عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

مياه نهاية العام..

عزيزي القارئ..

وكأن الأيام مياه نهر تدفق في مجرى معلوم لتصل إلى نهاية محتومة، فينتهي عام، ليبدأ عام جديد. ومشاعر نهاية العام تبدو هي نفسها المشاعر التي يمكن أن تراودنا ونحن نـدرك أن نهرا ينتهي إلى مصبه، وتذوب مياهه في مياه بحر أو محيط، فيغدو العذب مالحا كما اللحظات التي تؤخذ من عمرنا. إنه شجن يشبه أشجان الماء، ولقد كان للماء في عامنا - كما في أعدادنا السابقة، وعددنا هذا - شئون وشجون. سواء فاض هذا الماء أو غاض. ويبدو أن الماء بات متطرفا شأن التطـرف الذي يجتاح عالمنا بأشكال مختلفة، وكما التطرف لا يعاني ويلاته إلا خلق الله الطيبون الذين لم يزرعوا لهذا التطرف وردة ولا سكينا، فالجفاف الذي ضرب المغـرب العربي سنين، انقلب فجأة إلى فيضانات مـدمرة اجتاحت قرى في وديان أطلس وسحقت معها قلوبنا المحبة للمغرب والمغاربة. والظاهرة تتكرر في بقاع كثيرة من العالم، ففي استطلاع هذا العدد تذهب "العربي" إلى الجنوب الإفريقي كأول مطبوعة عربية تجري تحقيقا مصورا عن شلالات فيكتوريا، وبرغم أن مياه الشلالات مازالت تهوي هادرة هناك، فمازال على قربة منها الجفاف القاسي يعتصر أرض هذه البلاد، وبشكل لم يحدث منذ سبعين عاما، مما جعل نصف سكـانها- تقريبا - يعيشون على الإعانات، ودفع بحيواناتها لترتوي من آخر مصادر المياه عند الشلالات، وترحل رحيلا يدعو تأمله إلى أعمق الشجن. وليست أشجان الماء وقفا على فعل الطبيعة وحدها، فالبشر أيضا يتلاعبون بالماء، تلاعبا سياسيا خطرا، ومتطرفا إن نظرنا إليه من زاوية إنسانية، وهي الزاوية الوحيدة التي ينبغي أن ينظر البشر منها إلى الماء. لكن هيهات.. فها هي المناورات والمكائد تضمر متربصة بالماء - وبالماء العربي على وجه الخصوص - ومن مصادر شتى. لهذا نوالي نشر ما يحسن الحديث في شئون وشجون المياه العربية، ومنها في هذا العدد مقال الدكتور أمين مشعل عن "العرب وأزمة الماء.. هل حانت لحظة الصراع على مصادر المياه؟". ولن يكون هذا آخر حديثنا عن الماء، الذي يشبه سريانه سريان الزمن، ويشبه انتهاؤه إلى مياه البحر انتهاء الأيام إلى السنين، كما سنتنا هذه التي تنتهي لتبدأ سنة جديدة. وبرغم الشجن الذي يحيط بكل انتهاء، فإن هناك تفاؤلا أكيدا وإن كان خفيا، ومبرر هذا التفاؤل أن كل نهاية تعني بداية ما. فمياه الأنهار التي تنتهي إلى البحار تكمل دورة لتبدأ دورة جديدة في تكامل النظام البيئي. هذا هو منطق الحياة، ومنطق السنن أيضا، فعامنا هذا ينتهي ليبدأ عام جديد. وفي موقف وداع عام يمضي لا بد أن تشاغلنا الأماني فيما يجيء. فأطيب الأماني، وإلى لقاء جديد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات