مساحة ود

مساحة ود

التجربة الثانية

لم يكن من الممكن قبول الاقتراح بسهولة. فلم أعد صغيرة السن. كما لم أعد أمتلك تلك القدرات القديمة التي تقوي من عزيمتي وتساعدني على تحمل المشاكل. لقد تقدم بي العمر وضاعت مني تلك الفرصة الوحيدة التي كان من الممكن أن تجلب لي السعادة والاستقرار. لم يكن ذنبي كما لم يكن ذنبه.

لقد شاء القدر ما شاء. واستسلمت لإرادة الله، واعتبرت كل شيء قسمة ونصيبا، وبدأت أنظم حياتي على ذلك الوضع الخاص، امرأة في الأربعينيات تزوجت ولم تنجب فطلقت ليتزوج زوجها من امرأة أخرى تنجب له الأبناء والبنات. لقد كان من حقه أن يصبح أبا، وحينما فشل معى طوال هذه السنوات وبعد كل تلك المحاولات فضل خوض التجربة الثانية قبل فوات الأوان. فعلها وأصبح له الآن من الذرية ما يرضي ذاته ورجولته. في البداية لم أواجه هذه الحقائق بسهولة. فكم كنت أتمنى أن أكون أنا أما لأولاده وشريكة أفراحه، خاصة أنه كان كريما معي، محبا لبيته. لم يبخل علي بأي إمكانات لأستمر في محاولاتي الفاشلة، ولكن مع الوقت باتت أعصابي تتحمل كل صدمات الأخبار التي تأتي إلي من جانبه وهدأت أعصابي ولم أعد أشعر بتلك النار التي تشتعل بداخلي كلما علمت أن زوجته حامل أو أنها وضعت طفلا أو طفلة.

والآن يأتي إلي هذا الاقتراح الذي أعتبره صعب القبول.

هل أستطيع تكرار التجربة في ظرف مختلف ومغاير؟ هل أستطيع أن أكون زوجة لرجل ثان. في هذه السن التي تكون فيها العادات والخصال الشخصية قد استقرت ويصعب تغييرها أو استبدال أخرى بها. هل أستطيع بدء حياة جديدة في هذه المرحلة السنية؟ هل تتحمل أعصابي خوض تجربة جديدة، لا أعلم إذا كانت ستنجح أو ستفشل، وهل عندي الاستعداد لمواجهة الفشل مرة أخرى؟!.

فضلت أن أناقش الأمر بيني وبين نفسي. لم أشأ أن أقحم أحدا معي. فلا بد أن يكون القرار قراري، لذلك امتنعت عن تناول الاقتراح بالمناقشة مع أي من المقربين إلي. كما قررت أن تكون لي مبادرة غير مسبوقة. رفعت سماعة الهاتف وطلبت رقم منزله. ردت علي ابنته الكبرى عرفتها بنفسي فوجدتها تعرف اسمي.. دعوتها مع شقيقتها لتناول الشاي معي في منزلي.

في الموعد المحدد، جاءت الابنتان إلي، الكبرى في السادسة عشرة والصغرى في الرابعة عشرة، كانت زيارة لطيفة، دارت فيها مناقشات عن الدراسة والأصدقاء وظروف البيت. فهمت منهما بشكل غير مباشر، أن والدهما قد فاتحهما في أمر زواجه مني كما فهمت أنهما ترحبان بزواجي من أبيها. فقد توفيت والدتهما منذ عدة سنوات وأصبحتا مع والدهما في حاجة إلى أم بديلة ترعى شئونهما في هذه المرحلة العمرية الحرجة، تواعدنا جميعا أن نتبادل المكالمات التلفونية وأن تتكرر زيارتهما لي. بعد فترة قصيرة بدأنا نخرج معاً كأسرة. هو والابنتان وأنا. اقتربت من جو عائلي لم أكن أعرفه. لقد تعودت سابقا على أن أكون زوجة لزوج. والآن بدأت أعرف معنى أن أكون أما لابنتين. تقاربنا، وأصبحنا أقرب إلى كتلة واحدة من أربعة أجزاء. لقد كان في احتياج إليَ. وكنت في احتياج إليه وإلى أمومتي وكانت الابنتان في احتياج إليه وإلي. قررت قبول الحياة الجديدة بكل القناعة والحماس. قررنا أن نعقد القران. وترك لي إعداد كل الترتيبات. اتصلت تلفونيا بأحد الفنادق الساحلية وطلبت حجز غرفتين مزدوجتين متجاورتين. واحدة له ولي.. والثانية للبنتين. تحدثت إليه لأبلغه بمسألة الحجز في الفندق. سألني.. "وهل ستأتي البنتان معنا؟"

أجبته "وهل سنتركهما بمفردهما في البيت؟"

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات