الأبوّة الفعالة تكمن في وفاق الوالدين

الأبوّة الفعالة تكمن في وفاق الوالدين

في العدد (509) أبريل 2001 طرح مقال نشرته (العربي) للكاتب د. ماجد موريس إبراهيم سؤالاً حول أثر الثورات العلمية المتلاحقة على سلوك الآباء في التعامل مع الأبناء. وننشر هنا مداخلة حول هذا الموضوع:

مع اتفاقنا التام والتأييد الداعم لما ورد في مقال (خبرات تربوية.. لا تتأثر بالزمن), نود أن نشير إلى النقاط التالية علّها تبين تفسيراً منطقياً لفكرة مؤداها: الأبوة عمل سهلً بشرط الاتفاق والوفاق بين الوالدين.

وظيفة الأسرة إن الوظيفة الأساسية للأسرة هي توفير الأمن والطمأنينة للطفل ورعايته في جو من الحنان كي يتمتع بشخصية متوازنة قادرة على الإنتاج والعطاء في المستقبل. وللأسرة وظيفة حيوية لأنها تلقن الطفل العناصر الأساسية لثقافة المجتمع ولغته وقيمه وتقاليده الأمر الذي يهيئ الطفل إلى الحياة الاجتماعية والسلوك بطريقة متوافقة مع سلوك الجماعة. لذلك تعتبر التنشئة الاجتماعية للطفل عملية تربوية أساسها التفاعل بين الطفل والأسرة.

حيث تنهج بعض الأسر نهجاً قائماً على الحوار المتبادل مع الطفل بطريقة ديمقراطية متسامحة, فيتم الإصغاء له مساهمين بذلك في دعم ثقته بنفسه والقدرة على التعبير بحرية, والبعض الآخر من الأسر ينهج نهجاً مغايراً قوامه القسوة والتسلط, وقد أكدت العديد من الدراسات الحديثة أهمية شعور الطفل بالاطمئنان وخاصة في المراحل المبكرة من حياته لكي يكون قادراً على مواجهة المثبطات والسلبيات في مراحل لاحقة من العمر.

نهج تربوي موحد من المسلمات التربوية التي باتت بديهية أن نمو الطفل نمواً انفعالياً سليماً, وتكيّفه الاجتماعي السليم يتوقفان إلى حد بعيد على درجة الوفاق بين الوالدين وتوحد أهدافهما في تدبر شئون الطفل التربوية والنفسية والاجتماعية. وفي حال غياب هذا الإطار الوقائي, وهذه السياسة التربوية المتفق عليها بين الوالدين, فإن الطفل معرّض للتشوّش والاضطراب وبالتالي يسوء سلوكه إزاء العديد من المواقف الاجتماعية.

ويتعين على الوالدين تقويم ما يجب أن يتخذاه من قرارات حيال سلوك طفلهما وبشكل دائم, وبخاصة إزاء المواقف السلوكية ذات الطابع الحسّاس والتي يبديها الطفل خلال سلوكه الاجتماعي.

كما أن الاتصال بين الوالدين والطفل, الهادف إلى تحسين درجة وعيه, وتوسيع مداركه حيال سلوكه, يعتبر من أهم الأمور على الإطلاق, ومثل هذا الاتصال يتطلب من الطرفين (الوالدين والطفل) درجة مقبولة من الحوار والتحدث والإنصات والاحترام, فالطفل بحاجة مستمرة إلى اتصال واضح مع أحد الوالدين, وإلى اقتناع مطلق بأن هناك توافقا وانسجاما حيال ما يتحدث فيه معهما عن مشكلاته وتصرّفاته ورغباته واهتماماته.

ومن ناحية أخرى, على الوالدين رسم خطة موحّدة التطبيق حيال ما يرغبان أن يكون عليه طفلهما من حيث سلوكه وتصرّفاته, ومن الأهمية بمكان مشاركة الطفل أثناء وضع القواعد السلوكية الواجب عليه اتباعها, أو أثناء تعديلها, لأن مثل هذه المشاركة تجعله يلتزم (في أغلب الأحيان) بما يطلب منه, وما يجب أن يسلك من سلوك مناسب ومفيد له وللآخرين, وأيضاً تجعله هذه المشاركة يحترم ما تم الاتفاق عليه مع والديه, لأن القرار ساهم وشارك في صنعه.

وبعد أن يصل الوالدان والطفل إلى قواعد السلوك المناسبة لهما, على الوالدين أن يتوقعا التزام الطفل بها, لأن الطفل ومن خلال تلك القواعد والنظم بات يعرف السلوك الذي يرضي الأبوين والسلوك الذي يزعجهما, وهذا لا يعني على الاطلاق سحق شخصيته, بل يشير ذلك إلى ارتقاء درجة الوعي لدى الطفل, ولابد من الإشارة إلى نقطة مهمة, هي أن على الوالدين ألا ينعتا الطفل بـ(الطفل السيئ) في حال خروجه عن قواعد الاتفاق, بل من الأنسب توجيه التهمة إلى السلوك وليس إلى الطفل, لأن المتحول غير المرغوب فيه ليس الطفل ذاته, بل السلوك, وبذلك لا يعتبر الطفل أن ذاته مرفوض, لأن مثل هذا الأمر في حالة حدوثه له نتائج سلبية على تكامل نمو شخصية الطفل على كل المستويات.

التجاهل

يقصد بالتجاهل هنا عدم الاهتمام بسلوك الطفل غير المرغوب, لأن الاهتمام بهذا السلوك من قبل الوالدين يسهم في تدعيمه وإثابته, وكثيراً ما يسهم التجاهل في إضعاف العديد من الأنماط السلوكية لدى الطفل كالعدوان والغضب, فإذا ما التفت أحد الوالدين إلى الطفل خلال ثورة الغضب والحنق, فإن هذا معناه أنه اهتم بانفعاله وهذه الالتفاتة هي إثابة بطريقة غير مباشرة, ولأجل إضعاف هذا السلوك ثم نسيانه على الأب والأم تجاهله تماماً, وخاصة في المرحلة العمرية التي تسبق دخول الطفل إلى المدرسة.

الفهم الواضح

إنه لمن الأهمية بمكان أن يكون هناك فهم واضح لقدرات وإمكانات الطفل من قبل الوالدين, فمنذ اللحظة التي رزق بها الوالدان بالطفل, فإن حياتهما لم تعد ملكهما بشكل كامل, وفي مثل هذه الحالة, فإن مسئوليتهما تزداد جسامتها إذا أهملا جوانب مهمة في حياة طفلهما تسهم بشكل أو بآخر في نموّه العقلي والنفسي وكذلك في نضجه الانفعالي والاجتماعي, وللوصول إلى النتائج الايجابية التي تصب في مصلحة الطفل ومستقبله, من المهم الاستعانة بالمختصين النفسيين والتربويين وخبراتهم, فالفروق الفردية غدت علما بحد ذاته, لذلك على الوالدين أن يعلما أن قدرات وإمكانات وطاقات كل طفل من أطفال الأسرة تختلف في بعض السمات ومثل هذا الاختلاف هو الذي يحدد مهنة كل طفل إلى حد كبير استناداً إلى تحديد موهبته وقدراته, وكذلك اتجاهاته.

ثبات المعاملة

إن الوالدية الفعّالة لا تقتصر على مرحلة عمرية دون غيرها, فلكل مرحلة خصائص وسمات تميّزها عن غيرها, وهذا في حد ذاته يشكّل دافعاً جوهرياً للوالدين

لضرورة معرفة سمات وخصائص كل مرحلة عمرية عن سواها, وبالتالي فإن الخطة التي يتبعها الوالدان منذ نعومة أظفار أطفالهما يجب أن تتسم بالثبات في كل المراحل العمرية من جهة, والمرونة من جهة أخرى, فمن الطبيعي أن يختلف أسلوب مواجهتهما لمشكلة الغضب لابنهما وهو في مرحلة الطفولة عن أسلوب مواجهتهما لها وهو في مرحلة المراهقة وهكذا. ولضمان استمرار مبدأ الاحترام والتقدير من الأنسب ألا يلاحظ الابن أن هناك اختلافا في أسلوب الأبوين بالتعامل معه ومع سلوكه وتصرّفاته, بل لابد من تدعيم ما اتفق عليه بينهما.

 

آذار عبداللطيف