادات من ثمانية بالأسطول ، وحوالي مائتي طائرة تم تدميرها لكن الغارة فشلت في ضرب حاملات الطائرات الأمريكية التي كانت غائبة عن الميناء كما فشلت في ضرب خزانات الوقود بالميناء. كان ذلك هو ( يوم العار ) كما اسماه الرئيس روزفلت لكنه أيضا كان اليوم الذي أقنع الأمريكان بضرورة دخول الحرب.

بعد ذلك انطلقت اليابان تهاجم الممتلكات البريطانية والأمريكية في المحيط الهادي فاحتلت الملايو وسنغافورة في فبراير 1942 في أسوأ كارثة حربية للانجليز كما قال تشرشل حيث نقل مائة وأربعون ألف جندي إنجليزي وأسترالي وهندي وعشرات الآلاف من الأسرى ماتوا في معسكرات الاعتقال اليابانية ، ثم طرد الجيش الامريكي من الفلبين وسقطت المستعمرات الهولندية وبورما في يد اليابان. وقامت معارك حربية كبيرة مع الأسطول الأمريكي الذي سجل انتصارات في بحر الكورال وميدواي.

العلمين. الانتصار الأول

دخلت إيطاليا الحرب حليفة لألمانيا أثناء غزو فرنسا فاشتعلت الحرب في الصحراء الإفريقية. كانت إيطاليا تحتل ليبيا فانطلقت جيوشها بقيادة جرازياني تحاول احتلال مصر ، وبدأت الغارات الجوية الكثيفة على مصر عامة وعلى الاسكندرية بشكل خاص. لكن الإيطاليين فشلوا في مشروعهم ، بل وأبيد جيشهم تماما.

واحتل الجيش الثامن البريطاني ، وجنوده من أستراليا والهند ونيوزيلانده وفرنسا بالإضافة إلى إنجلترا، احتل مساحات كبيرة من ليبيا ، وقضى على مستعمرات إيطاليا بالصومال والحبشة فأقيل القائد الإيطالي الشهير جرازياني ، وحل محله القائد الألماني إيرووين روميل القادم من الجبهة الفرنسية ، وصار قائدا لما عرف بالفيلق الأفريقي Deutsches Afrika أو (Dak) على سبيل الاختصار. في يناير 1942 بدأ روميل هجومه المضاد وفي أقل من ثلاثة أسابيع تراجع الإنجليز أمامه إلى خط الغزالة - بير حكيم وأوقع فيهم كثيرا من الإصابات.

في مايو كانت ضربة روميل الخاطفة الثانية ، وفشل الهجوم المصاد للجيش الثامن الإنجليزي الذي خطط له الجنرال ريتشي Ritchie وتراجع أمام روميل الذي حاصر طبرق وخلفها وراءه متوغلا في الحدود المصرية فاستسلمت حامية طبرق وبداخلها ثلاثون الف مقاتل استسلاما مهينا. ذاعت أسطورة روميل ثعلب الصحراء ، وبدا أنه لا سبيل إلى وقفه. فهو ما يكاد يبدأ المعركة إلا ويكون خلف الخصم في تكتيك رائع من الالتفاف والاختراق. لم يتوقف روميل وانسحب أمامه الجيش الثامن حتى العلمين حيث عنق الزجاجة بين منخفض القطارة والبحر المتوسط لا يسمح بالمناورة كما أن خطوط روميل كانت قد طالت خلفه. كان قد تم تغيير الجنرال ريتشي وحل محله الجنرال أوكينليك Auchialeek الذي قام بهجوم ضاغط على الفيلق الافريقي ، وخاصة جناحه الايطالي وكبده خسائر كبيرة لكن تشرشل قام بتغيير أوكينليك وحل محله الجنرال ألكساندر كقائد عام للشرق الأدنى يساعده مونتوجمري قائدا للجيش الثامن. كانت مهمة مونتوجمري الأولى هي أن ينهي أسطورة روميل من أذهان الجنود ويرفع روحهم المعنوية ويعودوا للتدريب العنيف. وحاول روميل الهجوم عند ( علم حلفا ) لكنه ووجه بدفاع إنجليزي قوي مما اضطره للانسحاب في أول سبتمبر. لقد أظهرت ( علم حلفا ) نقص البترول بالنسبة للألمان فقرروا خوض المعارك القادمة مدافعين بدلا من أسلوبهم الهجومي الذي كان علامة مسجلة عليهم. وقبل المعركة كان روميل قد سافر إلى ألمانيا للعلاج تاركا خلفه الجنرال شتومي Shtumme.

وبدأ مونتوجمري هجومه بقصف مدفعي عنيف لفتح ممر بين حقول الألغام تمر منه الفرقة العاشرة لتدمير الدبابات الألمانية على الأرض المفتوحة. وكان لديه معاونة حقيقية من الطيران الملكي الإنجليزي. مات الجنرال شتومي بأزمة قلبية بعد فشل الهجوم الألماني المضاد في اليوم الخامس . عاد روميل فوجد الحال ميئوسا منه فطلب من هتلر الإذن بالانسحاب. اعترض هتلر لكن في الرابع من نوفمبر ازدادت خسائر الألمان فتحتم الانسحاب الذي استطاع رومل أن يجعله منظما. وكانت هذه أول معركة يكسبها الحلفاء ، بعدها لم يخسروا معركة كما كانوا قبلا لم يكسبوا معركة . لقد طارد مونتوجمري الفيلق الإفريقي ، في الوقت نفسه نزلت قوات أمريكية بالمغرب وجاءت من الغرب لتطبق عليه، وانتهى الأمر بطرده من إفريقيا تماما مما مهد الطريق بعد ذلك للحملة على إيطاليا من الصحراء لتحريرها.

ستالينجراد

لا يمكن أن تذكر العلمين دون أن تذكر ستالينجراد . فهي الخسارة الكبيرة الثانية للألمان. كانت هناك معاهدة اعتدادا بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي لكنها لم تستمر طويلا. لم يكن هتلر يكره شيئا قدر الشيوعية واليهود. في 22 يونيو 1942 بدأ بالهجوم على الاتحاد السوفيييتي في خطة عسكرية ضخمة حملت عنوان ( باربا روسا ) حدد هدفها في تحطيم الجيش الأحمر . لم ينتبه السوفيييت لكل التحذيرات التي وصلتهم ففاجأهم الالمان في حرب كاسحة وأطبقوا على الآلاف من الجنود السوفييت. في كييف وحدها استسلم نصف مليون جندي أخذوا سجناء. كان الهجوم على هيئة كماشة. وصل في الشمال إلى لينينجراد فحاصرها بعد أن استولى في طريقه على دول البلطيق ، ووصل في الجنوب إلى ستالينجيراد فحاصرها ايضا ، وفي الوسط وقف الألمان على أبواب موسكو في نهاية نوفمبر من نفس العام . وكما حدث أيام نابليون تدخلت العناية الإلهية فانخفضت الحرارة إلى أربعين تحت الصفر.

لم يكن لدى الألمان الثياب الكافية ، وتجمدت آلاتهم ، الدبابات والطائرات وغيرها ، ووصلت التعزيزات السوفيتية من سيبيريا والمساعدات من أمريكا وإنجلترا ووقعت معركة العلمين وما تلاها من مطاردة الألمان في إفريقيا فبدأ السوفييت يلتقطون أنفاسهم ثم شنوا هجومهم المضاد. كان هتلر قد أمر بالاستيلاء على ستالينجراد ، المدينة التي تحمل اسم ستالين وملتقى الطرق البرية والنهرية ، ومستودع صناعة الدبابات ، فحشد الالمان حولها ثلاثمائة الف جندي وبقيت ناحية لم يستطع الألمان السيطرة عليها هي ناحية نهر الفولجا الذي عجز الألمان عن عبوره ، تقدم الألمان إلى المدينة شبرا شبرا واستدرجهم السوفييت إلى حرب الشوارع داخلها ثم شنوا هجمومهم المضاد على الجناح الشمالي الغربي الذي يحميه الإيطاليون والرومانيون ، والجناح الجنوبي الذي يحميه الرومانيون فقط ، وهؤلاء وأولئك كانت روحهم المعنوية منخفضة. نجحت الخطة واخترق الروس الحصار واتصلوا بستالينجراد وصار الألمان المتمركزون غرب ستالينجراد هم المحاصرين فاستسلموا في الثامن من فبراير 1943 بأعداد ضخمة مما كان فضيحة حقيقية للجيش الألماني. بعدها بدأ الزحف الأحمر الكبير نحو ألمانيا..

نورماندي

مالت الحرب نحو الحلفاء بعد العلمين وستالينجراد . كانت اليابان لا تزال تحقق انتصارات في آسيا ، لكن كان رأي تشرشل أن هزيمة ألمانيا أولا هي التي ستحسن الحرب ، أما اليابان ، فالتجارب النووية السرية التي تجرى في أمريكا ويشترك فيها علماء من إنجلترا وأمريكا معا، هذه التجارب ستخرج اليابان من الحرب إلى الأبد. لذلك بدأ التجهيز لعبور المانش والنزول علي الساحل الفرنسي. وبدأ ذلك في السادس من مايو 1940 بأكبر عملية إبرار حربي يشترك فيها أسلحة من البر والبحر والجو وثلاثة ملايين جندي. كان القائد العام هو الجنرال أيزنهاور يعاونه جنرالات كبار من أمريكا وإنجلترا مثل باتون و مونتوجمري وبرادلي وكانت الخطة تقوم على غزو منطقة نورماندي وعزلها عن فرنسا حتى يتم نقل كل القوات المطلوبة ثم بعد ذلك يبدأ تطوير الهجوم لتحرير أوربا ودخول ألمانيا. كان روميل الذي صار قائدا للقوات الشمالية بفرنسا وهولندا بعد أن ترك ميدان الصحراء ، كان يرى أنه من الضروري مهاجمة القوات على الساحل قبل أن تقوم بتطوير هجومها ، وكان رونشتاد القائد العام يرى أن الدفاع عن السواحل ليست مهما ويمكن للقوات الألمانية وسط فرنسا أن ترد القوات المهاجمة إلى الساحل مرة أخري وتكبدها خسائر فادحة. تدخل هتلر فلم يعط روميل فرصة تقوية الدفاعات الساحلية ، وأعلن نفسه قائدا لقوات الاحتياطي في وسط فرنسا. وخلال شهري مايو ويونيو كانت قوات الحلفاء كلها قد انتقلت إلى نورماندي - استطاعت أن تنقل في اليوم الأول فقط مائة وخمسين ألف جندي بمعداتهم - وفي الوقت نفسه بدأ غزو فرنسا من الجنوب. في نهاية يوليو بدأ التقدم من نورماندي ، ولم يفلح أي هجوم ألماني مضاد. كانت قوات الجنرال باتون أيضا قد نزلت إلى جنوب فرنسا وأخذت طريقها إلى الوسط وهكذا تم حصار القوات الالمانية من كل جانب فقتل منهم عشرات الألوف والتقت قوات نورماندي مع قوات باتون وتقدم الجميع بسرعة إلى السين Seine بينما بدأت المقاومة الفرنسية تحرير باريس. بعد عبور الحلفاء لنهر السين صار تقدمهم سريعا إلى نهر الراين وتم تحرير بلجيكا ولم يعد شيء يقف في طريقهم إلى ألمانيا ليلتقوا مع الجيش الأحمر الذي كا ن يكمل زحفه إلى برلين في مايو 1945 .

معارك إقليمية

انتهت الحرب العالمية الثانية بظهور القوتين العظميين ، أمريكا والاتحاد السوفييتي. وانتهى عصر الإمبراطوريات القديمة ، البريطانية والفرنسية. وحصلت كثير من الدول على استقلالها ابتداء من الصين والهند حتى جنوب إفريقيا أخيرا - الكتاب يقف عند نهاية الثمانينيات - وخلال هذه المسيرة كان واضحا أن زمن الحرب الكونية قد ولى بعد ظهور السلاح النووي وامتلاكه عند أكثر من دولة. أخذ العالم شكل الحرب الباردة بين القوتين العظميين اللتين أخذ قتالهما مظهرا جديدا هو الحروب الإقليمية. سواء كانت هذه الحروب من أجل الاستقلال أو لتوسيع النفوذ الشيوعي أو الأمريكي ، وشكل الانقلابات العسكرية التي تؤدي أيضا إلى الحروب الإقليمية. كذلك تركت دول الاستعمار القديم وراءها مناطق نزاع لا تخمد في العالم ، إسرائيل في الشرق الأوسط ، كشمير في الهند ، جنوب إفريقيا في إفريقيا ، وهكذا لضمان عدم استقرار هذه الدول الناشئة. بهذا المعنى يمكن تفسير كل المعارك التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية ونختار منها ثلاث معارك لها دلالتها وأهميتها.

معركة الصين

كما انتهت الحرب الأولى بظهور الاتحاد السوفييتي كأول دولة شيوعية انتهت الحرب الثانية بالحرب الأهلية الصينية لبعث ثاني دولة شيوعية على الأرض. كانت الصين قد ظلت لوقت طويل بلا دولة حقيقية بعد الإطاحة بأسرة مانشو MANCHU عام 1911 . قام صراع جديد بين الأمراء الإقطاعيين والحزب القومي ، الكومنتياج. وفي عام 1921 تأسس الحزب الشيوعي فدخل حلبة الصراع. تحسن موقف الكومنتياج بزعامة شان كاي شيك وتفوق على الشيوعيين في القوة ، وكانوا قد فشلوا في المدن فراحوا يؤسسون الخلايا الشيوعية الجديدة في الريف حسب نظرية زعيمهم ماوتسى تونج حتى أنهم بدأوا منذ عام 1931 الدعاية للجمهورية السوفيتية الصينية ! في مقاطعة كيانجسي KIANGSI . هاجم شان كاي شيك قواعدهم فبدءوا في عام 1934 مغادرة كيانجس فيما عرف باسم المسيرة الطويلة GHE LONG MARSH حيث قطعوا سيرا على الأقدام ستة آلاف ميل مات خلالها الكثيرون حتى وصلوا إلى بلدة ينان Yenan حيث قاعدة ماونسي تونج كاد شان كاي شيك يلاحقهم لكن وقع الغزو الياباني عام 1937 للصين فانشغل شان كاي شيك عنهم وعندما انتهت الحرب الثانية كان الشيوعيون قد كسبوا أنصارا جددا وصار لهم جيش قوامه مليون جندي. كانوا ربع قوة الكومنتياج الذي تسلم أمريكا لكنهم كانوا يتمتعون بروح عالية فصاروا في نهاية عام 1947 نصف قوة الكومنتياج ثم تفوقوا عليه حتى أنه في نهاية الحرب الأهلية كان مليونان من جنود الكوفتياج قد انضموا إلى الشيوعيين الذين استولوا أخيرا على منشوريا عام 1948 وطردوا شان كاي شيك وقواته المتبقية إلى فورموزا ( تايوان ) وظهرت الصين كثاني دولة شيوعية كبرى في العالم.

ديان بيان فو

كان أول مظهر من مظاهر قيام الصين الشيوعية هو التأثير الإيجابي على دول الهند الصينية التي كانت خاضعة للنفوذ الفرنسي وشجعها على الاستمرار في الثورة. كان الفرنسيون يحتلون فيتنام وكان الحزب القومي بقيادة هوشي منه يطالب بالاستقلال يعاونه قواته من جنود العصابات الذين يقودهم قائد كبير هو جياب GIAP في عام 1950 . أعلن هو شي منه نفسه رئيسا لحكومة فيتنام واعترفت به الصين والاتحاد السوفييتي لكن الولايات المتحدة رأت في ذلك اتساعا للنفوذ الشيوعي وكذلك فرنسا وهاجمت القوات الفرنسية الموجودة بفيتنام قوات جياب الذي استمر في حرب عصابات لا تنتهي منذ عام 1951 حتى عام 1953 . في هذا العام غير جياب من خططه وهاجم لاوس مبتعدا عن القوات الفرنسية في فيتنام ثم عاد وانسجب وظل الفرنسيون هناك ينتظرون هجومه على لاوس مرة ثانية لكنه كان قد اختار قاعدة "ديان بيان فو" للعملية القادمة. وهي قاعدة فرنسية كبيرة شديدة التحصين بها 18000 مدافع من فرنسا والبلاد الخاضعة لنفوذها. كان لجياب التفوق في المبادأة والأسلحة بما فيها الأسلحة المضادة للطائرات التي تمده بها الصين. لقد دافع الجنود عن القاعدة بشكل رائع حقا لكنها سقطت في النهاية معلنة انتهاء النفوذ الفرنسي في الهند الصينية حيث عقد على الفور مؤتمر في جنيف وافق فيه الفرنسيون على تقسيم فيتنام إلى شمالية وجنوبية - وهو ما انتهى أيضا فيما بعد ما بعد حرب طويلة مع الامريكان الذين أخذوا مواقع الفرنسيين في فيتنام الجنوبية. وصار هوشي منه رئيسا لفيتنام الشمالية ، كذلك حصلت كمبوديا ولاوس على استقلالهما..

حرب أكتوبر 1973

لم تكن أهمية حرب أكتوبر في أنها آخر الحروب العربية الإسرائيلية ، فما زالت الحرب قادمة وإن كانت في أشكال غير نظامية ، لكن أهميتها كانت في ظهور العرب بمظهر القوة الكبيرة المتحدة التي يمكن أن يكون لها شأن في العالم. لقد حدث لأول مرة قتال مع إسرائيل على جبهتين في وقت واحد ، ولأول مرة تدفقت جيوش عربية على مصر وسوريا للمعاونة في الحرب في الخطوط الأمامية والخلفية. ولأول مرة يدير العرب معركة البترول إدارة علمية مؤثرة على سير المعارك على الجبهة السياسية. في اليوم السادس من أكتوبر عام 1973 حقق الجيشان : المصري والسوري مفاجأة بالنسبة لإسرائيل فعبر المصريون قناة السويس وخسر الإسرائيليون مناطق كبيرة من الجولان وأرسل العراق قوات لمساعدة سوريا وكذلك الأردن وكذلك الكويت والسعودية واستقبلت مصر بعض الطائرات العراقية والأسلحة المغربية والجزائرية مع جنودها في الوقت نفسه لم تتوقف الإمدادات الأمريكية لإسرائيل ولا السوفيتية لمصر وسوريا وأظهر الجيش المصري أنه جيش قتالي كبير وكذلك الجيش السوري . وبرغم الهجوم الإسرائيلي المضاد على الجولان ، وعبور القناة من ناحية البحيرات المرة فيما عرف بالثغرة إلا أن الحرب أثبتت لإسرائيل والعالم أنها لا تستطيع أن تظل محتلة للدول العربية. لقد حفظت إسرائيل وأمريكا الدرس من هذه الحرب ، وكان عمل كيسنجر وزير خارجية أمريكا في ذلك الوقت ، هو أن يمنع هذا المظهر الجماعي للعرب مرة أخرى. وذلك يفسر لنا حرب لبنان ، وحرب الخليج. أما على جبهة البترول فقد نجحت الدول المستوردة في حربها ضد " الأوبك " في تخفيض أسعاره بعد أن وصل إلى أرقام فلكية بعد حرب أكتوبر كانت تكفي لتنمية الأمة العربية وتحضيرها. ساعد على ذلك نظم شمولية عربية جرت العرب إلى حروب لا طائل وراءها بددت طاقاتها وثرواتها فعملت دون أن تدري بما أراده كيسنجر وأرادته إسرائيل..

 

إبراهيم عبدالمجيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




معركة المحيط الهادي التي انتصر فيها الامريكيون على الالمان





النازية تصعد وهتلر يحرض جماهير الشعب الالماني حتى يخوضوا أكبر حرب عرفها القرن العشرون





تداعيات الحرب العالمية الثانية وقوات البانزر الالمانية تقتحم شوارع ليبيا