التلعثم عند الأطفال: [أسبابه وعلاجه] علاء غنام

عندما يتهشم ويتعثر الكلام لدى الطفل، تكون الإصابة تهديدا لوظيفة التواصل مع المجتمع، مما قد يؤدي بالطفل إلى الانزواء، وعدم التوازن النفسي. وفي الوقت نفسه يعاني الأهل مع طفلهم شدة المأزق. من أين تنبع هذه العلة؟ وكيف السبيل إلى التخلص منها؟ ذلك ما يجيب عنه هذا المقال.

الكلام علامة فارقة في حياة كل طفل، فهو أداة لتقييم نموه وذكائه، وأداة تشخيص حساسة لطبيب الأسرة، بالنظر لعلاقته بالمشكلات العصبية والنفسية والاجتماعية والسلوكية، لذا زادت أهمية فحص أداء الطفل اللغوي والكلامي في السنوات الأخيرة، ذلك أن اللغة ليست وسيلة للاتصال فقط، بل إنها أداة للتفكير أيضا.

علل الكلام الشائعة

ويعتبر التلعثم (التهتهة) (Stammering) الآن من أكثر صعوبات الكلام عند الطفل شيوعا، فهو يمثل 1% بين الأطفال كحالات دائمة تحتاج في علاج، ويمثل 4 - 5% كحالات مؤقتة قد تزول دون علاج. ورغم أنه أصبح معروفا أن الطفل مبرمج لاكتساب الكلام من خلال عملية تمثيل نوعي لنصفي المخ (مركز الكلام يوجد في النصف الأيسر من المخ عند الأطفال الذين يكتبون باليد اليمنى، أما الذين يكتبون باليسرى فعلى العكس من ذلك). وهذا كان يرجح العامل البيولوجي للتلعثم عند الطفل، إلا أن الأبحاث الحديثة أكدت أهمية الجانب النفسي والاجتماعي والبيئي للتلعثم، مما يفتح الباب لعلاج كل حالة وكأنها قائمة بذاتها.

آلية التلعثم

والتلعثم عبارة عن تقلص في نطق الطفل للكلام، غير إرادي، يتم فيه تهشيم وإعادة وتكرار للكلمة الواحدة بسبب خلل في تناسق وانسجام أعضاء الكلام، وهذا التقلص يحدث قبل بدء الكلمة أو بمجرد نطق الكلمة أو خلال مرور الصوت أو في كل هذه المراحل، وهو قد يبدأ من سن عامين إلى أربعة أعوام (عمر اكتساب ونمو الكلام)، ولكنه يثبت ويفضح الطفل في سن دخول المدرسة. وفي البداية لا يكون الطفل واعيا بما يفعل، ولكنه عند دخوله المدرسة يتعرض لضغوط الأم والأب والمجتمع المدرسي مما يجعله يحس أنه مشكلة، وعندما يحاول التخلص منها تتفاقم حدتها، وتلك هي المرحلة الأخطر، حيث يتعلم القلق والخوف من الكلام ليخفي إعاقته.

ودخول الطفل إلى المدرسة يعتبر حجر زاوية في حياته، لأن عالمه الصغير الآمن المألوف يتسع ويتعقد وينتقل إلى مستوى جديد بالنسبة له ولأبويه، حيث تتم إزاحة جزء من مسئوليتهم إلى المدرسة وإلى مؤسسات المجتمع الأخرى، وفي الوقت نفسه يدعى الطفل لاكتساب مهارات جديدة، وسلوكيات تتلاءم مع متطلبات البيئة الجديدة، والآخرين! ونحن لا نتوقع في أغلب الأحوال أن يحلق الطفل من عشه الهادئ إلى تلك المرتفعات الشاهقة بلا مصاعب.

بين الماضي والحاضر

وفي الماضي، حتى بداية القرن، كان التلعثم يعتبر مرضا قائما بذاته مصدره تقلص عضلات الكلام. وكانت الأسباب العضوية ترجح في كل الأحوال ( لا دور للأسرة أو المدرسة ) ومن ثم يعالج وفق نظام تقليدي، ولكن حديثا اعتبرت هذه النظرية قاصرة، فتم تصنيف عدة أنواع من التلعثم مع عدة صور إكلينيكية ومضاعفات مختلفة، والأرجح في النهاية أن التلعثم ما هو إلا عرض لصعوبات متعددة نفسية وبيولوجية تتحرك على قماشة من بيئة مضادة للطفل وهو ينمو وينظر إليه باعتباره حالة من حالات العصاب المصحوب بصعوبة في الكلام، والعصاب ينتشر عدم نضج وهشاشة وظائف العقل العليا لديتهم وبسبب ضعف دفاعاتهم في مواجهة الضغوط السيكولوجية والتوترات، ويكون استسلامهم للمؤثرات الخارجية أسهل من البالغين.

دراسة حالة

كانت في الرابعة من عمرها وكانت تتكلم بطاقة تناسب عمرها عندما هاجمها كلب وعقر قدمها، وقد احتجز الكلب لمدة أسبوع حتى يتأكدوا م خلوه من الفيروس القاتل، ولكن هذا الأسبوع كان طويلا على الطفلة التي أصيبت بالخوف والقلق ( عصاب ) لوجود أم وجدة غير واعيتين رددتا أمامها مرارا أن تجنب الكلاب ضرورة لأن الكلاب دائما مسعورة. وبدأت الطفلة للحقن بمضادات السعار، مما أحدث لديها صدمة عطلت قدرتها على الكلام، ولم تعد تنام أو تأكل. وعندما انتهى الأسبوع وكانت نتيجة الكلب سلبية ومطمئنة بدأت تتكلم ولكن بتلعثم.

الآباء والأبناء

وهكذا فعند حدوث صدمة عاطفية للطفل قد تشل قدرته على الكلام تماما، ثم عندما يستعيد هذه القدرة تكون كلماته مصحوبة بالتهتهة والتلعثم. وفي حالات أخرى تؤدي الصدمة إلى الخوف من الكلام ثم التلعثم كنتيجة للخوف، فالطفل القلق الخائف أكثر قابلية للتلعثم، وهو يتكلم بطلاقة عندما ينشأ على المبادأة والشجاعة، وذلك العصاب اللعين ( الخوف والقلق ) يسيطر تدريجيا على نمو الشخصية فيصبح الطفل أكثر جمودا وسلبية، ثم يغلق أبوابه على نفسه بعيدا عن الجميع ويتجنب المواجهة، وتلك هي البداية المبكرة لما يسمى بالشخصية شبه الفصامية، أو يقف على أعتاب ما يسمى بالوسواس القهري فيصبح مرتابا تجاه حالته والآخرين.

وقد سئلت بعض الأمهات اللاتي يتلعثم أطفالهن فوجد أن الطفل يعيش على الأغلب في بيئة معاكسة لنموه السليم، وأن آباءهم شخصيات مسيطرة، مشدودة دائما، ناقدة، يطلبون مستويات أداء عالية وغير معقولة لأطفالهم. وقد أكدت الدراسة أن الطفل المتلعثم تنشأ خبراته النفسية المؤلمة من خلال الصدمات، والحوادث والمعليات الجراحية غير المتوقعة، وذلك في منزل مفكك، تعيس، أو عند طلاق الوالدين، أو موت الأم، أو تغيير المدرسة، أو الهجرة، ومن خلال دور الأب الصارم كثير الأوامر.. إلخ.

علاج التلعثم

لم يثبت أن هناك طريقة علاج واحدة ناجحة لكل الأطفال ضحايا التلعثم، فالدراسة تؤكد أهمية إجراء تقييم كامل لحالة كل طفل ووضع خطة برنامج علاجي، تنفذه مجموعة عمل من الأسرة والمدرسة، وإخصائي نفسي ومعالج كلامي وآخرين، وقد يشمل العلاج "علاجا نفسيا جماعيا، وعلاج للأسرة، وعلاجا باللعب.. إلخ. وقد اقترح ". فان رايبر " مثلا برنامجا يجمع العلاج النفسي والعلاج الكلامي تحت ظروفي توتر متصاعدة ( مشابه لمضادات الحساسية ) ووجد أن ذلك يعالج 50% من الحالات.

وتمارس عمليات تنظيم تنفس الطفل كنوع من التدريب العلاجي مع الكلام، ومثل ذلك تكنيكات متعددة للعلاج، قد يكون من أهمها ما يسمى بطريقة ( التظليل ) وتستطيع الأم تنفيذها، فيقوم الطفل بالقراءة من كتاب أمامها وتسجل هي قراءته على مسجل، ثم يطلب منه إعادة القراءة كلمة كلمة ويسجل ذلك أيضا، وفي هذه المرة يتم عزل العامل المؤثر للتلعثم (عامل القلق) الذي يتلاشى بسماعه لصوته متلعثما ومسجلا حيث يتم إزاحة انتباهه، وبالتدريج يكتسب الثقة بنفسه، ويستطيع القراءة والكلام بمعدل أقل من القلق وبأقل قدر من التلعثم. كما أن هناك بعضا من للأدوية قد ينصح بها الطبيب المختص.

نصائح للأم

وعلى الأم في مسيرة العلاج أن:

- تزيح التوتر وتجعل الكلام فرصة للراحة.

- تساعده على التنفيس عن مشاعره.

- تزاوج الكلام باللعب والمتعة، بحيث تجعله يتكلم ويلعب في الوقت نفسه حتى يختلط الكلام باللعب فيلعب بالكلام.

- تشجعه على تجربة الغناء وحده في أثناء الحمام مثلا.

- تجعله يتقبل حالته كما هي فيتلعثم بطريقة أسهل.

- تجعله يحاول أن يكتشف كيف يتكلم الآخرون، وتجعله يحاول أن يكلم نفسه عندما يكون وحيدا، وتجعله يتعلم كيف يسخر من عيوبه بنفسه، فعندما تتكون لديه صورة عقلية عن ذاته يستطيع إصلاح ما علق بها من نواقص.