وكان إيمانه الراسخ أن سبيل التقدم هو الإيمان والعلم, فهما جناحا
النهضة ومفتاحا التقدم (وأن بناء الكويت ورفعتها والذود عنها وحمايتها هو في المقام
الأول مسئولية شعبها وجهد أبنائها).
ومن ثم فقد كان بناء الإنسان هاجسه الأول, وأن العلم هو السبيل الأوضح
والنهج الأقوم لهذا البناء, ولذلك فقد كانت أقواله وتوجيهاته في شتى المواقف
والمناسبات ترجمة صادقة لإيمانه الراسخ بقيمة الإنسان وقيمة ما يحصله من علم
ومعرفة, فكان حريصًا على أن توفر الدولة للأجيال الشابة وسائل العلم والمعرفة, إذ
يقول: (إن أبناء اليوم وبناته هم آباء الغد وأمهاته, فضعوا في أيديهم وسائل الحياة,
إيمانًا وعلمًا وقوة, إن أقلامهم أسلحة العلم وإن أسلحتهم أقلام النصر).
وكان رحمه الله شديد الحرص على توفير كل ما يحفظ الشباب ويصونهم
ويمدهم بكل أسباب القوة, فهو القائل: (إن الشباب أبناؤنا نحوطهم بالرعاية وبالمودة
وندعوهم إلى العمل ونشجعهم بالقول الطيب وننتظر منهم الإنجاز, يدنا في أيديهم ويد
الله فوق أيدينا جميعًا).
وكان رحمه الله يرى أن العلم صنو الخلق الكريم والعمل النافع إذ تتجلى
حكمته في قوله المأثور موجهًا حديثه إلى الشباب: (وبالأخلاق تزدادون مع العلم
تواضعًا, وبالعلم تزدادون مع الأخلاق قدرة على العطاء).
وكان يرى أن العلم سبيله الجد والدأب والسهر والمعاناة, ويوجه سموه
رحمه الله حديثه إلى الشباب قائلا: (العلم يا شباب الكويت طلب ومعاناة وليس شرابًا
جاهزًا نسقاه, والعلم أشرف ما يميز الإنسان).
ومن ثم فإنه يعلي من شأن العلم والإيمان باعتبارهما السبيل الأقوم
لحياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا, فيحث الشباب قائلا: (أضيئوا أيها الشباب عقولكم
بالعلم وقلوبكم بالإيمان وطريقكم بالعمل, وإن عقولكم وقلوبكم وجهودكم هي حقول
المستقبل وأنتم الغرس والثمر).
وكان يرى - رحمه الله - بثاقب فكره ونور بصيرته أن الاستثمار الأفضل
والدائم هو إعداد الشباب للمستقبل وتزويدهم بكل مقومات الحياة التي تلبي حاجات
المستقبل ومطالبه, إذ يقول سموه: (إن إعداد شبابنا للمستقبل هو أفضل أنواع
الاستثمار, وستكون قلوب شبابنا وعقولهم أكبر أرصدتنا في المستقبل).
ومن ثم فقد حرص سموه رحمه الله على أن يوفر كل مرافق العلم والتعليم
وأن يرعى كل فئات الشباب والموهوبين منهم بصفة خاصة, فيقرر سموه أن: (الموهوبين هم
ثروة وطنية وعلينا واجب رعايتهم لينشأوا على العطاء والتواضع).
وقد عني سموه منذ وقت مبكر بتوفير العديد من المؤسسات العلمية إلى
جانب المدارس والجامعة والمعاهد العليا, فمن مآثره الكريمة الباقية: مؤسسة الكويت
للتقدم العلمي التي تعد صرحا علميا يرعى العلم ويتبنى العلماء, ولها وجودها المشهود
على المستويات الإقليمية والوطنية والعالمية.
ومن هنا فلم يكن غريبًا على فكر سموه, والتزامه بذلك قولاً وعملاً أن
يكون مهتمًا بحضور المناسبات التي يتم فيها توزيع الشهادات والرتب على أبنائه
المتخرجين في الجامعة وكليات الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والكليات
العسكرية بكل تخصصاتها, وكذلك أوائل الثانوية العامة والمعهد الديني, دون أن يشغله
شاغل عن هذه المناسبات مهما كانت الظروف.
وفي المجال الرياضي, كان سموه يقدم للشباب الدعم والتشجيع المؤثرين في
النهضة الرياضية, ولم يكن اهتمامه منصبًا على نوع من الألعاب التي يمارسها الشباب
في الكويت دون الآخر, وكان إلى جانب النشاط البدني داعيًا إلى الاهتمام بالأخلاق
الفاضلة معلنًا: (إن القيم الفاضلة في النفوس حصانة ذاتية, فهي تبني وتحفظ وتعمر
وتصون, وتبادر وتدفع, وتمد وتمنع).
وفي إطار المتابعة لفكر سموه في بناء الإنسان الكويتي نجد أن أهم ما
ينطلق منه فكره: هو بناء الكويت بتخطيط علمي سليم, فالعلم هو أساس العمل, ولهذا كان
يرى ويؤمن بأن المؤسسات العلمية والمهنية لها دور فاعل وإيجابي في نهضة المجتمع,
وأن الأخذ بأسباب التقنية المعاصرة في مختلف مناحي الحياة ضرورة عصرية دون التخلي
عن القيم الأصيلة للمجتمع, ومن ثم فإن بناء دولة المستقبل يجب أن تواكبه عملية بناء
الإنسان الكويتي, وإعداده لمواجهة تحديات الحياة. ويقول سموه معبرًا عن ذلك:
(فلتكن قضية بناء الكويتي القادر على الالتحام بعصرنا هذا.. هي القضية
المركزية التي تدور حولها, انطلاقًا منها وعودًا إليها, قضاياه الأساسية
الأخرى).
إن هذا الجانب وحده من فكر الأمير الراحل يرحمه الله يؤكد بما لا يدع
مجالاً للشك أنه كان رجل دولة, اتسع قلبه الكبير لشعبه, وأخلص الحب والعطاء له,
فكانت ألسنة أبناء وطنه وشعبه جميعًا ناطقة بالوفاء والعرفان لأميرهم يوم رحيله,
وداعية له بالرحمة جزاء ما قدم من قول وعمل.
د. عبدالله يوسف الغنيم