كردستان العراق.. الأرض المحروقة بالنابالم عدنان حسين
مأساة الأكراد مازالت مستمرة.. ويبدو أن الهزيمة التي تلقاها صدام حسين في الكويت قد انعكست على هذا المسكين، الذي يعيش حياة مأساوية منذ سنوات عديدة.. لقد أصبحت كردستان الآن التي يبلغ عدد أفراد شعبها 30 مليونا موزعة بين ثلاث دول هي العراق وإيران وتركيا.. هي بلاد الجبال العظيمة والخراب الأسطوري بعد أن أصابتها لعنة اسمها صدام حسين.
"كأننا في صحراء!"
بغير قليل من الاستغراب، والاستنكار أيضا، قالتها صحفية أمريكية كانت معي ومراسل لهيئة الإذاعة البريطانية ومترجم وسائق كرديان نقطع، في سيارة، طريقا تتجه بنا من مدينة السليمانية الكردية العراقية إلى بلدة كردية أخرى في محافظة كركوك.
المشهد مثير للدهشة والاستنكار فعلا، فالمنطقة جبلية، توافرت لها كل أسباب الحياة من أرض خصبة وشمس ساطعة ومياه وفيرة، تأتي بها على مدار العام الغيوم والثلوج والينابيع والأنهار.
بيد أنك، إذ تمد بصرك إلى السفوح والوديان، لا تجد حولك غير السكون والقفز اللذين لا يليقان إلا بالصحراء كما لاحظت الزميلة الأمريكية، وكأن لعنة، مما جاء في أساطير القدامى، قد حلت بهذه الأرض.
وفي واقع الأمر فإن لعنة حقيقة، اسمها : صدام حسين، ضربت كردستان العراق، والعراق كله، وكان ذلك المشهد المكرب أخفها وطأة وأقل الفصول مأساوية في التراجيديا الكردية طويلة الأمد.
عام واحد، وبعد أسابيع قلائل من انتهاء الكابوس الرهيب الذي نشأ عن احتلال صدام حسين
للكويت، تفرج العالم، في بث حي ومباشر عبر شاشات التلفزيون، على مشهد مأساوي آخر، هو مشهد النزوح الملاييني لأكراد العراق إلى البلدان المجاورة. فتحت قصف الطبيعة، أمطارا وثلوجا غزيرة وبردا قارسا، فر أكثر من مليوني كردي عراقي إلى ما وراء الحدود مع إيران وتركيا، مشيا على الأقدام في الغالب، على دروب ومسالك جبلية موحلة، مثلجة، زلقة وطويلة، هربا من قصف السمتيات والمدفعية وراجمات الصواريخ للمدن الكردية التي انتفضت مع المدن العربية في جنوب العراق ووسطه ضد نظام صدام.
لقد صدم الضمير الإنساني لمشاهد النزوح وتقارير منظمات الإغاثة عن أحوال النازحين الأكراد، واستجاب المجتمع الدولي لضغط الرأي العام، فاتخذ مجلس الأمن الدولي عدة قرارات ألزمت النظام العراقي بتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم وعدم استخدام القوة ضدهم، وخصوصا في منطقة "الملاذات الآمنة" التي تبدأ من خط العرض 36. وبهذا تمكن معظم الأكراد الذين عبروا الحدود، أو لجأوا إلى المرتفعات الجبلية النائية، من العودة إلى مدنهم وبلدانهم في مطلع الصيف الماضي. لكنهم ما لبثوا أن انتفضوا في يوليو (تموز) على القوات العسكرية وأجهزة الأمن والمخابرات، وطردوها بمساعدة مقاتليهم المعروفين باسم : "البيشمة ركة" (كلمة كردية معناها: الفدائيون).
وفي مجرى صراع مسلح بين القوات الحكومية التي حاولت استعادة سيطرتها على المدن الكردية وقوات "البيشمة ركة" التابعة للجبهة الكردستانية (تحالف من سبعة أحزاب كردية وحزب للأقلية الآشورية)، حدثت سلسلة معارك انتهت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وبسيطرة القوات الكردية على معظم كردستان، بما فيها مناطق تمتد بعيدا إلى الجنوب من خط العرض 36. وهكذا صارت كردستان العراق، في أغلبها، حرة، يدير سكانها شئونهم بأنفسهم، مما أتاح لمئات الصحافيين ومراسلي شبكات الإذاعة والتلفزيون زيارتها والوقوف على تفاصيل أكثر الفصول دراماتيكية في التراجيديا الكردية : فصل العملية المنظمة التي ظلت تجري طيلة عقدين من الزمن لتهجير سكان الريف الكردي وتدمير قراهم، وكذلك العديد من المدن والبلدان الآهلة بعشرات الآلاف من السكان لكل منها. وكثيرا ما ترافقت تلك العملية مع إعدامات بالجملة.
عيون ماء مقفلة!
حيثما يوجد نبع أو مجري ماء تقوم قرية أو أكثر. وجبال كردستان التي يحط عليها الثلج ابتداء من منتصف الخريف ولا يودعها إلا في عز الصيف، ما من سفح فيها لا يرمق الجبال والوديان بعيون خفيفة الزرقة، وما من واد بينها لا يشقه نهر أو نهير. ولذا كان عدد القرى في كردستان يزيد على عدد الجبال والسفوح والسهول. أما الآن فإن الريف الكردستاني قد تحول إلى وهاد موحشة.
قال دليلي: "حتى عيون الماء حكموا عليها بالإعدام وحاولوا إقفالها"! واقتراح علي أن نتوقف قليلا ونتسلق سفحا قريبا لاحت لنا عليه بقايا قريتين.. نصف ساعة استغرق الصعود.
"تعال وانظر" قال الدليل وهو يشير إلى كتل أسمنتية مزروعة في الأرض انحدرت منها مجار للمياه جافة" كانت هذه ينابيع ظل الماء يجري منها قرونا عدة ليسقي سكان القرية وحقولهم وبساتينهم، وقبل ثلاث سنوات جاءت قوات صدام فنقلت السكان إلى أحد المجتمعات شبه العسكرية ودمرت البيوت وأغلقت الينابيع لتمنع السكان من العودة إلى قريتهم.. في البداية قتل الجنود بعض المواشي وألقوها في الينابيع، وبعد أيام عادوا ليغلقوها بالخرسانة المسلحة".
ما من قوة تستطيع أن تحبس الماء في جوف الجبل.. وغير بعيد عن الينابيع المغلقة تفجرت ينابيع جديدة انحدر منها الماء إلى السهل المنبسط أسفل هذا السفح.
سياسية قديمة
وسياسة تدمير القرى والمدن الكردية بدأها نظام صدام حسين منذ الأيام الأولى لوصوله إلى الحكم بانقلاب في صيف العام 1968. وتختزن الذاكرة الكردية أحداثا من تلك الفترة بينها ما وقع في قرية (ده كان) في 18 أغسطس (ب) 1969. كانت تلك القرية المنكودة تقوم عند نهر الخازر في منطقة الشيخان بمحافظة الموصل، وقد تعرضت، مع قرى أخرى في المنطقة، إلى قصف جوي ومدفعي من القوات الحكومة، فاضطر السكان إلى الهرب واللجوء إلى أعالي الجبال، وقام الرجال بإخفاء نسائهم وأطفالهم في مغارة أملا في حمايتهم من الموت خلال عمليات المطاردة. وزيادة في التحوط موهوا مدخل المغارة بأعشاب وحشائش يابسة، إلا أن القوات الحكومية التي دخلت القرية وأحرقت بيوتها ونهبت محتوياتها ظلت تبحث عن السكان حتى عثرت على المغارة وقتلت جميع من فيها، وكان عددهم 67 (29 امرأة راوحت أعمارهن بين 16 و 80 سنة، و 38 طفلا بأعمار بين شهر واحد وخمس سنوات).
قال دليلي معلقا: "كان ذلك سلطة (تعبير دارج) للدلالة على أن الشيء المقصود أخف وطأة وأقل أهمية بكثير من سواه) فما حدث بعد ذلك أفظع بآلاف المرات".
وما حدث فيما بعد هو أن الحملات العسكرية وعمليات القمع الجماعي ضد الأكراد وثورتهم اتسع نطاقها واشتدت ضراوتها، إلا أنها فشلت في إخماد الثورة الكردية التي كانت اندلعت في سبتمبر (أيلول) 1961، فاضطر النظام العراقي في التفاوض مع قيادة الثورة الكردية وزعيمها الملا مصطفى البارزاني، والتوقيع على اتفاقية جسدها بيان 11 مارس (آذار) 1970 الذي أعترف بالأكراد قومية رئيسية في العراق إلى جانب العرب، وبحقهم في إقامة حكم ذاتي لهم في كردستان العراق في غضون أربع سنوات.
تغيير التركيبة السكانية
وخلال السنوات الأربع تلك نشطت الحكومة العراقية في محاولاتها لتغيير التركيبة السكانية في المدن والبلدان والقرى التي يعيش فيها - إلى جانب الأغلبية الكردية من سكانها - عرب وتركمان، وبخاصة مدينة كركوك ومحافظتها التي يوجد فيها أهم حقول النفط العراقية، وذلك للحيلولة دون إلحاقها بمنطقة الحكم الذاتي الكردي. فبوسائل الترهيب والترغيب جرى تهجير معظم السكان الأكراد والتركمان من تلك المناطق وإحلال سكان عرب محلهم. وفي الموعد المحدد لتمتع الأكراد بالحكم الذاتي أعلنت الحكومة من طرف واحد قانون للحكم الذاتي رأى الأكراد أنه ينتقص من حقوقهم التي اتفق عليها في مارس (آذار) 1970، وأعلن الزعماء الأكراد أنهم يرفضون القانون ولن يسمحوا بتطبيقه، فشنت الحكومة حملة عسكرية شاملة تعرضت فيها المئات من القرى والبلدان الكردية إلى التدمير. ومع ذلك لم تنجح الحملة في القضاء على الحركة الكردية المسلحة التي ظلت تسيطر على معظم كردستان. وقد اعترف صدا حسين فيما بعد بأن الجيش العراقي تكبد في تلك الحملة التي استمرت عاما كاملا 60 ألف قتيل. وفي مارس (آذار) 1975 وقع صدام حسين مع شاه إيران على اتفاقية الجزائر التي تنازلت فيها الحكومة العراقية عن حقوق السيادة في شط العرب وبعض الأراضي العراقية مقابل مساعدة الشاه لصدام في محاصرة الحركة الكردية في العراق. ووجد الزعماء الأكراد أن الاستمرار بحركتهم، بع ذلك الاتفاق، يقود شعبهم إلى الانتحار، فأعلنوا عن إنهاء ثورتهم. واجتاز عدة آلاف من المقاتلين "البيشمه ركة"، مع عوائلهم، الحدود غير مطمئنين إلى العفو الذي أصدرته الحكومة عنهم.
وشرع النظام العراقي منذ ذلك الوقت بحملة عسكرية كبرى لتغيير الخارطة السكانية لكردستان، فجرى تدمير جميع القرى الواقعة على طول الحدود مع إيران وتركيا وبعرض 30 كيلو مترا , واعتبر السكن، وحتى مرور الأشخاص، في تلك المناطق محرما، وصدرت قرارات تبيح للقوات العسكرية القتل الفوري لكل من يخالف ذلك. وعمدت السلطة العراقية إلى هدم وإحراق كل القرى والبلدان في تلك المناطق ونقل سكانها إما إلى المجمعات شبه العسكرية التي أقيمت حول المدن الكردية الرئيسية أو بالقرب منها، أو إلى مخيمات في الأراضي الصحراوية قرب الحدود مع المملكة العربية السعودية والأردن.
كردي وبندقية.. وتشتعل
الثورة
كردي.. وكيس تبغ..
حفنة زبيب.. وبندقية..
ثم
صخرة..
وليأت العالم..
كل العالم...
هذه القصيدة الموجزة لعبد الله كوران (1904 - 1962)، أحد أكبر الشعراء الكردى المجددين والوطنيين في هذا القرن، تلخص حال الكردي الذي يصعب قهره وتطويعه، فلكي يثور تكفيه بندقية، وزبيب وتبغ (تشتهر بهما كردستان) وصخرة يتحصن بها، ليواجه سرايا وأفواجا مدرعة.
وهكذا فإن الثورة الكردية لم تخمد طويلا، إذ عاود البيشمه ركه، بعد عام من توقيع اتفاق صدام - الشاه، نشاطهم السياسي - التعبوي بين السكان وعملياتهم المسلحة ضد أجهزة القمع الحكومية، وأخذوا يستعيدون، تدريجيا، قسما من مناطق نفوذهم التقليدية. ورغم إقدام نظام صدام على شن الحرب على إيران في سبتمبر ( أيلول ) 1980، فإن أعمال التهجير والتدمير في كردستان تواصلت، بل تصاعدت وتيرتها في أواسط الثمانينيات عندما امتدت جبهة الحرب إلى كردستان التي صارت مناطقها الشرقية ميدانا لمعارك ضارية بين القوات العراقية والقوات الإيرانية.
مجزرة حلبجة
بعد أول استخدام للأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية المهاجمة في الجنوب، استعملها النظام العراقي ضد الأكراد اعتبارا من أوائل العام 1987. وفى غضون عام أبيدت عشرات القرى الكردية بقنابل السيانيد وغاز الخردل وغاز الأعصاب. وبلغ استخدام هذه الأسلحة المحرمة دوليا ذروته في 16 و17 مارس (آذار) 1988 عندما أغارت الطائرات العراقية المحملة بالسلاح الكيماوي على حلبجة، وهي بلدة كردية كبيرة تقع قرب الحدود مع إيران، فقتل في الحال 5 آلاف من مواطنيها وأصيب 15 ألفا آخرون.
والواقع أن الوثائق الموجودة لدى الجبهة الكردستانية، والمؤيدة من منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الطبية الدولية المحايدة، تشير إلى أن النظام العراقي بدأ منذ 15 أبريل (نيسان) 1987 استخداما واسعا للأسلحة الكيمياوية ضد القرى الكردية الآهلة بالسكان المدنيين. ففي ذلك اليوم قصفت 10 قرى في محافظة السليمانية، وفي اليوم التالي قصفت 7 قرى في محافظة أربيل، بينها قرية الشيخ التي قتل 109 من سكانا وأصيب 281 آخرون. واتسعت العمليات بعد ذلك لتشمل مناطق في عمق كردستان، منها في 23 مايو (آيار) 1987 قرى قومار وكركان وقمر في محافظة التأميم (كركوك) التي ليست لها حدود مع إيران، وفي 5 يونيو (حزيران) من العام نفسه منطقة العمادية الواقعة في الشمال الأوسط قرب الحدود مع تركيا، حيث كانت توجد مواقع "للبيشمه ركة".
عتب الكرد على العرب
في جلسة مسائية مع مجموعة من المثقفين الأكراد في مدينة السليمانية كان هناك اتفاق على أن تهاون العالم، وبخاصة القوى الكبرى، حيال صدام حسين وسياساته، سبب أول في الكوارث التي وقعت في، العراقي والمنطقة في السنين الأخيرة.
قال أحدهم: "لو أن العالم وقف في وجه صدام حسين عندما شن الحرب على إيران وطبق في حقه قوانين الأمم المتحدة، مثلما فعل لاحقا إبان احتلال الكويت، ما كان للحرب العراقية - الإيرانية أن تستمر ثمانية أعوام، وما كان لصدام أن يمتلك قوة عسكرية ضخمة ويستخدمها في إبادة الشعب الكردي وغزو الكويت".
وفيما تكثر أسئلة الأكراد عن سر الصمت الذي لزمته الدول العربية والإسلامية إزاء إبادة نظام صدام لهم، فإن المثقفين الأكراد يتحدثون بمرارة عما يعتبرونه موقفا غير مفهوم وغير مبرر للمثقفين العرب نحو قضية الأكراد في العراق وسياسة صدام القاسية تجاههم. وقال أحدهم في تلك الأمسية: "من بين كل الشعوب في المنطقة كنا دائما نتطلع إلى العرب أكثر من غيرهم، فواقع التجزئة العربية والهم الوحدوي، خصوصا لدى المثقفين العرب، كانا، من المفترض، أن يجعلا العرب أكثر تفهما للقضية الكردية وأكثر تعاطفا مع نضال الشعب الكردي من أجل الإقرار بحقوقه القومية. لا يمكنني أن أفهم موقف المثقف العربي الذي يدعم الثورة الفلسطينية ويتضامن مع الزنوج في جنوب إفريقيا وناميبيا والهنود الحمر في أمريكا ولا يتخذ الموقف نفسه تجاه الشعب الكردي في العراق الذي يدافع عن حقه في الوجود.. عن حقه في حكم ذاتي في إطار العراق الموحد.. عن حقه في نظام ديمقراطي في العراق".
"الأنفال" الكيمياوية
وعلى أية حال فإن سياسة الأرض المحروقة التي طبقها نظام صدام في كردستان العراق بلغت ذروتها في العام 1988 الذي وقعت فيه مجزرة حلبجة. وكانت تلك المجزرة بداية حملة واسعة أطلقت عليها الحكومة العراقية، رسميا، اسم "الأنفال" التي قادها وأشرف عليها ابن عم صدام، علي حسن المجيد، وزير الدفاع الحالي الذي عين في ذلك الوقت حاكما عسكريا لكردستان بصلاحيات واسعة للغاية.
وانطلقت عمليات الأنفال من قرى محافظة كركوك التي هاجمتها في مارس (آذار) وإبريل (نيسان) من ذلك العام فرق عسكرية بكامل عدتها من المدفعية والدبابات، تساندها الطائرات الحربية. وبالإضافة إلى الأسلحة التقليدية، استخدمت في تلك العمليات الأسلحة الكيمياوية.
وحتى الآن يرتجف هلعا الناجون من تلك العمليات عندما يتحدثون عما رافقها من عمليات اغتصاب للنساء وتعذيب للمعتقلين ونهب وسلب لممتلكات سكان القرى، وعمليات إعدام بالجملة للأطفال والشيوخ والنساء والرجال، ونقل الباقين إلى أعماق الصحراء.
وتفيد وثائق الجبهة الكردستانية أنه في محافظتي كركوك والسليمانية تم، في ذلك الوقت القصير، حرق وتدمير 728 قرية وتشريد 40 ألف عائلة واعتقال أكثر من 35 ألفا من السكان، بينهم 13 ألف امرأة وأكثر من 4500 طفل وأكثر من 7600 رجل. وتتضمن وثائق الجبهة الكردستانية، وبينها ثلاث مذكرات موجهة إلى منظمة الأمم المتحدة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والرأي العام العالمي، قوائم تفصيلية بأسماء أكثر من 450 قرية أحرقت وهدمت في تلك الحملة في محافظتي دهوك ونينوى وحدهما، بينها 77 قرية تعرضت للقصف بالأسلحة الكيمياوية. وكانت تلك القرى تضم أكثر من 12 ألف عائلة. وبالإضافة إلى الذين فروا إلى تركيا فإن أكثر من 32 ألف مواطن كردي وقعوا في أسر القوات العراقية التي نقلتهم إلى معسكرات اعتقال بعيدة عن مناطق سكنهم التقليدية.
بلاد الجبال بلا قرى!
وغالبا ما يعرض مسئولو الجبهة الكردستانية على الزائرين الأجانب، من صحفيين ومندوبي منظمات الإغاثة، قوائم بالأسماء والعناوين والخرائط لنحو 4500 قرية وبلدة كردية تدمرت تماما في غضون أقل من ربع قرن، ومعظم هذا التدمير حدث في الثلاث عشرة سنة الأخيرة التي أصبح فيها صدام حسين حاكما للعراق.
وليس صعبا على زائر كردستان أن يتحقق من هذه المعلومات. فالشواهد على سياسة الأرض المحروقة قائمة هنا في كل مكان. وقد قامت الحكومة بمد شبكة من الطرق المعبدة إلى كل أنحاء كردستان. وكان هذا لأسباب عسكرية محضة، غايتها تسهيل نقل القوات البرية ومعداتها ونشرها على الجبال وفي الوديان والسهول لقمع الثوار الأكراد وإحكام السيطرة على المنطقة.
ومن دون استثناء فإن كل هذه الطرق لمحمل العلامات الدالة على ما تعرض له الشعب الكردي من إبادة شنيعة. فعلى جانبي كل واحدة من هذه الطرق، وبعضها يمتد إلى مسافة مئات الكيلو مترات، يلمح السائر عليها آثار القرى والبلدان المدمرة.. أكواما من الحجارة أو صخورا متناثرة، بدت وكأنها بقايا لمقابر قديمة مهجورة منذ قرون.
أرض محروقة.. أرض ملغومة
وحظرت الحكومة على المهجرين الأكراد العودة إلى قراهم تحت طائلة القتل الفوري، فالريف الكردستاني، في معظمه، أعلن منطقة عسكرية محظورة. وقد استولى الأكراد، خلال انتفاضتهم في مارس (آذار) من العام الماضي، على وثائق رسمية سرية تؤكد إعدام الآلاف من الفلاحين الذين خرقوا - دون قصد في الغالب - قرارات حظر التجوال في المناطق المحرمة.
والكثير من هذه المناطق جرى بث الألغام فيه. وحدث في عدة مرات أن حذرني المرافقون من الابتعاد عن حافة الطريق التي كنا نسير عليها. وبإمكان المرء أن يرى بسهولة الألغام المزروعة في حقول تمتد مع الطرق العامة وعلى ضفاف الأنهار.
وزيادة في إجراءاته لمنع عودة الحياة إلى الريف الكردستاني، عمد نظام صدام حسين إلى إشعال الحرائق، بصورة منتظمة، في الغابات الطبيعة والبساتين والحقول والمراعي. قال لي أحد المسئولين الأكراد:
"في كل عام وفور انتهاء موسم الأمطار في نهاية الربيع تبدأ القوات الحكومية بإشعال النيران في مناطق كثيرة. ولا تتوقف هذه العملية إلا مع حلول موسم المطار التالي في أواسط الخريف. كما تقوم طائرات الهليوكوبتر وقوات المشاة، في بعض الحالات، بإلقاء السموم على البساتين والينابيع".
وأوضح أن الهدف الرئيسي لهذه العملية المتكررة سنويا هو منع الفلاحين الأكراد من العودة إلى مناطقهم السابقة، وحرمان الثوار " البيشمه ركة " من التخفي في الغابات والبساتين والاستفادة من ثمار أشجارها كغذاء لهم.
182 ألفا.. مجهولو المصير!
لا أحد هنا يعرف كم، بالضبط، عدد ضحايا كل هذه الحملات.. والتقديرات تتراوح بين بضع مئات الآلاف وعدة مئات الآلاف.
قال لي مسئول كردي سألته عما إذا كان يعرف العدد النهائي للضحايا:
- نحتاج إلى وقت طويل نسبيا لمعرفة العدد: فكردستان ظلت، خصوصا في الخمس عشرة سنة الماضية، شبه معزولة عن العالم وعن باقي أنحاء العراق أيضا. وكل ما كانت تقوم به السلطة جرى بسرية كاملة..الإعدامات الجماعية.. التدمير.. القصف بالأسلحة الكيماوية.. حتى الحكومة لا تعرف العدد النهائي لضحاياها، فكيرا ما جرت عمليات إعدام وإبادة دون إحصاء دقيق لمن ماتوا ومن ظلوا على قيد الحياة.
واستطرد المسئول الكردي قائلا:
- هذه واحدة من القضايا الكبيرة التي تؤرقنا وتشغلنا. ففي كل يوم يأتي العشرات إلى مقرات الجبهة الكردستانية وأحزابها يسألون عن مصير أهل وأقارب ومعارف لهم فقدوا منذ زمن طويل.
وكشف هذا المسئول أن وقد قيادة الجبهة الكردستانية الذي زار بغداد عدة مرات في العام الماضي لإجراء مفاوضات مع الحكومة طالب المسئولين في النظام العراقي بالكشف عن مصير 182 ألف مواطن كردي اعتقلتهم السلطة ولم يظهر لهم أي أثر حتى الآن، فكان جواب علي حسن المجيد الذي كان وزيرا للداخلية إن العدو هو في حدود 100 ألف، وأن المعتقلين سيطلق سراحهم، والموتى يرحمهم الله " ! كما ينقل المسئول الكردي الذي يعتقد أن الغالبية العظمى من مجهولي المصير قد قتلوا فرادى أو جماعات.
ولهذا الاعتقاد ما يبرره. فعلى كثرة السجون والمعتقلات في العراق، ليس من المعقول أن تكون هناك سجون تستوعب كل هذا العدد الهائل من البشر.. وفي كل شهر يكتشف الأكراد مقبرة جماعية سرية، أو أكثر، في مناطق مختلفة من بلادهم، وهي تضم رفات العشرات، وأحيانا المئات، من الذين أعدما بصورة جماعية. ويتوقع المسئولون الأكراد أن يجري اكتشاف مقابر أخرى عديدة في المستقبل، عدا المقابر المماثلة التي يمكن أن توجد في المناطق الصحراوية من العراق.
المحنة مستمرة
لم تنته محنة الأكراد بعد، رغم أن الحكومة العراقية فقدت تماما سيطرتها على معظم المنطقة الكردية منذ الصيف الماضي. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي فرض نظام صدام حسين حصارا محكما على كردستان، وقامت قوات الحرس الجمهوري التي يعتمد عليها حاكم بغداد في حماية سلطته، بقطع كل الطرق التي تربط كردستان بسائر أنحاء العراق. وتحظر هذه القوات توريد أي شيء إلى المناطق المحررة من كردستان، بما في ذلك الأغذية والأدوية والنفط والبنزين. وقد ضاعت هذه الإجراءات من المعاناة المعيشية التي يكابدها الأكراد. فالسلع الأساسية أصبحت نادرة، وإذا ما توافرت بمقادير محدودة - غالبا عبر استيرادها من إيران وتركيا - فتباع بأسعار خيالية، خصوصا أن قيمة الدينار العراقي تدهورت كثيرا منذ اجتياح الكويت واحتلالها. (السعر الرسمي للدينار يزيد على 3 دولارات أمريكية، فيما يباع الدولار ويشترى الآن في العراق بما يتراوح بين 11 و 13 دينار عراقيا).
ويضاف إلى هذا كله أن الحكومة أعلنت - بالترافق مع فرض الحصار - عن وقف العمل في الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة في كردستان، وأوقفت صرف الرواتب للموظفين والعمال. والهدف من هذه الإجراءات إرغام الجبهة الكردستانية على القبول بمشروع الحكم الذاتي الكردي الذي اقترحته الحكومة على الزعماء الأكراد في أثناء المفاوضات معهم، وهو مشروع رفضته الجبهة، لأنه لا يحقق مطامحهم في حكم ذاتي حقيقي، ذلك أن المشروع لا يعترف بكردية عدة مدن وبلدان كردية، بينها مدينة كركوك التي يوجد على مشارفها أهم حقول النفط العراقية. كما أنه - المشروع - يسعى إلى الاحتفاظ بدور مقرر للسلطة المركزية في الشئون العامة للمنطقة الكردية، يفوق دور السلطة الكردية الذاتية. فضلا عن أن المشروع الحكومي لا يقترن بمشروع لإقامة نظام حكم ديمقراطي في العراق يقوم على الممارسة البرلمانية والتعددية السياسية والحزبية. ويعتبر الزعماء الأكراد أن الحكم الذاتي الكردي سيكون بلا معنى ومجرد حبر على ورق ما لم يكن مضمونا بحكم ديمقراطي للعراق كله، " فالتجربة علمتنا أن ما تعطيه الدكتاتورية اليوم تسترده غدا، وهذا ما ينطبق على دكتاتورية صدام حسين أكثر من غيرها " كما قال لي أحد هؤلاء الزعماء في مقابلة معه.
نصف مليون نازح
ومن الأوجه الأخرى للمحنة الكردية المستمرة حتى الآن، وجود نحو نصف مليون من الأكراد (عددهم في العراق تتراوح التقديرات بشأنه بين 4 ملايين و4 ملايين ونصف المليون نسمة) يعيشون بلا مأوى في مخيمات أقامتها منظمات الإغاثة الدولية وفي بيوت مؤقته بنيت من أغصان الأشجار وأكياس النايلون. وهؤلاء هم سكان المدن والقرى المهدمة، وبعضهم جاء من المدن والبلدان التي تسيطر عليها الآن القوات الحكومية التي قامت بطردهم وإسكان مواطنين عرب محلهم في إطار سياسة النظام العراقي لتغيير الطبيعة الديموغرافية للمناطق الكردية التي مازالت تحت سيطرته لتبرير عدم إلحاقها بمنطقة الحكم الذاتي الكردي.
ويواجه سكان المخيمات الكردية ظروفا حياتيه بالغة السوء، فعدا النقص الكبير في الأغذية والأدوية التي توفر منظمات الإغاثة كميات محدودة منها، تفتقد هنا خدمات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب. وتكثر هنا الأمراض الناجمة عن التلوث وسوء التغذية والبرد، فيما لا تفي الأدوية والطواقم الطبية بالحاجة. وأخبرني أحد الأطباء أن العديد من الحالات تقع هنا، وخصوصا عندما تسقط الأمطار والثلوج.. ويحدث أحيانا موت الأطفال الرضع والشيوخ المسنين، إما من البرد أو من مرض "الدوسنتاريا" الشائع هنا. وفي مخيم سيد صادق الذي أنشئ علا أنقاض بلدة بالاسم نفسه دمرتها القوات الحكومية، وهو يبعد مسيرة ساعة بالسيارة عن مدينة السليمانية، قال أحد المسئولين في مقر المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن الوضع في هذا المخيم الذي يضم 40 ألف نازح كردي، وفي المخيمات الأخرى " سيكون خطيرا للغاية ما لم تصل إمدادات جديدة من مواد الإغاثة".
حلبجة.. هيروشيما الصغرى
من الصعب الحديث عن كل المدن والبلدان الكردية المدمرة، فهي كثيرة، ولكل واحدة منها قصة طويلة بتفاصيل متشعبة. وقد اخترنا اثنتين من المدن التي ضربها زلزال صدام حسين الرهيب : حلبجة وقلعة دزة. تقع حلبجة على بعد 80 كيلومترا عن مدينة السليمانية إلى الجنوب الشرقي منها، ولا تبعد عن خط الحدود مع إيران إلا بضع كيلومترات. وهي تقوم على طرف سهل شهرزور الشهير الذي يعتبر من أكبر سهول كردستان وأخصبها وأكثر إنتاجا في الحبوب والفواكه والخضراوات... كان هذا في الماضي.. أما الآن فإن هذا السهل تحول إلي مجرد مراع طبيعية محرم على الأكراد حتى رعي مواشيهم فيه، فكل البلدان والقرى في هذا السهل جرى تدميرها. وكانت مدينة حلبجة آخر الحواضر، في هذا السهل، التي شملتها عمليات التدمير والإبادة.
كانت حلبجة، قبل قصفها بالأسلحة الكيمياوية في مارس ( آذار ) 1988 موطنا لأربعين ألفا من السكان، وهي مركز قضاء تتبعه عدة نواح وعشرات القرى كان يعيش فيها نحو 60 ألف نسمة.
وبالمقارنة مع البلدان الواقعة على الطريق بين السليمانية وحلبجة ( بنكرد، سيد صادق، سيروان ) بدت حلبجة أفضل حالا نسبيا، فقد ظلت بعض بيوت المدينة سليمة، فيما تحولت تلك البلدان، فضلا عن القرى، إلى أكوام من الحجارة الصغيرة، وسويت مع الأرض. استخدم صدام حسين السلاح الكيمياوي لإبادة سكان المدينة التي تبدو الطبيعة المحيطة بها خلابة للغاية.
وأخبرني عدد من السكان أن الهجوم على المدينة تم على مرحلتين، ففي السادس عشر من مارس (آذار) 1988 ألقت الطائرات قنابل عادية وقنابل النابالم، وفي اليوم التالي فعلت الشيء نفسه في البداية، حتى إذا لاذ السكان بالملاجئ جاءت طائرات أخرى وألقت القنابل الكيمياوية المعبأة بغاز الخردل وغاز الأعصاب، فمات الكثيرون خنقا.
ويعاني المئات حتى الآن من آثار التعرض للغازات السامة، إذ يتعرضون من آن إلى آخر إلى نوبات من الانهيار والاضطراب العصبي. ويقول أحد الأطباء إن معظم الناجين من الكارثة ستلازمهم هذه الحالة لمدة طويلة، وأن بعضهم سيموت في وقت أسرع.
تذكر حلبجة الكردية العراقية بمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين اللتين قصفتا بالقنابل النووية.. ولهذا فإن السكان أطلقوا على مدينتهم اسم "هيروشيما الصغرى" أو"جليشيما".
مدينة عظيمة.. اختفت فجأة من الوجود
تقع قلعة دزة (أو: قلادزة، كما يسميها الأكراد) في الاتجاه المعاكس.. إلى الشمال الغربي من السليمانية.. والطريق إليها أطول من طريق حلبجة.. وهي ملتوية ومتعرجة كثير، وتمر بالمرتفعات الجبلية المطلة على بحيرة وسد دوكان قبل أن تنحدر إلى سهل بشدر الواسع الذي تقوم قلعة دزة عند طرفه الشرقي.
ولا بد أن قلعة دزة التي عاش فيها إلى ما قبل أربع سنوات 60 ألف نسمة، كانت من أكثر المدن الكردية جمالا. فهي تقوم عند التقاء نهرين تتسابق مياههما ركضا إلى بحيرة دوكان التي ترامى من هنا حتى الأفق الغربي.. وإلى الشرق ترتفع سلسلة من الجبال العالية، أشهرها جبل قنديل الذي تظل الثلوج تكلل قممه معظم أيام السنة.. أما سهل بشدر الذي تخترقه مجموعة من الأنهار والنهيرات فيظهر مثل سجادة هائلة الاتساع.. دائمة الخضرة.
"قلعة دزة نفسها كانت مدينة دائمة الخضرة وضاجة بالحياة" يقول مرافقي الذي أفادني بأنها كانت أيضا مركزا تجاريا مهما، وأنها تحولت في أواسط عقد السبعينيات إلى المركز السياسي والثقافي والعلمي الأول في كردستان: عندما شرعت الحكومة العسكرية بحملتها الكبرى على الأكراد في العام 1974 اضطرت قيادة الثورة الكردية إلى نقل مقراتها في هذه المدينة التي انتقلت إليها أيضا جامعة السليمانية بكلياتها ومعاهدها المختلفة. ولهذا السبب تعرضت في ذلك الوقت إلى عدة هجمات من الطائرات العراقية، أدت إلى قتل وإصابة المئات من السكان الذين فر الآلاف منهم باتجاه إيران.
وإلى الصيف الماضي كانت قلعة دزة بلا حياة.. ففي أبريل (نسيان) 1988 قامت الحكومة العراقية بتهجير كل سكانها إلى المدن الكردية الأخرى وإلى المجمعات شبه العسكرية، وهدمت بيوتهم واحدا واحدا بالديناميت والجرافات، وأعلنت المدينة وكل المنطقة المحيطة بها منطقة محرمة.. ويومها لم يبق في المدينة بيت واحد سليما.. حتى مباني المؤسسات العامة، والمدارس، بل والجوامع أيضا تعرضت للتدمير الكامل.
ولادة جديدة
وسط هذا الخراب العظيم تنبعث الحياة من جديد.. فمئات الآلاف من الأكراد الذين نزحوا إلى ما وراء الحدود أو إلى أعالي الجبال أو أخذوا عنوة إلى المجمعات القسرية شبه العسكرية، يعودون تدريجيا إلى مدنهم وبلدانهم وقراهم.. يجاهدون بمشقة من إعادة بناء بيوتهم ومواصلة العمل في مزارعهم.
وقد أتيح لهم هذا بعد أن أصدر مجلس الأمن الدولي في العام الماضي قراره بجعل المنطقة الواقعة إلى الشمال من خط العرض 36 درجة منطقة ملاذات آمنه للأكراد، وبعد أن أرغمت قوات صدام حسين على الانسحاب إلى الجنوب من هذا الخط عقب سلسلة من المعارك مع " البيشمة ركة " الذين دحروا القوات الحكومية ودفعوا إلى التخوم الفاصلة بين الجزأين العربي والكردي من العراق.
بيد أن الولادة الجديدة للمدن والقرى الكردية مازالت تتعسر، فالحصار الحكومي، وانهيار الاقتصاد العراقي، وشحة الموارد المالية للجبهة الكردستانية، ومحدودية الدعم القادم من الدول الأجنبية ومنظمات الإغاثة، تلعب كلها دورا كبيرا في جعل حركة إعادة الإعمار بطيئة.
في حلبجة وقلعة دزة ومدن وقرى أخرى وجدت الناس يجمعون الحجارة القديمة لبيوتهم، ويعيدون رصفها، بالاستعانة بالطين، لكي يقيموا أربعة جدران وسقفا لكل عائلة. وقال لي أحد مسئولي فرع الجبهة الكردستانية في قلعة دزة" إن مواد البناء، الأسمنت والطابوق والجص والحديد، غير متوافرة.. وإذا توافرت فبكميات قليلة وبأسعار عالية لا يقدر عليها من يتطلع إلى منظمات الإغاثة لكي يأكل ويلبس".
مثل طار الفينيق (العنقاء) الذي تقول الأسطورة إنه يعود إلى الحياة فور أن يموت، منبعثا من رماده، تعود مدن الأكراد وقراهم في العراق إلى الحياة، بعد أن ابتعد عنهم ذلك الشبح الرهيب: صدام حسين.
الأكراد وكردستان
"ذات
يوم
"ولدت الأرض بركانا
ومن البركان ولدت
كردستان
"وكردستان خلفت ابنها "آرارات"
"ومن "آرارات"
ولد الكرد
"ومن الكرد ولد توأمان: القهر
والتحدي".
* هذا جزء من قصيدة لأكثر الشعراء الأكراد العراقيين المعاصرين شهرة : شيركو بيكه س.
* والتاريخ يقول إن الكرد جاء ذكرهم في الألواح السومرية باعتبارهم ال "كوتو" أو "كوتي" الذين سماهم الأشوريون، فيما بعد، بال " كرتي "، وهم ينتمون إلى مجموعة الشعوب الآرية.
* وفيما يعتقد بعض المؤرخين أن الأكراد جاءوا من شرق آسيا، يرى آخرون أنهم السكان الأصليون لجبال آسيا الصغرى.
* وكردستان تعني : بلاد الكرد، كأفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان. وهي تنقسم بين تركيا والعراق وإيران مع نتوءات في سوريا وأرمينيا، فيما يوجد أكراد في لبنان وأفغانستان بأعداد قليلة.
* تتراوح التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 02 مليونا و 03 مليونا (حوالي 4.5 مليون منهم في العراق)، وبشأن مساحة كردستان بين 410 آلاف و 450 ألف كيلو متر مربع (منها 80 ألف كيلو متر مربع في العراق).
* اللغة الكردية مستقلة عن لغات الشعوب المجاورة، العربية والفارسية والتركية، لكنها تحتوي على كلمات عدة من كل هذه اللغات. وفيها لهجات عدة، وتكتب بالحروف العربية، إلا أن كمال أتاتورك الذي أحل الحروف اللاتينية محل الحروف العربية في كتابة اللغة الكردية في عشرينيات هذا القرن، جعل أكراد تركيا يستخدمون هذه الحروف (اللاتينية) في الكتابة بلغتهم.