عزيزي القارئ

عزيزي القاري

معرفة بلا تربص

على الرغم من كثرة تخريجات الابستمولوجيا ذلك الفرع الفلسفي الباحث في أصول المعرفة وطبيعتها ومداها ومدارسها المختلفة إلا أن معظم اجتهاداتها تصب في بحر الاحتمالية، والاستقلال النسبي لموضوع المعرفة عن الذات العارفة. وباختصار فإن السعي إلى عمق المعرفة يتطلب قدرا لازما من البعد عن الأحكام المسبقة، والتخيلات المسبقة، والأوهام المسبقة. أي البعد عن التربص بالموضوع المراد معرفته، سواء كان هذا الموضوع يخص الذات أو الآخر. وفي استطلاع المغرب بهذا العدد يطلق أحد المثقفين والشعراء العرب المهمين تحذيرا من الجدار الحائل بين معرفة العرب بعضهم بعضا، ويشخص " محمد بنيس " عند التقائه العربي هذا الجدار بأنه مخيال أو متخيل العرب أحدهم عن الآخر. . وهذا المتخيل المسبق نوع من التربص لا يؤدي إلا لتشويه حصاد المعرفة. فكأن المتربص لا يحصل من محاولته إلا على ما لديه مسبقا، وبالتالي لا يضيف جديدا ولا حقيقيا. وانطلاقا من هذه الملاحظة يحملنا هذا العدد إلى المطالبة بمقاربة جديدة عند محاولة التعرف على أنفسنا أو على العالم من حولنا. نحن مطالبون برؤية العالم كما هو عليه، لا كما نظنه في أنفسنا. وقد يكون في هذه المقاربة اقتراح بالخلاص مما نجد أنفسنا غائصين فيه، من تطرف فاقد للبصر وللبصيرة، وانغلاق لا يحافظ علينا بقدر ما يخنقنا. فالتطرف الأعمى والانغلاق الذميم لن يكونا أبدا وسيلة لمعرفة الذات العربية الباحثة عن هويتها، ولن يكونا طريقا لتحديد موقع هذه الذات في العالم من حولها. محاولة رؤية الأشياء كما هي لا كما نريدها أو نتوهمها هي دعوة هذا العدد ، وهي تتجلى في غالبية ما يقدمه العدد من مواد ابتداء من افتتاحية رئيس التحرير " عله هامش الانتخابات الأمريكية المنتظرة.. قراءة في حدث أبعد من حدوده وزمانه " التي ترصد مقدمات حدث بقدر كونه أمريكيا إلا أن تأثيره يمتد خارج حدود أمريكا ويتشعب في معطيات القرن القادم، إلى الصفحة الأخيرة " إلى أن نلتقي " التي تكشف عن جذور البدائية في وقائع عصرنا. وما بين الافتتاحية وآخر صفحات هذا العدد، تتواتر محاولات المعرفة بلا تربص، متمثلة في المقال الذي كتبه للعربي الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي عن " الأمم المتحدة وتحديات ما بعد الحرب الباردة"، ومقال منح الصلح عن " إسرائيل وحرب الحضارة"، " ومقال الدكتور محيي الدين لبنية عن " بنوك أنسجة لجسم الإنسان " وحوار بين د. ثريا العريض ولبنى الجفري في وجها لوجه" يثير قضية العلاقة بين الانفتاح الفكري والتحفظ الذي يفرضه الواقع الاجتماعي.. وغير ذلك كثير من مساعي المعرفة، التي وإن تشعبت مراميها، إلا أنها تظل في إطار اللاتربص..أو هكذا نأمل. وإلى عدد جديد، ومعرفة متجددة.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات