ورقة النصيب شيرلي جاكسون

ورقة النصيب

ترجمة: سمير أبوالفتوح

كان صباح السابع والعشرين من يونيو رائعا ومشمسـا وذا دفء منعش، ولذا تفتحت الزهور فيه بغزارة ووفرة، وبدا العشب بالغ الخضرة والنضرة، وأخذ أهل القرية يتجمعون حوالي الساعة العاشرة، ذلك أن الناس من الكثرة في بعض القرى بحيث يستغرق الاقتراع يومين، ويستلزم البدء فيه يوم السادس والعشرين من يونيو، أما في هذه القرية حيث يوجد ثلاثمائة نسمة تقريبا، فإن الاقتراع كله لا يستغرق سوى ساعتين، ومن ثم يبدأ في الساعة العاشرة صباحا، ويظل مستمرا طوال الوقت حتى يؤذن للقرويين بالعودة إلى بيوتهم لتناول طعام الغداء.

وتجمهر الأطفال أولا بالطبع، وإن كان الشعور بالتحرر لا يزال غير مستقر عند معظمهم، فقد أغلقت المدرسة أبوابها أخيرا إيذانا بإجازة الصيف، ومن ثم عمدوا إلى أن يلتئم شملهم معا في هدوء بعض الوقت قبل أن ينطلقوا في مرح صاخب، وكان حديثهم بالتالي لا يزال عن الفصل والمعلمة والكتب والتوبيخات، وقد حشا "بوبي مارتن" جيوبه عن آخرها بالحجارة، فأسرع باقي الأولاد يحذون حذوه متخيرين أكثرها نعومة واستدارة، وأخيرا أقام "بوبي" و "هاري جونز" و"ديلاكروا" - وينطق القرويون هذا الاسم "ديلاكروى" كومة عظيمة من الحجارة في ركن من الساحة، وتولوا حراستها من غارات الآخرين، أما البنات فوقفن جانبا يتبادلن الحديث فيما بينهن، ويتطلعن إلى الأولاد من فوق أكتافهن، بينما أخذ صغار الأولاد يتمرغون في التراب، أو يتعلقون بأيدي إخوتهم الكبار أو أخوتهن الكبيرات، وسرعان ما أخذ الرجال يتجمعون، وهم يلقون نظرة شاملة على أولادهم، ويتحدثون عن الزرع والمطر والجرارات والضرائب، وقد جاء وقوفهم معا بعيدا عن كومة الحجارة القائمة في الركن، وكانت نكاتهم هادئة، وكانوا يبتسمون أكثر مما يضحكون، وجاءت النسوة في أثر أزواجهن، وهن يرتدين بذلاتهن وستراتهن، وحيا النسوة بعضهن بعضا، وتبادلن القليل من الكلمات في أثناء سعيهن للحاق بأزواجهن، وما إن وقفن بجانب أزواجهن حتى أخذن ينادين أطفالهن، فجاء هؤلاء على مضض واستياء بعد المناداة عليهم أربع أو خمس مرات، وتملص "بوبي مارتن" من يد أمه، وعاد إلى كومة الحجارة ضاحكا، فانتهره أبوه بشدة، فجاء مسرعا، واتخذ مكانه بين أبيه وأخيه الأكبر.

وكان السيد "سمرز" - كما هو الحال بالنسبة لرقصات الساحة ونادى الشبيبة وبرنامج الاحتفال بعيد عشية جميع القديسين - هو الذي يدير شئون الاقتراع، لما لديه من الوقت والجهد ما يكرسهما للأنشطة المدنية، وهو رجل مرح، مستدير الوجه، ويعمل بتجارة الفحم، وكان الناس يأسون له، لأنه لم يكن له ولد، وكانت زوجته - في ذلك - سليطة اللسان، فلما بلغ الساحة حاملا الصندوق الخشبي الأسود سرت غمغمة بين القرويين، فلوح لهم بيده قائلا:

- تأخرنا اليوم قليلا أيها الناس.

وتلاه السيد "جريفز" مدير مكتب البريد، وهو يحمل كرسيا بلا ظهر وذا ثلاث أرجل وضعه في الساحة، ووضع السيد "سمرز" بدوره الصندوق عليه، وتباعد القرويون تاركين مسافة بينهم وبين الكرسي، وعندما قال السيد "سمرز" : "هلا ساعدني بعضكم" ساد التردد بينهم قليلا قبل أن يتقدم رجلان هما السيد "مارتن"، وابنه البكر "باكستر" للإبقاء على الصندوق ثابتا ريثما يقلب هو الأوراق بداخله.

لقد ضاعت أدوات الاقتراع الأصلية منذ زمن بعيد، بل إن الصندوق الأسود الذي استقر على الكرسي آنذاك كان قد بدأ استعماله قبل أن يولد العجوز "مان وارنر" أكبر المعمرين سنا في القرية، ولقد تحدث السيد "سمرز" إلى القرويين مرارا بشأن صنع صندوق جديد، ولكن ما من أحد ارتضى أن يفسد ما كان يمثله الصندوق في نظرهم من تقليد راسخ، وهناك قصة مفادها أن الصندوق الحالي مصنوع من بعض أجزاء الصندوق السابق عليه، وهو الصندوق الذي أنشأه الأوائل عندما استقروا هنا ليشيدوا القرية، وكان السيد "سمرز" يجدد الدعوة كل عام بعد الاقتراع إلى صنع صندوق جديد، ولكنها لا تلبث أن تخبو من غير أن يعمل شيء، ولهذا أخذت حالة الصندوق تزداد رثاثة كل عام، فلم يعد بأكمله أسود، وتشقق على نحو سيئ على امتداد أحد جوانبه كاشفا عن لون الخشب الأصلي الذي بدا باهتا في بعض المواضع أو ملطخا.

أمسك السيد "مارتن" وابنه البكر "باكستر" الصندوق الأسود الموضوع على الكرسي بإحكام حتى قلب السيد "سمرز" الأوراق تقليبا جيدا بيده، وبما أن القرويين نسوا الكثير من أمر الشعيرة أو أغفلوه، فقد نجح هو في أن يستبدل قصاصات الورق بشرائح الخشب التي ظلت تستعمل لأجيال، فقد أقنعهم بأن تلك الشرائح كانت مناسبة تماما حينما كانت القرية بالغة الصغر، أما الآن فهي تربو على ثلاثمائة نسمة قابلة للزيادة مما يقتضي استعمال الشيء الذي يناسب الصندوق أكثر من غيره في سهولة ويسر، وكان السيدان "سمرز" و "جريفز" يعدان قصاصات الورق في الليلة السابقة على الاقتراع ، ويضعانها في الصندوق، ثم يؤخذ هذا إلى خزانة شركة الفحم المملوكة للأول ويغلق هو عليه حتى يكون مستعدا لأخذه إلى الساحة في الصباح التالي، أما بقية العام فكان يطرح جانبا في مكان أو آخر، فيقضي عاما في مخزن الحبوب التابع للسيد "جريفز" وعاما آخر في مكتب البريد على الأرض، وقد يوضع أحيانا على رف في دكان "مارتن" البقال، ويترك هناك.

اعتاد القرويون أن يحدثوا كثيرا من الهرج والمرج قبل أن يعلن السيد "سمرز" بدء الاقتراع، فهناك قوائم بأسماء رءوس العائلات لا بد من إعدادها، وأخرى بأسماء أرباب المنازل في كل عائلة، وثالثة بأسماء أفراد كل منزل، وهناك أيضا اليمين الخاصة التي يؤديها السيد "سمرز" - باعتباره الموظف الرسمي للاقتراع - أمام مدير مكتب البريد، ويذكر بعض الناس أن ثمة نشيدا ما في وقت من الأوقات اعتاد الموظف الرسمي للاقتراع أن يؤديه وهو واقف في مكانه كما هو على نحو رتيب خال من النغم، في حين يعتقد آخرون أنه كان يتعين عليه أن يسير بين الناس وهو يلقيه أو يتغنى به، على أن هذا الجانب من الشعيرة تركه الناس يندثر منذ سنين بعيدة، وكذلك كانت هنالك تحية شعائرية يتعين على الموظف الرسمي للاقتراع أن يؤديها عند مخاطبة كل شخص قادم للسحب من الصندوق، وهذه أيضا عفا عليها الزمن، وإن كان ثمة إحساس لا يزال باقيا من جانبه. هو شخصيا بضرورة التحدث إلى كل شخص يدنو من الصندوق. وكان السيد "سمرز" بارعا للغاية في كل هذا، وهو مرتد قميصه الأبيض النظيف وبنطلونه الجينز الأزرق، وقد استقرت إحدى يديه بلا اكتراث على الصندوق الأسود، "فبدا لائقا ومهما وهو مستغرق في حديث طويل مع السيد "جريفز" والمدعو "مارتن".

وفي اللحظة التي فرغ فيها السيد "سمرز" من حديثه تماما، والتفت في القرويين أقبلت السيدة "هاتشنسون" مسرعة من الطريق المؤدية إلى الساحة، وسترتها ملقاة على كتفيها، واندست خلف الحشد، وقالت للسيدة "ديلاكروا" التي وقفت إلى جوارها:

- نسيت تماما ما هو اليوم.

وضحكت كلتاهما بصوت خفيض، واستطردت السيدة "هاتشنسون" وهي تجفف يديها في المنشفة:

- ظننت زوجي العجوز في الخارج خلف المنزل يكوم الخشب، ثم نظرت من النافذة، فرأيت الأولاد قد ذهبوا وعندئذ تذكرت أن اليوم هو السابع والعشرون، فجئت أجري. فقالت السيدة "ديلاكروا":

- ومع ذلك جئت في الميعاد، إنهم ما زالوا يتكلمون هناك بعيدا.

فمدت السيدة "هاتشنسون" عنقها كي ترى عبر الحشد، فوجدت زوجها وأطفالها واقفين قرب المقدمة، فربتت على ذراع السيدة "ديلاكروا" مودعة، وأخذت تشق طريقها خلال الحشد، فأوسع الناس لها كي تمر برحابة صدر، وقال اثنان أو ثلاثة منهم بصوت عال مسموع: "ها قد أقبلت زوجتك يا هاتشنسون" ، "إنها جاءت بالرغم من كل شيء يابل" ، ووصلت هي إلى زوجها، فقال السيد "سمرز" الذي كان ينتظرها بمرح.

- ظننا السحب دونك يا تسي.

فقالت السيدة "هاتشنسون" وهي تضحك ضحكة عريضة:

- أكنت تريدني أن أترك الأطباق في الحوض ياجو؟، أكنت تود ذلك؟. وسرت ضحكة خفيفة عبر الحشد على حين ارتد الناس إلى مواضعهم السابقة بعد وصول السيدة "هاتشنسون"، وقال السيد "سمرز" برزانة ووقار:

- حسن، أظن من الأفضل الآن أن نبدأ الاقتراع حتى نفرغ منه ونعود إلى عملنا، هل تغيب أحد؟ فرد كثير من الناس:

- دنبار، دنبار، دنبار.

وراجع السيد "سمرز" قائمته، ثم قال:

- كليد دنبار، هذا صحيح، فساقه مكسورة، أليس كذلك؟ من سيسحب نيابة عنه.

فقالت امرأة: أنا كما أظن.

واستدار السيد "سمرز" ينظر إليها، وقال: الزوجة تسحب نيابة عن زوجها.

فقالت السيدة "سمرز":

- أليس لك ولد كبير يتولى ذلك نيابة عنك يا جاني؟ وعلى الرغم من أن السيد "سمرز" وكل من بالقرية يعرف الإجابة تماماً، فإن مهمة الموظف الرسمي للاقتراع تقتضي منه أن يوجه أسئلة من هذا القبيل بطريقة رسمية، وانتظر السيد "سمرز" باهتمام يتسم باللطف ريثما تجيب السيدة "دنبار".

فقالت السيدة "دنبار" وهي تعتذر:

- لم يبلغ هوارس السادسة عشرة بعد، أظن أنى سأنوب عن الرجل العجوز هذا العام.

فقال السيد "سمرز" وهو يدون ملحوظة في القائمة التي يمسكها:

- حسن هل سيسحب ابن واتسون هذا العام؟

فرفع شاب طويل القامة يده قائلا:ً

وخلجت عيناه قلقاً، وأحنى رأسه حينما انبعثت أصوات عديدة تردد عبارات مثل: "نعم الفتى أنت يا جاك" ، "لكم أنا فرحة أن رأيت أمك قد أصبح لها رجل يؤدي ذلك نيابة عنها".

قال السيد "سمرز":

- حسن، أظن أن كل واحد موجود، هل سيقوم العجوز وارنر بالسحب؟

فانبعث صوت يقول هأنذا.

فأومأ السيد "سمرز"، وران صمت مفاجئ على الحشد حينما تنحنح هو، ونظر في القائمة، وقال بصوت مرتفع:

- أأنتم مستعدون؟ سأقرأ الآن الأسماء (أسماء رءوس العائلات أولاً) وعلى كل رجل أن يأتي ويأخذ ورقة من الصندوق ويحتفظ بها مطوية دون أن ينظر إليها حتى ينال دوره، هل الأمور كلها واضحة؟

لقد بلغ من كثرة ما صنع الناس ذلك أنهم لا يكادون يصغون إلى التعليمات، وكان معظمهم ساكناً، يبلل شفتيه، ولا يلتفت حوله، ثم رفع السيد سمرز يده عالياً، وقال:

- آدامز.

فانتزع رجل نفسه من الحشد وتقدم، فقال له السيد سمرز: أهلا ستيف.

فرد السيد آدامز: أهلا جو.

وابتسم كل منهما للآخر بطريقة عصبية تخلو من الدعابة والمرح، وبلغ السيد آدامز الصندوق الأسود، وأخرج منه ورقة مطوية، وأمسكها من طرفها بشدة وهو يستدير عائداً إلى مكانه في الحشد على عجل، حيث وقف بعيداً بعض الشيء عن أسرته دون أن ينظر إلى يده، وقال السيد "سمرز":

- ألن... أندرسون... بنتام.

فقالت السيدة ديلاكروا للسيدة "جريفز" في الصف الخلفي:

- إنه ليتراءى لي أن لا زمن على الإطلاق بين الاقتراع والاقتراع، لكأننا فرغنا من الاقتراع الأخير في الأسبوع الماضي فقط.

فردت الثانية:

- حقاً إن الزمن يمضي مسرعاً.

- كلارك.. ديلاكروا.

قالت السيدة "ديلاكروا" وهي تحبس أنفاسها بينما كان زوجها يتقدم:

- ها هو رجلي العجوز ذاهب هناك.

قال السيد سمرز:

- دنبار. فذهبت السيدة "دنبار" إلى الصندوق بثبات بينما قالت إحدى النسوة:

- استمري في طريقك ياجاني.

وقالت أخرى:

- ها هي ذاهبة هناك.

وقالت السيدة جريفز:

- نحن التالون.

وأخذت ترقب حينما جاء السيد جريفز بالقرب من جانب الصندوق، وحيا السيد سمرز برزانة ووقار، وتخير قصاصة من الصندوق.

وفي تلك اللحظة كان ثمة رجال في كل ناحية من الحشد يحملون وريقات صغيرة مطوية في أيديهم الضخمة يفركونها بعصبية.

ووقفت السيدة "دنبار" وابناها معاً وهي تمسك قصاصة ورق.

- هربرت... هاتشنسون.

وقالت السيدة هاتشنسون: أصح يابل.

فضحك القريبون منها.

- جونز.

وقال السيد "آدامز" للعجوز "وارنر" الذي كان واقفاً بجانبه:

- إنهم يقولون إن الحديث يجرى في القرية الشمالية بشأن التخلي عن فكرة الاقتراع.

فامتعض العجوز وارنر قائلاً:

- إنهم جماعة من الخبل المجانين إذ يعيرون الصغار آذانهم، فهؤلاء لا يعجبهم أي شيء، والشيء التالي كما تعلم هو أن يطالبوا بالعودة إلى العيش في الكهوف، ولن تجد أحداً بعد ذلك يعمل إذا ما عاش على هذا النحو للحظة، لقد درجنا على القول بأن الاقتراع في يونيو يعني ذرة وفيرة عن قريب، أول ما سنفعله كما تعلم أن نأكل عشب الطير وجوز البلوط، الاقتراع قائم على الدوام.

وأضاف قائلا بتأفف وضيق:

- كم هو سيئ أن ترى الصغير جو يمازح كل شخص.

فقالت السيدة آدامز:

- لقد توقفت بعض الأماكن عن الاقتراع.

فقال العجوز وارنر بصلابة وقوة:

- لن يجلب عليهم هذا سوى المتاعب، إنهم طائفة من الحمقى المجانين.

- مارتن.

وشاهد بوبي مارتن أباه يتقدم.

- أوفرديك... برسي.

قالت السيدة دنبار لابنها الكبير: أود لو يسرعون، ليتهم يسرعون.

فقال ابنها: لقد أوشكوا على الانتهاء.

فقالت هي: استعد للجري كي تخبر أياك.

ونادى السيد سمرز اسمه هو شخصيا، ثم تقدم بضع خطوات إلى الأمام بدقة، وتخير قصاصة من الصندوق، ثم نادى:

- وارنر.

فقال العجوز وارنر وهو يخترق الحشد:

- سبعة وعشرون عاماً قضيتها في الاقتراع، سبعاً وعشرين مرة.

- واتسون.

فشق شاب فارع طريقه على نحو مربك، فقال أحدهم:

- لا تكن عصبيا يا جاك.

وقال السيد سمرز:

- تريث يا بني.

ثم نادى:

- زانيني.

وتلا ذلك صمت طويل احتبست فيه الأنفاس حتى عرض السيد سمرز قصاصته على الأنظار، وقال:

- حسن أيها الرفاق.

ولدقيقة لم يبد أحدهم حراكا، ثم فتحت جميع الأوراق، وأخذ النساء فجأة يتكلمن في وقت واحد قائلات:

- تراهم من يكونون؟ تراهم من كانت من نصيبهم؟ أهم آل دنبار؟ أهم آل واتسون؟

ثم أخذت الأصوات تردد: إنه هاتشنسون، إنه بل، إنه بل هاتشنسون الذي حصل عليها، فقالت السيدة دنبار لابنها الكبير: اذهب وأخبر أباك.

وأخذ الناس يتلفتون حولهم كي يروا آل هاتشنسون. كان بل هاتشنسون واقفا في سكون يحملق في الورقة التي بيده، وعلى حين غرة صاحت "تسي هاتشنسون" في السيد سمرز قائلة:

- أنت لم تعطه الوقت الكافي للحصول على الورقة التي يريدها، لقد رأيتك، هذا ليس عدلاً.

فهتفت بها السيدة ديلاكروا:

- فلتكن روحك رياضية.

وقالت السيدة جريفز:

- لقد نال كل منا فرصته على السواء.

فقال بل هاتشنسون:

- اسكتي يا تسي.

فقال السيد سمرز:

- حسن، فقد أدى كل واحد هذا بسرعة إلى حد ما، علينا أن نسرع الآن قليلاً لننتهي من الاقتراع في الميعاد. وراجع قائمته التالية قائلاً:

- لقد سحبت يابل لعائلة هاتشنسون، ألديك أرباب أسر آخرون ينتمون لآل هاتشنسون؟

فصاحت السيدة هاتشنسون:

- هناك دون وإيفا، فلتتح لهما الفرصة.

فقال السيد سمرز برفق:

- أنت تعلمين مثلما يعلم كل شخص آخر أن البنات يسحبن مع عائلات أزواجهن.

فقالت تسي:

- هذا ليس عدلاً.

فقال بل هاتشنسون:

- لا أظن ياجو أن العدل فقط هو أن تسحب ابنتي مع عائلة زوجها، فأنا ليس لدي أسرة أخرى غير الأطفال.

فقال السيد سمرز موضحاً:

- مثلما يتعلق السحب عن العائلات برءوسها يتعلق بك، ومثلما يتعلق السحب عن أهل المنـازل بأربابها يتعلق بك أيضاً، سليم؟

- فقال بل هاتشنسون: سليم.

فسأله السيد سمرز بطريقة رسمية:

- كم طفلا لديك يابل؟

فأجاب:

- ثلاثة: بل جر، ونانسي، والصغير داف فضلاً عن تسي وأنا.

فقال السيد سمرز:

- حسن إذن، استعد تذاكرهم يا هاري.

فأومأ السيد جريفز، وتناول قصاصات الورق، فأرشده السيد سمرز قائلاً:

- ضعها إذن في الصندوق، وخذ قصاصة بل أيضا وضعها فيه.

فقالت السيدة هاتشنسون بهدوء جهد طاقتها:

- أعتقد أنه ينبغي لنا أن نبدأ من جديد، هأنذا أقول لك إن هذا ليس عدلاً، أنت لم تعطه الوقت الكافي للاختيار، لقد رأى كل شخص هذا.

وانتقى السيد جريفز القصاصات الخمس، ووضعها في الصندوق، وأسقط كل الأوراق فيه عدا تلك الملقاة على الأرض وعبث بها النسيم وحملها بعيداً.

قالت السيدة هاتشنسون لمن حولها:

- لينصت كل منكم.

فسأل السيد سمرز بل:

- أمستعد أنت يا بل؟

وبنظرة خاطفة على زوجته وأطفاله أومأ بل، وقال السيد سمرز:

- تذكر، خذ القصاصات واحتفظ بها مطويات ريثما يأخذ كل شخص قصاصته، وعاون أنت يا هاري الصغير داف. فتناول السيد جريفز يد الصغير الذي ذهب معه طواعية إلى الصندوق، وقال السيد سمرز:

- أخرج ورقة من الصندوق ياداف.

فوضع "داف" يده داخل الصندوق وضحك، فقال السيد سمرز:

- خذ ورقة واحدة فقط. أمسكها له يا هاري.

فتناول السيد جريفز يد الطفل، وانتزع الورقة من قبضته المحكمة وأمسكها هو بينما وقف الصغير داف بجانبه يتطلع إليه بدهشة.

فقال السيد سمرز:

- نانسي التالية.

وكانت نانسي في الثانية عشرة من عمرها، وتنفست صديقاتها بصعوبة بالغة وهي تتقدم وتلملم جونلتها بيدها، وأخذت قصاصة من الصندوق برشاقة ورقة، وقال السيد سمرز:

- بل جر.

وكان بيلي ذا وجه أحمر، وقدمين غليظتين عريضتين، واصطدمت يده بالصندوق وهو يخرج ورقة منه، وقال السيد سمرز:

- تسي.

وترددت تسي لدقيقة وهي تتلفت حولها في تحد ثم زمت شفتيها، وتوجهت إلى الصندوق، وأخذت منه ورقة، وأمسكت بها خلف ظهرها، فقال السيد سمرز:

- بل.

ووصل بل هاتشنسون في الصندوق، وراح يتحسس ما بداخله، ثم أخرج يده في النهاية، وبها قصاصة. وران السكون على الحشد، وهمست فتاة:

- آمل ألا تكون نانسي.

وبلغ الهمس أطراف الحشد، وقال العجوز وارنر بوضوح:

- هذه ليست الطريقة المتبعة، الناس ما عادوا يسيرون على الطريقة الواجبة.

قال السيد سمرز:

- حسن، افتحوا الوريقات، افتح أنت يا هاري وريقة الصغير دافي.

ففتح السيد جريفز القصاصة، وشهق جميع من بالحشد وهو يعرضها عليهم، فقد رأوها خالية، وفتح كل من نانسي وبل جر قصاصته في وقت واحد، وأشرق وجهه بالضحك وهو يلتفت في الحشد ويرفع قصاصته عالياً فوق رأسه، فقال السيد سمرز:

- تسي.

وساد الصمت، ثم نظر السيد سمرز إلى بل هاتشنسون وهو يفض وريقته، ويعرضها على الملأ، فقد كانت خالية.

فقال السيد سمرز: إنها تسي.

وأردف بصوت هادئ: أرنا وريقتها يا بل.

وتوجه بل هاتشنسون إلى زوجته، وانتزع القصاصة من يدها بالقوة. لقد كانت بها النقطة السوداء التي أحدثها السيد سمرز في الليلة الماضية بقلم رصاص ثقيل في مكتب شركة الفحم، وعرضها على الحشد، فسرت حركة فيه، وقال السيد سمرز:

- حسن أيها الناس، فلننته بسرعة.

وعلى الرغم من أن القرويين نسوا الشعيرة وفقدوا الصندوق الأصلي فإنهم ما زالوا يذكرون استعمال الحجارة.

وكانت كومة الحجارة التي أقامها الأولاد من قبل جاهزة، وكذلك. كان ثمة حجارة على الأرض مختلطة بقصاصات الورق المتطايرة التي أخرجت من الصندوق، وانتقت السيدة ديلاكروا حجراً وبلغ من ضخامته أن اضطرت إلى أن ترفعه بكلتا يديها، والتفتت إلى السيدة دنبار قائلة:

- هلم إليَّ، أسرعي.

واستعد الأطفال بالحجارة، وأعطى أحدهم بضعَ حصيات للصغير دافي هاتشنسون وكانت تسي هاتشنسون آنذاك وسط مساحة خالية، قد مدت يديها في يأس بينما أخذ القرويون يتحركون صوبها، وقالت:

- هذا ليس عدلاً

وصدمها حجر في رأسها، وطفق السيد وارنر يردد:

- هلموا جميعاً، هلموا.

وكان ستيف آدامز في مقدمة حشد القرويين وبجانبه السيدة جريفز، وصرخت السيدة هاتشنسون:

- هذا ليس عدلاً.

وعندئذ انهالوا عليها رمياً بالحجارة.

 

شيرلي جاكسون

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات