العرب وأزمة الماء.. هل حانت لحظة الصراع على مصادر المياه؟ أمين حامد مشعل

العرب وأزمة الماء.. هل حانت لحظة الصراع على مصادر المياه؟

العالم العربي يعيش حالة من الشح في مصـادر المياه. وحتى الأنهـار التي تغذي بلاده تنبـع من خارج أراضيهـا. وهـذا الوضـع ليس مقلقـا فحسب ولكنـه يستـدعي أن تتخلى هـذه الـدول عـن تهاونها الـذي اسـتطال لتفـكر في حـل لهـذه المشكلة.

يبلغ متوسط الاستهلاك السنوي الحالي للمياه على مستوى العالم 4130 كم مكعبا بواقع 750 م مكعب لكل نسمـة. ومن ذلك نـرى أن الاستهلاك في حدود 10% من المياه المتجددة سنويا على هذا الكوكب.

أما على مستوى المنطقة العربيـة فتبلغ كمية الميـاه العـذبة المتجـددة سنويـا 132 كم مكعبا من مصادر طبيعية على أرضها وهي الأمطار وما يترتب عليها من مياه جـوفيـة وروافـد نهريـة. وهي تعـادل 0.32% فقط من الميـاه العذبة على كوكب الأرض.. فإذا أضفنـا إلى هـذه الموارد الطبيعيـة الموجودة فـوق المنطقة العربية المياه الواردة إليها من الأنهار التي تنبع خارج المنطقة العـربية يصبح إجمالي المياه العذبة المتاحة في المنطقة العربية 294 كم3 أي مـا يعـادل 0.72% من المياه العذبة في العالم.. في حـين تبلغ مساحة البلاد العربية 2.7 % من مساحة الأرض. ولو كانت المياه العذبة موزعة توزيعا متوازنا على الأرض لكان نصيب المنطقة العربية حسب مساحتها يعادل 1098 كم مكعب في العام. ويقدر المتوسط السنوي لنصيب الفرد العربي من المياه العـذبة بحـولي 630 م3 أي 8.5% من متوسط نصيب الفـرد على المستوى العالمي والبالغ 7420 م مكعبا. ويبلغ مقدار الاستهلاك السنوي للمياه العذبة في المنطقة العربية 215 كم مكعبا وهذا يفوق مواردها الطبيعية المتجددة فوق أرضها بـ 83 كم مكعبا. أي أن المنطقة العربية لا يمكنها الاعتماد على مصادر المياه العذبة المتجددة فوق أراضيها إذ إنها تكفي لسد 61% فقط من احتياجها. ولكن إذا أضفنا إلى هذه الموارد المياه التي تصل للمنطقة العربية من الأنهار التي تنبع في بلاد غير عربية يصبح إجمالي المياه العذبة المتاحة فيها 294 كم مكعبا في العام بفائض سنوي قدره 79 كم3. ولا شك أن المصادر الطبيعية الموجودة خارج المنطقة العربية غير مضمونة وغير مأمونة وعرضة لتحكم دول أخرى، ومن هنا فهي مصدر محتمل للنزاعات.

مشاكل ونزاعات

تدل الإحصاءات على أن كمية المياه العذبة التي يستهلكها كل البشر حاليا تعادل 10% من الموارد الطبيعية المتجددة سنويا، بينما يفقد حوالي 65 % في البحار ويضيع 13% في مناطق غير مأهولة وغير مستغلة، ويتسرب جزء في التربة ويفقد الجزء الآخر بالبخر. فالمشكلة إذن ليست في ندرة المياه العذبة على الأرض ولكن في عجز الإنسان عن الاستغلال الأمثل لها. ولعل السبب الرئيسي لذلك يتمثل في أن المياه العذبة موزعة على الأرض توزيعا غير متوازن جغرافيا وزمانيا. ويتمثل التوزيع الجغرافي غير المتوازن في وجود الجانب الأكبر من رصيد الأرض من المياه العذبة على هيئة ثلوج وجليد في المناطق المتجمدة، كما تتفاوت كمية المياه العذبة من منطقة إلى أخرى إذ تصل في أقصى وفرة لها في المناطق المدارية الرطبة حيث تبلغ الموارد السنوية لدولة مثل البرازيل 5190 كم مكعبا أي ما يربو على 13% من المياه العذبة المتجددة سنويا في العالم، وتليها المناطق المعتدلة والباردة فتصل موارد روسيا إلى 4050 كم مكعبا وكندا 2900 كم مكعب، وتبلغ موارد الصين 2800 كم مكعب، بينما تشح المياه العذبة وتكاد تنعدم في بعض المناطق الصحراوية الجافة مثل منطقة الخليج وبعض دول إفريقيا حيث لا تتعدى كمية المياه العذبة المتجددة في جيبوتي 0.3 كم مكعب في العام. كما أن توزيع المياه العذبة لا يتفق مع توزيع السكان على الأرض فتتفاوت الحصة السنوية للفرد من المياه التي تتجدد على أرض بلده تفاوتا كبيرا من منطقة لأخرى، فعلى المستوي العالمي يحصل الفرد في أيسلندا على أكبر حصة في العالم (654000 م مكعب في السنة) في حين يحصل الفرد في مصر على أقل حصة في العالم (44 م 3 في السنة مع ملاحظة أن مياه النيل لا تدخل في الحساب نظرا لأنها لا تنبع من مصر وترد إليها عبر بلاد أخرى). وعلى مستوى المنطقة العربية يحصل الفرد في العراق على أعلى حصة سنوية (1760 م 3) ويليه في لبنان (1690 م مكعبا) ثم في سلطنة عمان (1220 م 3) بينما يبلغ نصيب الفرد في بقية دول الخليج حوالي 150 م مكعبا في العام. وإذا أضفنا إلى موارد المياه المتجددة داخل بعض البلاد العربية ما تحمله الأنهار من مياه فان النصيب السنوي للفرد يزداد فيصبح 5175 م 3 في العراق (قبل تنفيذ أي مشروعات على نهري دجلة والفرات من دولة المنبع)، و 3500 م مكعبا في موريتانيا، و2940 م مكعبا في السودان، و985 م مكعبا في مصر.

وبجانب التوزيع الجغرافي غير المتوازن للمياه العذبة هناك أيضا توزيع زمني غير متعادل. إذ تتغير إمدادات المياه العذبة تغيرا كبيرا مع فصول السنة، فتتوافر الأمطار في شهور بذاتها وتقل أو تمتنع تماما في شهور أخرى. ولكي يتمكن الإنسان من الاستفادة القصوى من المياه العذبة التي تتاح له فقد عمل على إعادة توزيعها توزيعا جغرافيا يشق القنوات ومد الأنابيب لنقلها من حيث تتوافر إلى حيث تستغل. ويوجد في العالم شبكة عملاقة من الترع والقنوات والأنابيب التي تنقل المياه العذبة وتعيد توزيعهـا عبر مساحات ضخمة، وتوزيعا زمنيا عن طريق بناء السدود والقناطر لتخزين المياه التي تكثر وتزيد على الحاجة في موسم الفيضان وهطول الأمطار حتى يمكنه استغلالها على مدار السنة. ويوجد في العالم حاليا أكثر من 36 ألف سد بارتفاع يزيد على 15 مترا يمكنها تخزين ما يزيد على5000 كم مكعب من المياه. وهناك خطط في العالم لزيادة عدد السدود وطاقتها التخزينية لتبلغ حوالي 7500 كم مكعب بحلول عام 2000. وبالرغم من ذلك فما زالت هناك مشكلة تتعلق بالتوزيعين الجغرافي والزمني نجير المتوازنين للمياه العذبة، وبصعوبة نقل المياه عبر مسافات طويلة بتكلفة معقولة. وينتج عن ذلك وجود تباين شديد بين الدول من حيث وفرة أو ندرة المياه العذبة بها. ففي المنطقة العربية تزيد المياه على احتياج بعض البلدان فتستهلك موريتانيا مثلا 14% من المياه العذبة المتاحة لها ولبنان 20% والجزائر 23% والمغـرب 36% والسـودان 37% وسلطنـة عمان 51% والأردن 51% والعراق 88%. أمـا في مصر وسـوريا فتتعـادل الموارد الداخليـة والخارجية مع الاستهـلاك تقريبا. بينما تعاني بلاد أخرى مثل ليبيا والمملكـة العربية السعـودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين من نقص شديد في موارد المياه العـذبة على أراضيها، ويزيد فيها الاستهـلاك بما يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف كميات المياه المتاحة لـديها من موارد طبيعية، وتضطر هذه البلاد إلى استكمال حـاجتها من المياه العذبـة عن طريق تحلية ماء البحر بالرغم من التكلفة العالية لهذه العملية.

من جهة أخرى لم تتمكن كثـير من البلدان النامية- ومن بينها الدول العـربية- من استغلال مواردها المائية استغلالا فعالا، فتستخـدم طرقا تقليدية في الري تهدر قـدرا كبيرا من الميـاه. كـما تسرف بعض البلـدان في استغلال مواردها من المياه الجوفية مما يؤدي إلى تسرب المياه المالحة بشكل متزايد إلى مستودعات المياه الجوفية، ويلاحـظ ذلك في المناطق الساحلية من شمال إفريقيا وكذلك في منطقة الخليج.

تضم المنطقـة العربية بعض الأنهار التي تشـارك في أحواضها أكثر من دولة تحصل على حصص متفاوتة من المياه العذبة. وينظم ذلك اتفاقيات غير كـافية وقد لا توجد اتفاقيات على الإطلاق. ومع تزايد عدد السكان يتزايد استهـلاكهم من المياه العـذبة لتلبية احتياجاتهم الزراعية والصناعية والمنزلية، وقد يؤدي تضارب مصالح الدول التي تشارك في موارد المياه العذبة إلى نشوء تنافس فيما بينها قد ينقلب إلى نزاع ثم إلى صراع. ولذلك تحرص هذه الدول على إبرام اتفاقيات تحدد أسس استغلال موارد المياه المشتركة بينها، وتنظم حصول كل دولة على حصتها وعدم الأقدام على تصرف يخص الموارد المشتركة للمياه قد يضر ببقية شركائها. ومعظم النزاعات تقع بين الدول المتشاركة في حوض النهر الواحد وخاصة بين دولة أو دول المنبع حيث تقع منابع النهر، ودولة أو دول المرور التي يمر فيها النهـر، ودولة أو دول المصب حيث ينتهي النهر. إذ قد تدّعي أي مـن المجموعتين الأوليين أن لها الحق في التصرف في مياه المنبع أو في المياه التي تمر في أراضيها ويشمل ذلك حق الاستغلال والتخزين وتحويل المجرى.. بينما ترى المجموعة الأخيرة أن لها حقا متساويا له استغلال هذه المياه المشتركة ووجوب عدم المساس بالمجرى الطبيعي للنهر وعدم جواز تغييره دون موافقة الدول المشاركة في حوض النهر.

النزاع حول أحواض الأنهار

أحواض الأنهار في المنطقة العربية المؤهلة لأن تصحيح مناطق نزاعات محتملة في المستقبل هي: حوض نهر النيل: يعتبر نهر النيل أطـول أنهار العالم على الإطلاق إذ يبلغ طوله 6650 كم. ويضم حوضه تسع دول تتشارك في مياه، ومن بينها مصر والسودان. وتوجد منابعه خارج المنطقة العربية.

وتقدر احتياجات مصر من المياه العذبة بحوالي 57 كم مكعبـا في السنـة في حين لا تتوافر لديها مصادر داخلية على أرضها سوى 6.2 كم مكعب سنـويا، وتحصل على حصة مقدارها 5.55 كم مكعب من ماء النيل، وبذلك يبلغ إجمالي موارد مصر من المياه العـذبة 58. 1 كم 3 تستغلها بنسبة 98%. مصر هي أشد دول حوض النيل احتياجا لمياه هذا النهر إذ إنها تعتمد عليها اعتمادا يكاد يكون كليا في الحصول على حاجتها من المياه العذبة للاستعمالات الزراعية والصناعيـة والمنزلية. وإذا تأملنا موارد مصر من المياه واستهلاكها فإننا نجـد مصادرها الداخلية لا تلبي إلا 5% من احتياجاتها من المياه العـذبة سنويا بينما تحصل مصر على 95% من حاجتها من مياه النيل. وكذلك فان أي نقص في كمية المياه التي ترد إليها من نهر النيل سيؤثر تأثيرا سلبيا قويا ومباشرا على انتاجيها الزراعي والصناعي.. ولذلك فان مصر غير مستعدة للتفريط في أي جـزء من حصتهـا الحالية من ماء النيل.

ويتوافر لدى السودان سنويا حوالي 30 كم مكعبا من المياه العـذبة من مصادر داخلية، ويرد إليه حوالي 100 كـم مكعب من مياه النيل يحصل منها السـودان على حصة مقدارها 5.43 كم 3 ويتجه الباقي شمالا نحو مصر. وبذلك تقدر كمية المياه العذبة المتاحـة للسودان سنويا بـ 73. 5 كم 3 يستهلك منها ما نسبته 37% أي 27.3 كم3. وقـد فكر السـودان في مشروع شق قناة لتحـويل مياه النيل بعيدا عن المستنقعات الجنـوبيـة وذلك لتقليل الفـاقـد بـالبخـر من هـذه المسطحات المائية وكـذلك للإسراع في تدفق الميـاه في النيل الأبيض. ولم يكتمل تنفيذ هـذا المشروع نظـرا لاندلاع النزاع المسلح في الجنوب لأسباب مختلفة كان من بينها هذا المشروع.

وقد أبرمت بين مصر والسودان اتفاقية في عام 1959 يتم بمقتضاها توزيع مياه النيل بين الدولتين. ولم تتعرض هذه الاتفاقية لحصص بقية دول حوض النيل الواقعة جنوب السودان وفي الدول التي يمر فيها النهر والتي تقع فيها منابعه.

وتتسم دول حوض النيل بأعلى معدلات لزيادة السكان في العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكانها في غضون الأربعين أو الخمسين سنة القادمة وسيتبع ذلك بالضرورة زيادة الطلب على المياه العذبة.

حوض نهر الأردن

يضم خمس دول هي: الأردن، وفلسطين، وسوريا، ولبنان، وإسرائيل. ولقد كان أحد أسباب اندلاع حرب 1967 بين العرب وإسرائيل هو تخوف الدول العربية المعنية من أن تحول إسرائيل مجرى النهر ليوجه للمياه الداخلية الإسرائيلية. وتتضمن مباحثات السلام الحالية بين بعض الدول العربية وإسرائيل موضوع تنظيم حقوق استغلال المياه المشتركة.

ويضم حوض نهري دجلة والفرات تركيا والعراق وسوريا. ينبع هذان النهران في تركيا.. أي خارج المنطقة العربية وتعتمد كل من سوريا والعراق على مياه النهرين. وتقدر كمية المياه التي كانت ترد لسوريا سنويا بحوالي 28 كم مكعبا وللعراق بحوالي 66 كم مكعبا. وقد شيدت تركيا خلال السنوات الأخيرة الماضية سلسلة من السدود على نهر الفرات فيها عرف بمشروع الأناضول الكبير ومن المتوقع أن يؤدي هذا المشروع إلى تقليل حصة كل من العراق وسوريا من المياه العذبة التي تصل إليهما من المنابع الواقعة في تركيا.

ويرجح كثير من العلماء أن انبعاث بعض الغازات المصاحبة للنشاطات البشرية وتراكمها في الجو سيؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي إلى زيادة دفء جو الأرض والى تغييرات كبيرة في كميات الأمطار وتوزيعها. على الأرض ولم يصل العلماء إلى رأي قاطع حول هذا الموضوع ولكن هناك فقط افتراضات ونظريات متعددة ومتناقضة ومتضاربة أحيانا، بعضها يرجح أن كمية الأمطار ستقل بصفة عامة كلما اتجهنا نحو خط الاستواء. وإذا صح ذلك فان كمية الأمطار المتساقطة في منابع النيل قد تتأثر وتؤثر بالتالي في حصة المياه العذبة للدول التي تستفيد من مياهه وخاصة السودان ومصر.

الأزمة والحل

لم يتمكن الإنسان من الاستغلال الأمثل للمياه العذبة المتاحة له. وهناك وسائل كثيرة يمكن بها زيادة فاعلية استغلال المياه، منها إعادة تدوير المياه للاستخدامات الزراعية والصناعية والمنزلية، وتقليل الفاقد بالبخر عن طريق التوسع في استخدام الأنابيب لنقل المياه من منطقة لأخرى بدلا من القنوات المكشوفة. ويجب التخلي عن استخدام الطرق التقليدية لري الأراضي الزراعية، نظرا لأنها تهدر جانبا كبيرا من مياه الري، والبحث عن طرق اقتصادية للري تلائم كل منطقة وتوفر الماء وتحافظ على نوعية التربة، وتعميم استعمال هذه الطرق.

ويجب على الدول المتشاركة في مياه الأنهار أن تتعاون في الاستغلال السلمي للمياه المشتركة وتحافظ عليها بدلا من النزاع والصراع. وهناك أمثلة ناجحة لمثل هذا التعاون السلمي بين الهند وباكستان، وبين الولايات المتحدة والمكسيك، وبين الأرجنتين والبرازيل. وهنـاك أيضـا حلـول علميـة لتوفير المياه العذبـة تتمثل في تحلية أو إعـذاب الماء المالح بطرق اقتصادية تستلـزم توافر الماء المالح والطـاقـة. أما الماء المالح فما أكثره في البحار إذ يشكل 96.5% من إجمالي المياه على الأرض وأما الطاقة فهي أيضا متوافرة بكثرة من الطاقة الشمسية. فما المانع إذن؟.. المشكلة هي التكنولـوجيا التي تمكننا من تسخير الطاقة الشمسية لتحـويل ماء البحر إلى مـاء عذب. فـبرغم توافر المياه المالحة وطاقة الشمس إلا أن تكنولوجيا استخـدام الطاقة الشمسية لا تزال قاصرة قليلة الكفاءة، فإذا أمكننا تطـوير كفـاءة مثل هذه التكنولوجيا فـان الحصول على مـاء عذب من البحار يصبح ميسرا. ونعتقـد أن في الإمكان تحقيق ذلك إذا صحت العـزيمـة وهيئت لذلك الأسباب. ولا سبيل لذلك إلا بالبحث العلمي الذي سيمكننا من حل هذه المشكلـة. وقـد سبق للإنسان أن استخـدم علمه في التوصل إلى تكنولـوجيـا مكنته مثلا من الحصول على السماد الأزوتي من خامات متوافرة لديه وهي الهواء الذي نحصل منه على النتروجـين والحجـر الجـيري والطاقة، وقـد أحـدث هـذا السماد ثـورة زراعية وفـرت الغذاء للملايين. وقد تمكن الإنسان، عن طريق البحث العلمي، من تسخير ثروات الأرض لصالحه.. وكل ما ابتكره الإنسان من أجهزة ومعدات نستخدمها في حياتنا كان نتيجة مباشرة للبحث العلمي.

وتوجد طرق عديدة للحصول على مياه عذبة من مياه البحر لعل أقدمها وأبسطها هي طريقة التقطير حيث تسخن مياه البحر حتى الغليان تحت الضغط الجوي العادي ويكثف البخار المتصاعد. وعيب هذه الطريقة أن كفاءتها منخفضة نظرا لأن الجانب الأعظم من الطاقة يفقد دون استغلال كاف، ولذلك تـرتفع تكاليف الماء العذب النـاتج منها. ثـم ابتكر العلماء طريقة التقطير المتعدد المراحل حيث يبخر ماء البحـر في مراحل تحت ضغـوط مختلفـة ثم يكثف ويحصل منها على الماء العذب. وتتميز هذه الطريقة بزيادة كفاءة استغلال الطاقة مما يقلل تكاليف الماء الناتج ولذلك فقد اتسع انتشارها في العالم عامـة وفي منطقة الخليج على وجـه الخصوص. وهنـاك طرق اقتصادية أخرى لتحلية ماء البحر منها التجمد حيث تبرد مياه البحر إلى أن تتجمد المياه العـذبة تاركة الأملاح. وكذلك طريقة التناضح العكسي حيث تستعمل أغشية شبه منفذة لعزل الماء العذب عن الأملاح وهي ناجحة في إعـذاب الميـاه الشرب قليلة الأملاح ولكنها تستخدم أيضـا لإعذاب مياه البحر ولكن بدرجة كفاءة أقل.

وبالرغم من التطورات والتحسينـات التي أدخلت على هـذه الطرق لزيادة كفاءتها إلا أن تكاليف الماء العذب النـاتج بهذه الطرق لا تـزال عاليـة يصعب على كثير من الـدول الناميـة تحملها وتجعل استخدامـه غير اقتصادي في الأغراض الزراعية أو الصناعية، إذ تتراوح تكلفة إنتاج المتر المكعب من الماء العذب بطرق التحلية الاقتصادية المنتشرة في العالم حاليا بين 0.75، 1.75 دولار أمريكي وذلك حسب السعـة الإنتاجية للمحطة وطريقة التحلية ونوع الوقود المستعمل ويضاف إلى ذلك تكـاليف إنشاء المحطـة ذاتها والتي تتراوح بين 900، 2500 دولار لكل متر مكعب من السعة الإنتاجية للماء العـذب وتختلف التكـاليف حسـب طـريقـة التحليـة المتبعة. وتقل بصفة عامة كلما كبر إنتاج المحطة.

ارتفاع التكلفة

وسبب زيادة سعر الماء العذب المنتج بأي من الطرق السابقة هو ارتفاع تكلفة إنشاء وصيانة وتشغيل محطات إعذاب ميـاه البحـر وكـذلك ارتفـاع أسعار الـوقـود المستخدم للحصـول على الطاقـة. ويعتبر زيت البترول هو الأكثر استعمالا في الوقت الحالي لأن كثيرا من الدول لا تحبذ استخدام بعض مصادر الطاقة الأرخص نسبيا مثل الوقود النووي نظرا للتخـوف من الإشعاع وصعوبة وتعقيدات التخلص من الفضلات النووية.

ويرى البعض أن زيت البترول لا يعتـبر المصدر المثالي للطاقـة من الناحية البيئيـة لأن حرقه يؤدي إلى تصـاعد ثاني أوكسيد الكربون الذي يتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري لزيادة دفء جو الأرض. ومن جهة أخرى فان مصادر زيت البترول غير متجـددة ولا بد أن تنفذ يـوما ما، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه لـلأبد كمصدر للطاقة. وتقتضي المسئوليـة تجاه الأجيال القادمة البحث منذ الآن عن مصـادر بـديلـة يشترط فيهـا أن تكون متجـددة ورخيصـة التكاليف، ونظيفـة لا تـؤثر تأثـيرا سلبيا في البيئة، ويبدو للوهلة الأولى أن الشمس هي المصدر المنشـود للطـاقـة الـذي يفي بكل الشروط المطلوبة. فالطاقة الشمسية نظيفة ومتاحة بكميات هائلة بلا ثمن، إذ إن كمية الطاقـة التي تصل من الشمس لسطح الأرض في الساعة الواحدة تكفي لامداد العـالم كله بـالطـاقة اللازمة لاستعمالات البشر جميعـا خلال عام كامل.

الأمل.. الطاقة الشمسية

وتعتبر المنطقة العربية أغنى مناطق العـالم بالطـاقة الشمسية إذ يبلغ المتوسط اليومـي للطاقة الشمسية التي تسقط عليها 250 وات لكل متر مربع ويصل في بعض جهاتها إلى 300 وات لكل متر مربع.

وبالرغم من توافر الطاقة الشمسية في العالم بكميات هائلـة تفـوق بكثير احتيـاج البشر إلا أن الإنسان لم يتمكن حتى الآن من استغلالها في سد جانب ضئيل من احتياجاته من الطاقة، فـما السبب؟

لا يمكن استغـلال الطـاقـة الشمسيـة استغـلالا اقتصاديـا إلا بتطويـر وسائل لتطـويعها لتلبيـة طالب واحتيـاجـات البشر، ولن يتحقـق ابتكـار مثل هـذه الوسائل إلا من خلال البحوث العلمية، ومع الأسف لم يكن للطاقة الشمسية نصيب من البحوث التي تجرى في العالم يتنـاسب مع أهميتها. ويعـود السبب في ذلك إلى عوامل عـديدة متشابكة لعل أهمهـا أن معظم البحوث التي تجرى في العالم تتم في الدول الصناعية المتقدمة.. ويبدو أن هذه الـدول غـير مهتمـة بالبحوث المتعلقة بالطـاقـة الشمسية بسبب عدم توافر الإشعاعات الشمسيـة الساقطـة على أراضيها. لـذا يجب تطـوير تكنولوجيا الطاقة الشمسيـة في البلاد النامية التي تتوافر فيها هذه الطاقـة. ولكن معظم هذه البلاد فقـيرة وتعتبر البحث العلمي ترفا لا تقـدر عليـه وهذا خطأ.. أمـا البلاد الغنية منها وهـي المصدرة للبترول فقد انتشر فيها اعتقاد خاطئ مفاده أن تطـوير الطـاقة الشمسية قد يؤثر في أسعار البترول وفي مبيعاتها منه.

وإذا كـانت مسـاهمات العرب في النهضـة العلمية والصناعية في القرن العشرين غـير متناسبة مع تراثهم وماضيهم الحضـاري ومع امكاناتهم البشريـة والمادية، فان أمامهم فرصة في القرن الحادي والعشرين لتعويض ما فـاتهم من خلال تحقيـق إنجاز علمي يعـود بالخير عليهم وعلى الناس أجمعـين، يتمثل في تطوير تكنولوجيا تطويع الطاقة الشمسية لتلبية احتياجات الإنسان العربي وأهمها على الإطلاق إعذاب أو تحلية مياه البحر. فللمنطقة العربية - كما أسلفنا - في حـاجة لكميات ضخمة من الماء العذب لكي تحيل صحراءها إلى جنات خضراء.. وتلبى حاجة سكانها المتزايدة من الغذاء..

ومواردها الطبيعية للميـاه العذبة محدودة وغـير مستقرة وغـير مأمونـة في أحيان كثيرة. وليس هنـاك من سبيل سوى تطـوير طرق اقتصـادية لتحليـة ماء البحـر باستخدام الطاقـة الشمسية. والمنطقة العربية مـؤهلة لتحمل هذا العبء إذا تـوافرت النيـة والعزيمة، ففيها نواة صـالحة من العلماء البارزين في هـذا المجال وحقل التجارب مهيأ.. فماء البحر متوافر وكمية الإشعاعات الشمسيـة السـاقطة على المنطقـة العربية أعلى من أي منطقة أخـرى في العـالم. وإذا أحسن استغـلال جـزء ضئيل منهـا فان الطـاقة المتولدة تكفي لاستخـدامات الدول العـربية جميعا. والرأي عنـدي هو أن تنشئ كل أو بعض الدول العربية برنامجا لتطوير تكنولوجيا لتحلية ماء البحر باستخدام الطاقة الشمسية، هدفه الحصول على ماء عذب بتكاليف قليلة وأن تحدد للـبرنامج مدة محددة تنجز خلالها المهمة التي أنشئ من أجلها. ويجب أن يكـون الـبرنامج خـاضعا للمتـابعة والتقـويم بصفة دورية وأن يصحـح مساره كلما لزم الأمر، كـما يجب أن يحرر هذا الـبرنـامج تماما من البيروقراطية السائدة في البـلاد العربية وأن ترصد له الأموال وتحشـد لـه كل الإمكانات البشريـة الـلازمة، وتهيـأ له السبل والبيئـة المناسبـة للعمل الجاد المنتـج دون أي معـوقـات، وألا يكون للبرنامج صفة الدوام حتى لا يتحول إلى مؤسسة مكدسة بالموظفين غارقة في المشاكل الروتينية والإدارية. وقـد نجحت دول كثيرة في تحقيق إنجازات وطنيـة من خـلال برامـج حددت أهـدافها بـدقة ورصـد لها المال والكفـاءات لإتمامها خـلال فترة محددة. ولعلى البرامج النووية والفضائية خير مثال.

ولا يساورني أي شك في أننا إذا أحسنا التخطيط لهذا البرنامج ونفذناه بجدية تتناسب مع أهميته وخطورته فإن المنطقـة العربية ستصبح مركـز تميز في هذا التخصص وسيكون لها الريادة فيه وستجني من ورائه الخـير الوفير. وستكون مساهماتها العلمية والتكنـولوجيـة محل تقدير أهلها والناس في العالم كله.

 

أمين حامد مشعل

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات