إلي أن نلتقي

إلى أن نلتقي

عصر الصورة

من يتتبع الأعداد الأخيرة من "العربي" فسوف يلحظ بلا شك ذلك التطور الذي حدث لها بالنسبة لاستخدامها للصورة. وقد سألت "المشرف الفني للمجلة عن حجم هذا التغيير فقال إنهم كانوا يستخدمون في العدد الواحد حوالي 30 صورة أما الآن فإن جملة الصور المستخدمة تصل إلى ما يزيد على مائتي صورة. وفي الماضي كانت العربي تطبع وفيها ملزمتان ملونتان أما الآن فهي ملونة من الصفحة الأولى حتى الأخيرة. وهذا التطور لا يخص العربي وحدها ولكنه جزء من طبيعة العصر الذي نعيش فيه. لقد كان في الصورة سحر ولكنها الآن اكتسبت قوة وفاعلية جديدتين. وبرغم أن العربي ليست مجلة خبرية وإنما تعني بنشر المقالات والدراسات، فإنها لم تستطع أن تنفصل عن زمنها وعصرها، عصر الصورة.

ولكن متى بدأ هذا التأثير في الظهور؟ هل بدأ مع حرب تحرير الكويت التي كانت أول حرب تلفزيونية كما يقول العديد من خبراء الإعلام، أو أنها بدأت قبل ذلك حين شاهدنا الطلبة العزل وهم يواجهون الدبابات في ميدان البوابة السماوية في بكين، أو مع المظاهرات التي توالت حتى أسقطت كل الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية، أو أنها بدأت قبل ذلك بكثير مع حرب "فيتنام" عندما قامت الصورة بفضح هذه الحرب وأظهرت الجنود الأمريكيين وهم غارقون غارقون عاجزون في حقول الأرز الأمر الذي غير موقف المجتمع الأمريكي تجاه هذه الحرب وأشعل المظاهرات المناهضة لها وكان الرئيس الحالي "كلينتون" أحد المشاركين في هذه المظاهرات؟

الصورة.. الصورة. إنها السلاح الجديد الذي ساهمت في صنعه عشرات الأقمار الصناعية وأجهزة الاتصال الفورية ومئات المصورين الموجودين دوما في مواقع الأحداث كأنهم كانوا يتنبأون مقدما بمكان وزمان الحدث. إنها الصورة التي يتشارك الجميع في رؤيتها في وقت واحد والتي لم تعد حكرا على الحكومات وصناع القرار. كما أنها لم تدع مجالا للخداع أو التلاعب بالألفاظ أو الانتظار للتحقق من الأمر.

وبقدر ما كانت الصورة حقيقية فقد كانت قاسية أيضا، فقد أظهرت بشاعات العالم الذي نعيش فيه. لقد أصبح اللحم البشري عاريا ومخجلا أمام مشاهد الجوع والذبح في إفريقيا، وحرب الإبادة في البوسنة والهرسك والتكسير اليومي لعظام الأطفال في الأراضي العربية المحتلة. لم يعد يدهشنا أي شيء. وأصبحنا نشاهد العشرات من أفلام القسوة والفزع دون أن تهتز شعرة واحدة في رءوسنا، لأننا نشاهد يوميا في نشرات الأخبار ما هو أبشع. ففي كل مرة يظهر المذيع ليقول لنا في المقدمة "مساء الخير" ثم لا يذكر أي خير على الإطلاق.

إنها قوة الصورة التي تبرز أجمل ما فينا كبشر وأسوأ ما فينا أيضا.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات