وقد لوحظ أن شكل العلاقة بينهما يأخذ حالة الصراع كما في الضلع
الثالث, على حافة النهار, حديقة, اغتيال, حلم دافئ, عالمهم, فطام, ذاك الرجل.. تلك
الشجرة, وهو صراع داخلي وخارجي, يظهر منه معاناة المرأة من خيباتها بسبب الرجل, وفي
الوقت الذي يظهر فيه الحب, والسخرية, معاً من الرجل الذي ظهر كطفل وساذج كما في
(عالمهم) وهي قصة رمزية.
وقد تميزت القاصة في إظهار العلاقة بين الرجل والمرأة اللذين يختلفان
في المرحلة العمرية, حيث طرقت مها أبو هلال هذه العلاقات الإنسانية القليلة في
الأدب العربي, وظهر في عدد من القصص كيف تنشأ تلك العلاقات ودوافعها, كما في: الضلع
الثالث, صحوة, شطرنج, وفيها ظهرت امرأة كبيرة تندفع لمن هم أصغر منها, أو يندفع لها
من هم كذلك, في حين ظهر العكس في قصة (فطام) حين اندفع رجل كبير باتجاه امرأة
صغيرة... وهذه القصص التي يزعم الكاتب انها متميزة في تناول هذه العلاقة تدل على
الغنى الداخلي لدى الكاتبة مها أبو هلال, كما تدل على أصالة الكتابة وصدقها
وفرادتها. وقد أبدعت الكاتبة في تصوير حالة الاغتراب العاطفي للمرأة وحالة التشظي
التي تعانيها, ولا تستطيع الفكاك منه.
وقد وظفت القاصة الوعي الفكري والاجتماعي والنفسي في سياق تصويرها
للشخصيات وردود فعلها وهواجسها, حيث ظهر هنا تحليل نفسي معمق لهذه الشخصيات كما في
(حديقة) حيث حللت شخصيات النساء والرجال, فاضحة الكذب والادعاء, وكما في قصة
اغتيال, حين حللت نفسية المرأة التي تأثر بصوتها رئيس التحرير وخلق خيالاً سعى
إليه, لتكشف في النهاية تعلق الرجل بالجمال الشكلي, وليشعر الرجل هنا بالحرج أمام
نفسه قبل الآخرين.
وقد استقبل القارئ لتصوير أبو هلال لشخصياتها استقبالاً حسناً, فهي لم
تشأ التكلف في التحليل النفسي, بل قدمت قصصاً أدبية قصيرة, حيث تناولت الشخصيات كما
هي في الواقع, دون ان تقع في جفاف الواقع, حيث قام أسلوبها على التصوير من
الداخل.
في ظل بناء النصوص على العلاقة بين الرجل والمرأة, لم تشأ القاصة أن
تقع في الرتابة, بل عمدت إلى الحيوية, عن طريق ارتياد مضامين مختلفة مثل القلق
الإنساني, الاغتراب, الحرية, الموت, الأرض, الجنون, ويمكن ملاحظة تعبير القاصة عن
حالة القلق الإنساني في قصة (بدوية) التي تظهر قلق المرأة البدوية وتطلعها لحياة
المرأة الأخرى التي تقود العربات الفارهة على الطريق الرئيس مقابل مضارب قومها, في
الوقت الذي تتمنى المرأة الأخرى التي تعاني قلق المدينة ان تكون مثل المرأة
البدوية, حيث يصل المعنى الوجودي للقارئ ويتعمق لديه أن لا أحد في راحة من عيشه وقد
ظهر القلق الوجودي في قصة أرزاق, وحنان, وأيضاً بالحلم, والخيط الرفيع, وصحوة.
ويظهر كيف ان الكاتبة تنحاز إلى قيم الحرية والصدق مع الذات, ففي قصة
(أكرم) تظهر الكاتبة حالة التناقض التي يعيشها احد المدعين بالحرية والصراحة, وفي
الوقت الذي تعري الكاتبة حالة التناقض والادعاء, فإنها تبين أثر الصدق والصراحة مع
الذات كحالة علاجية للإنسان حتى يستطيع إكمال عيشه بين الناس.
بالنسبة لعنصر (الأرض), فقد احتفت الكاتبة بالأرض لا كعنصر مستقل, بل
في إطار تناول العلاقة بين الرجل والمرأة, ففي قصة (ذاك الرجل.. تلك الشجرة) تظهر
الشجرة كامرأة تعشق, في الوقت الذي وظفت القاصة حاسة الشم لخلق مصداقية في وصف
العلاقة بين الرجل والشجرة - المرأة, أو المرأة - الشجرة رمزياً, كما انتصرت لقيمة
الأرض وفلاحها في قصة (التمثال).
من ناحية أدبية, تعد قصص مها أبو هلال القصيرة جداً أشبه بقصة المشهد
الواحد, الذي يعتمد على التكثيف والإيجاز والاختزال, وتوظيف موجودات القصة للسرد,
لأن السرد اللغوي هنا هو سرد مساند لما هو بصري ونفسي في القصص.
وقد أحسنت الكاتبة حين جعلت نصوصها القصصية مشوقة وممتعة من دون أن
يحس القارئ أن هناك نقصاً ما في تلك القصص. وقد ختمت القصص في معظمها بنهايات سحرية
قوية يعيش القارئ فيها في ظل نشوة إنسانية جاءت في قالب لغوي. كما في تواطؤ,
عالمهم, على حافة النهار, بدوية, شطرنج, حلم ماطر.
وقد ضمنت الكاتبة عنصر الفانتازيا كما في قصة (عدالة) حيث يعود الشهيد
ليحقق أحلامه بعد الرحيل, خصوصاً حلم الحب, في الوقت الذي كان تصرفه باتجاه والديه
قاسياً وعنيفاً أيضاً, ولربما يكون موقف الكاتبة من الحياة الاجتماعية والعادات
والتقاليد والرجل -الذكر- وهو موقف نقدي, هو الدافع لهذه القسوة, تجاه الأب الظالم,
والأم المستسلمة, وكلاهما نموذجان تنفر منه الكاتبة, وتتمنى القضاء عليهما.
الشخصيات النسوية في مجموعة مها أبو هلال القصصية هي شخصيات ساخرة من
تناقض المجتمع, وشخصيات تطمح إلى الحرية, وهي إيجابية نوعاً ما, لا تسعى إلى
التمثيل, بل تسعى إلى التصالح مع نفسها, وهي شخصيات غير كاذبة كما في: اغتيال,
وعالمهم, وفطام. وهي شخصية تستسلم لعواطفها كما في شطرنج, وهي المبادرة في أكثر من
قصة كما في ندى التي تقاوم قيدها.. وهي حالمة وجودية كما في بدوية.. وهكذا لم نحس
بنمط معين للشخصيات النسوية, بل ظهرت أنماط عدة مختلفة, متباينة, وقد ظهر تعاطف
ظاهر من قبل القاصة تجاهها.
أما الشخصيات الذكورية, فلم تقدمها كما قدمتها الشخصيات النسوية, وقد
تعرفنا على شخصيات الذكور ليس كذكور, بل كذكور من خلال عينها ككاتبة.
بقي أن نقول ان الكاتبة كقاصة وأديبة هي كاتبة ملتزمة تجاه قضايا
المرأة, باتجاه العدالة والحرية, وشعورها بالمسئولية الإنسانية والاجتماعية, دفعها
إلى,- ليس مقاومة الظلم الواقع عليها-معاقبته, وهكذا ذيلت قصتها حنان (ظللت أبكي
عليها حتى اليوم لأني لم أفعل شيئاً ولم أقتص من الفاعلين).
(ذاك الرجل.. تلك الشجرة), مجموعة قصصية صدرت عن دار الماجد - رام
الله تحتوي على 24 قصة قصيرة, منها نص واحد غلب عليه الشعر المنثور, وقد قدمت
الكاتبة للمجموعة باقتباسات من شعر الراحل حسين البرغوثي, وقد وقعت المجموعة في 67
صفحة من القطع الصغير.